بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أضرار الخمر

الحمد لله الرؤوف الرحيم، البر الكريم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأعلى شرفه بما ركّب فيه من العقل السليم، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كلّ من اهتدى بهديه، واستنّ بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن من نعمة الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن أودعه هذا النور الرباني الذي هو العقل، فبه يستبصر في حياته، ويعرف ما يأتيه وما يذره، يدرك به الخير فيسعى إليه، ويدرك به الشر فيجتنبه، ويتمكن به من استغلال مواهبه واستثمار طاقاته، بل قبل كلّ ذلك يعرف به ربه سبحانه وتعالى، فيطيعه ويسعى إلى كلّ ما فيه مرضاته، ويتجنب ما فيه سخطه، فالعقل إذا هو أعظم نعمة وهبها الله سبحانه وتعالى هذا الإنسان بعد نعمة وجوده؛ لأن النعم الأخرى من هداية إلى الدين وغير ذلك يترتب على هذه النعمة العظيمة، فبسبب ذلك كان هذا الإنسان جديرا أن يحافظ على هذه النعمة وأن يشكرها في استثمارها فيما خلقت من أجله، وأن يتجنب كفرانها بطمسها والسعي إلى القضاء عليها.

ومن أجل ذلك حرم الله سبحانه وتعالى تعاطي المسكرات على جميع أنواعها، فقد قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) (المائدة/ 90 ـ 91) وكفى بذلك زجرا لكلّ من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فإن الله سبحانه وتعالى قرن الخمر هنا بالميسر والأنصاب والأزلام، وسمى كلّ ذلك رجسا، وجعل كلّ ذلك من عمل الشيطان، ثم إن الله سبحانه وتعالى بيّن أن الشيطان يريد أن يوقع بين الناس العداوة والبغضاء بسبب الخمر والميسر، وأن يصدّ بهما عن ذكر الله وعن الصلاة، وحضّ على اجتنابهما بقوله عزّ من قائل: (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) (المائدة/91) وفي ذلك ما يكفي ردعا لكلّ من كان له ضمير، فإن الله سبحانه وتعالى لا يحرم شيئا على أحد من مخلوقاته إلا بسبب ما فيه من المضرة، ولم يبح الله سبحانه وتعالى إلا الطيبات لعباده، فالخمر أم الخبائث كما جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فهي مجمع الآثام، وسَم الفضيلة، ومستنقع الرذيلة، وسرطان الحياة، والأتون اللاهب الذي يأتي على الطارف والتليد من المال، وكلّ هذه المواهب: موهبة الحياة، وموهبة الصحة، وموهبة المال، مع موهبة العقل؛ تجب المحافظة عليها على جميع البشر، فإن الله سبحانه وتعالى جعلها نعمة من لدنه، وقد قال عزّ من قائل: (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (البقرة/211).

هذا.. وقد جاء التحذير البالغ في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من الخمر ومن مزاولتها بأي وجه من الوجوه، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها»، فجميع هؤلاء ملعونون بنصّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الخمر التي زاولوها فلعنوا بسببها، وقد جاء الوعيد الشديد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن تعاطى المسكرات، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: «حقٌّ على الله أن يسقي من شرب الخمر من طينة الخبال»، قيل له: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: «عصارة أهل النار» وجاء في بعض الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن شراب الذين يشربون الخمر في هذه الحياة الدنيا يوم القيامة ما يخرج من فروج الموَمِسات في النار»، هذا.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مدمن الخمر كعابد الوثن»، ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام في بعض الروايات: «لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا عاق لوالديه»، وقد جاء في الحديث أيضا عنه صلى الله عليه وسلم: «أن شارب الخمر في الدنيا يحرم من خمر الجنة يوم القيامة»، وما ذلك إلا كناية عن حرمان دخول الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم شدد في كلّ مسكر، فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «كلّ مسكر خمر، وكلّ خمر حرام»، وفي رواية أخرى: «كلّ مسكر خمر، وكلّ مسكر حرام» «وما أسكر كثيره فقليله حرام»، وجاء أيضا في رواية أخرى: «ما أسكر الفرق منه فملئ الكف منه حرام»، والفَرَق ستة عشر رطلا، فما أسكر هذا القدر منه من المشروبات فملئ الكف منه حرام؛ أي يحرم القليل كما يحرم الكثير،؛ وإن كان الإسكار لا يحصل إلا بالكثير، وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن صنع الخمر من أجل التداوي بها قال: «ما هو دواء وإنما هو داء»، فالخمر داء فتاك.

وقد ثبت من خلال الدراسات الطبية أن الخمر من أكبر المضار التي تفتك بصحة البشر، والتي تتسبب في القضاء على حياتهم، فكم من مضار تنشأ عن الخمر، بعض هذه المضار يتعلق بداء القلب، وبعضها يتعلق بالجهاز الهضمي، وبعضها يتعلق باللسان، وبعضها يتعلق بالأمراض الباطنية المختلفة، وبعضها يتعلق بأمراض الدم، وبعضها يتعلق بأمراض الشرايين، كلّ هذه الأمراض أدواء فتاكة تودي بصحة الإنسان، أو تعرقل وظيفته في حياته، ومن أجل ذلك كان واجبا على الإنسان أن يتجنب هذا الخبيث الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، على أن الخمر تنشأ عنها فتن كثيرة، فهي مصدر الأحقاد بين الناس؛ ذلك لأن هذا الخمار الذي يشرب الخمر عندما يفقد عقله يصبح سَبُعا فتاكا، لا يبالي بمن يفتك به، ولا يبالي بمن يعتدي عليه، فقد يعتدي على أقرب قريب إليه، وأحب حبيب إلى نفسه؛ لأنه فقد التوازن في حياته، فلا يدري ما يأتيه وما يذر، ومن الغريب جدا أن يرضى هذا الإنسان الذي شرفه الله تبارك وتعالى بأن جعله خليفة في الأرض، وسيدا في الكون، وميزه بما وهبه من العقل؛ أن ينزل إلى هذا الدرك الهابط، فيصبح شرا من السبع الفتاك.

ومن أغرب الغرائب أن يرضى هذا الإنسان بأن تكون الخمر رمزا لتقدمه، وشارة لحضارته، وعلامة على رقيه؛ كما هو الواقع عند كثير من الناس في هذا العصر الحديث الذي تبدلت فيه الموازين، وانقلبت فيه المقاييس، وفسدت فيه الفطرة، وتعفن فيه الفكر، وأظلم فيه العقل، وانحرف فيه الرأي، فأصبح الإنسان يرى الفضيلة رذيلة، ويرى الرذيلة فضيلة، ويرى التقدم تأخرا، والتأخر تقدما، والرقي انحطاطا، والانحطاط رقيا؛ حتى رضى لنفسه أن يكون كالحيوان الأعجم  يأتي من الأعمال ما يربأ أي عاقل عن القرب حوله والحوم حول حماه، فإن الله سبحانه وتعالى لو أودع الحيوانات بعض ما أودع الإنسان من البصيرة لربأت بنفسها عما يأتيه السكران من الأعمال، فالسكران يتجرد من ثوب الفضيلة، فقد يتجرد من ثيابه أمام الناس، ويأتي من الأعمال ما يتقزز منها كلّ طبع، وما ينفر منها كلّ عاقل؛ ذلك لأنه فقد التوازن في أعماله، فجدير بالعاقل أن يربأ بنفسه عن ذلك، وجدير بالمؤسسات الرسمية أن تحارب على اختلاف أنواعها الخمور وكلّ مضر، فإن الإنسان ليعجب كلّ العجب أن تجتمع الأنظمة الدولية على محاربة المخدرات، ومع ذلك تتعامى عن مضار الخمر التي تهتك بالأخلاق، وتقضي على القيم، وتبيد الفضائل، وتجعل الإنسان في حياته كالسبع المفترس، لا يبالي بمن يعدو عليه بسبب فقدانه النور الذي يستبصر به في حياته، فيجدر هنا أن تقف جميع المؤسسات الرسمية من مؤسسات إعلامية ومؤسسات صحية وثقافية وغيرها وقفة واحدة أمام هذا الداء الفتاك الذي يفتك بالفضائل فتكا، ويأتي على جميع قيم الإنسان، وجدير أيضا بالمؤسسات القانونية أن تنفذ حكم الله سبحانه وتعالى على شارب الخمر، وأن تمنع تداول الخمر ومزاولتها بيعا وشراء وصنعا واستهلاكا وإيرادا واستثمارا؛ لأن الخمر هي مصدر كلّ رذيلة من الرذائل كما تعلمون.

فاتقوا الله يا عباد الله، وحاربوا هذا الداء الفتاك الذي يقضي على قيمكم، ويستأصل فضائلكم، ويفتك بأولادكم فتكا، فاتقوا الله وارعوا ما آتاكم الله سبحانه وتعالى من نعمة؛ فإن شكران النعمة إنما يكون برعايتها واستخدامها فيما أمر الله سبحانه وتعالى باستخدامها فيه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البر الكريم.

*             *            *

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله، وحافظوا على نعمة عقولكم، وحافظوا على ذريتكم التي هي أفلاذ أكبادكم؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل الذرية امتدادا لآبائهم وأمهاتهم؛ ولذلك يحرص كلّ إنسان على أن تكون ذريته ذرية فاضلة؛ لأنه يرى فيها امتداد حياته، ومن أجل ذلك كان الواجب على الآباء والأمهات أن يربوا أولادهم على الفضائل، وأن يجنبوهم كلّ ما يؤدي بهم إلى تحطيمها والقضاء عليها، ومن أخطر المخاطر التي تهدد الذرية تعاطي الخمور؛ فإنها الداء العضال، وداء الخمر لا يقتصر على شاربها فحسب، بل يتعداه إلى ذريته كما هو معروف عند الأطباء، فإن شرب الخمر قد يؤدي إلى إجهاض الحمل، وقد يؤدي أيضا إلى خروج الأولاد مشوهين، وقد يؤدي إلى إصابة الأولاد بالأمراض، وقد يؤدي إلى تعطل عقولهم، والخمر أيضا لا يفقد صاحبها عقله عندما يشربها فحسب، بل كثيرا ما تؤدي إلى الجنون كما هو مقرر عند الأطباء، فمن هنا كان الواجب على كلّ من يحرص على سلامة نفسه وعلى سلامة ذريته أن يتجنب الخمر، وأن يتجنب تحبيبها إلى النفوس، وأن يسعى إلى محاربتها بكلّ وجه من الوجوه، فإن الله سبحانه وتعالى لم يحرّمها على عباده إلا بسبب ما فيها من المضار، فهو عزّ وجلّ الرحمن الرحيم، على أن الإنسان تتعطل مواهبه، وتتخدر طاقاته بسبب تعاطيه الخمور، فهو المسؤول في هذه الحياة عن إعمار هذه الأرض، ولا يتم ذلك الإعمار إلا إذا كان عقله متكاملا، وأنى له ذلك وهو يقضي سحابة نهاره أو جانبا من ليله في تعاطي المسكرات التي تفقده عقله، وتعطل قواه، وتجعله كالحيوان الأعجم لا فرق بينهما إلا بما يتميز به الإنسان من تحمله أوزار عمله ولقائه ربه يوم القيامة وهو عليه غضبان بسبب مخالفته لأمره، وارتكابه لحرماته، وتحديه لأوامره ونواهيه.

فاتقوا الله يا عباد الله، واحذروا هذا الداء الفتاك العضال، واحذروا جميع الأدواء التي تفتك بالقيم، وتستأصل الفضائل، وتسبب الفتنة، فإن الخمر أتون مستعر بشرر الفتنة، فكم من أحقاد كان سببها الخمر! وكم من فتن بين الناس نشأت عن تعاطي المسكرات ! فاتقوا الله يا عباد الله، واحذورا ما حذركم الله تعالى منه، واتبعوا ما أمركم الله تعالى به.