الشيخ أحمد بن سعود السيابي: التواصل العماني مع شرق أفريقيا كان ضارباً بجذوره منذ ما قبل الإسلام

إزداد كثرة وكثافة في العهد الإسلامي حاملاً معه الإسلام ديناً وثقافةً وسلوكاً

أكد سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الإفتاء أن التواصل العماني مع شرق أفريقيا كان ضارباً في القدم بجذوره منذ ما قبل الإسلام بقرون وعهود، وقد ازداد ذلك التواصل كثرة وكثافة في العهد الإسلامي حاملاً معه الإسلام ديناً وثقافةً وسلوكاً، ثم شكّل ذلكم التواصل وجوداً واستقراراً، مكوّناً بذلك إمارات عربية إسلامية على امتداد الساحل الشرقي لإفريقيا.

وأوضح في بحثه «الإسلام في البحيرات العظـمى الإفـريقية» الذي قدمه في ندوة الحضارة والثقافة الإسلامية والدور العمـاني في دول البحيرات العظـمى الإفـريقية ببوروندي أن وصول العمانيين إلى أواسط أفريقيا كان بداية العهد هنالك بوصول الإسلام حيث لم يسبق العمانيين سابق إلى هنالك وبعيد وصولهم واستقرارهم أخذوا في بناء المساجد وتكوين مدارس القرآن وارتفع نداء الحق وهو الآذان للصلاة وأخذ الأفارقة يسألون عن الإسلام حتى عرفوه واحترموا أهله وحتى اللغات الإفريقية المحلية تأثرت باللغة العربية حيث أصبحت تلك اللغات تضم بعض الكلمات العربية.

.. والى ما ورد في الجزء الأول من البحث.

 

اكتشاف البحيرات العظمى

يقول السيابي إنه من المعلوم بحثاً وقراءة واستقراءً أن التواصل العماني مع شرق أفريقيا كان ضارباً في القدم بجذوره منذ تاريخ قبل الإسلام بقرون وعهود، وقد ازداد ذلك التواصل كثرة وكثافة في العهد الإسلامي حاملاً معه الإسلام ديناً وثقافةً وسلوكاً، ثم شكّل ذلكم التواصل وجوداً واستقراراً، مكوّناً بذلك إمارات عربية إسلامية على امتداد الساحل الشرقي لإفريقيا بدءاً من مقديشو وبراوة من الشمال وإلى موزمبيق وجزر القمر في الجنوب، مروراً ببتة وماليندي وممباسة وكلوة، بيد أن ذلك الوجود أو ذلك الاستقرار كانا قاصرين على مدن الساحل فقط، ولمّا كان عهد الدولة البوسعيدية في أفريقيا، وبالتحديد بدءاً من عهد السلطان المجيد سعيد بن سلطان أخذ الوجود العماني في التوسع والانتشار داخل القارة الإفريقية وصولا إلى مناطق البحيرات العظمى مقتحماً ضفافها الغربية إلى مناطق الكونغو، وكان وصول العمانيين إلى هناك إما على شكل رحلات تجارية ذهاباً وإياباً من وإلى مدن الساحل، أو على شكل استيطان استقراري، جواراً وخلطة واندماجاً مع الأهالي الأصليين، مكوّنين في بعض الأحيان والأماكن ما يشبه الإمارات العربية ومترئسين القبائل الإفريقية هناك (صلاح العقاد، جمال زكريا قاسم، زنجبار، ص78، مكتبة الأنجلو مصرية ، القاهرة)، ولكنها تابعة للدولة السلطانية البوسعيدية في زنجبار.

ومن هنا يحق لنا أن نقرّر ونؤكد أن العمانيين هم أول من اكتشف وسط القارة الإفريقية أو مناطق البحيرات.

وعندما وصل الرحالة الأوربيون مثل لويس كريف وبروتون وسبيك وليفنجستون وستاتلي وغيرهم الذين ادعّوا أنهم مكتشفو مجاهل القارة الإفريقية، وجدوا العرب العمانيين مستقرين هناك سكناً وإقامة، وهم يعترفون بذلك في مذكراتهم وكتاباتهم التي سجّلوا فيها مشاهداتهم وملاحظاتهم (جمال زكريا قاسم، الدولة العمانية في شرقي أفريقيا، حصاد ندوة الدراسات العمانية ص88) الأمر الذي يؤخذ على العمانيين أنهم لم يكتبوا عن وصولهم إلى تلك المناطق واكتشافهم لها واستقرارهم فيها، وهو ما جعل الشيخ المغيري يبدي أسفه ويظهر حسرته لإهمال العمانيين تاريخهم في شرق أفريقيا (جهينة الأخبار، ص5)، وحول المقارنة بين جهود العمانيين والرحالة الأوربيين الاستكشافية، يقول الشيخ المغيري (السوّاحون الأوروبيون لا يعرفون إلا شواطئ هذه الإفريقية فقط، وبقية قارتها مجهولة حتى اكتشفها العرب العمانيون في أيام السيد سعيد بن سلطان، وذلك ما بين 1250هـ إلى سنة 1270هـ، والعرب العمانيون هم أول من جاس خلال هذه القارة الإفريقية إلى داخلية أقاصيها، وأفادوا بمعلوماتهم السوّاح من الأوربيين (جهينة الأخبار، ص214).

ولعل الأمر بالنسبة إلى ادّعاء الرحالة الأوربيين بالاكتشاف هو كما يقول الدكتور جمال زكريا قاسم عن استعانة أولئكم الرحالة بالتجّار والأدلاء العرب في عمليات كشف أفريقيا، أنها في حقيقتها لم تكن كشفاً، وإنما كانت مجرد تسجيل لحقائق كانت معروفة لدى العرب من قبل (قاسم، المصدر السابق، ص88).

ولعله من الغريب ومن العجيب أيضاً، أن أولئك الرحالة ما كانوا يستطيعون الوصول إلى الداخل الإفريقي لولا توصيات السلاطين في زنجبار بهم، وتسهيلات العرب العمانيين المستقرين هناك، لهم ذلك.

حتى أنه في كثير من الأحيان يرسل السلاطين مع أولئك الرحالة حراسة لحمايتهم من الأخطار التي ربما تتهددهم في طريقهم لتنفيذ عملياتهم الاستكشافية التنصيرية (رأفت غنيمي، دور عمان في بناء حضارة شرقي أفريقيا، حصاد ندوة الدراسات العمانية، ص184).

وعندما وقع ليفنجستون في قبضة إحدى القبائل الإفريقية أنقذه العمانيون على يد القائد المرجبي.

على أنه من الواجب أن نعترف فنقول إن تلك كانت غفلة تاريخية عمانية من السلاطين في زنجبار ومن العرب المقيمين، لأن أولئك الرحالة ما كانوا دعاة خير وصلاح وسلام كما كانوا يدّعون، وإنما كانوا مبشرين بالديانة النصرانية، كما كانوا طلائع للاستعمار الأوربي بعد ذلك.

ولكننا أيضاً بالمقابل لعلنا نعذرهم إذا ما عرفنا أن التصور الإسلامي المعاصر في موقفه من التبشير والاستعمار ما كان موجوداً، وإنما وجد هذا التصور بعد ذلك من جرّاء ممارسة الحملات التنصيرية وعدائها للإسلام والمسلمين، ومن أهداف الاستعمار الأوربي وسيطرته الاستعلائية وإذلاله للشعوب.

فتكوّن التصور الإسلامي المعاصر نتيجة تلك الممارسات التبشيرية والاستعمارية، أما قبل ذلك فلم تكن الرؤية واضحة ولم تكن الصورة جلية أمام العرب العمانيين حكاماً ومحكومين، لاسيما وأن أولئك الرحالة المبشرين أوهموهم بأنهم يدعون إلى الله (2 جمال زكريا قاسم، دولة البوسعيد في عمان وشرق أفريقيا، ص 234) مستهدفين بذلك القبائل الوثنية فقط، ولكن الأمر على العكس من ذلك، فقد عملوا على إقصاء النفوذ العماني وعملوا على تقليص ثم إنهاء الحكم العماني، بل شوهو التاريخ العماني، قائلين إن العرب ما جاؤوا إلا ليتخذوا الأفارقة عبيداً ليستعبدوهم وليبيعوهم، حتى اعتبر ديفيد ليفنجستون قلة السكّان في شرق أفريقيا بسبب تصدير الرقيق إلى العالم الخارجي من قبل العرب (العقاد، وقاسم، زنجبار، ص140).

ومن الجميل والمناسب أن نذكر بعض المكتشفين العمانيين وهم:

– أحمد بن إبراهيم العامري، وهو الذي خرج بتجارته من زنجبار ووصل إلى مملكة بوغندا التي هي إحدى مقاطعات جمهورية أوغندا حالياً وذلك في عهد السلطان سعيد بن سلطان في سنة 1260هـ.

وهناك استطاع الوصول إلى بلاط الكباكا سونا ملك بوغندا، وكان جريئاً في إنكاره على الملك ممارسته الطقوسية في دينهم التي كانت يذبح فيها الرجال الفتيان، مذكراً إياه بالإله الخالق، حتى أسلم الملك وحاشيته، وأخذ بعد ذلك الإسلام ينتشر شيئاً فشيئاً، وقد نقل هذه القصة أمين باشا الذي كان يعمل مسئولاً إدارياً من قبل الحكومة المصرية على عهد الخديوي، وكان قد التقى العامري هناك (عمان في التاريخ، مجموعة مؤلفين، ص500، وزارة الإعلام، سلطنة عمان)، كما التقى العامري أيضاً الرحالة ستانلي في منطقة كاراجوي في وسط أفريقيا سنة 1293هـ – 1876م ووصفه بقوله: هو رجل ممتاز يبدو مظهره حسناً، يستقبل الأصدقاء بصورة ودية، متحرر مع عبيده، عطوف على نسائه، وقد بقي ثمانية عشر عاماً في وسط أفريقيا، ولقد تعرف بـ (سنا) ملك بوغندا وابنه موتيسا، وقد سافر مراراً إلى بوغندا (السديس، عبد الرحمن بن علي، العمانيون والجهاد الإسلامي في أفريقيا الشرقية، رسالة دكتوراه، ص455، هامش).

وقد أوردنا قصة أحمد بن إبراهيم العامري وإسلام الكباكا سونا بتوسع في بحث سابق لنا وهو بعنوان (الإسلام في أوغندا) الذي قدّمناه إلى ندوة تاريخ الحضارة الإسلامية في أفريقيا الشرقية التي أقيمت في زنجبار في الفترة من 2-4/ سبتمبر/2013.

– خميس بن جمعة، وهو تاجر عماني، وقد وصل إلى مملكة بانيورو التي هي إحدى مقاطعات جمهورية أوغندا حالياً، وذلك في عهد السلطان برغش بن سعيد بن سلطان، وقد استطاع التاجر خميس إقناع الملك (كباريجا) بالدخول في الإسلام فأسلم هو وأقاربه، وكان الملك كباريجا تربطه علاقة صداقة قوية مع السلطان برغش، ولعله الأمر الذي سهل مهمة التاجر خميس التجارية والدينية (عمان في التاريخ، ص501).

– عبد الرحمن بن عبيد بن حمود، وهو تاجر عماني، اتخذه الملك كباريجا ملك مملكة بانيورو مستشاراً له، وذلك على عهد السلطان برغش (2 نفس المصدر، ص501).

– سنان بن عامر، وهو الذي كوّن له إمارة ممتدة من تابوره إلى كمبالا العاصمة الأوغندية حالياً (رأفت غنيمي، حصاد ندوة الدراسات العمانية، ص176).

– حميد بن محمد المرجبي (ضبط أخونا الدكتور محمد بن ناصر المحروقي في كتابه (مغامر عماني في أدغال أفريقيا) أن اسمه حمد بناء على وثيقة عثر عليها بخط يد المرجبي نفسه) المعروف بـــ (تيبوتب)، وهو الذي استطاع تكوين مملكة الكونغو، وكان قوام جيشه حوالي مائة ألف شخص، وكانت له حروب وصولات وجولات مع الإستعمار البلجيكي على عهد ليوبولد الثاني ملك البلجيك (غنيمي، نفس المصدر، ص178).

وقد أخبرنا حفيده مسعود بن سعيد المرجبي الذي ألتقينا به في تابوره سنة 1994م أن جده حميداً تزوج من ابنة سلطان قبائل المويزي وأنه كان له ولد منها، ولعل ذلك كان من أسباب تمكنه ونفوذه في تلك المناطق.

– محمد بن خلفان البرواني المعروف بــ(مليزا) وقد كان له شأن لا يقل خطراً وأهمية عن   المرجبي تييوتب، فإنه كما يقول المغيري (ولهذين الرجلين العظيمين محمد بن خلفان البرواني وحميد بن محمد المرجبي القدح المعلّى في السلطنة والقوّة والنفوذ في فتح المنيمة من أقصاها إلى أدناها ولهذين الزعيمين شأن عظيم في مقاومة البلجيك في الحرب التي قاما بها ضد حكومة البلجيك ذات العدّة والعدد مما كتبه لهما في التاريخ (نفس المصدر، ص224).

-------------

جريدة عمان: الجمعة, 8 جمادى الأول 1436هـ. 27 فبراير 2015م

عرض: سيف بن سالم الفضيلي