طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 3171

التحكم في الغضب والعواطف

طارق الحبيب: التحكم في الغضب والعواطف.. مؤشران للنجاح

الالتزام بالدين والغذاء الصحي وانتظام النوم يخفف من حدته

أكد الدكتور طارق علي الحبيب البروفسور واستشاري الطب النفسي – الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء النفسيين العرب ان الجانب الروحاني الديني في ضبط الغضب له التأثير البالغ في النفوس مستشهدا ببعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الدالة على ضبط النفس والتروي عند الغضب، معرفا اياه بأنه شعور انفعالي يؤثر على سلوك الكائن الحي ويدفعه إلى إلحاق الأذى بذاته أو بغيره. واصفا اياه بانه الانفعال الوجداني السلبي الذي يصاحب الكائن الحي عند تعرضه لمواقف ضاغطة تتسم بالتهديد أو خطر المواجهة. وبالتالي عدم قدرته على ضبط انفعالاته الوجدانية.

وأوضح أن التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية حتى ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع البشر على اختلاف طباعهم وأخلاقهم.

وأشار إلى أن ممارسة بعض الأنشطة الرياضية والالتزام بالنمط الغذائي الصحي وانتظام النوم والقدرة على تعديل الأفكار السلبية.. من العوامل المساعدة التخفيف من حدة الغضب..

جاء ذلك في ثنايا محاضرته التي ألقاها في القاعة الكبرى بالمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس والتي نظمها مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم هذا الأسبوع تحت عنوان «إدارة الغضب»  فإلى نص المحاضرة..

 

بدأ الدكتور محاضرته بالتعريف بالغضب حيث أوضح انه شعور انفعالي قد يؤثر على سلوك الكائن الحي ويدفعه إلى إلحاق الأذى بذاته أو بغيره. واصفا اياه بانه الانفعال الوجداني السلبي الذي يصاحب الكائن الحي عند التعرض لمواقف ضاغطة تتسم بالتهديد أو خطر المواجهة. كما عرفه بأنه عدم قدرة الكائن الحي على ضبط انفعالاته الوجدانية السلبية عندما يعجز عن الوصول إلى تحقيق هدف ما في البيئة الواقعية المحيطة.

وأضاف أن التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية حتى ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها.. مبينا ان الغضب يؤدي إلى  اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، نتيجة التصادم والاحتكاك مع الطرف الآخر وبالتالي يحصد بسببه الإنسان خصومات وعداوات كثيرة. مستشهدا بقول الشاعر: «لا ينال العلا من طبعه الغضب».. مؤكدا في محاضرته ان معظم علماء النفس يتفقون على أن الانفعال ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي، ولكن عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني و البدني وفقد الرغبة في الاستمتاع بالحياة، مع بعض الأعراض الاكتئابية.

الارشاد الديني

وأكد د. طارق ان الجانب الروحاني الديني في ضبط الغضب له التأثير البالغ في النفوس مستشهدا ببعض الآيات الكريمة والأحاديث والشريف وبعض القصص الواقعية الدالة على ضبط النفس والتروي عند الغضب حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) وفي آية أخرى قال: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، كما يقول سبحانه: ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله)  وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: (من يحرم الرفق يُحرم الخير كله) وقوله عليه الصلاة والسلام في ضبط الغضب (إذا غضب أحدكم فليتوضأ). وكذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليسَ الشَّديدُ بالصُرَعةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يَملكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ).

وايضا روي أن جارية كانت تصب الماء لسيدها، فوقع منها الإناء فانكسر وأصاب سيدَها شيءٌ منه، فنظر إليها وهو غضبان فقالت له: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال: قد كظمت غيظي قالت: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال: قد عفوت عنك قالت (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) فقال لها: أنت حرة.

أعراض الغضب

وأوضح الحبيب في محاضرته ان هناك إحساسا أو جملة من الانفعالات الشعورية تختلف حدتها من الاستثارة البسيطة انتهاءاً إلى الثورة الحادة والعدوان. مبينا ان هذا الانفعال يصاحبه تغير جوهري في الوظائف العضوية الحيوية، من بينها: تغير ضغط الدم وتغير مستويات السكر في الدم وتغير نشاط الغدد الصماء وغيرها. موضحا الاعراض الناتجة عن الغضب منها: ارتفاع ضغط الدم وزيادة إفرازات هرمونات الضغوط وسرعة التنفس وخفقان القلب وارتعاش والاصابة بالاسهال. وايضا تقلص حدقة العين (بؤبؤ العين).. وضعف القوة البدنية وسرعة الكلام والحركة مع التوتر وعضلات مشدودة ومن اعراضه النقد المستمر والاستثارة والنفور من الغير والسلوك العدواني والحسد وكذلك انعدام الشعور بالأمان وعدم تقدير الذات ولوم الغير. وكذلك الشعور بالاكتئاب وبالقلق ومن مظاهره عدم القدرة على النوم أو الأرق وإصدار الآراء السلبية والشكوى المستمرة وايضا نتيجته انخفاض الأداء في الرغبة الجنسية واضطرابات الجهاز التنفسي وأمراض القلب.

أنواع الغضب

واسترسل المحاضر مبينا ان هناك عدة انواع من الغضب، فهناك الغضب الداخلي وهو «كبت الانفعال» وهناك الغضب الخارجي والغضب المباشر والغضب غير المباشر «الإسقاط»، وهناك «الغضب النزوعي» (السلوكي) بأنواعه والغضب النكوصي والغضب الموقفي.

مراحل الغضب

وأشار المحاضر الى ان هناك ست مراحل للغضب أولها: مرحلة ما قبل الاستثارة الانفعالية (الموقف أو المنبه) أو مرحلة التفكير السلبي. وثانيها: مرحلة بداية الاستثارة الانفعالية. والثالثة: مرحلة ذروة الاستثارة الانفعالية والسلوك الاندفاعي. والرابعة: مرحلة العدوان سواء (اللفظي أو الجسدي). والخامسة: مرحلة تشوش الشعور (وتشمل: الضيق، والاستياء، والكدر، والاستثارة، والاحباط، والعبوس، والسخط، والنقمة، والاساءة…). والسادسة: مرحلة الندم ولوم الذات (عقب الاستثارة الانفعالية) أو (ما بعد الاستجابة السلوكية). حيث يبدأ الغضب بالموقف السلبي بعده يبدأ الغضب ثم يشتد ليأتي بعدها الهجوم ثم واخيرا يتم الاعتذار.

كما تطرق طارق الحبيب الى الفرق بين الغضب وتوكيد الذات مبينا ان توكيد الذات: هو قدرة الفرد على التعبير عن ذاته وانفعالاته بشكل توافقي بحيث يستطيع تحقيق أهدافه والوصول إلى غاياته وحقوقه دون الاعتداء على حق الآخر ودون إيذاء ذاته أو إيذاء الغير سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. اما الغضب: فهو شعور انفعالي طبيعي ما لم يترتب عليه سلوك عدواني موضحا أن الغضب في حال ما إذا ترتب عليه عدوان أصبح سلوكاً مرضياً، وبالتالي يستحق التدخل العلاجي.

مشيرا الى عامل من عوامل استثارة الغضب هو انخفاض تقدير الذات والتعرض المستمر للمواقف الضاغطة دون الفصل بينها وبين نمط حياة الفرد في المواقف الحياتية الأخرى ونمط التفكير السلبي.

أسباب الغضب

وبيّن الدكتور طارق الحبيب ان الغضب يختلف من شخص لآخر، فالأمور التي تغضب بعض الناس قد لا تغضب البعض الآخر, فهو حالة تجتاح الإنسان عند حدوث شيء غير متوقع أو لا ينتظره كردة فعل نفسية. مبينا ان هناك أسباب غضب خارجية وأسباب غضب داخلية ومنها مثلا: التعرض لأشياء تحفزه على الضيق مثل: أزمة المرور او إلغاء رحلة سفر. وكذلك إطالة التفكير في الأمور الخاصة والعائلية أو في ذكريات مؤلمة تثير مشاعر الغضب عند استرجاع الإنسان لها.

مشيرا الى ان هناك ايضا اسبابا اخرى للغضب منها: الإرهاق والجوع والألم والمرض والاعتماد على عقاقير (او إساءة استعمالها). موضحا ان هناك اسبابا اخرى مثل التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية لدى الإناث. او الوصول إلى سن انقطاع الطمث. وكذلك الانسحاب من تأثير مخدر. وكذلك الاضطرابات النفسية والعوامل الجينية والضغط العصبي الناتج عن إيقاع الحياة اليومية.

ضبط الغضب

ويطرح الدكتور طارق الحبيب تساؤله اثناء المحاضرة: هل يستطيع الفرد أن يؤثر في نوعية خبراته مما يؤدي إلى ضبط الغضب؟ مجيبا عن تساؤله بنعم.. ولكنه إلى التفاعل المتوازن بين التفكير والشعور والسلوك والجانب الروحاني، مع ضرورة تعديل أنماط التفكير السلبي وخفض مستوى الانفعالات الجسدية وايضا يجب عليه تعديل نمط الحياة بالتدعيم وأساليب الاسترخاء.

مضيفا: ان الشخص يمر بعمليات إدراكية واعية وغير واعية أثناء التعامل مع خبرة الغضب وهي ثلاث:

 اولها التعبير عن الغضب: هو التعبير الصريح عنه، وهو ليس شكل عدائي وإنما هو سلوك يتسم بالقوة والتعقل في آن واحد. فهو غضب صحي قوامه إخراج المشاعر الثورية الكامنة داخل نفس الشخص وبالتالي عدم تعرضه للضغوط المدمرة. موضحا ان الشخص لكي يقوم بالتعبير عن الغضب لابد أن يحدد احتياجاته وكيف يلبيها بدون أن يؤذي الآخرين، وكون الإنسان جازماً فهذا يعنى أنه يحترم نفسه ويحترم الآخرين.

والعملية الثانية التي اشار اليها هي كبح الغضب وهو (عدم التعبير عن الغضب): مبينا ان من الممكن كبت الغضب وكبحه لكن هذا الشكل خطير للغاية، لأن الإنسان لا يستطيع التعبير عن مشاعره وإخراجها وبالتالي تتراكم الأحاسيس السلبية داخل النفس وتترجمها في صورة ضغط دم مرتفع، واكتئاب… الخ. مضيفا: انه عندما يقع الإنسان في هذا الفشل من التعبير عن غضبه، يبدأ التكيف مع هذا الكبت في إصدار السلوك العدائية تجاه الآخرين لأنه ليس لديه القدرة على المواجهة كما أنه يفشل في إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.

اما الخبرة الثالثة فيشير الى انها هي ما يسمى الغضب الهادئ وهو الذي يهدف إلى تغيير مسار الغضب وهذا يحدث عند التوقف عن التفكير في الغضب للتركيز على شيء إيجابي والغرض من هذا الكبح هو منع ظهور المشاعر الثورية فيتم تحويلها إلى سلوك بناء إيجابي.

التفكير السلبي وكيفية التعامل معه

كما تطرق الدكتور ايضا الى كيفية التعرف على أنماط التفكير السلبي أثناء المواقف المحفزة للغضب مبينا ان اهمها هي: التعميم والكل أو اللاشيء والكمالية والتفكير الكوارثي والأحكام المسبقة واللوم الزائد للذات والآخرين وايضا المبالغة في تضخيم الأمور. مشيرا الى ان هناك استراتيجيات للتعامل مع الغضب اهمها الاسترخاء: مثل: التنفس العميق الذي يهدأ من حدة الغضب بشكل كبير. مبينا ان هناك العديد من الكتب والدورات التدريبية التي تجعل الإنسان يتقن هذه الطرق.

حل المشكلة

كما تطرق الحبيب الى كيفية تعلم مهارات حل المشكلات مبينا ان أول شيء ينبغي أن يفعله في نقاش محتد هو التفكير الجيد قبل إصدار رد الفعل، وعدم التفوه بأي شيء يأتي إلى ذهنه بل التمهل فيما يصدره، وفى نفس الوقت على الشخص الإنصات جيداً لما يقوله الشخص الآخر والتفكير جيداً قبل الرد. موضحا انه من الطبيعي أن يتخذ الفرد موقفاً دفاعياً عندما يتعرض للانتقاد، لكن لا يصل الأمر إلى حد شن الحرب وعليه أن يقوم بدراسة المعاني الخفية التي تحملها الكلمات لأنه إذا لم يقم بالدراسة من المحتمل أن تولد شعور بالإهمال وعدم الحب عند الطرف الآخر..  مشيرا الى ان الصبر هو أساس استمرار العلاقات وعدم فشلها.

استشارة طبية

كما بين المحاضر ان من ضمن الحلول لمشكلة الغضب هو ان على الشخص حينما يشعر بمجرد أنه لا يستطع التحكم في غضبه، وأنه يؤثر بشكل جوهري على علاقاته وعلى جوانب هامة في حياته.. عليه باللجوء إلى النصيحة الطبية لترشده إلى طريقة أفضل للتعامل مع أمور الحياة، وهذه المشورة الطبية تتمثل في الأخصائي النفسي الذي يعمل مع الشخص على تنمية وتطوير مجموعة من الأساليب التي تجعله يغير من طريقة تفكيره وسلوكه.

ضبط الغضب

وذكر المحاضر بعض الأساليب الأخرى في ضبط الغضب منها: ممارسة بعض الأنشطة الرياضية والالتزام بالنمط الغذائي الصحي وتنظيم ايقاع عملية النوم وخفض العوامل الحياتية الضاغطة خاصة في العمل وخفض الصراعات والخلافات الزوجية وتنمية الجوانب المعرفية الخاصة بمعرفة الذات، وسمات الشخصية، وكيفية تنمية السلوك التوافقي. وايضا تنمية توكيد الذات، والقدرة على تعديل الأفكار السلبية.

وأشار الحبيب الى ان هناك برامج للتحكم في الغضب أو ضبط الغضب يمكن اتباعها وهي المعروفة علمياً باسم ANGER MANAGMENT، فبرنامج إدارة الغضب الهدف منه تخفيف الإثارة والتعبير الغاضب المفرط وان الطريقة المثلى في ذلك هي تطوير المعرفة وايضا عن طريق الممارسة السلوكية الصحيحة.

 

الخلاصة

الغضب هو جماع الشر كله، به تمزقت الصِّلات وتقطعت الارحام وثارت نار العداوات وارتكبت بسبب الكثير من الحماقات.. يروى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجه انه قال: «أول الغضب جنون وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب».

------------------------

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني

الجمعة, 5 جمادى الأول 1435هـ. 07 مارس 2014م