امرأة [1] ليست ككل النساء، لازمت مجالس العلماء، تستفتيهم وتحاورهم في مسائل الفقه، وهي في حجابها المصون، وحشمة المسلمة، وحياء المؤمنة، سكنت بجوار المسجد، حتى تتمكن من حضور كل الصلوات مع الجماعة، والاستماع إلى كل درس، فحفظت القرآن الكريم كله، وكثيراً من أحاديث الرسول r، والأحكام الفقهية الخاصة بالعبادات، كانت نشطة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمعات النسوية، وعضواً فعالاً في الهيئة الدينية للنساء في بلدها، فتحت داراً لتعليم بنات المسلمين أمور دينهن، وربت بعض الأيتام، فكانوا رجالاً صالحين في المجتمع [2].

إخوتي الكرام:

   إن لله خيرة من خلقه رجالاً كانوا أو نساءً، يفيض عليهم من فيوضاته ما يُنوِّر به بصائرهم، ويُجلِّي قلوبهم، ويفجر طاقاتهم، ويقوي عزائمهم لتحمل الصعاب ونشر الخير بين عباده .

   وليست المرأة التقية بأقل درجة من الرجل التقي، إذا أبصرتها حليفة محرابها، محتضنة كتاب ربها ينوِّر كيانها، ويزيد يقينها، ويسكب في قلبها من أنوار أشعة الحق ما يُبدد غياهب ظلماته، فكيف إذا تدرّعت بالعلم الشرعي الشريف! وارتوت من ينابيع الشرع الحنيف ما جعلها قادرة على المجاراة والمحاورة، مما يدل على رسوخ قدمها في العلم، مع حياءٍ كامل، وحشمة ظاهرة، وعفاف وتصون، إنها ولا ريب ممن وصف الحق جل جلاله بقوله ) فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ([3] .

   هذه المرأة الصالحة- التي ننشر عبير بعض مواقفها- قد نشأت في أسرة كريمة، وأخذت العلم من منابعه الصافية، وتشربت علماً وحكمة ملأت نحرها؛ لأنها تلقتها على أيدي علماء جهابذة ورعين، وجاورت بيتاً من بيوت الله كي ترتع في رياض الجنة، كما قال سيد البرية r: « إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا »، قيل: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: « حِلَق الذِّكر »، فهي حريصة تمام الحرص على مجالس تتردد فيها ملائكة الله.

   وليس ذلك الفضل مقصوراً على الرجل وحده، ما دامت المرأة ملتزمة بأمر الله تعالى، كذا كانت الصحابيات وزوجات رسول الله r- رضي الله عنهن- يحرصن على حضور مجالس الخير، والصلاة خلفه- عليه الصلاة والسلام- فالتردد على بيوت الله مما يكفر الخطايا ويرفع الدرجات، وتكون خطاه نوراً تاماً يوم القيامة، عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي r قال: « ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؛ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرِّباط »، قالها ثلاثا[4] .

   وعن بريدة t عن النبي r: « ‏بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة‏ »‏[5]، وعن أبي سعيد الخدري t عن النبي r قال‏:‏ « ‏إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله عز وجل ‏) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ( »[6]

إن المرأة المسلمة طاقة دفّاقة، لها من أوعية العلم والثقافة وافر النصيب، فكيف تحرم نفسها من مجالس الخير التي يتسابق إليها أهل الله صباح مساء؟! يسعون إليها من كل الشعاب، يحدوهم رضوان الله، ثم نفي الجهل عن هذه النفس المتشبعة بجهلها وغرورها .

   وكم لمجالس الخير- وعلى رأسها بيوت الله المساجد- من منزلة عليَّة في رفع شأن هذه الأمة، وتصحيح أهدافها ومناهجها، فكم فيها من تعبئة إيمانية، وتنبيه من غفلة، وحدائق غنَّاء ممرعة بموائد الرحمة والعرفان والإخلاص والتقوى، فمن شاء الإكثار منها فليكثر، ولا يُحرم مجالسها إلا محروم، ولا يشهدها إلا كل مرحوم، تحفه الأنوار يوم الدين .

   إن المساجد مربع الإيمان ومرتع الإحسان، وهي المنهل الدفَّاق بأنوارها المشرقة، تُرشِّح من نشأ فيها، ودَأَبَ على حضور مجالسها لمعالي الأمور ومكارم الخِلال، فعُمَّارها بين راكع وساجد، وتالٍ للقرآن الكريم وذاكر، أو متحلِّق على مجالس العلم التي تحفها ملائكة الله، وما أبدعه من تصوير لذلك الجو الإيماني في قول المتفضل المنعم سبحانه ) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ([7] .

   فإذا تربت الداعية المسلمة في هذه البيئة الطاهرة شحذت قواها، وحركت عزيمتها، وجلَّلتها بثوب الإيمان واليقين، وانشرح صدرها للخير، وبسقت أسرارها بالذكر، وتهلل محيَّاها بإشراقة الحق، وصفاء الإخلاص، ونور الطاعة، حينها تكون شعلة مضيئة من الجد والاجتهاد وصدق العمل .      

***

   إن الفقه في دين الله شرف لا ينبغي للمسلم أن يضع نفسه دونه؛ لأنه هداية البصائر في بحر ظلمات الحياة الكثيف، لا يحمله إلا كل شريف، فهو فهم للأحكام الشرعية بتنزيل أحكامها الزكية على جميع حركات الحياة وسكناتها، والفقه علامة محبة الله لمن أفاض عليه بشيء من أنواره، يقول الطاهر الزكي r: « من أراد الله به خيراً فقَّهه في الدين »[8] .

   وليس الفقه ثقافة سطحية لا تروي ظامئاً، ولا توجه فكراً، وإنما هي منهج فصل، ومعرفة عميقة عظيمة النفع، ولا يتأتى ذلك لمن اكتفى بالقشور عن اللباب، وقنع بالمظهر عن المخبر، فإن السابح على سطح الماء ليس كالذي يغوص إلى أعماقه لاستخراج كنوزه، ويفتش عن درره ولآلئه الغوالي، فيرجع بالجواهر النفيسة والكنز المدفون .

   وما القراءة الواعية النظيفة- التي زهد فيها أكثر شبابنا اليوم- إلا عامل من عوامل فهم الشرع الشريف، مع تشمير الساعد في البحث والتحلق حول مجالس العلماء، وحضور دروسهم، وتصفية البصائر بحكمهم ونصائحهم، وكثرة سؤالهم في كل ما يعنيه في أمر دينه ودنياه وآخرته، مع حرص شديد ونفس طامحة إلى معرفة كل جديد .

   وكم لمجالس العلم والذكر من فوائد لا تحصى! فما بال البعض منا يزهد فيها؟! بل ما بال المرأة المسلمة تكاد أن تكون شبه محرومة منها! لماذا جعلت بينها وبين مجالس الخير حجاباً؟! فحضور مجالس العلم والخير والصلوات والجُمع بعض ما منحها الشرع الحكيم- إن التزمت بمنهج الله- وربما كان حرصها على زينتها يستهلك أعظم وقتها ومالها، فلِمَ لا تغشى هذه العرصات الطاهرة، تعبُّ من نبعها، وترتوي من مشربها الفياض !

   إن هذه السيدة الجليلية- رحمها الله وغفر لها- ما منعها حجابها وحشمتها وحياؤها من التردد على مجالس العلم والمداومة عليها، وملازمة العلماء متعلمة وسائلة ومسترشدة، حتى تشبعت فقهاً وفهماً وعلماً .

   إنها لم ترضَ بالدون حتى أكملت حفظ كتاب الله، وغاصت في بحاره وأنواره، وجمعت أكبر قدر ممكن من أحاديث المصطفى r وتلقنتها، وثابرت حتى طالعت جملة مسائل علمية، ومجموعة من الأحكام الشرعية، حتى غدت عالمة داعية واعية، تنشر عبير المكارم، وحميد السجايا، ودرر العلم في مجتمعها وبين بنات جنسها:

لا ترتضـي إلا التُّـقى فكـأنها  ‍ نـورٌ ، بمحراب الشريعـة تسجدُ
قـرآنها في صـدرها ونشيدها    « الله أكـبر » لـن   أزال أردِّدُ


   إن حفظ كتاب الله من الأماني الغالية التي تطمح لها كل نفس، وما أروع أن تجد من فتيات الإسلام ومربيات الأجيال من يحملن هذا النور في صدورهن، يحفظنه ويرتلن آياته بالغداة والعشي، ملأ قلوبَهن نورُه، ونشرن هداه بين الناس:

قد حالفت محرابها   في ذكرها  ‍
صوَّامـةٌ     قوَّامـةٌ     لله  ‍
ما عاقها عن دينها بِدَعُ الهوى  ‍
قرآنها   نور   يشع     كيانها  ‍
قد شفَّها داعِ الجنان   فلا ترى  ‍
عزماتها في الخير     طود   شامخ  ‍
فكأنها     جسد     تفرَّق  ‍

  تدعو   المهيمن     رب   جبرائيلا
  قـد خشعت   له   وتبتلت     تبتيلا
  كلا ولا   عرفت   لذاك   سبيلا
  قد   رتلته   دهرها     ترتيلا
  إلا   طريق   المتقين     سبيلا
  عن   دينها   لا تبتغي   تحويلا
  أنفساً في كل   ناحية ترى التبجيلا

   إن القرآن الكريم شفاء الصدور، وبهجة النفوس، وضياء البصائر، وإشراقة الفكر، وصلاح العمل، ) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ([9]، يبدد الأحزان، ويحل المشكلات، ويوقف على المحجة الواضحة، فبقدر ما ترد حياضه تنال من سلسبيله الزلال:

يا جريح الأسى شفاؤك بالقرآن *** يُشفى بما حواه الضميرُ

   والقرآن المجيد سمير من لا سمير له، وأنيس من لا أنيس له، وفي الحكمة:    « إذا هجرك الخلان، ونأى عنك الإخوان، وتكاثرت عليك الأحزان، فعليك بتلاوة القرآن، فإنه يجلو عن القلب الأدران، ويدفع عنه الأشجان »:

نعم السمير كتاب الله إن له  ‍
به فنون المعاني قد جمعن فما  ‍
أمر ونهيٌ وأمثالٌ وموعظةٌ  ‍
لطائف يجتليها كلُّ ذي بصر  ‍

  حلاوةً هي أحلى من جنى الضَّربِ[10]
  يَفْتَنُّ من عجبٍ إلا إلى عجبِ
  وحكمٌة أودعت في أفصح الكُتبِ
  وروضة يجتنيها كلُّ ذي أدبِ[11]

لذلك تتوق الأنفس الزكية وتتسامى المهج الأبية إلى نيل هذه المكرمة العظيمة، عندما ترى من فتيات الإسلام من تحرص أشد الحرص على حفظ كتاب الله، وسنة رسوله r، كنحو ما فعلت هذه المرأة التقية، فإنها أكبت عليه حفظاً وفهماً ودرساً، ومثلها من وعى المسئولية، وحمل الأمانة، ولم يضيع نفسه

***

   لذلك لا غرابة ولا عجب أن تكون- بعدما ارتوت من هذا المعين الزلال الصافي- داعية مثابرة، وناصحة مرشدة، ومعلمة مربية، وفقيه عالمة، وفرداً مؤثراً في المجتمع .

   إن هذه المرأة النبيلة كانت نشطة في القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في المجتمعات النسائية، فتحت داراً لتعليم بنات المسلمين أمور دينهن، وأمضت ربع قرن من الزمن في ذلك، وهو باكورة عمرها الطاهر، فأثمرت دروسها ثمرة طيبة مباركة في نساء مجتمعها، كما ربت بعض الأيتام، فكانت تحنو عليهم، وتغذيهم بغذاء الإيمان ورحيق العلم، وهكذا هو القلب الكبير الحاني، حتى كانوا رجالاً صالحين في مجتمعاتهم، وكم وراء العظماء عظيمات! وكم خرج من أفذاذ هذه الأمة؛ لأنهم تربو في محضن الطهر والصلاح والتقوى والعلم .

   إنها كما يصفها شيخها أبو اليقظان: « وعاءٌ من أوعية العلم، ومنارة متنقلة، تنقل بنورها بين دور العقائل نور العلم والإيمان، والخلق الكريم، والدين القويم..هي عالمة تقية، ورعة صالحة زاهدة، جيدة الفهم، وقادة الذكاء، فصيحة اللسان، جريئة القلب، قوية الإيمان..عاشت عمرها كالنحلة، ترعى الزهور من حدائق العلماء..تمتص من رحيقهم العسل المُصفى، وتملأ خليتها منه، وتمجُّه في أوساط العائلات بالبلد »[12]، فيالها من خِلال! ما اجتمعت في امرأة إلا فاقت قريناتها، وفاح شذا علمها وهداها وتقواها، وعلى هذا النهج ينبغي أن تكون فتاة الإسلام .

   ما أحسن أن نرى في وقتنا هذا من النساء الصالحات المؤمنات، والعالمات العاملات، والمخلصات المجدات المثابرات، مَن هي كالنحلة المثابرة في نشاطها الفكري، وإنتاجها العلمي، وجهدها العملي، تحرص أشد الحرص على طلب العلم النافع، وسؤال العلماء في كل صغير وكبير، والاستفادة من أكثر المعارف والمهارات، مع شغف كبير بحفظ كتاب الله وتلاوته وفهمه والعمل به، وتلهف شديد لترسم خُطى قرة أعيننا محمد- عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- وأن تعيش الهدي النبوي كما عاشته زوجات رسول الله r، وزوجات صحابته الكرام-رضي الله عن الجميع-:

نور النبي لها هديٌ ومنهجها *** أسما ومريمُ قد حثت مطاياهُ

   ثم لا تلبث أن تراها شعلة من النشاط والاجتهاد، والعمل في دروب الخير، إنها كالنحلة في جدها ومثابرتها، ترشف من زهور المعارف والهدى بدون كلل أو ملل، تنتقل من حديقة الذكر إلى رياض سيرة المصطفى r، ثم تحطَّ فوق زهور الآداب والمكارم والمعالي، فتتشرَّب من تلك الينابيع الصافية الثرَّة، ثم تمجُّه عسلاً مصفىً بين أهلها وأخواتها وسائر بنات جنسها في كل بقعة ومكان .

   فهي كالغيث أينما وقع نفع، وكالشجرة أينما غُرست أثمرت أطيب ثمرها، وأظلتهم بوافر ظلالها، كما قال الحق سبحانه: ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ([13]، وجاء في حديث عبدالله بن عمرt قال: قال رسول الله r: « إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المؤمن المسلم، فحدثوني ما هي؟ » فوقع الناس في شجر البراري، فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله؛ حدثنا ما هي؟ فقال: « هي النخلة المباركة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها »[14] .

   إنها مثلٌ أعلى للتضحية، فقد نسيت نفسها، فكم ضحت براحتها ووقتها، ومنامها وغذائها، من أجل إسعاد أخواتها، لتزيل عنهن همومهن وغمومهن وأحزانهن، وتمسح بيدها الحانية على آلام أخواتها فتواديها بحكمتها، وتنشر الخير بينهن، رحابةُ صدرِها اتسعت لك أخواتها، قد نسيت همومها وآلامها من أجلهن، وآثرت ما عند الله، ) وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ([15]، وقد أحسن من قال:

وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامُ

فياله من جسم مكدود أسهره التجافي عن متاع الغرور! ما أعظمه من قلب طاهر كبير، ملأته مخافة الله!:

وإذا حلَّت الهدايةُ قلباً *** نشطت في العبادة الأعضاءُ

   قطَّعت وقتها بين عبادة ربها، وتلاوة ذكرها، والدعوة الصادقة الحكمية، فتُبصِرُها واعظةً ناصحة، ومرشدةً مربية، وكاتبةً متأدبة، تنشر الخير بكل ما أوتيت من علم وفهم، ومواهب وأفكار:

وسمت بهمتها، فأكرِمْ بالتي  ‍
أخت الطاهرة والتُّقى، في كفِّها  ‍

  تنثالُ من عزماتها الآمالُ
  وهجٌ، ودمعُ فؤادها هطَّالُ

   قد استجمعت كل معطيات الحياة الحديثة لتوظفها من أجل الذَّبِّ عن حمى الدين، ونشر الثقافة الواعية النظيفة بين بنات جنسها، في المجالس العامة والخاصة، والمحافل والمناسبات المتعددة، فطوبى لمثلها أجراً وثواباً ) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ([16]، ) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ([17].

   فما أحسن هذا التصوير « عاشت عمرها كالنحلة، ترعى الزهور من حدائق العلماء..تمتص من رحيقهم العسل المُصفى، وتملأ خليتها منه، وتمجُّه في أوساط العائلات بالبلد » .

   هكذا كانت نساء الرعيل الأول، وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المسلمة في كل زمان، ما أحوجنا أن تترسم كل امرأة مسلمة وداعية ومصلحة خُطى هذه المرأة الصالحة المثابرة، ساعتها سيَغْنَى بها مجتمعُها، وتسعد بها أمَّتُها .

 

 

[1]- هي بِيَّه بنت بوكر بن بنوح مرزوق، و ( بِيَّه ) : اسم بربري ميزابي، وأصله ( بايه ) ، ومعناه: أميرة ، ولدت في مدينة القرارة في الجزائر سنة 1308 هـ/ 1890 م، أخذت مبادئ علومها عن العالمة عائشة بنت يحيى، ثم لا زمت الشيخين إبراهيم بيوض، وإبراهيم أبا اليقظان، تحضر مجالسهما وتستفتيهما، وتحاورهما في مسائل الفقه، وكانت عضواً فعالاً في هيئة تمسريدين « الهيئة الدينية للنساء في البلدة » وفتحت داراً لتعليم البنات أمور دينهن، وأمضت ربع قرن في ذلك، فأثمرت دروسها ثمرة طيبة في نساء القرارة، وتوفيت في يوم الخميس 28 من شعبان 1390 هـ/ 1970 م .

[2]- معجم النساء العمانيات، ص 21 ، 22

[3]- النساء: 34

[4]- رواه الربيع برقم 98

[5]- رواه أبو داود والترمذي ( رياض الصالحين برقم 1056) .

[6]- التوبة: 18، والحديث رواه الترمذي ( رياض الصالحين برقم 1028 ) .

[7]- النور: 36 - 38

[8]- رواه الربيع برقم 25 ، 26

[9]- الإسراء: 82

[10]- الضَّرَب: العسل الأبيض الغليظ ، والضريب: الشهد .

[11]- البحر المحيط، ج1/ 4

[12]- معجم النساء، ص 22

[13]- إبراهيم: 24 ، 25

[14]- رواه الإمام الربيع، رقم 712

[15]- آل عمران: 198

[16]- الرعد: 29

[17]- العنكبوت: 69