بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إخلاص التوجه إلى الله

الحمد لله مجيب الدعاء، وكاشف الضراء، وباسط النعماء، سبحانه لا شريك له في سلطانه، ولا معين له في شأنه، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ويصرف الوجود كله طوله والعرض، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الخلق والأمر، والحكم والقهر (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ) (يوسف/40) وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالعقيدة الصافية، والمثل العالية، والدعوة الساطعة، والحجة القاطعة، فبلغ رسالة ربه، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى، وأطيعوه ولا تعصوه، ووحّدوه ولا تجحدوه، وأخلصوا له جميع أعمالكم، وأخلصوا له سبحانه وتعالى دعاءكم، واعلموا أن الله سبحانه لم يجعل بينه وبين أحد من خلقه واسطة، فقد قال عز من قائل: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/186) فمن هنا كان يجب على العبد أن يخلص لله سبحانه وتعالى الدعاء، كما يجب عليه أن يخلص له العبادة، والله عز وجل يعلم ذلك عباده في كتابه الكريم عندما يقول وهو أصدق القائلين: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/5) أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا إياك، فليس للإنسان بأي حال من الأحوال أن يتعلق بغير الله سبحانه راجيا منه دفع مضرة أو تحقيق منفعة؛ فإن النفع والضر بيد الله تعالى وحده، يقول عز وجل: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام/ 17ـ 18) ويقول تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس/107) ويبين الله سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده، يقول تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ *وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ) (الزمر/ 36 ـ 37) ثم يتبع ذلك قوله: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر/38) ويقيم الحجة أيضا على المشركين الذين كانوا يتخذون مع الله آلهة أخرى، ويتقربون إلى غيره سبحانه من أجل تحقيق المنافع ودفع المضار: (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد/16) ويقول تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر/2) والله سبحانه وتعالى يبين لنا سوء المثل لأولئك الذين تعلقوا بغيره إذ يقول: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت/41) والآيات في هذا كثيرة جدا، كلها تدعو الإنسان إلى أن يتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وحده، وأن يخلص له دعاءه، كما يجب عليه أن يخلص له عبادته، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عمه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، يعلمه كيف يتعلق بالله عندما يقول له: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، جفت الصحف، ورفعت الأقلام».

فالمؤمن لا يتعلق إلا بالله سبحانه وتعالى وحده،  إذا توجه بسؤاله يتوجه إلى الله؛ لأنه يعلم أن الله خالق السماوات والأرض، وباسط الرزق لعباده؛ هو الذي يرفع الضراء، ويبسط بفضله النعماء، هو الذي يصرّف هذا الوجود كما يشاء، سبحانه لا شريك له في ملكه وسلطانه، ولا معين له في أمره، هو وحده له الخلق والأمر، وله الحكم والقهر، فيجب على الإنسان أن يتجه إليه ضارعا راجيا وخائفا؛ لأن الإنسان العاقل يدرك تمام الإدراك أن غيره من الخلق ليس له في هذا الكون أمر، فالكون هو ملك الله سبحانه يصرفه وحده كما يشاء، لا شريك له في ملكه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا تبديل لكلماته، فمن ضلال الرأي وعفن العقيدة أن يتوجه الإنسان إلى غير الله سبحانه وتعالى من أجل قضاء حاجة من الحاجات التي لم يجعل الله سبحانه وتعالى قضاءها بيد غيره من الخلق، فالله سبحانه وتعالى جعل بعض الأمور فيها تعاون بين الناس، ومن استعان بأحد من الناس في قضائها لا لوم عليه؛ على أن يعرف أن الناس كلهم مصرفون بأمر الله سبحانه، وأن قاضي الحاجات هو الله، والله سبحانه ابتلى بعض عباده بما آتاهم من قدرات طفيفة، هذه القدرات يتصرفون بموجبها في قضاء حاجاتهم، ويعين بعضهم بعضا، أما الأمور التي هي خارجة عن هذه النواميس، والتي مرجعها إلى الله سبحانه؛ فليس للإنسان أن يرجع إلى أي أحد فيها من أجل قضاء منفعة أو من أجل دفع مضرة، فليس للإنسان أن يأتي إلى أي إنسان كان ليطلب منه أن يرزقه ولدا، أو أن يجعله محظوظا، أو أن يعافيه من البلاء، أو أن يفعل أي شيء من هذه الأشياء، وإنما الناس يتعاطون الأسباب فقط، فللإنسان أن يأتي إلى الطبيب من أجل أن يعالجه، فما الطبيب إلا سبب، والشافي هو الله تبارك وتعالى وحده (وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) (الأنعام/17)، وهذا السبب قد ينجح في بعض الأحيان، و قد لا ينجح؛ بحسب إرادة الله عز وجل، أما أن يأتي إنسان إلى إنسان ليطلب منه سعادة في الدنيا أوفي الآخرة؛ فذلك يعتبر من لوثات العقيدة، ويعتبر من ضروب الإشراك بالله سبحانه وتعالى، وأعظم من ذلك أن يقصد الإنسان إلى شجرة أو إلى حجرة أو إلى عين أو إلى نهر أو إلى ميت في قبره؛ فيطلب من ذلك قضاء شيء من الحاجات، أو دفع شيء من المضار، فذلك ولا ريب مما يعد إشراكا بالله سبحانه وتعالى؛ إذ الله سبحانه وحده هو الذي يدفع المضار، وهو سبحانه وتعالى وحده يحقق المنافع لعباده عندما يشاء، ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا من خلال خطابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ) (الأعراف/188) فالله تعالى يعلمنا من خلال هذا الخطاب أن الأمر كله بيد الله، فلئن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عظم قدره، وعلو شأنه يعلمه الله سبحانه وتعالى أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فكيف بغيره عليه أفضل الصلاة والسلام؟! بل كيف بالأموات في قبورهم؟! وكيف بالأشجار والأحجار والأنهار والعيون وغير ذلك مما يقصده الناس من أجل بُرء الأمراض، ومن أجل تحقيـق المنافـع، ومن أجل دفع المضار؟!

فاتقوا الله عز وجل يا عباد الله، وأخلصوا لله عز وجل دعاءكم وعبادتكم، وادعوه مخلصين له الدين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.

*         *        *

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله عز وجل، واطلبوا منه وحده قضاء حاجاتكم، وإبلاغكم مطالبكم، وتيسير أموركم، فإن الله سبحانه وتعالى قريب من عباده، وهو عز وجل يعلمنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى إذ يقول عز من قائل: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) (الإسراء/110) ويقول تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ) (الأعراف/180) فعلى الإنسان عندما يريد قضاء حاجة من الحاجات أن يتوجه إلى الله سبحانه بالدعاء الخالص مع صفاء النفس وطهارة القلب، وذلك بأن يتوجه إليه في جنح الليل، أو أدبار الصلوات، أو في أي وقت من الأوقات، وينبغي له أن يكون على طهارة كاملة؛ بحيث يكون غير متلبس بحدث أصغر ولا حدث أكبر، ومع ذلك ينبغي له أن يثني على الله عز وجل بما هو له أهل، وأن يستغفره، وأن يذكر أسماءه الحسنى داعيا له بها، وأن يتوسل إليه سبحانه وتعالى بما ينبغي أن يتوسل به عباده من الطاعات والقربات؛ ليكون ذلك واسطة بينه وبين الله سبحانه وتعالى؛ إذ الله عز وجل يدني العبد منه تقربُه إليه بالطاعات، فمعنى أن يبتغي الإنسان إلى ربه الوسيلة أن يبتغي الطاعة التي تقربه إلى الله عز وجل.

فاتقوا الله يا عباد الله، وأطيعوه في كل ما أمركم به، وفي كل ما نهاكم عنه، وادعوه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وابتهلوا إليه عز وجل متضرعين خاشعين متذللين، فإن الله هو قاهر الوجود ومصرفه.