بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وفرض على جميع المؤمنين اتباعه حيا وميتا إلى يوم يبعثون، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالطريقة السواء، والشريعة السمحاء، والملة الحنيفية البيضاء، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه وحزبه إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله اتقوا الله، وأطيعوا الله ورسوله في كل أمر وفي كل نهي؛ فإن سعادة الدنيا والآخرة مرهونتان بطاعة الله ورسوله، والشقاء في الدنيا وفي الآخرة منوط بمخالفة الله ومخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى بين في محكم كتابه العزيز منزلة رسوله الأمين عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، فقد قال عز من قائل: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (التوبة/ 128ـ 129)، ويخاطب الله عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/107)، وقد أمر الله عباده بأن يتبعوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن لا يخالفوه في شيء مما يأمرهم به ومما ينهاهم عنه، فقد قال عز من قائل: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور/63)، ويقول سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 31 ـ 32)، ويقول تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور/54)، ويقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا) (النساء/60 ـ 61) وقد بين سبحانه عاقبة الذين يطيعون رسوله صلى الله عليه وسلم  وعاقبة الذين يخالفونه عليه أفضل الصلاة والسلام بعدما قرن طاعته بطاعته عز وجل؛ إذ طاعة الرسول من طاعة الله سبحانه؛ لأنه أرسل من عند الله، يقول عز وجل: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (النساء/ 13 ـ 14).

فطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم تؤديان إلى الفوز بالخلد في دار النعيم، ومخالفة أمرهما تؤدي والعياذ بالله إلى أن يكون الإنسان من أهل الجحيم الذين يخلدون فيه، فمن هنا كان الواجب على المؤمن أن يتحرى طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم على أي حال، وليس من شأن المؤمن أن ينتقي بعض أوامر الله وبعض أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فيطيعها ويعرض عن سائر أوامرهما؛ لأن الكل من عند الله ومن عند رسوله صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه السلام لا ينطق عن الهوى، فقد قال عز وجل فيه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 3 ـ 4)، ولذلك كان اتباعه صلى الله عليه وسلم وطاعته طاعة لله عز وجل، وقد جاء اتباعه صلى الله عليه وسلم كما سمعتم واقعا بين طرفي المحبة بين محبة العباد لله؛ لأنه تصديق لمحبة العباد لله وبين محبة الله سبحانه وتعالى لعباده التي يترتب عليها الفوز بجنات النعيم، فليس لأحد بحال من الأحوال أن يعرض عن طاعة الله وعن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) (الأحزاب/36)، فالإعراض عن شيء من طاعة الله أو طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم يعني ذلك الإعراض عن الدين كله الذي أكمله الله سبحانه وتعالى، وأتمه على عباده ببعثته عليه أفضل الصلاة والسلام، وامتن عليهم إذ قال عز من قائل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة/3)، فالإعراض عن أي شيء جاء به الرسول من قبل الله إنما هو إعراض عن طاعة الله عز وجل، والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام في جميع أحواله محفوف بعصمة الله عز وجل كما بين الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه عندما قال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 3 ـ 4).

هذا.. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم محفوف بعصمة الله سبحانه وتعالى فهو المبلغ عن الله وهو مفسر لأحكام الله، والله سبحانه وتعالى قد ناط الرسالة بإبلاغه عليه أفضل الصلاة والسلام ما نزل إليه وتبيين ذلك للناس، يقول الله عز وجل: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل/44)، فأمور العبادات وأمور المعاملات مرهونة ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أحكام القرآن فيها مجملة، وإلا فمن أين للإنسان أن يعلم ركعات الصلاة، و أن المغرب ثلاث ركعات، وأن الفجر ركعتان، وأن بقية الصلوات الخمس فروضها أربعُ ركعات؟ ومن أين له أن يعلم أن القصر في صلاة السفر ركعتان؟ كل ذلك إنما هو من بيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي فرض الله تبارك وتعالى على الناس اتباعه، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم من مقتضيات الإيمان بالله واليوم الآخر، فقد قال عز من قائل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/21).

والمؤمنون لا يزالون بخير ما استمسكوا بكتاب الله واتبعوا سنة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعضوا عليها بالنواجذ، وتجدون ذلك واضحا حيث جاء وعد الله تبارك وتعالى لهم بالاستخلاف في الأرض متوسطا بين أمره سبحانه وتعالى باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إذ سبق هذا الوعد الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وجاء من بعد ذلك الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول، فالله تبارك وتعالى يقول: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (النور/54)، ثم أتبع ذلك قوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور/55)، ثم أتبع الله سبحانه وتعالى ذلك قوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور/56)، كل ذلك دليل على أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله سبحانه، كيف وقد قال الله عز وجل: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (النساء/80)، وأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تؤدي إلى تقوية جانب المؤمنين حتى يتم لهم ما وعدهم الله سبحانه وتعالى به من العز المكين والاستخلاف والتمكين في هذه الأرض، والله سبحانه وتعالى بين أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة غير مشروطة بشيء؛ بخلاف طاعة غيره من العباد فقد قال عز من قائل: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (النور/54)، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء/59)، فأمر بطاعته استقلالا، وأمر بطاعة رسول صلى الله عليه وسلم استقلالا، ثم عطف أولي الأمر على الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أتبع ذلك قوله: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء/59)، فالرد إلى الله إنما هو الرد إلى كتابه عز وجل، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هو الردّ إلى سنته عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن بعض المتطاولين الذين اندسوا في صفوف الأمة الإسلامية ليكيدوا لهذا الدين كيدا، يزعمون الآن أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي طاعة الحاكم، وطاعة القائد، وطاعة القاضي؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاكما للمسلمين، وكان قاضيا لهم، وكان قائدا لهم، فطاعته صلى الله عليه وسلم لا تتجاوز أن تكون طاعة لحاكم، وطاعة لقاض، وطاعة لقائد، ومعنى ذلك أن يطاع صلى الله عليه وسلم في حياته لا بعد مماته، وهذا أمر مخالف للنصوص القاطعة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه النصوص تدعو دعوة صريحة إلى الاعتصام بكتاب الله وإلى اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تفريط فيهما، على أن وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى هي وظيفة الإبلاغ عن الله سبحانه وتعالى قبل أن يكون النبي حاكما، وقبل أن يكون قائدا، وقبل أن يكون قاضيا، فطاعته صلى الله عليه وسلم لأنه مبلغ عن الله تعالى، وكيف يستوي رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الناس مع أنه عليه أفضل الصلاة والسلام حف بالعصمة بنصّ كتاب الله تعالى؟! وما يبلغه عن الله سبحانه وتعالى لا يمكن إلا أن يكون أمرا مقطوعا بصدقه، كيف والله تبارك وتعالى يأمرنا بطاعته على أي حال، ولم يقيد هذه الطاعة بأي شيء آخر كما قيّد طاعة غيره من الناس بأن تكون منوطة بطاعة الله وطاعة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن هؤلاء الذين يكتبون هذه المقالات إنما يكيدون للإسلام كيدا، والله تعالى يكيد لهم كيدا، وكيد الله تبارك وتعـالى أبلـغ من كيد كل كائد.

فاتقوا الله يا عباد الله، واعتصموا بحبل الله المتين، واتبعوا نوره المبين، واقتدوا بنبيه العظيم عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.

*         *        *

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأشكره، وأتوب إليه من جميع الذنوب وأستغفره، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، وسار على نهجه، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد: 

فإن الله تبارك وتعالى قد نعى على أولئك الذين يدّعون الإيمان وهم يعرضون عن أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال عز من قائل: (لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (النور/ 46 ـ50)، وبين سبحانه وتعالى موقف المؤمنين من هذا الأمر عندما قال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور/51 ـ 52)، بين سبحانه أن موقف المؤمنين هو موقف الاستسلام لأمر الله، والانقياد لحكمه، والإذعان لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل بين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لا يصل إلى مرتبة الإيمان حتى يسلم تسليما لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم كما يسلم تسليما لحكم الله عز وجل، فقد قال عز من قائل: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (النساء/65)، بل الله سبحانه وتعالى بين أن كل رسول أرسله إنما أرسله ليطاع بإذن الله (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا) (النساء/64)، ومعنى ذلك أن يطاع الرسول الذي يأتي من قِبل الله في كل ما يبلغه عن الله سبحانه وتعالى، اللهم إلا أن يأتي حكم ناسخ من شريعة تالية شريعة رسول يبعثه الله سبحانه وتعالى إلى عباده من بعد رسول سابق؛ فإن الأخذ بالناسخ دون المنسوخ، ورسالة النبي بما أنها مهيمنة على الرسالات السابقة وناسخة للرسالات السابقة؛ يجب الأخذ بها من غير تفريط في شيء منها.

فاتقوا الله يا عباد الله، واحذروا الذين يريدون أن يكيدوا لكم كيدا بصرفكم عن دين الله وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالخير كل الخير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والشر كل الشر في الإعراض عن طاعتهما.