أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن علينا أن نطيع الله ورسوله بالاعتماد على مصدرين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة.

وقال: إن سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعلها الله تعالى نبراسا منيرا ومنهجا قويما لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وتوضيحا لما ورد في الكتاب العزيز كما جاءت أيضا متعرضة لكثير من القضايا التي لم يتعرض لها الكتاب العزيز.

وأوضح أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يرقى إلى شأوه أي كلام فهو المبلغ عن الله وما علينا جميعا إلا أن نتبعه وننقاد لأمره كما ننقاد لأمر الله.

وبين ان الحديث الشريف يرجع إليه مع الاختلاف والتنازع والشقاق كما يرجع إلى القرآن الكريم لأن كلامه (صلى الله عليه وسلم) لا يحوم حوله الهوى وعلينا أن لا نشك وأن لا نتردد في قبول أي شيء جاءنا من الله او من رسوله (صلى الله عليه وسلم).

وقال سماحته: إن الذين يعرضون عن سنة رسول الله عليه السلام كالذين يعرضون عن القرآن الذي جاء من عند الله عز وجل ولا ريب أن دلائل القرآن الدالة على استقلال السنة بالتشريع دلائل قوية.

وأوضح أن استقبال بيت المقدس لم يأت نص قرآني يدل عليه وإنما ثبت بوحي من الله إلى رسوله عليه السلام فكان اتجاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه بأمر من الله ولم يكن عن هوى في نفسه.

وبين أن تعظيم الكعبة المشرفة كان متغلغلا في أعماق نفوس العرب ولذلك كانوا في جاهليتهم يعظمون البيت الحرام ويجلونه ويقدسونه.

جاء ذلك خلال المحاضرة الدينية التي ألقاها سماحته مؤخرا بجامع السلطان قابوس بإبراء بعنوان (مكانة السنة في التشريع الإسلامي) والتي نظمها ديوان البلاط السلطاني ممثلا في مركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم.

 

وإلى نص ما قاله سماحته في هذه المحاضرة القيمة بعنوان (مكانة السنة في التشريع الإسلامي):

يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة: لقاؤنا في هذا المقام الطيب هو عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي يتطاول عليها المتطاولون الأغراب والتي جعلها الله تعالى نبراسا منيرا ومنهجا قويما لإخراج الناس من الظلمات الى النور.

 

فالله سبحانه وتعالى بعث عبده ورسوله محمدا (صلى الله عليه وسلم) على فترة من الرسل وانقطاع من الوحي وظلال من العقول وفساد من الأخلاق وانحطاط من القيم بعدما استبدت الأهواء بالناس، فجاء صادعا فيهم بكتاب الله يدعوهم الى الله سبحانه وتعالى ويبشرهم وينذرهم. وقد جاءت سنته (صلى الله عليه وسلم) توضيحا لما ورد في الكتاب العزيز كما جاءت أيضا متعرضة لكثير من القضايا التي لم يتعرض لها الكتاب العزيز إذ إنه سبحانه وتعالى جعل هذه السنة المطهرة وحيا من عنده جل شأنه كما جعل الكتاب العزيز وحيا طاهرا وقد فرض علينا اتباعه والاقتداء به وجعل ذلك من علامة الإيمان بالله واليوم الآخر وقد قال عز من قائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) وقال أيضا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا).

 

فرسل الله المصطفون الأخيار كلهم جاؤوا مبلغين عن الله سبحانه وتعالى وقد جعل الله تعالى رسالاتهم جميعا يجتمع شملها في هذه الرسالة الجامعة التي بعث عبده ورسوله (صلى الله عليه وسلم) لذلك كان اتباعه عليه أفضل الصلاة والسلام عهدا من عند الله عهد به إلى جميع الأنبياء المتقدمين. كما عهد الله بهذا إلى جميع الأمم من خلال أخذه على الأنبياء فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ). هذا هو عهد الله سبحانه وتعالى إلى الجميع، وهذه الأمة إنما انعقد خيرها باتباع كتاب الله واتباع سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)..

 

فالله عز وجل يقول في القرآن الكريم: (هدى للمتقين) ويقول فيه: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ويقول فيه سبحانه: (هدى ورحمة للمحسنين) ويقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) وفرض الله سبحانه وتعالى على عباده اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ النبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بما أنزله الله تعالى إليهم فهو الخبير بحقيقة التنزيل ومسالك التأويل لذلك كان كلامه صلى الله عليه وسلم لا يرقى إلى شأوه أي كلام فهو المبلغ عن الله وما علينا جميعا إلا أن نتبعه سلام الله وصلواته عليه وننقاد لأمره كما ننقاد لأمر الله فقد أمرنا مع الاختلاف أن نرجع إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) وأنتم ترون أن الرد لا يكون إلا إلى هذين المصدرين المصدر الذي جاء من عند الله وهو القرآن الكريم والمصدر الذي جاء من عند رسوله وهو الحديث الشريف.

 

فالحديث الشريف يرجع إليه مع الاختلاف والتنازع والشقاق كما يرجع إلى القرآن الكريم لأن كلامه (صلى الله عليه وسلم) لا يحوم حوله الهوى فقد قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). هو وحي أوحاه الله تعالى كما أوحى إليه القران الكريم. ونحن علينا أن لا نشك في هذا الأمر وأن لا نتردد في قبول أي شيء جاءنا من الله او من رسوله (صلى الله عليه وسلم) وأنتم ترون أن الله عز وجل عندما ذكر أحوال المنافقين الذين يعرضون عندما يدعون إلى الحق بين أنهم يدعون إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فلو كان الرجوع إلى القرآن وحده لاكتفى الله بذكر (ما أنزل الله) وما ذكر الرسول يقول الله تعالى (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) هذه الآية الكريمة تبين كل البيان أن الذين يعرضون عن سنة رسول الله عليه السلام كالذين يعرضون عن القرآن الذي جاء من عند الله عز وجل ولا يكون ذلك إلا نتيجة مرض النفاق الذي يبعد الناس عن الله ويصدهم عن سبيله ويبعدهم عن اتباع ما أنزل الله على رسوله عليه السلام..

 

ولا ريب ان دلائل القرآن الدالة على استقلال السنة بالتشريع دلائل قوية كم من دليل في القرآن يدل على ان السنة النبوية تستقل بالتشريع فقد أشار الله تعالى الى أحكام تثبت بالسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ولم يأت بها نص من قبل في القرآن الكريم وجعلها تشريعا من عنده سبحانه وتعالى من ذلك استقبال بيت المقدس واستقبال بيت المقدس لم يأت نص قرآني يدل عليه وإنما ثبت بوحي من الله إلى رسوله عليه السلام فكان اتجاه النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس بأمر من الله ولم يكن عن هوى في نفسه وذلك خلاف ما يقول الملحدون والأفاكون. منهم من يقول أن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يتودد الى أهل الكتاب فلذلك استقبل قبلتهم توددا اليهم وحرصا على تأليفهم هذا أحسن ما قاله الأفاكون ومنهم من زاد على ذلك وأتى في حق الرسول عليه السلام ما أتى من عظائم الأمور.

 

إن القرآن دل على أن هذا التوجه إنما يكون تشريعا من عند الله تعالى فقد قال سبحانه (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ). هذا جعل من عند الله والجعل إذا أسند إلى أمر الله سبحانه وتعالى لا يكون إلا جعلا تكوينيا أو جعلا تشريعيا.

فالجعل التكويني كما تجدونه في كتاب الله في آيات كثيرة فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا)، (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا).

 

أما الجعل التشريعي فهو في مقام التشريع، فالله سبحانه وتعالى يسند إليه ما جعله تشريعا لعباده كما في قوله سبحانه وتعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ). هذا نفي للجعل التشريعي… وفي قوله: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) دليل واضح بين على ان اتجاه النبي (صلى الله عليه وسلم) الى بيت المقدس كان جعلا من عند الله سبحانه وتعالى. فهو تشريع من عند الله، شرع الله لعباده أن يتجهوا لبيت المقدس مع أنهم كانوا يعظمون البيت الحرام وذلك مما ورثوه عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقد كان تعظيم البيت المحرم، الكعبة المشرفة متغلغلا في أعماق نفوس العرب، كان يسري في دمائهم ولذلك كانوا في جاهليتهم يعظمون هذا البيت المحرم ويجلونه ويقدسونه ولكن صرفوا عن الاتجاه إليه اختبارا من الله سبحانه وتعالى لإيمانهم ليكون تلقيهم عن الله تعالى ولا يكون تلقيهم من خلال مواريث الجاهلية، فهم وان كانوا ورثوا تعظيم البيت المحرم عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وكانت هذه شريعة شرعها الله سبحانه وتعالى إلا أن العرب ادخلوا ما ادخلوه من ملوثات الجاهلية في هذا الشرع الذي جاء من عند الله فأراد الله أن يطهر هذه الأمة من جميع ملوثات الجاهلية لأجل ذلك صرفوا عن الاتجاه الى الكعبة البيت الحرام لأجل اختبار إيمانهم حتى إذا ما رسخ الإيمان في القلوب وتغلغل في النفوس واستحكم في العقول ووجه هذه المجموعات الى الحق وإلى الطريق المستقيم، ردوا الى استقباله بوحي من عند الله سبحانه وتعالى.

 

وفي ذلك أيضا يبعد بين الحسنيين، الاتجاه إلى قبلة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام والاتجاه إلى قبلة الآخرين من الأنبياء لأن الله تعالى أراد لهذه الأمة أن تجتمع لها مواريث النبوات السابقة وان تجتمع لها هدايات هذه النبوات جميعا. في ذلك جمع الله سبحانه وتعالى لها كلتا الحسنيين ولو كان الاستقبال الى بيت المقدس اجتهادا من النبي (صلى الله عليه وسلم) وليس بأمر الله سبحانه وتعالى لكان بإمكان النبي (صلى الله عليه وسلم) ان يترك ذلك عندما حن إلى استقبال الكعبة المشرفة والرجوع الى هذا التوجه الى البيت المحرم. والله تعالى يقول: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها)، حيث كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتقلب وجهه في السماء انتظارا لوحي يأتيه من الله سبحانه وتعالى ليصرفه إلى الاتجاه إلى البيت الحرام.

_____________________________________

جريدة عمان: الجمعة, 30 ذو القعدة 1434هـ/ 6 سبتمبر 2013م

متابعة: راشد الحارثي