طباعة
المجموعة: بأقلام القراء
الزيارات: 1898

قال تعالى: "يا أيها الإنسان ماغرك بربك الكريم"

يالها من آية عظيمة.. وياله من نداء تهتز له القلوب وتقشعر منه الأبدان، حينما ينادي عليك أيها الإنسان الفقير الضعيف: ماغرك بربك الكريم؟

ما الذي خدعك فعصيت الواحد القهار؟

ما الذي خدعك فأطلقت بصرك في الحرام؟

ما الذي خدعك حتى تأبدت في المعاصي؟

ما الذي خدعك فلم تخش الله كما كنت تخشى الأنام؟

 

ما الذي خدعك فتهاونت في أداء الصلاة؟ التي هي من أولى الفرائض والعبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى للعباد لتكون صلة بيننا وبين الواحد الأحد وهي عماد الدين وركنه الأساسي وهي أول ما اوجبه الله تعالى من العبادات وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وهي آخر وصية أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقة الدنيا، فجعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) وقد بلغ عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر ، والأمن والخوف فقال تعالى:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالاً او ركباناً فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم مالم تكونوا تعلمون}.

 

ألم تعلم أن الدنيا دار فناء؟!، وقد فنيت00كما جاء في قوله سبحانه:"كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"؛ مع إنك تعلم أيها الانسان أن الله هو خالقك ومصورك في أحسن تقويم ، ويهديك إلى الصراط الحنيف المستقيم ، الذي لا إعوجاج فيه ، وهو الذي يطعمك ويسقيك ، وإذا مرضت فهو يشفيك ، أي أنه لاشافي ولا معافى إلا الله ، وهو الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ؛ "الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور00 وما يخفى على الله من شيء"0

 

سؤال واضح كالشمس ومهم للغاية: (ألم تعلم أن الله يرى)؟؟

كم أنت تعصي الله ليل نهار، سر جهار، وأنت في غفلة؟! ؟ وتتضاعف عليك الذنوب والآثام يوما بعد يوم ، بل وفي كل لحظة من لحظات حياتك الفانية ، وربما تكون ذنوبك كالجبال وأنت غير مشعر بها، سهيت عن نفسك ؛ وأنساك الشيطان ذكر ربك ، وسيلهيك عن المداومة بالاستغفار ، وسيغويك00 كما جاء في قوله تعالى: " قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين"00

 

 انظر.. انتبه أيها الغافل مدى كيد إبليس اللعين لغوايتك وارشادة بك إلى المعاصي والمحرمات حتى وصوله بك إلى طريق نار جهنم وإخلادك فيها والعياذ بالله ؛ يقول الله تبارك وتعالى في هذا:"قال هذا صراط عليَّ مستقيم {41} إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين {42} وإن جهنم لموعدهم أجمعين {43} لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم{44}0

 

و قال سبحانه:" ولقد خلقنا الإنسان ضعيفا" أنت ربما لديك سعة من المال ربما لديك بركة في الإنجاب ولديك بنون ربما لديك قوة جسدية وطاقة بدنية و000الخ.

 

كل هذا لن يدوم لك، إنما ذلك إبتلاء وإختبار لك من الله تبارك وتعالى فقط لاغير؛ هل ستشكر؟ أم تكفر؟ " فمن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن يكفر فإن الله غني عن العالمين" ويقول المولى جل وعلا:"وإذا تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" اسأل نفسي واسأل غيري، ياترى00 لماذا ذلك التكبر؟ لماذا ذلك الغرور والاغترار؟ وقلة الشكر والاعتبار؟ وخصوصا الذين هم يجمعون المال والمال الكثير الذي ابتلاه الله لهم لكي يتصدقون به ويساعدون به من الذين يستحقون المساعدة؛ فهم يجمعونه لأجل بطونهم فقط لاغير فهذا أمر محال "يحسب أن ماله أخلده"؟؟؟!

 

فأنت غافل أنك تعيش لحظة فانية 00 تذكر دوما أن يأتيك ملك الموت ليقبض روحك في أي لحظة من اللحظات00بل وفي أي مكان وفي أي زمان، بلا شك ولا استئذان00 وقال سبحانه:" أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم على بروج مشيدة" ويقول المولى:"فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون"، فترحل عن الدنيا هكذا خالياً عن كل ماتملكه00 من مال جمعته ، أو بنون أنجبته ، أوملكاً عمّرته ، و000الخ؛

 

 من الأشياء التي اجبرت نفسك وقلبك الضعيف أن تغتر من أجلها؛ وعن الدنيا عامة فتخرج منها عرياناً كما جئت إليها أول مرة ؛ حين موتك ، يتم غسلك ومن ثم يغطى جسدك بقطعة قماش بيضاء ألا وهي مايسمى بـ(الكفن)00فيصلى عليك صلاة الميت لا ركوع فيها ولا سجود ، بعدها تحمل على الأكتاف إلى00 القبر؛ تدفن بما خلقت منه000الخ.! في حينها تكون قد انتهت حياتك0 فكم تكبرت فيها على الناس وأغررتك زخارفها ونقوشها الفانية ووسوس لك الشيطان اللعين ، أنك ستخلد فيها وإنها باقية لك غير فانية ، فاستجبت له وأطعته وعصيت كلام ربك ونواهيه وبارزت ربك بالمعاصي ولم تستح منه ؛00

 

بعدها يأتي في الأخير فيقول لك:" إنني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" يوم الدين .. يوم الحساب .. يوم تبلى السرائر.. "يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شئنٌ يغنيه".. "يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم" "يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى"00

 

 في حينها تكون أبواب التوبة قد غلقت وفتحت أبواب جهنم للذين اغتروا في دنياهم وعصوا ربهم ولم يخشونه ولم يخافوا من عذابه وعقابه فلا ينفعك يومئذٍ إلا كتاب أعمالك "فأما من أوتِىَ كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتِىَ كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا" فتأكل نار جهنم جلودهم "خالدين فيها أبدا" ، "ويوم نقول لجهنم هل امتلأتِ وتقول هل من مزيد"؟؟!

 

 فبادر يا أخي بالمواظبة على الذكر والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى في السر والعلانية وعلى تأدية الفرائض العبادات بكل إخلاص ورجاء، قبل فوات الأوان .. قبل الغرغرة .. قبل وصول الروح إلى الحلقوم .. فالموت آتِ بلا شك ولا استئذان.

 

وآخر أقوالي عن الدنيا:

تدَّبر ما جرى فيها بفكرٍ ** وإِن نزل القضاء فاطرق بصبرٍ

فإِنَّا راحلونَ غداً لسفــرٍ** وتنسانا الأحبَّةُ بعدَ عشـر

وقد صرنا عِظاما بالياتِ

 

وقد نَزَلَ الأَحبَّةُ وَسطَ لَحدٍ ** وَكم دمعٍ جرَى من فَوقِ خَدٍّ

وَأحزانٍ وأشواقٍ وَفَقــدٍ ** كأنَّا لَمْ نُعاشِرْهُمْ بـوُدٍّ

وَلَمْ يَكُ فيِهِمُ خِلٌّ مُواتِ

 

خُلِقنا للْفناءِ ومَنْ عَلَيهْــا ** وَيخْرُجُ كُلُّ مَنْ قَدْ عاد فِيهَا

فَما فاز الذَّي هُوَ مُقْتفِيهَا ** ودُنيانا وإنْ مِلنا إِليهْـا

وطال بِها المتاعُ إلَى انقِضاءِ

 

فَلاَ تَغْرُرك يا مَغْرورُ عَنَهْــا ** زخارِفُها الخفيَّةُ أوْ عَلنهْـــا

لَقد مُزِجت مِنحْها في مَحنهْـا ** وقاطنُها سرِيعُ الظَّعْنِ عنهْا

إلَى دارِ الفَناءِ مِنَ العناءِ

 

وتَحدْثُ ظُلْمةٌ مِنْ بَعدِ نُــورْ ** وجيِفَةٌ ليْسَ يكتْمُها بُخُورْ

وَتْحمِلُهُ الرِّجالُ على فُطُـورْ ** يُحوَّلُ عَنْ قَرِيبٍ مِنْ قُصُورْ

مُزخْرفةٍ إلَى بيْتِ التُّرابِ

 

رهِينَ الفِعْلِ مَحزُوناً فريداً ** وإِنْ كانَ الفتى فَطِناً رشِيداً

وذا مالٍ وَثروةٍ أو عبِيـــداً ** فَيُسلَمُ فِيهِ مهْجُوراً وحِيـــداً

أحاطَ بِهِِ شُحُوبُ الاغْترابِ

 

فَصَحِّح يا أخي ما كُنتَ تَنوي **ولاَ تَتْبَع هَوَى نَفسٍ فَتَهوىِ

وَدُنياكَ الَّتيِ تُردْىِ وتُغـوِى ** لِمَن يَا أيُّها المَغرُورُ تَحوْىِ

مِنَ المَالِ المُوفَّر وَالأَثاثِ

 

وَدُنْيَاكَ الدَّنِيَّةُ حِينَ تَبدُو ** لَهَا طَرَبٌ إلَى الحاناتِ تَحـــدُو

فَيا مَغرورُ كَم تَسعى وَتعـــدُو ** تأَهِّب لِلمَنِيَّةِِ حِينَ تَغـدُو

كأَنَّكَ لا تَعِيشُ إلَى الرًّواحِ

 

فَكْيفَ إِذا حُمِلْتَ إلَى ضَريــحٍ ** وَلم تَقَبلْ مقالاً من نَصيحٍ

وَفي دُنيَاك كُنتَ بِهَا شَحيـحٍ ** فكم مِن رائِح فينَا صَحيحٍ

نَعتهُ نُعاتُهُ قَبلَ الصَّباحِ

 

فَيَا عَجَباً لِمَن يَبنيِ قُصُوراً ** وَيطُلب في دُجى الظُّلُماتِ نُوراً

وقَد خَطَّت لِساكِنهِا قُبُـــوراً ** وَكَيف تَنَالُ في الدُّنيا سُروراً

وَأيَّامُ الحيَاةِ إلَى انسِلاخِ

 

هُوَ المغرُورُ ذلِكَ مَن شَراها ** تَعِس عَبدٌ لَهَا يَسعى وراهــا

هي الدُّنيا العَدُوَّةُ لَو دَراهـــا ** لقد عَمِىَ ابنُ آدَمَ لاَ يرَاها

عَمًى أفضى إلَى صَمَمِ الصِّماخِ

 

دَعِ الدٌّنيا لِتَنجُو مِنْ فِتَنْهــا ** وَغُضَّ الطَّرفَ يَا مَغْرورُ عنها

فإِنَّ المُصطَفى الهادِي لعََنْهـا ** وَدُنياك الَّتيِ غَرَّتْكَ مِنْهــا

زَخارِفُها تَصِيرُ إلَى انْجِذَاذِ