بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وحدة الأمة

الحمد لله الذي يأمر بالوحدة والإئتلاف، وينهى عن الفرقة والاختلاف، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، النعمة المسداة على الخلق أجمعين، ورحمة الله المهداة إلى العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن الإسلام الحنيف من خلال تشريعاته وأحكامه وعقيدته وعبادته وكل ما جاء به من أخلاق وآداب يهدف إلى بناء أمة متلاحمة في بنيتها، متحدة في عقيدتها وتصوراتها، وفي عباداتها وعاداتها، وفي أخلاقها ومثلها، وفي مبادئها وغاياتها، وفي آمالها وآلامها، يتجلى ذلك من خلال النظر إلى سلوك العبادات التي أمر الله تعالى بها، وإلى سلوك الأحكام والأخلاق والآداب التي شرعها في كتابه الحكيم، وحض عليها رسوله العظيم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، فالله تبارك وتعالى قد دعا إلى الوحدة وحذر من الفرقة، يقول الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) (الأنبياء/92) ويقول عز من قائل: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتقُونِ) (المؤمنون/52) ومن خلال النظر إلى هاتين الآيتين الكريمتين يتبين أن وحدة هذه الأمة إنما تتم في ظل عبادة الله سبحانه وتعالى وتقواه، فإذا أخذت بحجز هذه العبادات، واعتصمت بحبل التقوى كانت متوحدة في كل ناحية من النواحي، ويقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران/ 102 ـ 103) ثم يبين الله سبحانه وتعالى إثر ذلك أثر التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر على هذه الأمة من حيث وحدتها وتآلفها وترابطها، فيقول عز من قائل: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/104) ويحذر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة أن تسلك مسلك من قبلها من الأمم في الفرقة والاختلاف فيقول: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (آل عمران/ 105 ـ 106) ويقول الله تبارك وتعالى محذرا عباده من أثر الفرقة والتنازع: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/46) وفي هذا ما يوحي أن الوحدة بين الأمة قوة ورحمة، وأن التفرق بينها ضعف وعذاب، فالأمة إذا اتحدت كانت متآزرة متعاونة متناصرة، أما إذا اختلفت كانت متخاذلة متدافرة متنافرة، وهنالك تحل الكارثة والعياذ بالله تعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم يضرب لأهل أمته المثل في وحدة هذه الأمة ووحدة مشاعرها وآلامها؛ إذ يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، فهكذا شأن المؤمنين، فإن المؤمن يتألم وهو في مغارب الأرض بما يتعرض له إخوانه المؤمنون في مشارقها، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا صفة هذه الأمة وميزتها: «وهم يد على من سواهم» وحسبكم أن كتاب الله سبحانه وتعالى يصف الرعيل الأول من هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، يصفهم سبحانه وتعالى بقوله: (أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) (الفتح/29) فهم دائما يرق قلب بعضهم لبعض، فسرعان ما يتآلفون ويترابطون ولو حصل بينهم أي شيء يؤدي إلى الشقاق والاختلاف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا»، ويحذر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمة من أن ينقلب أمرها على عكس ما جاءها به من الهدى الداعي إلى وحدتها، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».

ولا ريب أن الأمة إذا اتحدت وتآزرت وتناصرت أصلحت جميع شؤونها، وقضت على جميع أسباب الشقاق بينها، وهابها عدوها؛ إذ لا يجد بين أترابها ثغرة من الثغرات التي يمكنه أن يلج إليهم من خلالها، أما إذا كان الأمر بعكس ذلك؛ فإن الأمة والعياذ بالله تتخاذل ويطمع فيها عدوها، وهذا الذي يجعل الأمم تجتمع عليها كما تجتمع الأكلة على قصعتها؛ كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذي ينظر إلى الآداب التي شرعها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم يجد أن هذا الدين دين وحدة بين هذه الأمة، فالله تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 11 ـ 13) فالأمة إذا أخذت بهذه الآداب، ولم يسخر أحد من أخيه، ولم تسخر امرأة من أختها، وتجنبت كل ما يؤدي إلى الفرقة من اللمز والتنابز بالألقاب وسوء الظن والغيبة، وكل سبب من أسباب الفرقة؛ ترابطت فيما بينها، وكانت أمة واحدة تلتقي في ظل عبادة الله تبارك وتعالى وطاعته وتقواه، لحمتها طاعة الله سبحانه وتعالى وتقواه في السريرة والعلانية.

فاتقوا الله يا عباد الله، وتواصوا بما أمركم الله تعالى به من الوحدة والائتلاف، واجمعوا شملكم على تقوى الله تعالى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفورالرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.

*         *        *

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن الله تبارك وتعالى بيّن أن هذه الأمة يجب أن تتحد باتحاد الأخوة في دينه عز وجل، فقد قال عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/10) جاء ذلك إثر قوله سبحانه وتعالى في بيان وجوب الإصلاح إصلاح شأن الأمة إذا تنافرت واختلفت فيما بينها، ولو أدى هذا الإصلاح إلى الحمل على الفئة الباغية من هذه الأمة إن لم تتراجع إلى الحق، يقول الله تبارك وتعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) (الحجرات/9) هكذا يأمر الله سبحانه وتعالى، ويبين إثر ذلك أن المؤمنين إخوة، فيجب أن يصلحوا شأن بعضهم البعض، وأن يتعاونوا على ذلك بأي وسيلة من الوسائل.

فاتقوا الله يا عباد الله، والزموا حبل تقوى الله سبحانه وتعالى، وتآلفوا فيما بينكم، ولا تنافروا (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/46).