نتيجة بحث الصور عن ابراهيم الصوافي

القرآن والسنة جاءا محذرين من هذه الآفة ومتوعدين من يقع فيها بالعذاب الشديد دنيا وأخرى

أكد فضيلة إبراهيم بن ناصر الصوافي الباحث بمكتب الإفتاء أن الرشوة مرض اجتماعي دافعه الجشع وحب المال ولو على حساب الأخلاق والقيم.

وقال: إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة جاءا محذرين من هذه الآفة الدنيئة، ومتوعدين من يقع فيها بالعذاب الشديد في الدينا والآخرة.

وبين أنه ثبت في الحديث ما يدل على أن ذنوب العباد أعظم من الذنوب التي تكون بين العبد وربه.

وقال: إن على العاقل ألا يغتر بحلاوة المال الذي يعطى إياه في مقابل الرشوة فإن ذلك سينقلب سحتا ووبالا عليه في الدنيا والآخرة.

وأشار الى ان لعنة الرشوة تنال دافع الرشوة وآخذها والساعي بينهما لأن من منهج الإسلام إذا حرم شيئا حرم كل الطرق الموصلة إليه.

وأكد أن انتشار الرشوة في المجتمع له آثار خطيرة لأنها تؤدي إلى موت الضمائر وبموتها تضعف المراقبة الداخلية عنِد الإنسان فلا يستحيي بعد ذلك من فعله الأفعال القبيحة دينا وخلقا وعرفا.

وإلى نص ما قاله في إحدى محاضراته القيمة التي تناول فيها (الرشوة حكمها وأثرها والفرق بينها وبين الأجرة).

تعريف:

يقول فضيلته معرفا الرشوة: الرشوة بكسر الراء وضمها وفتحها: الجعل وجمعها رشا، قال ابن الأَثير الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ الوُصْلَةُ إلى الحاجة بالمُصانعة وأَصله من الرِّشاءِ الذي يُتَوَصَّلُ به إلى الماء، فالرَّاشي من يُعطي الذي يُعينُه على الباطل والمُرْتَشي الآخذُ والرَّائش الذي يسعى بينهما يَسْتَزيد لهذا ويَسْتَنْقِصُ لهذا، فأَما ما يُعطى توصُّلاً إلى أَخذِ حَقٍّ أَو دفعِِ ظلمٍ فغيرُ داخِلٍ فيه ا.هـ

وارتشى أخذ الرشوة واسترشى طلبها وراشاه حاباه وصانعه وترشاه لاينه وأعطاه الرشوة.

وعرفها العلماء اصطلاحا بأنها: ما يعطيه الشخص للحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد.

وعرفها بعضهم: بأنها ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل.

 

تحريم الإسلام لها:

 

والرشوة مرض اجتماعي دافعه الجشع وحب المال ولو كان على حساب الأخلاق والقيم وتعاليم ديننا الحنيف، إذ يستغل المرتشي حاجة الناس ورغبتهم في الوصول إلى مرادهم فيمتنع عن تحقيقها لهم إلا بدفع أموال له من غير وجه شرعي.

ومن هنا جاء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة محذرين من هذه الآفة الدنيئة، ومتوعدين من يقع فيها بالعذاب الشديد في الدينا والآخرة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

ويقول سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذلك عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) .

وقد بين الرسول صلى عليه وسلم أن أموال المسلم محرمة كحرمة عرضه ودمه، فكما لا يجوز الاعتداء عليه بالقتل أو انتهاك العرض لا يجوز الاعتداء على ماله بوجه غير شرعي،

فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).

كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن اقتطاع حق المسلم بغير وجه شرعي يوجب النار والخلود فيها والعياذ بالله من ذلك، روى الإمام الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:وإن كان قضيباً من أراك). فلينظر الانسان إلى تشديد الإسلام في أخذ أموال الناس، فإن من أخذ شيئا منها ولو كان زهيد الثمن بغير وجه شرعي فإنه يستحق الوعيد الشديد فكيف بمن تسول له نفسه ابتزاز الناس والامتناع عن إنجاز الأعمال الموكلة إليه أو يقدم أناسا على آخرين مقابل حصوله على مبلغ مالي، فلا شك أن هذا أولى وأحق بهذا الوعيد الشديد وقد ثبت في الحديث ما يدل على أن ذنوب العباد أعظم من الذنوب التي تكون بين العبد وربه وكل الذنوب عظيمة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذنوب على وجهين: ذنب بين العبد وربه، وذنب بين العبد وصاحبه، فالذنب الذي بين العبد وربه إذا تاب منه كان كمن لا ذنب له، وأما ذنبه بينه وبين صاحبه فلا توبة له حتى يرد المظالم إلى أهلها).

ومن هنا لعن رسول الله صلى عليه وسلم كل من دخل في عملية الارتشاء بدفع الرشوة أو بقبولها أو بالتوسط بين الراشي والمرتشي فقد روى الترمذي من طريق عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ.

قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَابْنِ حَدِيدَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَصِحُّ قَالَ و سَمِعْت عَبْدَاللَّهِ ابْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ يَقُولُ حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ.

وقد رواه من هذه الطريق التي قال عنها عبدالله ابن عبدالرحمن: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ

أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وقد حكم بثبوت الحديث عدد كبير من علماء الحديث منهم: الحاكم والذهبي وابن حبان وابن حجر والمنذري والهيثمي والشوكاني والألباني وقال عنه شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحارث ابن عبدالرحمن.

وقد رواه أحمد من طريق لَيْثٍ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ،يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا

إلا أنه بزيادة الرائش لا يثبت، فأبو الخطاب مجهول، وليث بن أبي سليم مضعف.

ولكن قد دلت الأدلة الكثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على دخول كل من أعان على محرم مع من أعانه في الإثم كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى. واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، وكفى بذلك زاجرا لمن كان في قلبه ذرة من إيمان.

فعلى العاقل ألا يغتر بحلاوة المال الذي يعطى إياه في مقابل الرشوة فإن ذلك سينقلب سحتا ووبالا عليه في الدنيا والآخرة، ولعل الله تعالى سيبتليه بمن يخادعه ويغشه في ماله، ولئن أمهله الله في الدنيا فإنه لن يفلت من عذابه في الآخرة.

 

إثم الداخلين في معاملة محرمة:

 

ولعنة الرشوة تنال دافع الرشوة وآخذها والساعي بينهما، وهذا لأن من منهج الإسلام أنه إذا حرم شيئا حرم كل الطرق الموصلة إليه ويدل على هذا قول الله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُالْعِقَاب).

كما يدل عليه الحديث الذي رواه أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: أهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راويتي خمر فقال له: أما علمت أن الله حرمها فقال: لا، فسار إنسانا فقال له صلى الله عليه وسلم: بم ساررته، فقال له: أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح المزادتين وهما الراويتان حتى ذهب ما فيهما.

وعن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الخمر وبائعها ومشتريها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها).

وعن أَبي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:(لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ).

فهذه الأدلة وغيرها تدل دلالة واضحة على أنه يحرم على المسلم الدخول في أي معاملة محرمة ولو كان لا يستفيد منها شيئا. وعلى هذا فعلى المسلم أن يحذر من الرشوة والدخول فيها.

 

الدفع اضطرارا:

 

وإنما اختلف العلماء فيما لو اضطر الإنسان إلى دفع الرشوة بحيث لم يستطع الوصول إلى حقه المعلوم المتيقن إلا بها، فقيل: بعدم جواز ذلك، أخذا بعموم الأدلة المحرمة لدفع الرشوة، ولأن الظلم لا يسوغ للإنسان الوقوع فيما حرم الله، فلو لم يستطع الإنسان الوصول إلى حقه إلا بشهادة الزور، لم يحل له أن يُشِهد أحدا زورا، ولم يحل لأحد أن يَشهَد له زورا، فكذلك الرشوة.

وذهب بعض العلماء إلى جواز الدفع عند الضرورة، وعدوا ذلك من باب ما أخذ عنوة وقهرا.

وعلى المسلم أن لا يتساهل في هذه القضية فيسارع إلى دفع الرشوة لأدنى سبب بحجة الضرورة، بل عليه أن يطلب حقه بالطرق المشروعة ويصبر على ذلك، فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا، وكانت تلحقه مضرة كبيرة في جسمه أو ماله فله أن يترخص بدفع ما يرفع عنه المضرة، ولا ينوي الرشوة بذلك وإنما ينوي به أنه مال أخذ منه قهرا وظلما.

أما آخذ الرشوة فإن إثمه في هذه الحالة أشد لأنه جمع بين أكل مال غيره بالحرام وبين منعه لحقوق الناسِ.

 

الفرق بينها والأجرة:

 

كثير من الناس يسألون كيف نستطيع أن نفرق بين الرشوة والأجرة الحلال؟

والجواب: أما الرشوة فهي أن يأخذ الإنسان مالا من أحد في مقابل إنجاز عمل له، مع أنه ملزم بإنجاز ذلك العمل لارتباطه مع مؤسسة حكومية أو خاصة تعطيه راتبا عليه، فلو فرضنا أن موظفا في مؤسسة ما وكلت إليه المؤسسة إنجاز أعمال محددة يأخذ عليها أجرا ماليا، فإذا امتنع عن إنجاز شيء من هذه الأعمال إلا إذا دفع له طالب الخدمة مالا فهذه رشوة لأنها بغير وجه شرعي.

ومن صور الرشوة أيضا: أن يخالف الإنسان القوانين والأنظمة مقابل أن يعطى مالا لذلك، فقد يكون النظام لا يسمح بمرور معاملة ما، فيطلب الموظف أو غيره ممن لديهم سلطة مالا لخرق النظام وتمرير المعاملة.

ومن صور الرشوة أيضا: تقديم الهدايا والأعطيات لأصحاب القرارات أو ممن لهم قدرة التأثير على أصحاب القرارات بغية شراء ذممهم والتأثير عليهم لتمرير أمور يريد المهدي تمريرها، ولهذا قال أهل العلم: هدايا العمال غلول، وكل هدية قصد بها التوصل إلى ما لا يجوز شرعا فهي من الرشوة المحرمة،وعلى المسلم أن يحذر من قبول أي هدية يخشى منها التأثير عليه ليحابي المهدي أو من له علاقة به.

أما الأجرة فهي مال يستحقه الإنسان مقابل عمل مباح لا يتنافى مع الدين والأخلاق يقدمه لغيره،وذلك العمل غير واجب عليه شرعا بإيجاب الله تعالى أو بسبب عقد عمل بينه وبين رب العمل أو من يقوم مقامه، ومثال ذلك: لو كان شخص مشغولا ليس عنده فراغ لمراجعة أعماله في الشركات أو المؤسسات فطلب من آخر أن يتابع له هذه الأعمال بالطرق الصحيحة مقابل مال يدفعه له، فهذه أجرة جائزة.

 

أخطارها على المجتمع:

 

وانتشار الرشوة في المجتمع له آثار خطيرة،فإنه يؤدي إلى موت الضمائر وبموتها تضعف المراقبة الداخلية عنِد الإنسان فلا يستحيي بعد ذلك من فعل الأفعال القبيحة دينا وخلقا وعرفا.

ومن الآثار السلبية للرشوة أيضا أنها تؤدي إلى ظلم الناس وأكل أموالهم ومنعهم من الوصول إلى حقوقهم. كما أنها تؤدي إلى الفساد المالي وتوقف كثيرا من الأعمال لعجز أو امتناع أصحابها عن دفع الرشوة وتؤدي أيضا

------------------

متابعة- سيف الخروصي

جريدة عمان: الجمعة 4 شعبان 1431هـ . الموافق 16 يوليو 2010