طباعة
المجموعة: محاور ولقاءات
الزيارات: 2580

في محاضرته بالنادي الثقافي.. السامرائي: أخلاق العمانيين في السوق أدخلت خبيراً استرالياً إلى الإسلام

في محاضرته بالنادي الثقافي.. السامرائي: أخلاق العمانيين في السوق أدخلت خبيراً استرالياً إلى الإسلام

كريم الذي توقف قلبه.. ورجع إلى الحياة! والشيطان قد يكيد كيدا فيه خير للإنسان

"القران تعبير مقصود، كل كلمة اختيرت بدلا من أختها، كل تغيير في الكلمة، وإذا أبدل أو لم يبدل، كل ذلك مقصود له غرض بياني" هذه العبارة التي أطلقها د.فاضل صالح السامرائي في بداية حديثه عن "مراعاة المقام في القران الكريم بين الذكر والترك" تلك الورقة التي حشد فيها الكثير من الأغراض الفنية القرآنية التي تنوعت معانيها، واختلفت مقاصدها مراعاة للمقام، ذاكرا مجموعة من الاختلافات الدقيقة بين الآيات القرآنية وتراكيبها وإضافاتها التي لا يرصدها إلا عالم حاذق لمَّاح وهذه صفات حازها السامرائي.

 

وبين السامرائي أن الحال الذي يكون عليه البشر في يوم القيامة في الجنة والجحيم مختلف عن الحال في الدنيا إلا أن الله خاطب البشر بالكثير من الأشياء التي يعايشونها في الدنيا، فمن ذلك قوله تعالى في سورة النساء:"ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها"، "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها" فنجد القران ذكر المؤمنين في الجنة بالجمع "خالدين" ولكن في الآية الثانية ذكر العاصي في النار بالمفرد "خالدا" مع أنهما آيتين متعاقبتين، فبين السامرائي من أن القدماء قالوا أن الاجتماع فيه الأنس فلذلك ذكر "المؤمنين" بالجمع، ولم تأت أية في القران الكريم فيها ذكر ثواب المؤمنين مفردة، ولكن ذكر العصاة أتى مفردا، وذلك لان الوحدة عذاب، وقد أتى ذكر عقاب العصاة في القران بالجمع والإفراد.

 

مراعاة نفسيات البشر

وأشار السامرائي إلى أن الله ـ عز وجل ـ راعى نفسيات البشر وطبائعهم، فمن ذلك قوله تعالى "خالدين فيها لا يبغون عنها حولا" ففي هذه الآية نجد إشارة إلى نفسية الإنسان، لان الإنسان إذا مكث في مكان فترة طويلة يصيبه الملل، ويريد التغيير، ولكن في الجنة لأنها حياة متجددة مختلفة فهي لا يشعر فيها المؤمنون بالملل ولا يريدون التغيير. ومن المواضع التي راعى فيها القران نفسيات البشر هو أن الله إذا ذكر أزواج المؤمنين لا يقرنهن بذكر الحور العين وذلك مراعاة لنفسيات الزوجات. وذكر السامرائي طرفة من الطرائف حدثت أمامه وهو أن امرأة من أهله توفي عنها زوجها فذهب لتعزيتها، فقام أحد من أهل هذه المرأة المتوفى زوجها لتعزيتها، فذكر لها إن تخفف من حزنها على فراق هذا الزوج فهو إنسان صالح اختاره الله وهو يتسلى الآن مع الحور العين، فغضبت المرأة من ذكر الحور أمامها مع إنها في حالة حزن وقالت :" ليتسلى مع الحور العين".

 

الدين المعاملة

وفي قوله تعالى:" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" وفي أية أخرى "فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنِ" فلماذا الأولى أتت "اتبعني" وفي الآية الثانية "اتبعن" وأرجع السامرائي سبب ذلك إلى أن الآية الأولى هي فيها اتباع للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلذلك جاءت الياء، لأن الداعية في حاجة إلى اتباع الرسول والاقتداء به، وقد يكون الداعية داعيا إلى الله ولو لم ينطق بكلمة، وذكر حادثة ربطها بهذا الأمر وهي أنه في سنى 1979م استدعته جامعة الكويت للعمل فيها، وفي الأيام الأولى لزيارته لهذه الجامعة، أنزلوه في دار ضيافة الجامعة التي يسكن فيها الزائرون من مختلف الجنسيات، وكان ممن سكن معه دكتور طبيب بريطاني، ودكتور أسترالي خبير على مستوى عالي، وكانوا يجتمعون في المساء على شاشة التلفاز، وفي الصباح يذهب الدكتور فاضل إلى الجامعة، ويذهب الطبيب إلى المستشفى، ويذهب الخبير الأسترالي إلى طلابه ليعلمهم عن طبقات الأرض وغيرها من العلوم النفطية والجيولوجية، وفي يوم من الأيام عندما كان الدكتور فاضل ذاهب إلى مطعم الجامعة سمع الخبير الأسترالي يسأل النادل: "أين الدكتور فاضل" فأشار النادل لحظة دخول د.فاضل إلى المطعم فتوجه الأسترالي إليه وجلسا على طاولة واحدة، فسأل الدكتور فاضل عما يريد الخبير الأسترالي متعجبا لأنهما غالبا ما يلتقون في المساء، فقال له الخبير الاسترالي: "أردت أن أخبرك أنني أنا مسلم" فقال له د.فاضل "هل أنت من أصلك مسلم أم أنك دخلت إلى الإسلام؟" فأجابه الخبير الأسترالي "بل أنا مسيحي، ولكن دخلت في الإسلام" فسأله السامرائي بما أنك خبير على درجة عالية من العلم، ما الشي الذي شدك إلى الإسلام وجعلك تدخل فيه، هل قرأت عن الإسلام كتب واقتنعت بها، فأجابه الاسترالي، نعم قرأت كتبا عن الإسلام ولكن ليست هي سبب دخولي في الإسلام، ولكن سأخبرك بسبب اعتناقي لهذا الدين، وذلك أنني كنت في زيارة إلى سلطنة عمان، ورأيت أمرا عجيبا عندما دخلت إلى السوق، ورأيت معاملة الناس وأخلاقهم الحميدة وحسن تعاملهم مع بعضهم، فأردت أن أعرف هل هذه الأخلاق وهذا التعامل والسلوك حثهم عليه دينهم، أم أن هذا الأمر من طباعهم، فعندما درس الأمر وبحث وجد أن دينهم يأمرهم بهذه الصفات، فرأى أن هذا الدين هو الحق، فدخل إلى الإسلام، وعقب السامرائي على هذه القصة بقوله: "وأنا أحببت أهل عمان قبل أن أرى أحدا منهم".

 

..كي لا يخدش حياءهن

ومن قوله تعالى:"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة" ولكنه لم يذكر في هذه الآية حب النساء للرجال، حتى لا يخدش حياءهن، ولكن النساء دخلن في هذا الموضوع وذلك لان النساء يحببن الأبناء، كما أنهن أشد حبا للذهب والفضة من الرجال. وقد ذكر السامرائي عبارة طريفة كانوا يقولونها وهي صغار في بلدهم العراق وهي للدلالة على حب المرأة للذهب وهي عبارة "محبوبتي في السما من يصعدني لها، قال: تدندش بالذهب تجيك برجلها".

وفي قوله تعالى:"فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى" المخاطب في هذه الآية ادم وحواء ولكن لماذا قال كلمة "تشقى" وهي مخصصة لآدم، فأوضح السامرائي أن الرجل هو المكلف بالمعيشة والإنفاق، وليست الزوجة، فعند خروجهم من الجنة سيشقى ادم في توفير المعيشة والإنفاق.

وطرح السامرائي تساؤلا في قوله تعالى: "ويريد الله أن يضلهم ضلالا بعيدا" لماذا لم يأت القران بالمصدر "إضلالا" بدلا من "ضلالا" وبين السامرائي أن الشيطان الذي يضل الناس هو يقوم بالمهمة فيجعلهم على طريق الضلال ومن ثم يفعل الإنسان من الضلال ما لا يعرفه الشيطان.

ومن المواضع القرانية التي تثير التساؤل هو قوله تعالى في وصف السيدة مريم"وكانت من القانتين" لماذا لم يقل من "القانتات"، فبين د.فاضل إن القران أراد أن يعظم السيدة مريم ويكرمها، بوصفها مع الجمع المذكر، وذلك لأن القانتين يدخل فيهم الأنبياء والصديقون.

وقوله تعالى في سورة الصافات:" ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين" فلماذا ذكر نوح وذريته ولم يذكر من معه من المؤمنين، وبين السامرائي أنه في هذه الآية والآية التي تليها "ثم أغرقنا الآخرين" أراد الله أن يبين أن الناجين فقط هم من ذرية نوح، أما من معه من المؤمنين فقد فنو، فنوح أبو البشر الثاني، فلا يمكن أن يقول القران أنجينا من معه لإهلاكهم، ولكن في آيات أخرى من القران التي لم يذكر عملية بقاء ذرية آدم ذكر نوح ومن معه، فهذا الترك في هذه الآية هو مراعاة للمقام.

ومن أمثلة الذكر في مراعاة المقام قوله تعالى:" الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله , وأولئك هم الفائزون . يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان , وجنات لهم فيها نعيم مقيم"

لماذا قال القران "نعيم مقيم"، وهي الآية الوحيدة في القران التي ذكر فيها هذا التعبير، لأنه ذكر فيها كلمة "هاجروا" فالمهاجر يريد الاستقرار في مكان معين ويريد الإقامة، فلذلك لأنها وردت كلمة هاجروا اقتضت مراعاة المقام الذكر في هذه الآية فأورد كلمة "مقيم".

 

شغل في الجنة

والقرآن عجيب جدا في مراعاة نفسيات المؤمنين حيث يقول الله تعالى:" إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون" فلكي لا يقال ان الجنة دار دعة ويوجد بها ملل فقال القران أن الجنة يوجد بها شغل، ولكن هل هذا الشغل متعب؟ لا فقد وصفهم بأنهم في هذا العمل فاكهون أي مستمتعون، فهم مشتغلون بملذات الجنة التي لا يوجد بها ملل أو تعب.

وفي موضع آخر نجد القران الكريم ذكر الوالدين في موضع ولم يذكرهما في موضع أخر مع أن المشهد متقارب والموضوع كذلك فنجد القران في سورة المعارج يقول:"يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه" فنجده لم يذكر الأبوين، أما في سورة عبس نجده ذكرهما حيث يقول تعالى: "يوم يفر المرء من أخيه . وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه" فما الغرض من الذكر والترك، وقد شرح السامرائي هذا الأمر ذاكرا أن الفرق عظيم فسبب الترك في سورة المعارج هو لأنه موقف افتداء، ولا بد أن يكون المُفتدى به أمر يرضي صاحب الشأن وهو الله تعالى، ولذلك لا يجرؤ المجرم أن يفتدي بالأبوين لأن مكانتهما عند الله عظيمة وهذا أمر يغضب الله تعالى، ولكن في الآيات التي وردت في سورة عبس تمثل موقف الفرار ولهول الموقف فالإنسان يفر من كل عزيز وقريب وحبيب من هول موقف ذلك اليوم.

 

كريم لقد مت

وقد أورد السامرائي قصة واقعية أخبره بها أحد الأطباء الذين زاروه في منزله، حيث أن هذا الطبيب كان يعمل في أعلى مستشفى أو مؤسسة صحية في العراق تسمى "مدينة الطب" يقول:" وفي يوم من الأيام جاءتني الممرضة مسرعة، وهي تناديني، بأن هنالك حالة صحية طارئة وهي ان مريضا أصيب بأزمة قلبية شديدة، فصعدنا إلى الغرفة التي كان فيها المريض وقدمنا له المساعدة الطبية، وعند نزولنا أتت الممرضة مسرعة مرة أخرى تخبرنا أن المريض قد مات، فرجعنا إلى غرفة المريض الذي فارق الحياة وقمنا بعمل إنعاش له من خلال الأجهزة والكهرباء، فرجع قلبه للنبض وعادت إليه الحياة، وبعد ثلاثة أيام قمت بزيارة هذا المريض ووجدته جالسا على سريره ووجهه ينظر إلى الأسفل، وعلى وجهه يظهر الحزن، فقلت له مخاطبا وكان اسمه كريم:"يا كريم أنت مت، وقد كتب الله لك عمرا جديدا" فأجاب المريض:"نعم أنا مت" فعرفت منه أنه يريد أن يقول كلاما ولكنه يستحي من الموجودين في المستشفى، فأسدلت الستارة حتى أعرف ما عنده، فقلت له:"ماذا تريد أن تقول؟" فأجاب:"يا دكتور أنا مت، وبعد موتي أوقفوني على مشهد وهو "أنا أزجر أمي وأنهرها، وقد رجعت الحياة لي، وأنا لا يفارقني ذلك المشهد الذي رأيته في لحظة موتي". وقد عقب السامرائي على هذه القصة بالدلالة على مكانة الأم والأب عند الله تعالى فهو يراعيهما حتى في مقام الذكر والترك في القرآن الكريم.

ومن ثم تناول السامرائي قضية أخرى، وهي أن القران عندما يذكر توصية الإنسان بوالديه، دائما يستخدم لفظة "الوالدين" ولكن لا يستخدم لفظة "الأبوين" ولذلك حكمة بالغة، حيث يقول تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه" وذلك لأن الأم هي التي تلد إشارة للوالدة وذلك تكريم لها وتعظيم من قبل الله تعالى، كما أنها هي الأحق بالصحبة والرعاية. مع أن المصطلح القرآني يستخدم لفظة الأبوين ولكن في مواضع أخرى مختلفة، منها قوله تعالى في سورة يوسف "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا" وفي هذه الآية نجد القران يستخدم لفظة الأبوين، وذلك لحكمتين، الأولى تكريم للأم فقال "أبويه" ولم يقل "والديه" لأنه موضع سجودهما لابنها النبي يوسف، والأمر الآخر أن العرش أي الملك للرجال وليس للنساء.

 

إن كيد الشيطان كان ضعيفا

أما في سورة يوسف فنجد القران يتحدث عن قصة سيدنا يوسف وهو في السجن فيقول:" وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين" ففي هذه الآية تجد أن الشيطان أنسى الرجل ذكر سيدنا يوسف عند الملك، فالشيطان يكيد للمؤمن ولكن لا يدري أن ذلك الكيد قد يكون في مصلحة المؤمنين ولو يعلم الشيطان ذلك ما كاد لهم ذلك الكيد، فلو أن الرجل لم ينسه الشيطان ذكر سيدنا يوسف، لخرج يوسف الصديق من السجن ولم يحدث شيء يذكر، ولكن بعد أن قضى سيدنا يوسف زمنا في السجن أصبح لهذه الحادثة شأن جعلت من يوسف الصديق يكون ملكا على مصر. وفي سورة الأعراف نجد القران يقول:" وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا" وفي سورة محمد يقول الله تعالى:" وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم" فلماذا في الآية الأولى وردت كلمة "أهلكناها" وفي الآية الثانية قال "أهلكناهم" فبين السامرائي أنه في الآية الأولى كان الحديث عن القرى التي أهلكها الله وهو حديث عام، ولكن في الآية الثانية كان الحديث مرتبط بمكة المكرمة، فقال أهلكناهم أي الذين يسكنون فيها، وذلك لأن الله لا ينسب الظلم والإهلاك إلى مكة تعظيما لها، وفي آية أخرى ينسب الظلم إلى أهلها ولا ينسبه إليها كقوله: "ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها".

--------------------

جريدة عمان 19 ديسمبر 2012

كتب: ماجد الندابي