بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القيود الخلقية الواقية عن الوقوع في الفاحشة

الحمد لله الذي فرض على عباده من القيود الخلقية، والآداب الاجتماعية؛ ما يضمن لهم الطهارة، ويبّعدهم عن الرذائل والقذارة، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الـدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله، وتمسكوا بأهداب الفضيلة، وانأوا بأنفسكم عن الهبوط إلى دركات الرذيلة، واعلموا أن الله تبارك وتعالى شرع لكم من الدين ما يحفظ إنسانيتكم التي كرمكم بها، فقد ميز الله عز وجل بين الإنسان وبين غيره من الكائنات الموجودة في هذه الأرض الحية بما شرع للإنسان من أخلاق ترتفع به إلى أوج الفضيلة، واعلموا أن شيوع الفحشاء في كل مجتمع من المجتمعات مؤشر بداء خطير لا يبقي ولا يذر، فإن الله تبارك وتعالى يرتب بحكمته على شيوع الرذيلة ما يقع على المجتمعات من دمار لا يبقي ولا يذر، فالله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه العزيز طائفة من البشر انغمست في أوحال الرذيلة، ثم قال إثر ذلك: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود/102)، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه ما شاعت الفاحشة في أمة إلا أخذها الله تبارك وتعالى بالأدواء والأمراض التي لم تكن في أسلافها»، فإن شيوع الفاحشة يترتب عليه ما يترتب من ظهور الأمراض التي لا تبقي ولا تذر، وهذه الأمراض التي يعاني منها المجتمع البشري في هذا العصر تنذر بهذا الخطر الرهيب، وناهيكم بمرض فقدان المناعة الذي يترتب على انتشار الرذيلة في المجتمعات البشرية.

والله عز وجل عندما شرع هذا الدين الحنيف فرض فيه من القيود، ومن الآداب ما يحفظ لهذه الأمة إنسانيتها؛ حتى تكون بعيدة عن الهبوط إلى دركات الرذيلة؛ بجانب ما شرعه من العقوبات الصارمة التي تعالج أولئك الشاذّين الذين لا يتقيدون بهذه القيود التي فرضها الله تبارك وتعالى عليهم، ولم يأت الإسلام ليعالج هذه المشكلات الإنسانية الخطيرة بالعقوبات الصارمة وحدها، ولكنه قبل كل شيء عالجها بالأخلاق، فإن الله تبارك وتعالى فرض في كتابه العزيز على المؤمنين ما فرضه عليهم من التمسك بالآداب الفضيلة، فقد حذرهم الله تبارك وتعالى من كل ما يؤدي بهم إلى الانزلاق في منزلقات الفحشاء والعياذ بالله، ومن ذلك ما فرض الله تعالى على الجنسين على الذكور والإناث معا من غض الأبصار، فقد قال عز وجل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور/30ـ31)، وهذا لأن البصر هو أول نافذة من نوافذ الشيطان، فإن أطلق له الإنسان العنان اندفع والعياذ بالله إلى أماكن الشر والفجور؛ فلذلك فرض الله تبارك وتعالى على كل من الذكر والأنثى غض البصر، ثم أتبع ذلك ما أتبعه من ثمرة هذا الغض، وهو حفظ الفرج؛ إذ حفظ الفرج مترتب على غض البصر، وفرض الله تعالى أيضا على النساء قيودا كثيرة تعينهن وتعين الرجال معا على التمسك بأهداب الفضيلة، فقد قال الله تعالى إثر ذلك: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/31)، فأنتم ترون أن الله سبحانه وتعالى بعدما فرض في هذه الآية الكريمة على النساء غض الأبصار وحفظ الفروج؛ فرض عليهن أيضا هذه الآداب الشرعية؛ بحيث أمرهن ألا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، ومع ذلك أيضا أمرهن أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، وأمرهن سبحانه وتعالى ألا يتجهن بزينتهن إلا إلى بعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن إلى غيرهم من الذين ذكرهم في هذه الآية الكريمة، كل ذلك لأجل أن إظهار المرأة زينتها ما بين الرجال يعد سببا من أسباب اشتعال نار الفتنة والعياذ بالله، وقد جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد ذلك وما يدل على أن المرأة مأمورة عندما تخرج من بيتها ألا تخرج متطيبة؛ لئلا تلفت انتباه الرجال إليها؛ ولئلا تشدهم إلى فتنتها، وقد جاء في الحديث التشديد في ذلك حتى أن المرأة تعد زانية إن خرجت وهي متطيبة؛ لئلا تفتن الرجال بكيدها، فإن للمرأة تأثيرا على الرجل بجرس حليها، وبنبرة صوتها، وبنفحة طيبها، وكل ذلك قد يثير خيال الرجل، ويتركه يهيم في أودية الخيال السحيقة، وتنتهي به القضية إلى فتنة يصطليها والعياذ بالله تعالى، فمن هنا حذر الله عز وجل النساء مما حذرهن منه؛ حتى أن يضربن بأرجلهن لئلا يعلم ما يخفين من زينتهن، كل ذلك تحذير للرجال وللنساء معا من الوقوع في مغبّات الفتنة.

هذا.. وقد فرض الله أيضا على المؤمنين أن يصونوا ألسنتهم حتى لا يذكروا الفحشاء بألسنتهم؛ لأن ذكرها سبب في شيوعها والعياذ بالله، فالله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النور/ 23 ـ 24)، وجاء أيضا في كتاب الله سبحانه وتعالى النص على حد من حدود الله، يقام على الذين يقذفون المحصنات من أجل إغلاق هذا الباب؛ حتى لا تشيع الفحشاء بين الناس بذكرها على ألسنتهم، وجعل سبحانه وتعالى المخلص من ذلك أن يأتوا بأربعة شهداء، فإن لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون، كل ذلك لأجل إغلاق باب هذه الفتنة الخطيرة.

والإسلام عندما يأمر أتباعه بالتزام آداب الفضيلة والبعد عن النزول إلى دركات الرذيلة؛ يأمرهم بمراعاة ذلك من سن مبكرة، فالأولاد في سن مبكرة يؤمر آباؤهم أن يجنبوهم كل ما يؤدي بهم إلى الهبوط في هذه الدركات والعياذ بالله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»، فالتفريق بين الأولاد في المضاجع؛ لئلا تحدثهم أنفسهم أن يقعوا في مثل هذه التجربة الفاحشة، فمن هنا كان الواجب على آبائهم ـ وهم يربون أولادهم هذه التربية التي شرعها الله تبارك وتعالى لهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن يكونوا قبل كل شيء قدوة لهؤلاء الأولاد في التمسك بأهداب هذه الفضيلة، ثم بجانب ذلك عليهم أن يراعوا في أولادهم إبعادهم من الوقوع في مثل هذه الدركات الهابطة، وعلى الجميع أن يتعاون؛ فإن شيوع الفحشاء أمر منذر بخطر داهم لا يبقي ولا يذر، وليست الجرائم التي تحصل بين الناس في هذه الأمور الخلقية؛ ليست هذه الجرائم إلا ناشئة عن اختلال موازين الأخلاق بين الناس، فمن هنا الواجب على الناس أن يتمسكوا بأهداب الأخلاق، وألا يفرطوا فيها قيد ذرة.

فاتقوا الله يا عباد الله، والتزموا ما أمركم الله تعالى به، واجتنبوا كل ما حذركم الله تعالى منه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البـر الكريم.

*         *          *

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن من أخطر الأخطار التي تنذر الأمة بداء وبيل لا يبقي ولا يذر أن ينحسر الحياء من وجوه نسائهم، وأن تنحسر الغيرة من قلوب رجالهم، فإن الله تبارك وتعالى جعل الحياء في وجوه النساء سببا من أسباب التمسك بهذه الفضائل؛ ولذلك رباهن الله تعالى بما أنزل في كتابه من آداب وأخلاق، وإرشادات وتعاليم، على الحياء والعفة والطهارة، وعندما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ذلك نساء المسلمين أمره أن يبلغ أولا أهل بيت النبوة، فقد أمره الله تبارك وتعالى أن يبلغ ذلك أزواجه، وأن يبلغ ذلك بناته، ثم أمره أن يبلغ ذلك نساء المؤمنين، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (الأحزاب/59).

هذا.. وقد حذر الله تبارك وتعالى أمهات المؤمنين، وهن في بيت النبوة، وهن من أكرم النساء محتدا، وأعلاهن قدرا، وأرفعهن شأنا، كيف وقد اختارهن الله عز وجل لأن يكن قرينات لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يعشن معه في بيت الطهر والعفاف والنزاهة ؛ حذرهن الله سبحانه وتعالى كل تحذير من كل ما يؤدي بهن إلى خدش كرامتهن، فقد قال عز وجل: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/ 32 ـ 33)، فإذا كان هذا الخطاب يوجه إلى نساء المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهن في بيت الطهر والعفاف والنزاهة، وهن في مجتمع المهاجرين والأنصار الذي هو أنقى المجتمعات، وأطهر المجتمعات، وأرفع المجتمعات قدرا، مجتمع اختاره الله تبارك وتعالى لأن يعيش فيه نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، ومع ذلك يحذر الله عز وجل أمهات المؤمنين أن يلن القول لئلا يطمع الذي في قلبه مرض، فكيف إذا كان ذلك في غير أمهات المؤمنين من النساء، وهن يعشن في غير ذلك المجتمع الطاهر، بل يعشن في مجتمعات استشرى فيها الفساد، وعمت فيها البلوى، وظهر فيها ما ظهر من الفحشاء، فجدير بنساء المؤمنين، وهن يتقين الله تعالى، ويخشين عقابه؛ أن يتجنبن كل التجنب كل ما يؤدي بهن إلى خدش كرامتهن، وليس ما يقوله كثير من الناس من أن العبرة بما في القلوب، والقلوب طاهرة، فليس ذلك بشيء؛ فإنه إن دل على شيء يدل على تبدل المقاييس، وانقلاب الموازين عندهم، كيف تكون النساء الأخريات أزكى وأطهر من نساء المؤمنين؟! وكيف تكون المجتمعات الأخرى أطهر وأعف من المهاجرين والأنصار؟! فأي الناس اليوم في مثل عفاف المهاجرين والأنصار؟! أي رجال في مثل عفافهم؟! وأي النساء في مثل عفاف وطهارة أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن؟! وإنما هذه وساوس يمليها عليهم الشيطان؛ لأجل أن تشيع الفحشاء بينهم، وإذا كان الله تبارك وتعالى يحذر في هذه الآيات أمهات المؤمنين مما يحذرهن منه؛ فكيف بالمرأة التي تخرج من بيتها وهي حاسرة الوجه والرأس، ولم تبقي باقية من الزينة، لم تدخر شيئا من الزينة إلا وحاولت أن تطلي بها وجهها، ولم تبقي باقية من المغريات إلا وقد حاولت أن تتلبس بها، فإن هذه فتنة والعياذ بالله تعالى لا تطاق.

فمن هنا كان الواجب على الرجال وعلى النساء معا أن يتعاونوا فيما بينهم على القضاء على مثل هذه الفتن؛ بالالتزام بما أمر الله تبارك وتعالى به من التقيد بهذه الآداب الشرعية التي فرضها الله عز وجل على هذه الأمة.

فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا على ما أمركم الله تعالى به، واجتنبوا كل ما نهاكم الله تعالى عنه، واحذروا عاقبة هذه الفتنة، فإن عاقبتها وخيمة والعياذ بالله تعالى.