طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 2460

اشكالية يواجهها الفكر في السلطنة لافتقاده أطر استيعابه وبلورته وإخراجه للعماني أولا ولغيره ثانيا

اشكالية يواجهها الفكر في السلطنة لافتقاده أطر استيعابه وبلورته وإخراجه للعماني أولا ولغيره ثانيا

السيابي: دور أهل عمان في الفتوحات والدعوة الإسلامية طرحه قليل والجهل به كثير

أكد سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي ان هناك اشكالية يواجهها الفكر في السلطنة تتمثل في ان الطرح الفكري حول دور أهل عمان في الفتوحات الاسلامية وفي الدعوة الاسلامية، وابراز الجوانب الايجابية من دور أهل عمان في الدعوة الاسلامية وتجاوبهم مع الإسلام، قليل والجهل به كثير.

وأضاف: الطرح في الوقت الحالي غير كاف لكي يستوعب هذا الفكر وهذا التاريخ وهذه الحضارة لأنه ليس هنالك اطر لاستيعابه ولبلورته ولإخراجه للعماني اولا ولغير العماني ثانيا.

ودعا سعادته الى طرح مكثف سواء كان في المؤلفات أو في المحاضرات او في الدروس او في المناهج او في وسائل الاعلام.

مشدادا على ان هذه حضارتنا وهذا تاريخنا وهذا فكرنا يجب على كل عماني ان يعرفه وعلى العماني ان يُعرِّف به الآخر.

وأضاف، ولا بد هناك من امرين:

حق علينا ان نعرف الآخر وحق لذلك الآخر ان نعرفه بما عندنا والآن اصبحت وسائل الاتصال والتواصل متاحة ومتنوعة ومتعددة ولكن يحتاج ان يستشعر العماني عظمة تاريخه وعظمة فكره وعظمة حضارته وان ينقلها بافتخار وباعتداد واعتزاز الى الآخر هذا طبعا شيء واجب..

كيف التزمت عمان الإسلام بعد دخولها؟

أولا وقبل وآخر كل شيء الحمد لله، لا شك ان عمان منذ ان اعتنقت الاسلام لم تفرط فيه على الاطلاق، فبعد ان اعتنقته واختارته كخيار لها خيار ديني واستراتيجي ايماني وعقدي تمسكت به تمسكا منذ ذلك التاريخ والى يومنا هذا وان شاء الله الى ان يرث الله الارض ومن عليها.

عمان تمسكت بالإسلام فمثلا عندما اجتاحت موجة الردة معظم اجزاء الجزيرة العربية عمان هي البلد الذي لم يرتد او الدولة الوحيدة التي لم ترتد صحيح ان هناك مناطق لم ترتد كمكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف لكنها تعتبر مدنا أو بلدانا لكن عمان دولة وهي اقليم واسع وكما ذكرت كانت تحتل مساحة جغرافية واسعة جدا تتجاوز مساحتها الحالية بأضعاف، بمعنى انها الدولة الوحيدة او البلد الكبير الوحيد الذي لم يرتد عن الاسلام لان القبائل العربية في الجزيرة العربية ارتدوا عن الاسلام فحدثت حركة للردة إلا في عمان تمسكت بالاسلام.

وما يقال هنالك ردة حدثت في عمان هنا امر يحتاج الى توضيح الذي حدث في عمان لا يعتبر ردة انما هي حركة بسيطة، العمانيون هم لهم الفضل في وأدها طبعا هنالك حدثان الاول حدث في بداية عهد ابي بكر الصديق اي بعيد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالمرة يقال ان لقيط الازدي من اهل دبا هو ارتد عن الاسلام ومنهم من يقول ان لقيطا لم يدخل في الاسلام مطلقا فلعله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قام بحركة استقلالية في منطقة دبا وكانت تلك الايام موجة ارتداد فعمرو بن العاص عندما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من عمان كان يمر على اقطار العرب وقبائل العرب وجدها مرتدة حتى وصل المدينة المنورة فأرسل ابوبكر جيشا لكي يوئد حركة التمرد ولعلها حركة تمرد اكثر من انها ردة دينية ولكن كيف استطاع جيش الخلافة ان يقضي على هذه التمرد لم يستطع ان يقضي عليه الا بتلاحم الجيش العماني بجيش الخلافة الراشدة، فالجيش الذي كونته القيادة العمانية بقيادة عبد وجيفر بن الجلندى التحم مع جيش الخلافة وذهب الجميع فاستطاعوا القضاء على التمرد في دبا، هذا الحدث الاول هو الذي تذكره الكتب التاريخية غير العمانية وتصفه بردة اهل عمان ولكن الحقيقة امام التتبع التاريخي والتحليل والمقارنة نجد ان ذلك تمردا وليس ردة.

فانضمام الجيش العماني إلى جيش الخلافة، والعمانيون ادرى ببلدهم وادرى بقبائلهم وادرى بجماعتهم اذن ان التحام الجيش العماني بجيش الخلافة الراشدة له الفضل والدور الحاسم في انهاء ذلك التمرد.

طبعا المصادر العمانية لا تذكر هذا الحدث وانما تذكره مصادر تاريخية غير عمانية، وانما تذكر الكتب العمانية حدثا آخر وهو أن هنالك سوء تفاهم حصل بين جابي الصدقة من قبل عامل الخليفة وكان العامل للخليفة على عمان هو حذيفة بن محصن الغلفاني وهو من حمير كان يسكن في المدينة المنورة مع الازد وقيل انه من الازد، كان هو العامل، ولما حدث سوء التفاهم ذلك بين عامل الصدقة وبين امرأة من دبا حيث اراد عامل الصدقة ان يأخذ منها الشياه الجميلة للصدقة او الزكاة وهي ارادت ان تعطيهم من الشياه الضعيفة فحدثت بين المرأة وبين عامل الصدقة الذي هو من قبل دولة الخلافة مشادة كلامية فاستغاثت المرأة بقومها كأي انسان يستنجد بقومه في ذلك الزمان فقالت يا آل مالك، وكان الموجودون في دبا من الازد من ابناء مالك بن فهم الازدي وقبائلهم يقال لهم آل مالك او بنو الحارث، وشيء طبيعي أن يأتوا لنصرتها وهي عادة عربية وعمانية وبشرية للاستنجاد وبما ان ذلك الزمن كان زمن ارتداد وذلك في زمن ابي بكر الصديق فاعتبر عامل الخليفة (حذيفة) ان هذه ردة فاعتقل منهم اشخاصا وارسلهم الى المدينة كي يسجنهم الخليفة وهؤلاء الاشخاص معروفة اسماؤهم في التاريخ العماني، وفي تلك الأثناء توفي الخليفة ابو بكر الصديق فذهب من عمان وفد لكي يكلم فيهم الخليفة ليقولوا له بأن هؤلاء غير مرتدين ولم يفعلوا جريمة بمعنى انهم ذهبوا لكي يوضحوا الصورة الحقيقية للخليفة عما حدث في دبا بأنه ليس ردة وانما هو سوء فهم حدث بين جابي الصدقة وبين تلك المرأة وان العمانيين لا يزالون على اسلامهم ومتمسكين بإسلامهم وعند وصول الوفد المدينة المنورة وجدوا ان الخليفة الاول ابا بكر الصديق رضي الله عنه قد توفي وصار في الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاخبروه بذلك فتفهم موقفهم فاطلق سراح العمانيين المعتقلين واكرمهم مما يدل على ان القضية هي ليست قضية ردة، لكن هذا الحدث الثاني هو الذي تذكره المصادر التاريخية العمانية ولم تذكره المصادر التاريخية غير العمانية، فنرجع الامر الى ان هنالك حدثين، حدث اول في بداية خلافة ابي بكر الصديق فذكرته المصادر غير العمانية وحدث ثان تذكره المصادر العمانية وكلا الحدثين ليسا ردة، الحدث الاول هو حركة من لقيط الذي لم يدخل في الاسلام او انه مشكوك في اسلامه او انه ردة محدودة بمنطقة واحدة من عمان والحدث الثاني هو سوء فهم بين امرأة وبين جابي الزكاة حول مواصفات الاغنام التي تؤخذ من تلك المرأة.

بقي ان العمانيين ظلوا متمسكين بإسلامهم منذ ان اعتنقوا الاسلام لم يفرطوا فيه ولذلك اثنى عليهم ابوبكر الصديق في كلمته، وحقيقة هذا الثناء انه ثناء عظيم وهو ينضم إلى نفس موضوع فضائل اهل عمان حيث اثنى عليهم ثناء حارا قائلا (اطعتموه على كثرة عددكم وعدتكم) وابوبكر اثنى عليهم لانه عندما بلغ عمرو بن العاص وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واراد الرجوع الى المدينة ذهب عنده وفد لخفره ولحراسته ولتأمين وصوله الى المدينة ذهب معه وفد رفيع المستوى بقيادة احد ملكي عمان وهو عبد بن الجلندى ومعه سبعون رجلا من اعيان اهل عمان من الشخصيات العمانية، فلذلك عندما تكلم عبد بن الجلندى امام ابي بكر الصديق قال يا خليفة رسول الله ويا معاشر قريش هذه أمانة كانت في ايدينا وفي ذمتنا وديعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئنا منها اليكم، فانظروا لهذه المعاني العظيمة وذلك أنهم صحبوه بذلك العدد الكبير وبذلك الوفد الرفيع المستوى لكي يسلموا وديعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدعى الخليفة تلك المواقف الايجابية نتيجة دخولهم في الاسلام قال لهم ( يا معاشر اهل عمان انكم اسلمتم طوعا لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر ولا جشمتموه ما جشمه غيركم من العرب ولم ترموا بفرقة ولا تشت شمل فجمع الله على الخير شملكم، كما بعث اليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح فأجبتموه على بعد داركم واطعتموه اذ امركم على كثرة عددكم وعدتكم، فأي فضل ابر من فضلكم واي فعل اشرف من فعلكم كفاكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفا الى يوم المعاد، ثم اقام فيكم عمرو بما اقام مكرما ورحل عنكم اذ رحل عنكم مسلما وقد من الله عليكم بإسلام عبد وجيفر واعزكم الله به واعزه بكم وكنتم على خير حال حتى اتتكم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما يضاعف فضلكم وقمتم مقاما حمدناكم فيه ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال فأعزكم الله بالإسلام فيثبت الله السنتكم ويهدي قلوبكم وللناس جولة فكونوا عند حسن ظني فيكم، ولست اخاف عليكم ان تغلبوا على بلادكم ولا ان ترجعوا عن دينكم، جزاكم الله خيرا).

كلمة ابي بكر الصديق فيها معاني عظيمة وسامية فيها اقرار بفضل العمانيين واستقامتهم على الدين وتوسم انهم لم يتأثروا بموجة الارتداد عن الاسلام ويقال ان ابا بكر بن الصديق ارسل عبد ومن معه من العمانيين ان يتجهوا الى شيء من الفتوح يقال في التاريخ العماني ارسله الى فتح الشام ولكن لعله الى مكان قريب من المدينة وقد يكون الحقه بجيش اسامة الجيش الذي كونه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته وبينما كانوا يجتمعون في ضواحي المدينة بلغهم مرض الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت وفاته عليه السلام فما برحوا مكانهم، فانا ارى ان ابا بكر الحقه بجيش اسامة لان اسامة بن زيد جهزه الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يحارب الغساسنة في الشام.

مشاركة مشرفة للعمانيين في الفتوحات

مشاركة العمانيين في الفتوحات الإسلامية أو نشر الإسلام، هناك من يشكك في هذا الأمر؟.

العمانيون أولا مشاركتهم بدأت - كما قلت على يد عبد بن الجلندى احد ملكي عمان ومن معه من العمانيين اشركهم ابوبكر في شيء من الفتوحات الاسلامية ولعله الحقهم بجيش اسامة بن زيد لانه هو الذي كان كونه الرسول صلى الله عليه وسلم لقتال الغساسنة التابعين للروم.

وفي عهد عمر بن الخطاب كان واضحا انهم شاركوا في الفتوحات الاسلامية ، وان كنت افضل التعبير بالتحريرات الاسلامية لان الاسلام حرر تلك الشعوب من القهر والطغيان، حيث امر عامله عثمان بن ابي العاص الثقفي ان يجمع ثلاثة الآف رجل كي يعبر بهم البحر الى فارس والقتال معروف والوقائع معروفة والمصادر العمانية تذكرها بالفخر والاعتزاز، حيث انتصر الجيش العماني وحقق انجازات وفتوحات وبعضهم رجع الى العراق واستقر في العراق وخططت لهم مواقع في البصرة.

وكذلك على عهد عثمان ثم على عهد آل المهلب بن ابي صفرة واولاده في عهد الدولة الاموية وان كانت تلك فتوحات ملك لكنها ايضا هي لصالح الاسلام والمسلمين.

واتجه العمانيون بعد ذلك الى شرق افريقيا والى شرق آسيا والى جنوب شرق آسيا فتحا اما بالدعوة الى الله تعالى على اساس كونهم تجارا وانهم دعاة وعلماء او بالفتوحات او بالتحريرات الاسلامية فالعمانيون من طرد البرتغاليين من عمان اولا ومن الخليج ثانيا ومن السواحل الغربية لآسيا ومن شرق افريقيا وكذلك كان لهم انجازات رائعة كذلك في حروب الهند والسند كان هناك قادة عمانيون شاركوا في ذلك.

المحافظة على السمعة

للمحافظة على هذه السمعة الطيبة الإنجازات التاريخية لعمان؟

الإشكالية التي يواجهها الفكر في عمان هو ان الطرح الفكري حول هذه القضايا قليل وهنا الاشكالية الامر يحتاج الى تكثيف الطرح الفكري لهذه القضايا يجب ابراز دور اهل عمان في الفتوحات الاسلامية ابراز دور اهل عمان في الدعوة الاسلامية ابراز هذه الجوانب الايجابية من دخول العمانيين في الاسلام وتجاوبهم مع الاسلام، الطرح تجده قليلا، والجهل به كثيرا فلذلك لا بد من طرح مكثف سواء كان في المؤلفات او في المحاضرات او في الدروس او في المناهج او في وسائل الاعلام، فهذه حضارتنا وهذا تاريخنا وهذا فكرنا يجب على كل عماني ان يعرفه وعلى العماني ان يعرف به الآخر.

ولا بد هناك من امرين اولا لا بد ان يعرف كل عماني هذه الايجابيات والانجازات الرائعة ان يعرفها معرفة جيدة ان يقرأها أو ان يسمعها ان يقرأها في البيت في المدرسة يستمع اليها من وسائل الاعلام بمختلف انواعها وفي نفس الوقت يجب ان يعرف بها الآخر، هذا حق علينا حق لذلك الآخر غير العماني ان يعرف عن عمان والعمانيين عن الايجابيات ويقابله بانه حق واجب علينا كعمانيين ان نعرف الآخر.

حق علينا ان نعرف الآخر وحق لذلك الآخر ان نعرفه بما عندنا والآن اصبحت وسائل الاتصال والتواصل متاحة ومتنوعة ومتعددة ولكن يحتاج ان يستشعر العماني عظمة تاريخه وعظمة فكره وعظمة حضارته وان ينقلها بافتخار وباعتداد واعتزاز الى الآخر هذا طبعا شيء واجب ولكن مع الاسف الملاحظ ان الطرح في الوقت الحالي غير كاف لكي يستوعب هذا الفكر وهذا التاريخ وهذه الحضارة لأنه ليس هنالك اطر لاستيعابه ولبلورته ولإخراجه للعماني اولا ولغير العماني ثانيا.

------------------

جريدة عمان: الخميس 26/7/2012م

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي