طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 1896

الشذوذ جريمة لم تعهد في تاريخ البشرية قبل قوم لوط

عبدالله بن علي الرويشدي: اللواط .. جريمة لم تعهد في تاريخ البشرية قبل ظهور قوم لوط وهو شذوذ عن الفطرة السوية.من رحمته سبحانه بخلقه أن ميز ما بينهم في الجنس، وبيّن ان عقاب الله المخيف لقوم لوط بسبب تناهي فعلتهم هذه في الفحش والفجور.

منبها الى ان الفاعل والمفعول به لا يجني منه إلا سوء الأحدوثة، وحذر من ان بقاء هذا الفعل يعتبر تهديداً للبشرية بالانقراض، كما ان الشهوة عند الاٍنسان اٍن لم تضبط بضوابط الخلق والشريعة لا تقف به عند حد..

 

وذكر بما توصي به الهيئات الصحية العالمية بالتعامل مع جثث موتى الأمراض المعدية بإحكام كفنهم بأكياس بلاستيكية عازلة للسوائل ووضعها في صناديق معدنية ودفنها في حفر عميقة..والى ما جاء عن هذه الفاحشة النكراء:

 

يقول الشيخ عبدالله بن علي الرويشدي (الواعظ بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية): من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أن ميز ما بينهم في الجنس ما بين ذكر وأنثى، وامتن عليهم بهذا في قوله: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى، من نطفة إذا تمنى)، وجعل ذلك من آياته الدالة على وحدانيته، وغناه عن غيره: (ومن كل شيء جعلنا زوجين لعلكم تذكرون)، وقال عز وجل: (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)، وجعل سبحانه سبب بقاء أنواع كثيرة من خلقه ما يتم من التقاء كلا الجنسين، ودخل ضمن هذا النظام الجنس البشري، فبالتقاء الذكر بالأنثى يحصل التناسل وتتوالى الأجيال، وتتعاقب الذرية، وهذا هو الطريق الفطري الموافق لطبيعة الجنس البشري.

 

واوضح: قد جاءت تعاليم الشرائع السماوية من لدن سيدنا آدم –عليه السلام- فمن بعده لتؤطر ذلكم اللقاء الطبيعي ما بين الجنسين في إطار أخلاقي وديني قويم ينسجم مع الفطرة السوية، ويتوافق مع كرامة الإنسان ومكانته التي رفعه الله تعالى إليها، وبوّأه إياها، وفضله بها على كثير ممن خلق تفضيلا، فحرّمت إتيان الذكر للذكر، كما منعت غشيان الأنثى للأنثى، وأباحت التقاء الذكر بالأنثى في ظلال الزوجية والطهر والعفاف لا على فراش العهر والزنا والفحشاء.

 

ومشيرا إلى أن إتيان الذكر للذكر – وهو المسمى باللواط- جريمة لم تعهد في تاريخ البشرية قبل ظهور قوم سيدنا لوط –عليه السلام-، وهو شذوذ عن الفطرة السوية، ونهاية في الخبث والرذيلة، ولا يجني الفاعل والمفعول به منه إلا سوء الأحدوثة، ويندر وقوعه لدى أمم الحشرات والطيور والحيوانات فهي تتوالد بالتقاء الذكر منها بالأنثى، أما أن ينزو الذكر منها على الذكر فأمر يأباه أغلبها، وتنفر طباعها عنه، اللهم إلا ما يروى عن ابن سيرين من أنه موجود لدى الخنزير والحمار، فأعجب بعد هذا من بعض الناس الذين أكرمهم الله تعالى بمشكاة العقل الذي يميزون به بين الضار والنافع كيف ينزلون بأنفسهم إلى درك هابط دون مستوى البهائم فيأتون الذكران من العالمين، ويذرون ما خلق الله تعالى لهم من أزواجهم، أليس هذا هو العدوان المبين؟!

 

وإذا كان المولى تعالى قد وصف الزنا بأنه فاحشة وساء سبيلا فبم يكون وصف اللواط وقد زاد عليه في القبح والشناعة؟!، وما عاقب سبحانه قوم لوط –عليه السلام- بذلكم العقاب المخيف إلا لأجل تناهي فعلتهم هذه في الفحش والفجور، فكان أن قلب مدنهم عاليها سافلها ثم رجمها بالحجارة المسومة، ودفنوا تحت ركام هائل من الطين والحجارة، وقيل: إن موضع قراهم المقلوبة يغطيه البحر الميت الشديد الملوحة، في منطقة تعتبر أخفض بقاع العالم.

 

لوط وقومه:

 

ويؤكد الرويشدي أن الله عز وجل قد بعث لوطا –عليه السلام- رسولا إلى قوم لا ينتسب إليهم بنسب ، ولكن بسبب تعاظم موبقاتهم وشرورهم،لا سيما هذه الجريمة النكراء التي انفردوا بها عن الناس أجمعين، وكانوا إليها من السابقين، وكانوا يعيشون في خمس قرى بدائرة الأردن، شهر منها قريتا: سدوم، وعامورة، على مشارف ما يدعى الآن بالبحر الميت، أو ما يسمى ببحيرة لوط.

 

قام لوط -عليه السلام- بدعوة قومه إلى عبادة الله عز وجل و طاعته، و بين لهم أن من مقتضى طاعة الله عز وجل الابتعاد عن جميع مساخطه، لا سيما تلك الفاحشة العظيمة التي تلبسوا بها،واشتهروا بها بين الناس، ألا وهي فاحشة إتيان الذكور، يقول الله عز وجل: (كذبت قوم لوط المرسلين، إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون، إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون).

 

أخبرهم -عليه السلام- بوجوب تقوى الله تعالى،ولزوم طاعته في اتباع أوامره، والانتهاء عن مناهيه، والابتعاد عن زواجره، وبين لهم أنه ما يبتغي من وراء ذلك عرضا دنيويا، بل يقوم بما يقوم به من نصحهم ابتغاء مرضاة الله ولوجهه الكريم، ثم أنكر عليهم ما يرتكبون من فاحشة إتيان الذكور، والانصراف عن النساء اللواتي خلقن لهم، لأجل قضاء أوطارهم بالطريق المحلل المشروع، ولكنهم كانوا قوما غلبتهم شهواتهم فأسرفوا في اتباعها ، وخرجوا عن الفطرة السوية ، و لم ينظروا إلى مغبة فعلهم الشنيع، وأنه إعدام للنسل، وإذهاب للطاقات، وإهدار للصحة ، وإضعاف للبدن ، إلى ما وراء ذلك من علل وأسقام، وهتك للأعراض، وتلطيخ لسمعة الفاعل و المفعول به ، و لقد جمعوا إلى هذه الفعلة الشنيعة ألوانا من الآثام يحكيها لوط -عليه السلام- مُنكراَ عليهم فعلها فيقول : (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر), فهل استجابوا لدعوة لوط –عليه السلام-؟ (فما كان جواب قومه الا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم اٍنهم أناس يتطهرون) هكذا هي حال أهل الفجور أمام كل ناصح ومرشد, حتى يطيب لهم الجو , ويصفو لهم الوقت والحال مع جرائمهم، لا بد أن يبعدوا عنهم كل مصلح وواعظ, وفي ضمن ما قالوا اٍعتراف بأن فعلهم مناف للطهارة, وأنهم ليسوا من المتطهرين كحال لوط وآله.

 

تمرد وعصيان:

 

ويضيف: لما شاء الله عز وجل اٍهلاك قوم لوط بسبب تمردهم وعصيانهم أرسل ملائكة كراماً، تمثلوا في صورة بشرية فمروا أولا على اٍبراهيم –عليه السلام- يبشرونه بالولد، بعد أن طال به العمر، وطعن في السن، ثم أخبروه بوجهتهم , وخرجوا عنه إلى قرية قوم لوط في وضح النهار, فرأى شباباً حسان الوجوه، قد نزلوا ضيوفاً لديه فخشي أن يفضحه قومه فيهم، يقول الله تعالى:(ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب)، وذلك لما يعلم – عليه السلام- من دناءة أخلاق قومه , وخشية أن يقعوا على ضيوفه يريدون منهم فعل الفاحشة, وما أسرع ما وصل خبر وجودهم بمنزل لوط –عليه السلام- إلى قومه, فأقبلوا كأنما يدفع بعضهم بعضاً على عجلة من أمرهم:(وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) فدعاهم – عليه السلام – بالحسنى, ولاطفهم, ونبههم إلى تزوج نساء القبيلة فإنهن بناته لأن رجال كل أمة هم أبناء نبيهم ونساؤها بناته: (قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد)، ولكنهم كانوا قوماً مرنوا على الفواحش حتى تظاهروا بها، فأجابوه بكل صفاقة ووقاحة: ( قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد).

 

فطمأنه هنالك رسل الله (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك)، وبلغوه أمر هلاك قومه بانفلاق الصبح, وأن عليه أن يخرج بأهله بالليل غير ملتفت ولا لأو على شيء (فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب), وإنما دخلت امرأته ضمن الهالكين لخيانتها له في الدين, ولما جاء الصباح, وأشرق ضوء النهار, أرسل الله تعالى على قوم لوط أنواعاً من العذاب, حيث أنزل عليهم صيحة من السماء, ثم جعل عالي قراهم سافلها, ثم أتبعها بحجارة من طين يتبع بعضها بعضا، يقول عز وجل:(فأخذتهم الصيحة مشرقين, فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل, إن في ذلك لآيات للمتوسمين) أي: للمتأملين المعتبرين (وإنها لبسبيل مقيم) أي: على طريق واضح، يقول عنه تعالى مخاطباً أهل مكة: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين، وبالليل أفلا تعقلون) أي: هم على طريق الذاهبين من أهل مكة إلى الشام عندما يرحلون إليها للتجارة ,وعلى طريق عودتهم عندما يقفلون عائدين, ويقول بعض المؤرخين : اٍن البحر الميت لم يكن موجوداً قبل هذا الحادث الواقع قبل ألف وثمانمائة عام قبل الميلاد تقريباً , واٍنما حصل من زلزال مدمر جعل عالي البلاد سافلها، حتى صارت أخفض من سطح البحر المتوسط بنحو أربعمائة متر, وقد أثبتت الاكتشافات القريبة آثار مدن قوم لوط على حافة البحر الميت, وأشكال الترسبات الملحية هي على معالم صور البيوت والأشجار والنباتات, نهاية مؤلمة , ومصير مرير.

 

دروس وعبر:

 

وأشار الرويشدي: الى أن في قصة قوم لوط –عليه السلام- كثيرا من العبر والدروس والفوائد التربوية منها، أنه لا يستقيم التوحيد مع الاصرار على كبيرة , ولا يقبل الايمان مع المجاهرة بالفسوق والعصيان، فلوط -عليه السلام- مع أنه مرسل اٍلى قومه بالتوحيد كان أكثر حديثه ودعوته منصباً على الاٍنكار لفعل كبيرة اٍتيان الذكور وارتكابها .

 

وأن الشهوة عند الاٍنسان ان لم تضبط بضابط الخلق وضوابط الشريعة لا تقف بالانسان عند حد, والاٍسراف في اتباعها أساس الشرور والمفاسد. وأن الإسراف في المعاصي يولد انطماس البصيرة لدى الإنسان حتى يرضى لنفسه بما يعلم أنه مناف للطهارة، ومناقض للنظافة، ومعاكس للفطرة، وما أحسن قول أبي مسلم الرواحي –رحمه الله تعالى-:

 

وتمــــوت الجعــلان في روضة الـورد ** وتحيــــا سعـيـدة فـي الكـنـيفِ

 

وأٍن إتيان الذكر للذكر شذوذ في الفطرة, ومناقض لسنة الله في الخلق, ولنا أن نسأل من ابتلوا بهذه الآفة :ماذا لو عم هذا الفعل جميع الناس؟ هل سيبقى الجنس البشري على وجه الأرض؟ أليس بقاء هذا الفعل تهديداً للبشرية بالانقراض؟ فما أحسن ما رتبه الشارع من حد لفاعليها، وويل لمرتكبيها الذين يقول فيهم الشاعر:

 

كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وأبشروا ** بأن لـــكم زفـــــا إلــى الجنــــة الحمــــرا

فأقوام لـــــوط مهــدوا الـــــدار قبــلــكم ** وقالـــــوا إلينـــا عجلوا لـــكم البشــــــرى

وهـــا نحــــن أسـلاف لكم في انتظاركم ** سيجمعنا الجبــار فــي نـــــــاره الكــبرى

فــــلا تحسبــــوا أن الذيـــن نكحــــتـموا ** يغيبــون عنـــكم بل ترونهــــم جهـــــــرا

ويلعـن كــــــــل منكــــــما لخليــــــــــله ** ويشقــى به المحــزون في الـكرة الأخرى

يعـــــذب كـــــل منهـــــما بشـريـــــــكه ** كمــا اشتـركا في لــــذة توجــب الـــوزرا

 

وأن الله تعالى أرسل أولاً رسله مبشرين لإبراهيم -عليه السلام- بالولد ليكون قدوة لكل الناس في الحفاظ على النسل من طريقه الطبيعي، وفي طلبه وابتغائه, ثم أرسلهم مهلكين لقوم لوط الذين هم قدوة لاعدام النسل واهلاكه.

 

أهل الطب:

 

وما أشار اٍليه بعض أهل الطب أن الله عز وجل لم يهلك قوم لوط ثم تركهم على وجه الأرض كحال قوم عاد، الذين تراهم صرعى على الصعيد كأنهم أعجاز نخل خاوية، واٍنما قلب بهم قراهم، وساخت بهم الأرض، ثم طمرهم بالطين، وغطاهم بتلك البحيرة الملحية التي لا يعيش في مياهها أي كائن لشدة ملوحتها، لا لشيء الا لأنهم أصيبوا بأمراض معدية بسبب تلك الفاحشة، وكان لابد أن تعقم جثثهم من بعد مماتهم، حتى لا تنتقل الأمراض التي أصيبوا بها عن طريق سوائلهم، مثلما توصي الآن الهيئات الصحية العالمية في التعامل مع جثث موتى الذين ابتلوا بالإيدز ونحوه من الأمراض الفتاكة المنتقلة بالعدوى أن يتم إحكام كفنهم بأكياس بلاستيكية عازلة للسوائل، ثم توضع في صناديق معدنية من الرصاص قد نثر بباطنها شيء من الرماد، ثم يتم دفنها في حفر عميقة، كل ذلك لئلا تصل عدوى سوائلهم إلى الأحياء، فكذلك كانت المنطقة التي طمر فيها قوم لوط ودفنوا بها هي من أخفض بقاع العالم ، وماؤها من أملحه، وان في عقوبتهم لآيات للمعتبرين , ولكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

------------------------------------

جريدة عمان: الجــمـعة 12 من رجب 1431هـ . الموافق 25 يونيو 2010م