المتساقطون على الطريق

لقاء مع سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي

المفتي العام للسلطنة

السؤال :

المتساقطون على طريق الدعوة ليسوا بقليل في العالم الإسلامي، هل ترى سماحتكم أن بعضهم أخفق في سبيلها إن كان ذلك كذلك، فإلى أي الزوايا مرد ذلك الإخفاق ، أهو فساد معتقد أم انحطاط فكر ؟

الجواب :

حقيقة الأمر هناك أسباب متعددة ،فقد يكون الغبش في التصور سبباً من أسباب هذا التساقط ،وقد يكون أيضاً غلبة النزوة والشهوة سبباً من هذه الأسباب، ولا أعني بالشهوة شهوة معينة، هنالك شهوات مختلفة تغري الإنسان وتدفعه دفعاً إلى ارتكاب الموبقات من بينها شهوة حب الظهور ومن بينها شهوة المال، ومن بينها أن يحب بأن يتبوأ مكاناً عالياً بين الناس إلى غير ذلك من الأمور التي تردي الإنسان، ولا ريب أن هذه كلها مهلكات فإن الله تبارك وتعالى يقول ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83) .

ونحن نرى كيف أن الله تبارك وتعالى بدأ بالعلو هناك قبل الفساد لأن حب العلو في الأرض هو الذي يدفع بصاحبه إلى الفساد دفعا ، فلذلك ضرورة تنقية النفس من جميع هذه الشوائب .

ولا ريب أن المتساقطين كثر ، فما أكثر أولئك الذين ظهوراً للناس أولاً بمظهر الدعاة المخلصين الراغبين في إنقاذ المجتمع وإنقاذ الإنسانية كلها من الورطات وإذا بهم يقعون فيما كانوا عنه ينهون ، ويترامون إلى ما كانوا منه يحذرون ،هذا كله إنما يعود إلى ضعف هذه النفوس أمام المغريات المختلفة والمؤثرات المتباينة فلذلك على كل أحد أن يحرص بأن يكون موصولاً بربه سبحانه وأن لا يأمن مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، ووصل الأمر ببعض أولئك الذين كانوا يتظاهرون بذلك المستوى العالي أن انحدروا إلى دركات الإلحاد وإلى دركات أنواع الفساد ، فما أجدر الإنسان أن يحرص كل الحرص على أن يتقي الله تبارك وتعالى ، وأن يحاسب النفس باستمرار محاسبة دقيقة ، وأن يكون كما قال شعيب عليه السلام ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )(هود: من الآية88)،فكيف يحذر الإنسان من أمر ثم يقع فيه بنفسه ؟

هنا تعجبني كلمات قالها بعض الدعاة يقول:( إن الكلمة لتخرج ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة إذا هي لم تخرج من قلب مؤمن بها ، ولن يؤمن إنسان بما يقول حتى يستحيل هو ترجمة حية لما يقول وتصويراً واقعياً لما ينطق ، حينئذ تخرج الكلمة كلها دفعة حياة لأنها تستمد قوتها من واقعها لا من طنينها ، وجمالها من حقيقتها لا من بريقها )،والله تعالى المستعان .

----------------------------------------

السؤال :

بعض الشباب هداهم الله يستغلون شبكة الانترنت فيما حرم الله من تصفح المواقع الإباحية ويضيعون أوقاتهم وأموالهم .

ما هي النصيحة التي تقدمونها شيخنا لهؤلاء الشباب ؟

الجواب :

قبل كل شيء نصيحتي لهم أن يتقوا الله تعالى في حياتهم ، وأن يتقوا الله في شبابهم ، فالإنسان مسئول عن عمره كله، ومسئول عن شبابه كله ،( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسئل عن خمس عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، وماذا عمل فيما علم )،يُسئل الإنسان عن ذلك كله ، يُسئل عن العمر لأنه الموهبة الكبرى .

وهؤلاء الذين يقضّون أوقاتهم في مطالعة هذه المواقع الإباحية إنما يضيعون أعظم شيء في حياتهم لأنهم يضيعون الحياة نفسها، والحياة هي أعظم شيء لأن نعم الله تبارك وتعالى تنبني على هذه النعمة الكبرى ، فلولا نعمة الحياة لما أحس الإنسان بنعمة قط من نعم الله سبحانه وتعالى، على أن هذه الحياة وهبت له لا لأجل أن يتهالك فيها على ملذاتها، وإنما وهبت له من أجل أن يعمل فيها لحياة أفضل ، لحياة الخلود ، لحياة البقاء ، لحياة الجزاء ، لحياة لا يعقبها موت وكل ما فيها من خير لا يهدده شر ، فصحتها لا تكدر بمرض ، وغناها لا يهدده فقر ، وشبابها لا يكدره ذكر هرم ، وإنما تلكم حياة أبدية لمن آمن وعمل صالحاً ثم اهتدى بحيث سلك الطريقة القويمة التي تسعده في الدار الآخرة عند ربه سبحانه .

فعلى هؤلاء أن يتقوا، وأيضاً عليهم أن يعرفوا نعمة شبابهم ، فالشباب ليس فرصة للتهالك على هذه الموبقات ، وإنما هو فرصة للعمل الصالح ، للطموح إلى معالي الأمور ، فالأمم تقاس بشبابها رقياً وانحطاطا وتقدماً وتأخرا ، فبقدر ما تكون شبيبتها على صلاح واستقامة وبر ووفاء وحب لله تعالى وخشية منه تكون الأمة عزيزة ، تكون كريمة ذات شأن عظيم ، وبقدر ما يتهالك شبابها على موبقات الأمور تكون أمة ساقطة لا قيمة لها ، فمن هنا كانت الضرورة إلى تربية هؤلاء الشباب على الصلاح والاستقامة والبر والإحسان والطموح إلى معالي الأمور والترفع عن سفاسفها .

هؤلاء نصيحتي لهم أن يعرفوا قيمة شبابهم ، وأن يعرفوا قيمة عمرهم ، على أن الإنسان قد يكون في غضارة الشباب ، وفي ميعة الفتوة فإذا به يأتي ريب المنون ليقطع دابره فجأة واحدة فيتحول إلى جثة هامدة ثم يتحول بعد ذلك إلى عظام نخرة ، ولا يدري الإنسان متى يفجأه ريب المنون ، فالناس جميعاً مثلهم في هذه الحياة كمثل سجناء حكم عليهم جميعاً بالإعدام ولكن لا يدري الإنسان ساعة تنفيذ الحكم ، وأي حكم أبلغ من حكم الله تبارك وتعالى الذي يقول ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) ، جدير بالإنسان أن يتقي الله ، وأن ينهنه نفسه عن هذه السفاسف ، وأن يربأ بنفسه عن الانحدار إلى هذه الدركات ، وعن الرعي في هذه المراعي الوبيئة ، هذه هي نصيحتي لهم ، والله المستعان .

-----------------------------------

 

جريدة الوطن: الجمعة 7 فبراير 2014 م - ٧ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ