طباعة
المجموعة: دراسات وبحوث
الزيارات: 2493

حكم تحويل الجنس أو تصحيحه.. هذا الفعل أبلغ درجات التشبه المحرم وتغيير خلق الله المنهي عنه

د. كهلان الخروصي : القول الصحيح عدم جواز التدخل الجراحي والهرموني لتغيير الجنس .

 أكد فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد مفتي عالم السلطنة في رده لسؤال تقدمت به إحدى السائلات حول حكم تحويل الجنس أو تصحيحه إذا كان الشخص يحمل كامل الصفات الجسمانية الذكورية أو الأنثوية، ولكنه سلوكيا ونفسيا لا يخالطه أدنى شك في انتسابه إلى الجنس الآخر.

وقال: لقد قمنا بالبحث فيما وصلت إليه البحوث الطبية في هذا المجال، وتواصلنا مع الاستشاريين المختصين، فكانت الخلاصة.

أن هناك مدرستين في الأوساط الطبية والنفسية المختصة بهذه الحالات في العالم الغربي:

وأن رأيا طبيا يرى أن الحل يكمن في تصحيح الجنس بتحويل الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر والرأي الطبي الآخر يرى أن الحل يكمن في العلاج النفسي والسلوكي.

أما فقهياً فلم أجد من كتب في المسألة تحريرا شرعياً وافياً أو غير وافٍ. وإنما هناك مَنْ نسب إلى بعض أهل العلم الشرعي أنهم يرون جواز التدخل الجراحي والعلاج الهرموني لجعل الصفات الجسمية موافقة للشعور النفسي والسلوكي وسمّوا هذه التدخل تصحيحا للجنس أو تعديلاً لا تغييراً له لكن البحث والنظر في المسألة لا يسوَّغ قبول هذا الرأي، بل هو رأي ضعيف بعيد عن التأصيل الشرعي.

وأوضح أن الصحيح هو عدم جواز التدخل الجراحي والهرموني لتغيير الجنس في هذه الحالة الموصوفة في صدر الجواب،

 وبيّن أن علاج هذا المرض لم يتعين عند الأطباء بالتدخل الجراحي حتى عند علماء الغرب.

وأشار إلى أنّ هذا التصرف هو من التدخل في تغيير خلق الله المنهي عنه بأشد عبارة في كتاب الله عز وجل وأن هذا الفعل هو أبلغ درجات التشبه المحرم.

وقال: نجد في كتاب الله عز وجل آيات كثيرة تؤكد أنه جلَّ وعلا خلق الإنسان زوجين إما ذكراً وإما أنثى.

وأوضح أن كل الأمراض السلوكية والنفسية تعالج علاجاً نفسياً سلوكياً في المقام الأول ثم يستعان ببعض الأدوية والعقاقير.

وأشار إلى أن القول بإجازة إجراء مثل هذه العمليات سيفتح ذرائع لضعاف النفوس ومرضى القلوب والفطر ممن شذت طباعهم عن الفطر السوية لتغيير جنسهم بمثل هذه العمليات.

وأكد أن القول الراجح هو حرمة التدخل الجراحي والهرموني بحالات اضطراب الهوية التي يكون الشخص منها حاملاً لكل الصفات الجسمية والوظيفية للجنس الذي وُلِد عليه.

وأن الواجب علينا إحسان الظن بالأخت السائلة وبمن يعاني مثل معاناتها، وهو أمر يستدعي التذكير بطرق العلاج والتداوي المشروعة بدءاً من الصبر على البلاء.

وإلى نص ما قاله فضيلته في رده على هذا السؤال يقول فضيلة الدكتور الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام:

 

لقد تقدمت إلينا إحدى الأخوات بسؤال حول حكم تحويل الجنس أو تصحيحه إذا كان الشخص يحمل كامل الصفات الجسمانية الذكورية أو الأنثوية، ولكنه سلوكيا ونفسيا لا يخالطه أدنى شك في انتسابه إلى الجنس الآخر، كأن يكون ذكراً في كل صفاته وأعضائه الجسمانية لكنه يجد في نفسه أنه أنثى نفسيا وسلوكياً، شعورا مصاحبا له منذ الطفولة، أو أن يكون أنثى بكل صفات الأنوثة وخصائصها الجسمانية لكنها نفسيا وسلوكيا تجد أنها تـنتسب إلى جنس الذكور فتحمل مشاعرهم وأحاسيسهم.

 ولا ريب أن مثل هذه الحالات يصحبها كثير من المعاناة والألم والاضطراب، فليس من السهل أن يعاني المرء حالة من اضطراب الهوية الجنسية مع حرصه على الصلاح والبعد عما يغضب الله تعالى، لهذا قمنا بالبحث فيما وصلت إليه البحوث الطبية في هذا المجال، وتواصلنا مع الاستشاريين المختصين، فكانت الخلاصة أن هناك مدرستين في الأوساط الطبية والنفسية المختصة بهذه الحالات في العالم الغربي: رأي طبي يرى أن الحل يكمن في تصحيح الجنس بتحويل الذكر إلى أنثى والأنثى إلى ذكر، أي بتطويع الصفات البدنية بالتدخل الجراحي والهرموني إلى ما يوافق الجانب السلوكي النفسي، ورأي طبي آخر يرى أن الحل يكمن في العلاج النفسي والسلوكي عبر مدة غير يسيرة من الزمن وبجلسات دورية وطرق علاج وإرشاد نفسي وسلوكي لرد المشاعر والأحاسيس إلى ما يوافق الصفات الجسمية، ولكل رأي من هذه الآراء مؤيدوه في البلاد الغربية.

أما فقهياً فلم أجد من كتب في المسألة تحريرا شرعياً وافياً أو غير وافٍ، وإنما هناك مَنْ نسب إلى بعض أهل العلم الشرعي أنهم يرون جواز التدخل الجراحي والعلاج الهرموني لجعل الصفات الجسمية موافقة للشعور النفسي والسلوكي، ولم أجد – مع كثرة البحث – لهم ولا لغيرهم تحريراً في المسألة، وغاية ما عولوا عليه هو عدم وجود المانع شرعاً وسمّوا هذه التدخل الجراحي والهرموني تصحيحا للجنس أو تعديلاً لا تغييراً له.

لكن البحث والنظر في المسألة لا يسوَّغ قبول هذا الرأي، بل هو رأي ضعيف بعيد عن التأصيل الشرعي، فالصحيح هو عدم جواز التدخل الجراحي والهرموني لتغيير الجنس في هذه الحالة الموصوفة في صدر الجواب، والأدلة على ذلك:

أولاً: أن علاج هذا المرض لم يتعين عند الأطباء بالتدخل الجراحي حتى عند علماء الغرب، بل هناك مدرسة طبية ترى إمكان علاج هذا المرض علاجاً نفسياً وسلوكياً مكثفاً خلال مدة من الزمن، كما أن التدخل الجراحي نفسه لم يثبت أنه حقق النتائج المرجوة منه، إذ وجدت حالات أجرت هذه العمليات لكن حال أوضاعها النفسية لم تتحسن بل ازدادت سوءاً وظهرت فيها أعراض مرضية نفسية أخرى وصرح بعض المرضى بندمهم على ما قاموا به وأقدموا عليه، ومنهم من وصل به الحال إلى حد الانتحار. فكيف إذا كانت هناك أدلة شرعية أخرى تمنع هذا التصرف أصلاً.

ثانياً: أنّ هذا التصرف هو من التدخل في تغيير خلق الله المنهي عنه بأشد عبارة في كتاب الله عز وجل حينما أسند إلى الشيطان، قال تعالى: (لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) وليس صحيحا حصر مفهوم تغيير خلق الله في معنى تغيير دين الله بل إن ذلك يشمل أيضا التغيير الحسي في هيئة الخلق، لأن الآية التي يستدل بها القائلون بأن معنى خلق الله هو دين الله وهي قوله تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لا يقف فيها معنى الدين عند حدود التوحيد وأصل الاعتقاد الذي هو جارٍ على مقتضى الفطرة العقلية، بل يشمل أيضاً التشريعات والأحكام العملية، إذ أن فيها ما هو فطري أيضاً ومنها ما تجري وفق ما تقبله الفطرة ويدركه العقل ويشهد به لما فيه من صلاح الإنسان والحياة.

ويشهد لهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتـنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله تعالى) ولئن كانت هذه الأفعال المذكورة في الحديث قد عُدَّت من الأفعال الموجبة للطرد من رحمة الله وسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم تغييرا لخلق الله فكيف بتغيير البدن بكل معالمه من جنسٍ مكتمل المعالم والصفات كما خلقه الله تعالى إلى جنس آخر؟. ولا يقال بأن هذه الأعمال مُنعت لأن القصد منها التزين أما تصحيح الجنس أو تعديله فإنه علاج لأن أصل الزينة مباح أيضاً لكن من التزين ما حُرِّم شرعاَ بنص هذا الحديث الشريف وبأدلة أخرى، وكذا الحال في التداوي فإن الأصل فيه الجواز لكن هناك من الأدوية ما حرمها الله تعالى، فضلا عما تقدم من عدم ثبوت تعين التدخل الجراحي والهرموني علاجا لهذه الحالات.

ثالثاً: نجد في كتاب الله عز وجل آيات كثيرة تؤكد أنه جلَّ وعلا خلق الإنسان زوجين إما ذكراً وإما أنثى، بقوله سبحانه: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) ويقول: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) وعندما امتن على عباده بنعمة الأولاد بيَّن سبحانه نعمته عليهم بما يهبهم إياه فقال: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) وقد أودع المولى جل وعلا لكل جنس من الجنسين صفات ظاهرة وباطنة تميزه عن الجنس الآخر، ولذلك قال: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى). وقد ناط الله تعالى بكل جنس من الجنسين أحكاماً شرعية تثبت له منذ لحظة ولادته تبعاً لجنسه الذي خلقه الله عليه كالمواريث والوصايا وأحكام العورات واللبس وآداب معاملة الجنس الآخر وأحكام الزواج والطلاق والولاية في التزويج والشهادات وغيرها، وقد أثبت العلم اليوم أن خلايا الرجل تختلف عن خلايا المرأة وأن دماغ الرجل يختلف عن دماغ المرأة وتبعا لكل هذه الفروق تـنشأ الفروق النفسية والعاطفية لدى كل جنس منها.

فكيف يسوغ بعد ذلك أن يغير جنس خلقه الله تعالى سوياً يحمل كل الصفات المميزة له إلى الجنس الآخر؟ لا سيما أن التشخيص الطبي يثبت أن هؤلاء الذين يتملكهم شعور سلوكي ونفسي قاهر بانتمائهم إلى الجنس الآخر يحملون كامل صفات الجنس الذي ولِدوا عليه ولا يختلفون عن بني جنسهم (أو عن بنات جنسهم) في شيء أبداً، وبناء على ما تقدم فإنه لا يسوغ تغيير الجنس (أو تصحيحه أو تعديله) في هذه الحالات لأن الله عز وجل قد خلقهم على جنس كامل من الجنسين اللذين نص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق عليهما، ولا يصح أن يكون منتسباً إلى جنس مدة من الزمن ثم يصبح منتسباً إلى الجنس الآخر بعد ذلك لمناقضته للمبدأ المتقدم.

ولا يقال بأن هذا غير مطرد لأن هناك الخنثى الذي يحمل صفات الجنسين، لأن الجواب على ذلك من أوجه:

1/ أن الخنثى يحمل ظاهراً صفات الجنسين وهذا مختلف عن الحالة التي نحن بصددها وهي حالة جنس اكتملت فيه سائر الصفات والخصائص المميزة لذلك الجنس، فمن يرى القياس فهو قياس مع الفارق.

2/ أن الخنثى يحمل صفات غالبة لكنها مستترة بأعضاء الجنس الآخر، وهي حالة مرضية منضبطة عند الأطباء، وقد قرر الفقهاء وجوب إزالة الأعضاء التي تستر أعضاء الجنس الغالب فيه وجعلوا لذلك علامات محددة، أما الخنثى الذي تتساوى فيه أعضاء الذكورة والأنوثة فهو نادر جداً ومع ذلك فهو لا يخرج عن مناقشات الفقهاء في أمر الخنثى، أما حالة اضطراب الهوية فهي ليست من حالات الخناث في شيء أبداً بشهادة المرضى أنفسهم وبتأكيد الطب لذلك. وبهذا يظهر الفارق بين حالة الخنثى وبين هذه الحالة محل البحث.

رابعاً: هذا الفعل هو أبلغ درجات التشبه المحرم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جاء من طريق ابن عباس قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالرجال من النساء، والمتشبهين من الرجال بالنساء وفي رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المذكرات من النساء والمخنثين من الرجال).

خامساً: كل الأمراض السلوكية والنفسية تعالج علاجاً نفسياً سلوكياً في المقام الأول ثم يستعان ببعض الأدوية والعقاقير، لأننا لا نعلم مرضاً سلوكياً أو نفسياً واحداً يعالج بالتدخل الجراحي، فضلا عن كون هذا التدخل مغيراً لصفات الجنس إلى جنس آخر، مما يستدعي بعد ذلك أدوية وعقاقير دائمة لحفز هرمونات معينة أو إضعاف هرمونات أخرى ولمعالجة الآثار النفسية الناتجة عن هذا التغيير.

سادساً: القول بإجازة إجراء مثل هذه العمليات سيفتح ذرائع لضعاف النفوس ومرضى القلوب والفطر ممن شذت طباعهم عن الفطر السوية لتغيير جنسهم بمثل هذه العمليات – شرقاً وغرباً – وفي هذا من الفساد والعبث ما لا يخفى، وقد منع العلماء وسائل أقل ضرراً بناء على قاعدة سد الذرائع، ومقاصد هذا الدين تشهد بأن الشريعة جاءت لبناء المسلم بناءً بعيداً عن العبث والانحراف ومخالفة الفطرة السليمة.

لهذه الأدلة جميعاً فإن القول الراجح هو حرمة التدخل الجراحي والهرموني بحالات اضطراب الهوية التي يكون الشخص منها حاملاً لكل الصفات الجسمية والوظيفية للجنس الذي وُلِد عليه.

هذا والواجب علينا إحسان الظن بالأخت السائلة وبمن يعاني مثل معاناتها، وهو أمر يستدعي التذكير بطرق العلاج والتداوي المشروعة بدءاً من الصبر على البلاء واحتساب أجر المرض عند الله تعالى، ثم بالتماس العلاج المشروع والصبر عليه وإن طال فإن عاقبة الصبر الفرج وبعد الضيق يأتي كشف الكرب، وبعد العسر يسرا إن شاء الله تعالى، والتداوي النفسي يحتاج إلى عزم ويقين من المريض وإلى تفاعل تام منه وأخذ بالأسباب المؤدية إلى مقاومة المرض وحمل النفس على ما خلقها الله تعالى عليه، كماء أن للدعاء واللجوء إلى الله تعالى بالضراعة والتبتل واختيار الظروف الأولى لإجابة الدعاء أثراً بالغاً منافع دنيوية وأخروية، كذلك ثبت في السنة أن للصدقة أثراً في التداوي والوقاية من الأمراض، مع الإكثار من ذكر الله تعالى لِما يبعثه في النفس من طمأنينة وصلة بالله تعالى.

وهذا هو ما نوصيك به أيها الأخت السائلة، سائلين الله تعالى لكِ الشفاء والعافية. والله تعالى أعلم.

--------------------

متابعة : سيف الخروصي

 

جريدة عمان: الجمعة, 19 شعبان 1434هـ. 28 يونيو 2013م