طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 4673

الخليلي: القرآن يصفي النفوس وينور الأفكار ويرتقي بعزائم الناس

الإسلام كل جزئية منه تدعو إلى الوحدة والوفاق 
الصلاة صلة بين العباد وربهم ورابطة للقلوب ومؤلفة بينه
ا 
أكد سماحة الشيخ احمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة ان بناء المساجد سواء كانت تأسيسا أو تجديدا حسية أو معنوية هي شاهد على الايمان.
وقال: إن الأمة بحاجة الى ان تجدد صلتها بالله سبحانه وتعالى من حيث عمارة المساجد التي يشرق فيها نور الله والله عز وجل وبين انها هي الأماكن التي يؤمها المؤمنون الذين تهفوا قلوبهم الى ذكر الله وتطمئن بذلك.
وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم  بشر الذين ينفقون أموالهم في بنائها بالعوض الكبير ألا وهو بناء بيت في الجنة فما أعظم هذه البشرى.
وبين أن المال مال الله ولكن من فضل الله على عباده أنه يهب الجزاء الأعظم الذي لا يقاس بقدر للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله سواء في بناء المساجد أو في عمارتها.
وقال: نجد أن الله سبحانه وتعالى يدعو عباده الى الإنفاق في مقام التذكير باليوم  الآخر وقبل أن يحسوا بغصة الموت ويتمنى الانسان في ذلك الوقت أن لو ينسأ له في أجله  بقدر ما ينفق وأنى له ذلك كل ذلك من أجل حض الناس على المسارعة الى هذا الخير لكي ينالوا الجزاء العظيم يوم القيامة.
وأشار إلى أن القرآن فيه بيان كل شيء هو الهداية للإنسانية يقودهم إلى الخير وإلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وهو الذي يصفي النفوس وينور الأفكار ويطهر السرائر ويرتقي بعزائم الناس ويجمع شتات البشرية بأسرها موضحا انه جمع القريب والبعيد العربي والأعجمي القاصي والداني ووحد القلوب  بالوحدة الإيمانية.
وأكد أن القرآن هو ضمان لوحدة المؤمنين عندما يتبع ويهتدى بهديه ويسار في نهجه ويعض عليه بالنواجذ فهو الذي يدحر الفتن ويقضي عليها ويطفىء ما اشتعل من نيرانها.
وقال: نحن ندعو إلى القرآن وإلى سنة النبي عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام وإلى التمسك بهذين الأصلين المباركين والرجوع اليهما بهذا تذوب جميع الخلافات بين الأمة.
وأوضح ان في كل جزئية من جزئيات الاسلام ما يدعو الى الوحدة والوفاق الصلاة صلة بين العباد وربهم وهي رابطة للقلوب ومؤلفة بينها والصيام كذلك وما فيه من التربية على الأخلاق والزكاة تطهير للقلوب وردم للهوة بين الأغنياء والفقراء تستل السخائم والأحقاد من نفوس الفقراء وتفجر مشاعر الرحمة في قلوب الأغنياء والحج موسم لقاء بين جميع المؤمنين على اختلاف فئاتهم يتوحدون هناك.
وقال: هذا هو الإسلام وهذه هي قيمه ودور المسجد في هذا عظيم في تربية الناس على الأخلاق وتنشئتهم على القيم وربطهم بالعقيدة التي توحد ولا تشتت وتجمع ولا تفرق وتؤلف ولا تنفر .
وأكد على أننا بحاجة إلى هذه التربية في بيوت الله تعالى حيث تصفوا النفوس وإلى رواد من الدعاة يرتادون هذه النواحي من اجل الخروج بالناس من الخلاف والتفرق والتشتت الى الاجتماع والوحدة .
جاء ذلك في محاضرته التي ألقاها في رعايته حفل افتتاح مسجد الشافعية في ويتى بالجزيرة الخضراء (بيمبا) أثناء زيارته  لزنجبار في الفترة من 9 إلى 19 من ذي القعدة 1434هـ الموافق 15-25-9-2013م وإلى نص ما قاله في هذه المحاضرة القيمة يقول سماحة الشيخ الخليلي مفتي عام السلطنة: ما أسعدها من فرصة بان نلتقي بهذا الحشد المبارك في هذا المسجد الشريف وفي هذا اليوم الميمون من اجل هذه المناسبة العزيزة مناسبة افتتاح هذا الصرح الديني بعدما تجدد بفضل الله تعالى وتوفيقه وقد مر عليه من قبل قرن من الزمن وهو يؤدي رسالته ويقوم بواجبات الدين وجمع شتات المسلمين إذ يجمع بين جنباته لفيفا من الركع السجود الذين  تنحني ظهورهم وتتطأطأ رؤوسهم وتسجد جباههم لله سبحانه وتعالى.
ومن العلوم ان بناء المساجد سواء كانت تأسيسا أو تجديدا انما تدل على الايمان فكل عمارة للمسجد سواء كانت عمارة حسية أو معنوية هي شاهد على الايمان بان الله تعالى يقول (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) .
ونحن نحمد الله تعالى سبحانه وتعالى على اننا نجد هذه العناية بمساجد الله سبحانه ونجد العناية ايضا بعمارتها المعنوية بحيث إقام الصلوات بين جنباتها واقامة حلقات الذكر وأهمها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فالأمة لا تزال بخير ما حافظت على المساجد وحافظت على القرآن.
ان الأمة هي بحاجة الى ان تجدد صلتها بالله سبحانه وتعالى من حيث عمارة هذه المساجد التي يشرق فيها نور الله فإن الله عز وجل ضرب مثلا لنوره عندما قال (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
ثم بين من أين يشرق هذا النور ومن أفق يسطع فقال (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب).
وقد بين الله سبحانه وتعالى خصوصيته بهذه المساجد فهو سبحانه رب هذه المساجد هي بيوته في هذه الأرض فقد قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)  وبين عز وجل ان هذه المساجد انما هي الأماكن التي يؤمها المؤمنون الذين تهفوا قلوبهم الى ذكر الله وتطمئن بذلك وتسعى الى ذلك فقد جاء في الحديث القدسي الرباني (ان بيوتي في الارض المساجد وان زواري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فان حقا على المزور ان يكرم زائره).
هذا كله مما يدل على عظم شأن بيوت الله سبحانه وتعالى وان عمارتها كما اخبر الله تعالى في كتابه دليل الايمان ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يرتاد المسجد أو يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) ثم تلا الآية الكريمة وقال صلى الله عليه وسلم (ألا أنبؤكم بما يمحو الله تعالى به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط) ومن حيث ان هذه المساجد لا تقوم بنفسها حتى يقيمها عباد الله الصالحون الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله فان النبي صلى الله عليه وسلم  بشر الذين يقومون بذلك بالعوض الكبير فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة) بل جاء في بعض الروايات (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة) والعلماء اختلفوا في شرح هذا الحديث هل يعني ذلك المبالغة بان المسجد ولو كان صغيرا هو سبب لبناء الله تعالى له بيتا في الجنة ) اذا لا يعقل ان يكون المسجد كمفحص القطاه أو أن ذلك عندما يشترك المؤمنون في بناء المساجد بحيث يكون نصيب أحدهم في البناء كمفحص القطاة لبيضها فان الله تعالى يعوضه عن ذلك ان يبني له بيتا في الجنة فما اعظم هذه البشرى على اننا علينا ان ندرك انما آتانا الله سبحانه وتعالى من مال انما هو ماله فالمال مال الله سبحانه والعباد انما هم مؤتمنون على هذا المال ومستخلفون فيه كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) وقوله (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ).
فالمال مال الله ولكن من فضل الله على عباده انه يهب الجزاء الأعظم الذي لا يقاس بقدر لهؤلاء الذي ينفقون أموالهم في سبيل الله سواء في بناء المساجد أو في عمارتها فيما يقام فيها من حلقات الذكر وإيجاد المكتبات فيها أو الانصات إلى الطلبة الدارسين فيها كل هؤلاء ينفقون من مال الله تعالى ويؤجرهم الله تعالى الجزاء الأوفى عنده سبحانه فان الله سبحانه عندما وعد عباده جنة عرضها السموات والأرض وما ادراك ما عرض السموات والأرض من الذي يستطيع ان يعرف عرض السموات والأرض لا يوجد من يستطيع ان يحدد اما الأرض نعم اما السموات من الذي يستطيع ان يحدد عرض السموات والأرض انا بنفسي مررت بمراحل في دراسة الحقائق الكونية قبل اكثر من اربعين سنة من الآن كان عندي كتاب في الكون غاب اوله وآخره ولذلك لا أعرف تأليف من هو في هذا الكتاب قال: ان أبعد مجرة على الأرض تبعد خمسمائة مليون سنة ضوئية بحيث لو انطلق شيء من هذه الأرض الى تلك المجرة وكان يسير بسرعة الضوء في الثانية الواحدة مائة الف ميل ستة وثمانين الف ميل وثلاثمائة ميل أي ما يعادل ثلاثمائة ألف كيلومتر لما وصل الى هناك إلا بعد خمسمائة مليون من السنين.
ما مرت فترة إلا ووجدت افتتاحية لمجلة العربي بقلم رئيس تحرير هذه المجلة الدكتور أحمد زكي هذه الافتتاحية كانت تتحدث عن الأقيسة ومن جملة ما كتبه الكاتب عن الضوء وسرعته فقال: (ان أبعد مجرة تبعد عن الارض اكتشفت بأكبر تلسكوب بينها وبين الأرض الفان من ملايين السنين الضوئية ما مرت فترة إلا واطلعت في مجلة البلاغ او مجلة المجتمع والأرجح في مجلة المجتمع على مقال للدكتور النجار ذكرت ان أكبر مجرة تبعد عن الأرض بينها وبين الأرض خمسة آلاف مليون من السنين الضوئية وأخيرا آخر ما اطلعت عليه في كتاب يعد موسوعة في الكون للدكتور ماهر أحمد الصوفي وهو في 13 مجلدا جاء فيه بان أبعد مجرة اكتشفت على الأرض آخر شيء بينها وبين الأرض 13 مليارا من السنين الضوئية ولا تزال الدائرة تتسع يوما بعد يوم وما (أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).
هذا بعض من هذا الكون الجنة هي أوسع من ذلك كله هذه الجنة التي وعد بها المتقون (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) من هم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ).
أول وصف الانفاق في السراء والضراء والله سبحانه وتعالى بين أجور هؤلاء الذين ينفقون أموالهم بطريقة فيها تقريب الى الأذهان عندما قال عز من قائل (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) هذا تقريب للأذهان وإلا ففضل الله أعظم من الذي يزهد في هذا الفضل العظيم ان يتاجر بدرهم ويكون الربح 700 درهم هذا أقل شيء والله يضاعف لمن يشاء فمن الذي يزهد في هذا الخير العظيم الذي يناله الانسان بانفاقه من المال الذي جعله الله في يده وهو مال الله هذا المال لم يستطع الانسان أن يكتسبه بحيلة ولا بقوة ولا بأي شيء وانما هو بفضل الله تعالى عليه ومع ذلك ان وضعه في موضعه فإن الأجور تكون هكذا.
ونجد أن الله سبحانه وتعالى يدعو عباده الى الإنفاق في مقام التذكير باليوم الآخر اليوم الذي تتقطع فيه الصلات وتنحل فيه الوشائج وتذوب فيه العلاقات بين الناس انما يكون بين المتقين فقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ).
كذلك يدعو الله عباده الى الانفاق مما آتاهم من المال قبل ان يحسوا بغصة الموت ويتمنى الانسان في ذلك الوقت ان لو ينسأ له في اجله  بقدر ما ينفق وأنى له ذلك فقد الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
كل ذلك من أجل حظ الناس على المسارعة الى هذا الخير لكي ينالوا الجزاء العظيم يوم القيامة.
أما بالنسبة إلى القرآن فإن القرآن ولا ريب هو الذي جمع الشتات ووحد بين هذه الأصناف من البشر هو الذي جمع الشتات البشرية بأسرها الله سبحانه وتعالى يصف بقوله (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) وقوله (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
وبقوله (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) وبقوله (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) ويصف الله سبحانه تعالى بقوله (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) ويقول(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) ويقول (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
فالقرآن الكريم فيه بيان كل شيء هو الهداية لهذه الإنسانية يقودهم الى الخير والى مرضاة الله سبحانه وتعالى رب العالمين هو الذي يصفي النفوس وهو الذي ينور الأفكار وهو الذي يطهر السرائر وهو الذي يرتقي بعزائم الناس.
كيف كان حال العرب قبل ان ينزل القرآن عليهم قبل ان يهذبهم الله تعالى بهذا القرآن نترك المجال لفارس الميدان الأستاذ مصطفى صادق الرافعي صاحب كتاب اعجاز القرآن والبلاغة النبوية ماذا يقول في العرب: (كانوا بين راع للغنم وداع للصنم وعابد على وهم وجاهل على فهم وإنسان كأنه من شره آلة لفناء الانسان وشيطان كأنه من خبثه مادة لوجود الشيطان ولكن كيف كان حالهم في ظل عقدين من السنين ماذا فعل القرآن فيهم؟ قال وبنفسه يذكر: ان هذا القرآن كان كانما أمسك بالجزيرة العربية من طرفها ونفضها تحت شعاع الشمس فتفرقت ذراتها في الارض فوقع وراء كل ذرة عربي يحمل الى الناس هداية القرآن كانما هو رسول الى أمة هكذا كان التحول
هكذا القرآن الذي جمع هذا الشتات من المؤمنين جمع القريب والبعيد العربي والأعجمي القاصي والداني وحد هذه القلوب  بهذه الوحدة الايمانية فكانت هذه القلوب كما يصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين عندما قال (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).
نعم القرآن هو ضمان لوحدة المؤمنين عندما يتبع ويهتدى بهديه ويسار في نهجه ويعض عليه بالنواجذ لذلك نحن ندعو الى القرآن وندعو الى سنة النبي عليه وعلى آله وصحبه افضل الصلاة والسلام  ندعو الى التمسك بهذين الأصلين المباركين بهذا تذوب جميع الخلافات وجميع الفوارق بين الأمة.
القرآن الكريم هو نور الله سبحانه وتعالى يصفه النبي صلى الله عليه وسلم  في حدث جاء عند الامام احمد والترمذي من رواية الإمام علي كرم الله وجهه والحديث وان قال فيه اهل الحديث بأن اسناده ضعيف الا اننا نجده من حيث المتن تسطع كلماته بنور النبوة فهي طبعا انما تتألق من مشكاة النبوة يقول عليه افضل الصلاة والسلام (ستكون من بعدي فتن كقطع الليل المظلم قيل له وما المخلص منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم  وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أظله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد وهو الذي لم تنته الجن اذ سمعته ان قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا من قال قوله صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن اعتصم به فقد هدي الى صراط مستقيم) هذا هو حال القرآن وهذا هو وصف القرآن هو الذي يدحر الفتن ويقضي عليها ويطفىء ما اشتعل من نيرانها فلذلك انا ادعو المسلمين اليوم جميعا الى الرجوع الى هذا القرآن.
لا ريب كما سمعتم من كلام المشايخ الذين تحدثوا ثم من كلام  العلامة السيد أحمد بدوي جزاه الله خيرا مما قاله من أن هنا وحدة إيمانية نعم هذه الوحدة الايمانية بفضل الله تعالى ولكن أخذت تهب عليها أعاصير من هنا وهناك لنسف هذه الوحدة والقضاء عليها وبلبلة أفكار المسلمين نعم نقول لهؤلاء الذين يقومون بهذه المهمة عليكم بالقرآن ارجعوا الى كتاب الله تعالى ماذا تجدون في كتاب الله تعالى من الدعوة الى الاجتماع والألفة والمودة والمحبة والقضاء على كل فتنة ليس هذا من مصلحة احد من هذه الأمة وإنما ذلك من مصلحة أعداء الاسلام الذين يتربصون بهذه الأمة الدوائر ويريدونها ان تتفرق وان تتمزع اشلاء كما هو واقعها اليوم انما وصل بتفريق هذه الأمة والذين يسعون في صفوف هذه الأمة الى تفريقها انما هم يسعون الى مصلحة اولئك يسعون الى تدمير هذه الأمة فلذلك يجب على الأمة ان تتيقظ لهذا الأمر وان ترجع الى كتاب ربها وسنة نبيها عليه افضل الصلاة والسلام .
نحن نجد في كل جزئية من جزئيات الاسلام ما يدعو الى الوحدة والوفاق الصلاة هي صلة بين العباد وبين وربهم ولكن مع ذلك هذه الصلاة هي رابطة للقلوب ومؤلفة بينها شرعت في هذه المساجد من اجل لملمة الشتات وجمع الكلمة وتوحيد القلوب والربط بينها حتى تكون قلوب المؤمنين كقلب رجل واحد.
ما أعظم هذا المشهد عندما يتحول المسلمون وراء الامام حركة واحدة تنتظم صفوفهم في حركات كلها في الركوع والرفع منه والسجود والرفع منه وفي القيام والقعود وفي كل جزئية من جزئيات الصلاة ما أعظم هذا المشهد تتبخر بهذا النعرات وتتحطم  الحواجز وتزول الفوارق لا يبقى فرق بين أحد على آخر يقف الأبيض والأسود معا والقوي والضعيف معا والغني والفقير معا والحاكم والمحكوم معا تنتظم صفوفهم جميعا.
ولو جئنا الى الصيام كذلك حسبكم ما في الصيام من التربية على الأخلاق الصيام مدرسة أخلاقية يقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصوم جنة فاذا كان صوم يوم احدكم فلا يرفث ولا يجهل فان احد سابه أو قاتله فليقل إني صائم ) ما أعظم هذه من التربية .
الزكاة هي تطهير للقلوب وردم للهوة بين الأغنياء والفقراء فتستل بهذا السخائم والأحقاد من نفوس الفقراء كما تفجر مشاعر الرحمة في قلوب الأغنياء فيعطفون على إخوانهم الفقراء.
الحج موسم لقاء بين جميع المؤمنين على اختلاف فئاتهم يتوحدون هناك وهكذا كل جزئية من جزئيات الاسلام .
فنحن نرى كيف ربى الاسلام اتباعه على الأخلاق العالية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ولم يقل ولا تلامزوا وانما قال(وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ)
كل لامز ان لمز غيره فإنما هو لامز لنفسه (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) لا لتنافروا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
هذا هو الاسلام وهذه هي قيمه ودور المسجد في هذا دور عظيم في تربية الناس على هذه الأخلاق وتنشئتهم على هذه القيم وربطهم بالعقيدة التي توحد ولا تشتت وتجمع ولا تفرق وتؤلف ولا تنفر .
نحن بحاجة الى هذه التربية في بيوت الله تعالى حيث تصفوا النفوس وتتخلص من جميع أكدارها ونحن بحاجة الى رواد من الدعاة يرتادون هذه النواحي من أجل الخروج بالناس من الخلاف والتفرق والتشتت الى الاجتماع والوحدة حتى يكونوا جميعا كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال المؤمنين وأنا أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذا الصرح الديني وأن يجزي الأجر لكل من شارك فيه بأدنى شيء وان يوفقهم لطاعته ويهديهم لمرضاته ويعمل بأيديهم إلى ما يحبه ويرضاه .
وأسأله سبحانه وتعالى ان يظل هذا الصرح الديني وغيره من الصروح في هذا البلد وفي غيره من بلاد المسلمين جميعا محاريب عبادة ومنابر دعوة ومراكز إشعاع فإن هذه هي رسالة المسجد، المسجد ليس مكان عبادة فحسب ولكنه مركز إشعاع كما كان مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأسأل الله التوفيق للجميع.

----------------------------------------------

متابعة- سيف بن ناصر الخروصي

جريدة عمان: الجمعة, 29 ربيع الأول 1435هـ. 31 يناير 2014م