طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 1865

سماحة المفتي يدعو المسلمين إلى مراجعة حساباتهم والحرص على مسارعة الخطى إلى بعضهم لأجل الائتلاف والتعاون

هنأ الأمة الإسلامية بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي

هنأ سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة، مبينا أنها ذكرى غالية على نفوس المسلمين وهي التي وقّت بها التاريخ الهجري العظيم.

مذكرا سماحته أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وداعيا الى الحق ومبينا للحقيقة.

ودعا سماحة الشيخ المفتي العام للسلطنة المسلمين مراجعة حساباتهم ومراجعة انفسهم وان يحرص كل فريق على ان يسارع الخطى الى الفريق الآخر لأجل الائتلاف والتعاون على الخير وأن يكيفوا حياتهم وفق مقتضيات تعاليم صاحب الهجرة العظيمة محمد صلى الله عليه وسلم.. جاء ذلك في اللقاء الذي أجراه ملحق اشراقات بمناسبة حلول العام الهجري الجديد، وإلى ما جاء في اللقاء.

 

قال سماحة الشيخ الخليلي بمناسبة الذكرى العطرة موجها كلمته للأمة الاسلامية «في مثل هذا الوقت المبارك نهاية شهر ذي الحجة وبداية شهر المحرم تتجدد في نفوس المسلمين كل عام ذكرى غالية عزيزة على نفوس المسلمين، ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي وقت بها هذا التاريخ العظيم».

وأضاف سماحة الشيخ، «هذا بلا شك يدعو الامة الاسلامية جميعا الى محاسبة النفس والحرص على تكييف حياتها وفق مقتضيات تعاليم صاحب الهجرة العظيمة صلوات الله وسلامه عليه الذي ارسله الله تعالى رحمة للعالمين وكان داعيا الى الحق ومبينا للحقيقة واصلا في تعاليمه ما بين المخلوقين وخالقهم وما بين الدنيا والآخرة وما بين الملك والملكوت وما بين العمل والجزاء».

ويضيف، إذن يجدر بالأمة المسلمة ان تستفيد من تعاليمه وان تأخذ نفسها على احياء سنته صلى الله عليه وسلم والسير على طريقته بحيث يتعاون الكل على هذا الخير وهذا ما لا يتم إلا عندما يأخذ أفراد المسلمين انفسهم ايضا باتباع هذا الهدي النبوي الشريف.

 

أمر يؤسف له

وفي اجابته على سؤال وجهناه لسماحته حول «تهافت المسلمين بتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات السلمية مع غير المسلمين.. بينما هم أنفسهم يتحاربون ويتنافرون» قال سماحة الشيخ الخليلي: مما يؤسف له ان قلوب المسلمين اصبحت متنافرة وكل فئة من فئات المسلمين تتدعي انها وحدها على الصواب وانها على نهج السنة والكتاب وتحكم على الآخرين بالتضليل والتبديع والتفسيق والتكفير، وهذا امر يؤسف له كثيرا.

ندعو المسلمين جميعا الى ان يراجعوا حساباتهم وأن يراجعوا انفسهم وان يحرص كل فريق على ان يسارع الخطى الى الفريق الآخر لأجل الائتلاف والتعاون على الخير.

 

نصيحة

 

ووجه سماحته نصيحة لكافة المسلمين «على المرء في كل وقت يمضي ان يحاسب نفسه واذا كان ذلك في كل وقت فما بالكم بمضي عام فعلى المسلمين أفرادا وأسرا ومجتمعات وأمة ان يحاسبوا أنفسهم حتى يكون وضعهم في العام المقبل إن شاء الله خيرا منه في العام المدبر».

 

برهان الحق 15 جزءا

 

وعن الجديد في مؤلفاته يقول سماحته نواصل تأليف كتاب برهان الحق «أتصوره في خمسة عشر مجلدا» وسيظهر كتاب الحقيقة الدامغة إن شاء الله قريبا وفي نفس الوقت نحاول أن نوجه رسالة الى الأمة الاسلامية.

وفي ختام اللقاء توجه سماحته بالدعاء «ونحن نسأل الله سبحانه وتعالى ان يكون العام المقبل عام خير وبركة عام تآلف وتآزر وتعاون بين جميع الامة عاما يجمع الله سبحانه وتعالى فيه شتيت هذه الأمة ويؤلف بين قلوبها المتنافرة ويجمع بين فئاتها المتدابرة انه على كل شيء قدير».

 

مرتبطة بالعقيدة

 

وفي محاضرة لسماحة الشيخ بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة قال، إن الله أكرم الأمة الإسلامية ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليحييها ويخرجها من الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الهدى ولتكون أمة متحدة، وكانت بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين حيث تستقيم بها كافة جوانب الحياة.

مشيرا سماحته الى أن الهجرة مرتبطة بعقيدة الأمة ودينها وهي دليل على الإيمان، وحدث تاريخي، وقد اجمع المسلمون على جعله مسارا يؤرخون فيه أحداثهم حيث ظل المسلمون ثلاثة عشر قرنا ونصف لا يعرفون تاريخا غير التاريخ الهجري، حيث كانوا معتزين بالتاريخ الهجري لأنه تاريخ هجرة النبي عليه الصلاة والسلام تاريخ يرتبط بهذا الدين الإسلامي القويم.

مذكرا بأن ذكرى هذه المناسبة العطرة التي يعطر الكون شذاها الفواح الذي يعبق بذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو مسك الختام للنبيين وبدر التمام للمرسلين الذي أرسله الله سبحانه على فترة من الرسل وانقطاع من الوحي وضلالة من الأمم وفساد من الأخلاق وانحراف من العقول بعدما استبدت الأهواء بالناس فسلكت بهم طرائق قددا كل طريق منها شيطان يدعو إليه وإذا بهذه الدعوة المحمدية تجلجل ويتردد صداها في هذا الكون من أجل إخراج هذه الإنسانية مما كانت عليه إلى ما آلت إليه ومن أجل إخراجها من الظلمات إلى النور ومن الباطل إلى الحق ومن الضياع إلى الاجتماع ومن التشرذم والتشتت إلى التآلف والترابط برباط العقيدة الحقة والتي اختار الله تعالى لعباده هداة من رسله صنعوا على عينة واجتباهم الله تعالى من الفضائل وأكرمهم من الفواضل فكانوا مثالا لهذه الإنسانية لأنهم جمعوا شتات الفضائل وشاء الله تعالى أن تتعاقب رسالاتهم بحيث تشرق شمس النبوة في كل حين يستبد بالناس الضلال ويخيم عليهم فتتبدد تلك الظلمات.

 

فتاوى عن المناسبة

 

وفي فتاوى لسماحته حول بعض المسائل الخاصة بهذه المناسبة ومنها، هل يُعتبر السفر لطلب العلم أو السفر للدعوة تطبيق عملي للهجرة؟

 

هذا مما يعد خروجاً إلى الله تبارك وتعالى، لو خرج إنسان من بلد إلى بلد لأجل طلب العلم لا يُعدّ ذلك سفراً دنيوياً وإنما يُعدّ ذلك من باب أن يخرج الإنسان من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله وقد قال تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، فمن خرج مهاجراً إلى الله وأدركه الموت في طريقه فعلى أي حال أجره على الله تبارك وتعالى أجر كبير، معنى هذا أنه يُثاب ثواب الهجرة إلى الله بقدر إخلاص نيته وبقدر صفاء طويته، وما يضمره ما بين حنايا ضميره.

وكذلك من خرج من أجل أن يدعو إلى الله ويبصّر الناس بالحق ويذكرهم به ويعلمهم أمر دينهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فهذه هجرة إلى الله.

 

أمر من الله

 

هل كانت الهجرة أمراً ربانياً أو كانت بدافع وجود متنفس للدعوة الإسلامية بعد أن ضاقت في مكة المكرمة؟

 

الهجرة لم تكن اجتهاداً من الرسول عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، وإنما كانت هذه الهجرة أمراً من قِبل الله سبحانه وتعالى، أراد الله تعالى به أن تتربى هذه الأمة على الخير، أراد أن يربيها على التضحية، وأن يربيها على الوئام والمودة، وأن يربيها على الاستعلاء عن كل الجواذب إلى الأرض بحيث ترتفع إلى قيم السماء هكذا كانت الهجرة.

وهيأ الله سبحانه وتعالى الظروف التي دفعت المسلمين إلى الهجرة مع كونه أمرهم بها عندما وقعت هذه الظروف وتم ذلك على يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين فأنشئت الدولة الإسلامية في ظل هذه الهجرة النبوية إذ كانت المدينة المنورة هي مركز هذه الدولة الناشئة الجديدة ومنها انطلقت إلى أرجاء الأرض.

 

الاعتناء بالتاريخ الهجري

 

ما رأيكم سماحة الشيخ في العتاب الذي يُوجّه بشدة إلى من لا يعتني بالعام الهجري وأشهره لأن مجريات يومه وشهره وعامه تقاس بالتوقيت الميلادي فهو لا يجد في حياته أو في حركته اليومية ما يربطه بالشهر الهجري، فهل مثل هذا العتاب في محله على من لا يعتني بالتاريخ الهجري؟

 

بطبيعة الحال أولاً علينا أن ندرك أن كل أمة لا تعتز بتاريخها هي أمة ضائعة، فمن لم يكن له ماضٍ فليس له حاضر. والحاضر إنما يُبنى على الماضي، وأي ماض أولى بأن يبنى عليه الحاضر من الماضي الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي عهد المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.

على أن التاريخ الآخر كان موجوداً من قبل ولم يكن المسلمون في عمى من أمرهم بحيث ما كانوا عارفين به، إذ كانوا على اتصال بدولة الروم وكانوا يعرفون هذا التاريخ، ولكن مع ذلك ما عوّلوا على التاريخ الآخر وإنما عوّلوا على التاريخ الهجري، وارتبطوا بهذا التاريخ الهجري.

وبجانب هذا فإن هنالك اختلافاً ما بين التاريخين في مدارهما، ذلك لأن التاريخ الميلادي إنما يدون بدوران الأشهر الشمسية، والتاريخ الهجري يدور بدوران الأشهر القمرية.

وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن الأشهر القمرية هي مدار الأحكام الشرعية، فقد قال تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ)، ثم بجانب ذلك بيّن سبحانه وتعالى ارتباط هذه الأشهر أي القمرية بصميم الدين الحنيف في قوله سبحانه وتعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ(، فجعل هذا من صميم الدين القيم، مع أن الأشهر الحرم لا توجد إلا في الأشهر القمرية.

كذلك نجد أن الأحكام الشرعية كلها تناط بهذه الأشهر القمرية، فالحج إنما يكون بالشهور القمرية، كذلك عِدَد النساء إنما هي بالشهور القمرية، الصيام إنما هو بشهر من الشهور القمرية، الزكاة يجب دفعها بدوران اثني عشر شهراً من الأشهر القمرية، كذلك بالنسبة إلى بقية الأحكام جميعاً.

فلماذا إذن يُعرض المسلمون عن التمسك بهذا التاريخ الذي كان به ميلاد أمتهم، وكان به ميلاد دولتهم، وكان به ميلاد جماعتهم، ويستمسكون بالآخر. ونحن نجد أن الصحابة فمن بعدهم إلى مضي ثلاثة عشر قرناً كانوا مُجمعين على التاريخ الهجري، فإذن معنى هذا أن الخَلَف عليه أن يحذوا حذو السلف، فلماذا يعرض السلف عن منهاج السلف وقد كان هذا منهاج السلف الصالح. فإذن العتاب موجه إلى الأمة من هذه الناحية ولا سيما الأفراد، فإن الإنسان يستطيع أن يؤرخ قضاياه بالتاريخ الهجري لا سيما مثل تراجم العلماء، فما الداعي لأن تكون تراجم العلماء بالتاريخ الآخر مع أنه يُعرف التاريخ الهجري، ونحن نجد حتى العلماء الماضين عندما يُؤرَخ لهم الآن ويُترجَم لهم يحاولون أن يحوروا التاريخ ليتلاءم مع التاريخ الآخر غير التاريخ الهجري، وأولئك العلماء مضوا ولا يُعرف عندهم إلا التاريخ الهجري، فما الداعي إلى ذلك!.

إن هذه هزيمة نفسية، وهذه ارتكاسة والعياذ بالله، فعلى الأمة أن تنتشل نفسها من هذه الارتكاسة.

---------------------------

جريدة عمان الجمعة, 30 ذو الحجة 1435هـ. 24 اكتوبر 2014م