بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

خطورة الربا

الحمد لله ذي الجلال والاكرام، الذي ميز الحلال والحرام، وبين الحدود والأحكام، سبحانه أحل البيع بمنّته، وحرم الربا بحكمته، فله الحمد تعالى على منته وشرعته كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن الله سبحانه وتعالى بحكمته ومنته جعل المال قوام الحال في حياة الإنسان، وجعل مصالح الناس متشابكة، ومعاملاتهم متداخلة؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي مدني، ولذلك كان الشح وحب المال مما جبلت عليه النفوس من الغرائز، يقول الله تعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات/8) ويقول سبحانه: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر/20) ولذلك ضبط الله سبحانه وتعالى هذه الغريزة في الإنسان بما قيدها به من القيود والأحكام، وذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل اكتساب المال من طرق مشروعا، ومن غيرها محجورا، حرم الله سبحانه وتعالى كل طريق يؤدي إلى الإيذاء بالآخرين، ويؤدي إلى توفير الإنسان مصلحته على حساب غيره.

ومن هذا الباب تحريم الله تعالى للربا، فقد حرمه حرمة لا هوادة فيها، ضرب فيه أسوأ الأمثال في هذه الحياة الدنيا، وتوعد عليه بشر المآل في الدار الآخرة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة/275) تأملوا عباد الله في هذه الآية الكريمة، تأملوا فيما ضرب الله سبحانه وتعالى فيها من مثل لآكل الربا وما أتبع ذلك من وعيد على هذا الأكل، فالله سبحانه وتعالى يبين لنا بهذا المثل أن آكل الربا محروم من الخير، لا يستطيع أن يقوم إليه، فإن مثله كمثل الذي كلما أراد أن يقوم إلى شيء من الخير تخبطه الشيطان، فألقاه على وجهه تارة وألقاه على ظهره تارة أخرى، ما أسوأ هذه الصورة الشائنة التي يصور بها الله سبحانه آكل الربا ! ثم يتبع ذلك سبحانه وتعالى وعيدا شديدا على أكل الربا؛ حيث يقول: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة/275).

وكما توعد الله سبحانه لهذا الوعيد الشديد آكل الربا في الدار الآخرة؛ فإنه توعدهم أيضا بمحق البركات في الحياة الدنيا؛ حيث قال: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة/276) فالربا الذي يظنه كثير من الناس توفيرا إنما هو محق، بينما الصدقة التي قد يظنها بعض الناس خسارة هي في حقيقتها توفير؛ لأن الله سبحانه وتعالى  يبارك بها في المال، كما أنه سبحانه وتعالى يجزي عليها صاحبها في الدار الآخرة أحسن الثواب، وقد بين الله سبحانه أن الربا حرب بينه وبين أكلته؛ حيث يقول عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) (البقرة/ 278 ـ 279) نعم هو حرب في الدنيا وحرب في الآخرة؛ فإن الله سبحانه وتعالى يسلط على أكلة الربا في هذه الدنيا محق البركات، كما يسلط عليهم المصائب المتنوعة، والشرور المختلفة؛ جزاء وفاقا لما يرتكبونه، وفي الدار الآخرة يحاربهم الله سبحانه وتعالى بعقوبته وسخطه، فما أسوأ ذلك من حرب يلحق أكلة الربا! وقد بين الله سبحانه وتعالى أن على الذين يأكلون الربا أن يتوبوا بالتخلص من آثار الربا، وبإمساك رؤوس أموالهم فحسب، والتخلص من تلك الزيادات التي أخذوها؛ حيث يقول سبحانه وتعالى: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) (البقرة/279).

 

هذا هو عدل الله سبحانه وتعالى، وهذه هي حكمة الله عزوجل، وهذه هي السنة التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وفرضها على عباده في المعاملات، فيجب على الناس أن يتقيدوا بذلك، وأن لا يفتحوا لأنفسهم أبواب الشره التي تؤدي بهم إلى المصائب في الدنيا، وتؤدي بهم إلى وعيد الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، ألا وإن الربا فيه ما فيه من تنمية الجشع الإنساني؛ بحيث تكون شهوة المال متمكنة في نفس الإنسان، فتطغى على كل القيم، وتطغى على كل الفضائل، وتطغى على كل الأخلاق، وتطغى على كل الصلات، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر أيما تحذير من أكل الربا، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «اتقوا السبع الموبقات» وذكر من هذه السبع الموبقات أكل الربا، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الربا وآكله ومؤكله وكاتبه وشاهده»، وقال: «هم سواء»؛ يعني في الإثم، فالذي يأكل الربا ملعون، والذي يؤتي الربا ملعون، والذي يتوسط بين الآكل والمؤكل هو أيضا ملعون، فالكاتب بينهما ملعون، والشاهد على معاملتهما ملعون، والمتوسط بينهما بأي طريقة من الطرائق ملعون، وقد جاء في حديث عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «الربا ثلاثة وسبعون بابا، أيسرها في الإثم مثل أن ينكح الرجل أمه» وحسب العاقل اللبيب تحذيرا بالغا تشبيه الرسول صلى الله عليه وسلم أقل باب من أبواب الربا بإتيان الرجل أمه، ما أفظع هذا التشبيه ! فإن المشبه به حالة يستقذرها كل طبع، ويحرمها كل شرع.

فاتقوا الله يا عباد الله، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ[ (البقرة/281) واعلموا أن ما تواجهونه من المشكلات المتنوعة التي من بينها الجفاف، ومن بينها محق البركات، ومن بينها ما يكون بين الناس من الشرور وتقطع الصلات بينهم؛ من أهم أسبابه إضاعة الزكاة، ومن أهم أسبابه أكل الربا.

فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على ما أمركم الله به من أداء الزكاة، أخرجوها طيبة بها نفوسكم، قريرة بإخراجها أعينكم، واحذروا ما نهاكم الله تعالى عنه من أكل الربا، وتجردوا من ذلك بالتوبة النصوح إلى الله سبحانه، واقنعوا برؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون.

أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البر الكريم.

*         *         *

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فاعلموا يا عباد الله أن من أربى الربا المعاملات الإقالية التي تفشت في أوساط كثير من الناس؛ كأن يشتري أحد من أحد بيته، ويتفقا على أن يستأجره البائع من المشتري؛ فإن في ذلك من أنواع المحرمات أربعة: أولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما لم يُقبض وربح ما لم يُضمن، وهذا الإيجار إنما هو من باب الربح الذي لم يضمن، ثانيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعين في بيع؛ أي عقدين في عقد، وهذا العقد اشتمل على عقدين، فيحرم من هذه الجهة، ثالثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهى عن شرطين في بيع، وقد اجتمع في هذا العقد ثلاثة شروط: أولها الإقالة، ثانيها الإيجار، ثالثها القدر الذي يكون به الإيجار، رابعها أن في ذلك تذرعا واضحا إلى أكل الربا؛ فإن الله سبحانه وتعالى إنما حرم الربا لأجل سد الذرائع على أولئك الذين يستولي على نفوسهم الجشع المالي، فلا يبالون لقيمة، ولا يبالون لفضيلة، ولا يبالون بصلة قرابة، ولا يبالون بصلة إسلام . ومن هذا الجشع أيضا أن يستغل المسلم حاجة أخيه المسلم، فيشتري منه البيت مثلا بمبلغ معين يدفعه إليه، ويتقاضى في مقابله هذا الإيجار، وهو لم يُرِدْ شراء البيت، وإنما أراد بذلك الإيجار الذي يتقاضاه، فاتقوا الله يا عباد الله، ونزهوا معاملاتكم من رجس الربا، ونزهوا معاملاتكم من كل ما حذركم الله تعالى منه، ونهاكم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن الخير والبركة فيما أحل الله، وأن الشر والمحق فيما حرمه الله سبحانه وتعالى، فاتقوا الله يا عباد الله، وصفوا أنفسكم من أكدار المطامع.