في كتابه الجامع نجده يرسم مشهد نظريته الفقهية

استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس

 

أكد ناصر بن خلفان بن خميس البادي في بحثه (كتاب الجامع لابن بركة والنظرية الفقهية) أن في الأبواب الأولى من كتاب الجامع نجد ابن بركة يرسم لنا بوضوح مشهد نظريته الفقهية الأصولية، فهو قد استوعب - تقريبا - معظم أساسيات وضروريات علم الأصول ففي جانب أقسام الخطاب التكليفي اعتبر ابن بركة أن أقسام الخطاب خمسة أقسام - وهي الأقسام المعروفة -، الواجب والحرام والإباحة والندب والكراهة.

 

وفي جانب الأدلة الشرعية الأصلية اعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس هي الأصول الأربعة الرئيسة التي تستنبط منها الأحكام الشرعية. قال: "جوزوا التقليد، والتقليد لا يجوز عند دخول الدليل الصحيح من الكتاب والسنة والإجماع أو حجة العقل، وإنما يجب التقليد في حال يعدم فيها المقلد صحة الاستدلال من الجهات التي ذكرناها.

 

وقال الباحث إن ابن بركة تناول تلك الأصول الأربعة بالدراسة. فقد درس القرآن الكريم معتبرا إياه مصدر استنباط الأحكام الفقهية الأول الذي لا يعروه التحريف ولا التبديل ولا النقص ولا الزيادة ولا العجز ولا الخلل، كما تناول السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع لديه بالدراسة، مبينا مكانة السنة وأنها مصدر تشريعي قائم بنفسه، وأقسامها من حيث درجة الإسناد، ومن حيث الحجية في الدلالة. كذلك تناول المصدر الثالث للأحكام لديه وهو الإجماع –وإن لم يفرد له بابا خاصا-، واعتبره حجة ودليلا.

 

وأوضح الباحث أن ابن بركة لم يغفل الأصل الشرعي الرابع وهو القياس، فقد تناوله بالدراسة أيضا وبين شروطه..

 

أما في مجال الأدلة الشرعية التبعية كالاستصحاب والمصالح المرسلة وقول الصحابي، فإننا نجد ابن بركة قد تناولها أيضا في جامعه، وقرر أنها أدلة معتبرة لديه.

 

أما في مجال طرق وقواعد الاستنباط والاستدلال فإننا نجد أن ابن بركة قد أولاها دراسته، حيث تناول العموم والتخصيص، والإطلاق والتقييد، والناسخ والمنسوخ، والتعارض والترجيح، وهكذا.

 

وفي سياق التنظير الفقهي الأصولي الذي سار عليه ابن بركة في كتابه "الجامع" نجده قد تناول مسائل متصلة بالأصول الفقهية – التي هي روح التنظير الفقهي في العصور الإسلامية الأولى- مثل الاجتهاد والتقليد.

وفي السياق التنظيري ذاته تجده منتبها أيضا لمقاصد الشريعة، منبها عليها، ومستعملا لها في تفريعاته الفقهية، وهي الضروريات، والحاجيات، والتحسينات.

 

جاء ذلك في بحثه المعنون (كتاب الجامع لابن بركة والنظرية الفقهية الذي قدمه في (ندوة تطور العلوم الفقهية في عمان: نظرية الفقه والنظام الفقهي) التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الفترة من 15-18 جمادى الأولى 1433هـ 7-10 ابريل 2012م بقاعة الأفراح بفندق حياة رجنسي فإلى نص ما قاله في الحلقة الثالثة من هذا البحث القيم:

 

يقول ناصر بن خلفان بن خميس البادي الواعظ الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية: في (النظرية الفقهية الأصولية في كتاب "الجامع") إن في الأبواب الأولى من كتاب الجامع نجد ابن بركة يرسم لنا بوضوح مشهد نظريته الفقهية الأصولية، فهو قد استوعب –تقريبا- معظم أساسيات وضروريات علم الأصول. حيث ذكر أقسام الخطاب التكليفي، ودرس الأدلة الشرعية الأصلية، والأدلة الشرعية التبعية، وطرق وقواعد الاستنباط، والاجتهاد والتقليد.

 

ففي جانب أقسام الخطاب التكليفي اعتبر ابن بركة أن أقسام الخطاب خمسة أقسام –وهي الأقسام المعروفة-، الواجب والحرام والإباحة والندب والكراهة. قال: "فإذا ورد الخطاب معرى من القرائن والمقيدات والمقدمات، فهو أمر –أي واجب- ونهي –أي محرم-، واللفظة قد ترد مقرونة بقرينة أو صلة أو بمقدمة، فتدل على التخيير – أي الإباحة- أو الندب- ابن بركة، الجامع، 1/89.. وعبر عن الكراهة في كثير من تفريعاته الفقهية، ومن ذلك الحكم بكراهة شرب النبيذ من الأديم - مع وجود الدليل لديه بإباحته- تنزيها للمؤمنين، قال: "وكذلك قولنا في النبيذ، فإن كان حلالا فإننا ننهى عنه لأن شربه ينقص من شاربه ويقل من هيبته، ولما يحدث معه من السكر - المصدر نفسه، 2/546.. وقال بكراهة القبلة للصائم: "وأكره القبلة للصائم لأنها من دواعي الوطء - المصدر نفسه، 2/35..

 

وفي جانب الأدلة الشرعية الأصلية اعتبر ابن بركة القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس هي الأصول الأربعة الرئيسية التي تستنبط منها الأحكام الشرعية. قال: "جوزوا التقليد، والتقليد لا يجوز عند دخول الدليل الصحيح من الكتاب والسنة والإجماع أو حجة العقل، وإنما يجب التقليد في حال يعدم فيها المقلد صحة الاستدلال من الجهات التي ذكرناها- المصدر نفسه، 1/543..

 

وقد تناول ابن بركة تلك الأصول الأربعة بالدراسة. فقد درس القرآن الكريم معتبرا إياه مصدر استنباط الأحكام الفقهية الأول الذي لا يعروه التحريف ولا التبديل ولا النقص ولا الزيادة ولا العجز ولا الخلل، مبينا فضل القرآن، وإعجازه اللغوي، وسلامته من الزيادة والنقصان، وأنواع خطابه من ناحية الإجمال والتفصيل، والتشابه والإحكام، والإباحة والحظر والوجوب والنهي، والناسخ والمنسوخ، والخصوص والعموم، والإطلاق والتقييد، والتعريض والإفصاح، وهكذا. قال: (باب الرد على من يدعي الزيادة والنقصان في القرآن: أما الذي يدل على إبطال قول من يدعي فيه الزيادة والنقصان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمعه حتى جمعه أصحابه بعده فهو كتاب الله الذي لا يحتاج معه إلى غيره، قال الله جل ذكره: "وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"- سورة فصلت، آية41- 42..

 

كما تناول السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع لديه بالدراسة، مبينا مكانة السنة وأنها مصدر تشريعي قائم بنفسه، وأقسامها من حيث درجة الإسناد، ومن حيث الحجية في الدلالة. قال: "باب في الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي تتعلق الأحكام بها- المصدر نفسه، 1/16.. وقال مبينا أقسام السنة من حيث الإسناد والمتن: "ويختلف الفقهاء في معانيها وتنازع الحكم فيها، فمنها أخبار المراسيل، وأخبار المقاطيع، والأخبار الموقوفة، وأخبار المتن، وخبر الصحيفة، والخبر الزائد على الخبر الناقص، والخبر المتعارض لغيره من الأخبار- المصدر نفسه، 1/16..

 

كذلك تناول المصدر الثالث للأحكام لديه وهو الإجماع – وإن لم يفرد له بابا خاصا -، واعتبره حجة ودليلا. قال عند الحديث عن تحريم كل أجزاء الخنزير بما فيها شحمه في معرض رده على الاعتراض بأن التحريم في الآية كان للحم وليس للشحم، قال: "قيل له: إن الله تبارك وتعالى حرم شحم الخنزير وغيره من وجوه: أحدهما الإجماع، وكفى به حجة- المصدر نفسه، 1/143.. وقال في موضع آخر: "والإجماع منعنا عن القياس، إذ لا حظ للقياس مع التوقيف -المصدر نفسه، 1/122..

 

ولم يغفل ابن بركة الأصل الشرعي الرابع وهو القياس، فقد تناوله بالدراسة أيضا وبين شروطه فقال: القياس لا يجوز إلا على علة، ولا يجوز أن يقاس إلا على معلول- المصدر نفسه، 1/140.، والقياس لا يكون إلا على أصل، قال: "والقياس لا يصح إلا على أصل متفق عليه - ابن بركة، الجامع، 1/111.، وقال: "ولما كانت سنة أجمع الناس على قبولها والعمل بها، وجب القياس عليها". كما بين ضروب القياس، وبعض مسائله أنظر: ابن بركة، الجامع، 1/140-142 و1/155..

 

أما في مجال الأدلة الشرعية التبعية كالاستصحاب والمصالح المرسلة وقول الصحابي، فإننا نجد ابن بركة قد تناولها أيضا في جامعه، وقرر أنها أدلة معتبرة لديه، ومن الأمثلة على ذلك:

 

أولا: قال عن قول الصحابي: "لأن الصحابة هم الحجة التامة، ألا ترى أن الله تعالى جعل شهادتهم على الناس كشهادة الرسول عليهم". إلى أن قال: "فلا يجوز وقوع الخطأ في شهادتهم إذا كانت شهادتهم كشهادة الرسول "صلى الله عليه وسلم - المصدر نفسه، 1/22..

 

وثانيا: وفي الاستصحاب تجده يوجب الطهارة على من تيقن أنه أحدث، ثم شك أنه قد تطهر، فإنه باق على تنجسه، استصحابا للأصل، وهو اليقين بأنه محدث -المصدر نفسه، 1/258..

 

وثالثا: وفي المصالح المرسلة: قوله بجواز عدم فداء الأسير المسلم إذا كان ذلك يأتي على أموال الدولة المسلمة ويضعها في مقام ضعف. قال: "فإن قال: أرأيت إن كان بعض المسلمين في يد عدو، وقد أسره وطلب فداء عليه، كان على المسلمين تخليصه بشيء من مالهم؟ قيل له: على الإمام أن يخلصه من بيت المال، فإن لم يكن إماما فعلى المسلمين تخليصه، إلا أن يكون المال الذي يطلبه إذا دفعوه إليهم أضعفهم، وقوى العدو به على جميعهم، أو ضعفوا به عن عدوهم، فهو أشد ضررا منه عليهم، فحينئذ لا يدفعون إليه شيئا، ولا يلزمهم، لأن قتل واحد أيسر على المسلمين من جميعهم، أو ذهاب الحق من أيديهم - ابن بركة، الجامع، 1/195.. كما أجاز عمل المسلم مع أهل الذمة إذا احتاج لذلك العمل لإعزاز نفسه وعياله عن الفقر ومسألة الناس - المصدر نفسه، 1/203..

أما في مجال طرق وقواعد الاستنباط والاستدلال فإننا نجد أن ابن بركة قد أولاها دراسته، حيث تناول العموم والتخصيص، والإطلاق والتقييد، والناسخ والمنسوخ، والتعارض والترجيح، وهكذا. ومن أمثلة ذلك:

أولا: تقريره لقاعدة العموم والتخصيص، والتفسير والإجمال، فقد قال في أحد المواضع: "فالخاص يعترض على العام، ولا يعترض العام على الخاص، وكذلك الخبر المفسر يقضي على المجمل، ولا يقضي المجمل على المفسر- المصدر نفسه، 1/18..

 

وثانيا: تقريره لقاعدة التعارض والترجيح، فقد قال: "وأما الأخبار المتعارضة، فمثل ذلك أن يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا بإباحة شيء، ويروى خبر آخر فيحظر ذلك، فيوقفا جميعا، وينظر المتقدم منهما من المتأخر بالتاريخ، ليعلم الناسخ من المنسوخ - المصدر نفسه، 1/18..

 

وثالثا: تقريره لقاعدة الإثبات والنفي إذا وردا على الفعل الواحد، فقد قال: "وإذا ورد خبران أحدهما ينفي الفعل والآخر يوجب إثباته، كان الإثبات أولى إذا لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر، ولا الناسخ من المنسوخ - المصدر نفسه، 1/20..

 

ورابعا: تقريره لمبدأ النسخ، وأن النسخ يقع في القرآن، كما يمكن أن ينسخ القرآن على السنة، والسنة على القرآن، فقد قال في أحد المواضع: "وسنذكر من الناسخ والمنسوخ ما يكون فيه دلالة على معرفة الناسخ الذي يجب العمل به، والإيمان بالمنسوخ الذي نهينا عن العمل به بعد نسخه - ابن بركة، الجامع، 1/28..

 

وقال في موضع: "والنسخ لا يقع إلا في الأمر والنهي، ولا يجوز ذلك في الخبر - المصدر نفسه، 1/42..

 

وقال: "وأما من زعم أن السنة تنسخ القرآن والقرآن لا ينسخ السنة، فإن من الحجة عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يصلي إلى بيت المقدس بغير قرآن نزل، ثم إن الله نسخ ذلك بقرآن أنزله، وحول القبلة إلى الكعبة"- المصدر نفسه، 1/47-48.

 

وفي سياق التنظير الفقهي الأصولي الذي سار عليه ابن بركة في كتابه "الجامع" نجده قد تناول مسائل متصلة بالأصول الفقهية – التي هي روح التنظير الفقهي في العصور الإسلامية الأولى- مثل الاجتهاد والتقليد. ففي هذا الجانب نجد أنه احتفى بالاجتهاد، واستعمله مع عدم وجود النص أو الإجماع، فقد قال في أحد المواضع: "وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس واجتهد في بعض الحوادث- المصدر نفسه، 1/112.

 

وقال في آخر: "ولو كان القرآن كله محكما لا يحتمل التأويل، ولا يمكن الاختلاف فيه، لسقطت المحنة فيه، وتبلدت العقول، وبطل التفاضل والاجتهاد في السبق إلى الفضل، واستوت المنازل، والله يتعالى أن يفعل ما هذا سبيله، بل الواجب في حكمته ورحمته ما صنع وقدر فيه، إذ جعل بعضه محكما ليكون أصلا يرجع إليه، وبعضه متشابها يحتاج فيه إلى الاستخراج والاستنباط، ورده إلى الحكم وإعمال العقول والفكر، ليستحق بذلك الثواب الذي هو العوض- المصدر نفسه، 1/56-57.

 

ومثال استعماله للاجتهاد قوله في أحد المواضع: "والنظر يوجب أن القرآن والسنة حكمان كل واحد منهما بالآخر- المصدر نفسه، 1/44.. ولعلنا نلمح إشارته إلى أن المجتهد له شروط ومواصفات، فقد قال في موضع: "فالواجب عليه إذا أراد علم الفقه أن يتعرف أصول الفقه وأمهاته، ليكون بناؤه على أصول صحيحة، ليجعل كل حكم في موضعه ويجريه على سننه، ويستدل على ذلك بالدلالة الصحيحة، والاحتجاجات الواضحة، وأن لا يسمي العلة دليلا والدليل علة، والحجة علة، وليفرق بين معاني ذلك، ليعلم افتراق حكم المفترق، واتفاق المتفق، لأني رأيت العوام من متفقهي أصحابنا ربما ذهب عليهم كثير من معرفة ما ذكرنا- ابن بركة، الجامع، 1/14-، وقال في آخر: "ففي هذا دليل على أنه لم يجعل للمستفتي والمستفتى له عذرا، والله أعلم.

 

ولعل المفتي لم يكن أهلا لذلك، ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء - المصدر نفسه، 1/25.-.

كما أنه تناول التقليد وبين أن هنالك تقليدا محمودا، وهو تقليد الصحابة، وتقليد العامي للعالم المجتهد، وفي المقابل هناك تقليد مذموم. قال في أحد المواضع عن بعض صور التقليد المحمود: "تقليد الصحابة جائز في باب الأحكام وما كان طريقه طريق السمع- المصدر نفسه، 1/22.

 

وقال: "ويجوز للعامة تقليد العلماء والاتّـباع لهم" إلى أن قال: "وكذلك تقليد الجاهل لمن لا يتهم في الدين - المصدر نفسه، 1/23.-.

 

وذم في مواضع أخرى التقليد لمن هو ليس أهلا للتقليد، وعقد بابا بعنوان: باب في ذم التقليد، أورد فيه الآيات القرآنية التي تنعى التقليد الأعمى بغير هدى، وكان من قوله: "ولعل المفتي لم يكن أهلا لذلك، ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء، ومسامحة الآراء، وتقليد الآباء - المصدر نفسه، 1/25..

 

وفي السياق التنظيري ذاته تجده منتبها أيضا لمقاصد الشريعة، منبها عليها، ومستعملا لها في تفريعاته الفقهية، وهي الضروريات، والحاجيات، والتحسينات. ومن الأمثلة على ذلك:

 

أولا: الضرورات الخمس:

وثانيا: في حفظ الدين: يرى بأن فداء الأسير المسلم إذا كان يأتي على بيت مال المسلمين ويضعهم في مقام الضعف، فإنه ليس للمسلمين دفع الفداء، حتى يحفظوا الحق في أيدي المسلمين، والحق هو الإسلام، قال: "فإن قال: أرأيت إن كان بعض المسلمين في يد عدو، وقد أسره وطلب فداء عليه، كان على المسلمين تخليصه بشيء من مالهم؟ قيل له: على الإمام أن يخلصه من بيت المال، فإن لم يكن إماما فعلى المسلمين تخليصه، إلا أن يكون المال الذي يطلبه إذا دفعوه إليهم أضعفهم، وقوى العدو به على جميعهم، أو ضعفوا به عن عدوهم، فهو أشد ضررا منه عليهم، فحينئذ لا يدفعون إليه شيئا، ولا يلزمهم، لأن قتل واحد أيسر على المسلمين من جميعهم، أو ذهاب الحق من أيديهم - ابن بركة، الجامع، 1/195.-. وقال: "على المسلمين أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر إذا رجوا القدرة على ذلك بأنفسهم وسلاحهم ودوابهم - المصدر نفسه، 1/195..

 

وثالثا: حفظ النفس: ذكر عن المسلم يكون عند الملك الجبار أو الكافر، فطلب الجبار أو الكافر من المسلم أن يقول كلمة الكفر، وغلب على ظن المسلم أن الكافر المتسلط سيقتله إن لم يقلها، قال: "فإن له أن يظهر له ما أراد منه بلسانه، ويكره ذلك بقلبه، وكذلك إن خاف منه أن يضربه الضرب الشديد الذي يؤدي إلى تلف نفسه - المصدر نفسه، 1/189- 190.-. وقال في موضع آخر: "إن الله أوجب عليه أن تكون نفسه أبر عنده من ماله، وأن ينفق ماله في صلاح نفسه، فلا صلاح لنفسه أكثر ولا أولى من أن يفدي نفسه من القتل - المصدر نفسه، 1/194..

 

ورابعا: حفظ العقل: ومن ذلك قوله بتحريم الشراب المسكر، قليلا أو كثيرا، وتقرير قاعدة ما أسكر كثيره فقليله حرام، ومن ذلك قوله بحرمة النبيذ – إلا ما كان في الأديم-، وردوده على من قال بإباحته ومناقشة استدلالاتهم ونقضها واحدا واحدا أنظر:- ابن بركة، الجامع، 2/534-548.-. وبجانب قوله بجواز شرب النبيذ إذا كان في الأديم فقط – أي جلد الماعز- إلا أنه نهى عن شربه تنزيها وتطهيرا للمؤمن حتى لا ينقص من قدره- المصدر نفسه، 2/545.-، والقدر والمنزلة مرتبط أكثر ما يكون بالعقل، فبقدر سمو العقل تسمو المنزلة. وقال في موضع: "وكذلك قولنا في النبيذ، فإن كان حلالا فإننا ننهى عنه لأن شربه ينقص من شاربه ويقل من هيبته، ولما يحدث معه من السكر- المصدر نفسه، 2/546..

 

وخامسا: حفظ النسل والنسب والعرض: قال ببطلان اشتراط تملك الولاء والنسب في صفقة البيع، قال: "والذي عندي – والله أعلم - أن خبر بريرة كان شرطه غير جائز، لأنه اشترط ما لا يجوز تملكه، وهو الولاء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم كالنسب - المصدر نفسه، 1/20.-، فيرى أن النسب أقدس من التلاعب به في صفقات البيع والشراء. كما قال بعدم جواز زواج الرجل بامرأة زنا بها أو نظر إلى فرجها مستمتعا بذلك، حفاظا على الأعراض من الهتك والأنساب من الاختلاط، وأنكر على من أباح زواج الزاني بمزنيته، أو زواج الرجل بمن نظر إلى فرجها استمتاعا وشهوة - المصدر نفسه، 2/133.-. وقال: "النساء محرمات الفروج إلا بما أحلهن الله تعالى من نكاح أو ملك يمين - ابن بركة، الجامع، 2/141.-. وقال كذلك بتحريم بيع لبن النساء في الأسواق محلوبا، لاشتراك الأطفال فيه، واشتراكهم في الأنساب، حيث يتفرقون فلا يعرف النسب، فتكثر الشبهة في النكاح - المصدر نفسه، 2/546..

 

وسادسا: حفظ المال: قال عن المسلم الذي أجبره الجبار أو الكافر المتسلط على قول كلمة الكفر وإلا أخذ ماله: "فإن قال قائل: فإن خاف أن يأخذ ماله، أو كان من عادة الكافر ذلك أو الجبار، هل له أن يقول ذلك ليخلص ماله عنده ويسلم به؟ قيل له: إن كان ما يأخذه من ماله يؤديه إلى هلاكه وهلاك عياله، فله أن يقول - المصدر نفسه، 1/190.. وقال في معرض الحديث عن السمن الذائب تقع فيه النجاسة، فيجوز استخدامه لإيقاد السراج دون الأكل: "ولو جاز الانتفاع به ما أمرنا –أي الرسول صلى الله عليه وسلم- بإراقته، وهو ينهى عن إضاعة المال - المصدر نفسه، 1/383..

 

وسابعا: الحاجيات: وهي المقاصد التي تدعو الحاجة إليها، ولكنها لا تتوقف عليها الحياة كما هو الحال في المقاصد الضرورية، ومثالها رخص التخفيف، كرخصة السفر- الخادمي، تعليم أصول الفقه، ص426.-. قال ابن بركة في معرض الحديث عن صلاة السفر: "وقصر الصلاة في أي سفر، كان المسافر في سفره طائعا أو عاصيا، إذا كانت الصلاة عليه في جميع أحواله- ابن بركة، الجامع، 1/575..

 

وثامنا: التحسينات: وهي المقاصد التي يحسن بها نظام الحياة، مثل التطيب والتزين والتنظف والتجمل- الخادمي، تعليم أصول الفقه، ص426.-. ومثاله ما قاله ابن بركة في الإستنجاء: "فإذا وجد الإنسان الماء لم يكن له استعمال غيره، لأن فيه غاية الاستطابة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالإستنجاء الاستطابة، وبالماء أبلغ الاستطابة والتنظيف - ابن بركة، الجامع، 1/284

-----------------

جريدة عمان: الجمعة 01 يونيو 2012

متابعة سيف الخروصي