الشيخ حمود بن حميد الصوافي واحد من بدور هذه الامة والقائمين حتى الساعه هذه بنشر الدعوة الاسلاميه الصحيحه .

 

 التعريف بالشيخ:

إن تعريف العظماء يصعب على كل من أراد التعرف بهم ، لأن جوانب حياتهم الباطنة ألمع وأنصع من حياتهم الظاهرة ، والمعرف لا يستطيع أن يأتي ببعض الشذرات مما يسمعه ويراه ظاهرا ، والشيخ حمود بن حميد الصوافي ولج أبواب العظمة البشرية من أوسع أبوابها ، وحيث إنه ما من صفة حميدة إلا وقد امتطى أعلاها ورغب فيها وما من صفة وضيعة إلا وهجرها وكره فيها ، لذا يصعب علي التعريف بهذا الرجل العظيم ، لأنه يخفى علي الكثير الكثير من جوانب حياته الظاهرة ، فضلا عن الإبحار في حياته الخاصة والباطنة.

ومن هذا المنطلق أكتفي بإعطاء تعريف موجز لا يفي بحقه ، وأتمنى من تلاميذه المقربين أن يقوموا بهذا الدور ، وعموما فإن البحث مخصص في معظمه للحديث عن مدرسته وهي تمثل جانبا واحدا فقط من اهتماماته الكبيرة.

 

اسمه:

 حمود بن حميد بن حمد بن حميد بن رشيد بن المر بن ناصر بن محمد بن سعيد الصوافي.

 

نسبه:

 من آل صوفة وهي قبيلة عريقة ومعروفة ، يسكنوا بلدة سناو وكانت أصولهم بلدة السليف من ولاية عبري.

 

مولده:

 ولد في بلدة سناو من ولاية المضيبي عام 1363هـ الموافق 1942م.

 

نشأته:

 نشأ الشيخ حمود منذ صغره نشأة علمية ، وأتم حفظ القرآن في صباه ، ثم أخذ ينهل من كتب أهل العلم فحفظ متونا كثيرة في مقدمتها جوهر النظام ومدارج الكمال للإمام السالمي وألفية ابن مالك في النحو والصرف ، وقرأ المعارج وشرح النيل وغيرها من الكتب المعتبرة.

تميز من صغره بالذكاء وشدة الرغبة في طلب العلم ففتح الله عليه ، حتى بلغ وعلا نجمه وأصبح من المراجع العلمية وممن يشار إليه بالبنان.

كف بصره في صباه فاجتهد في الحصول على علاج فلم ينفعه ، إلا أن بصيرته وفطنته كانتا تزدادان يوما بعد يوم ، وهكذا شأن العظماء لا تزيده الابتلاءات إلا عزيمة وقوة وإصرارا فظل يؤجر من يقرأ له العلوم.

 

شيوخه:

 تعلم القرآن على يد حبيب بن ناصر البراشدي ثم أكمل تعليمه على يد الأستاذ ناصر بن راشد المحروقي والأستاذ يحيى بن سالم المحروقي والقاضي حمود بن عبدالله الراشدي وهم من تلاميذ الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله.

 

حياته الاجتماعية:

 بالمعنى النسبي هو أب لثلاثة أولاد وسبع بنات بارك الله له فيهم وجعلهم قرة عينه ، أما بالمعنى الواقعي والمشاهد فهو أب لطلابه خاصة وطلاب العلم الشرعي عامة ، وعنايته لطلابه تفوق عنايته بأولاده.

 

حياته العلمية:

يصعب علي الحديث حول حياته العلمية ، وأشعر بالعجز التام عن إعطاء صورة واضحة لمجريات حياته العلمية ، لأنني لم أعايش أو أشاهد أو أسمع في واقعنا المعاصر إنسانا مثله ، فحياته العلمية قريبة الشبه بما نسمع ونقرأه عن حياة الصحابة والتابعين ومشاهير الفضلاء والعلماء.

لكن حسبي إعطاء لمحات بسيطة من خلال النقاط التالية على سبيل المثال لا الحصر وأستغفر الله تعالى من القصور في إجلاء الحقيقة كما هي:-

 

أولا: اشتغاله بالتدريس:

 حياته كلها تدريس ومدارسة ، وقد بدأ بالفعل بالتدريس عام 1386هـ الموافق 1965م أو قريبا من هذا التاريخ حيث درس مساعدا لشيوخه في نفس المدرسة التي درس فيها بسناو.

وفي عامي 1389هـ – 1390هـ الموافق 1969م – 1970م انتدب للتدريس في بلدة سرور فأقام هناك ثم رجع مرة أخرى إلى سناو وظل يدرس في مسجد التل الأحمر ومسجد خناتل ومسجد الجبة.

وفي عام 1394هـ الموافق 1974م أفتتح معهد سناو في جامع سناو فأصبح مدرسا رسميا فيه ، وبجانب التدريس النظامي ظل موظفا حاله وماله للتدريس وإقامة الحلقات في كل وقت صباحا ومساء.

ومع تزايد المدارس النظامية وإحالته إلى التقاعد ، أصبحت مدرسته مقصورة على الفصول الصيفية ، لكن حلقاته التعليمية لا تنقطع ، ومن أراد التعلم صيفا أو شتاء ليلا أو نهارا يجد الشيخ مستقبلا له ملبيا طلبه ، بل موفرا له المأكل والمسكن المناسبين ، فله من العليم الغفار الأجر والثواب.

 

ثانيا: اشتغاله بالفتوى:

 المجتمع العماني مجتمع متدين بطبعه ، وكل متدين كثير التحرز لدينه فتجدهم يسألون العلماء ويستفتونهم حول عبادتهم ومعاملاتهم وسائر سلوكياتهم ، وفضيلة الشيخ حمود مرجع من المراجع العلمية المشهورة ، حتى أصبح قبلة للسائلين وملاذا للحائرين ، لهذا تتقاطر عليه الأسئلة من كل حدب وصوب كأنه ديمة ودقت على أرض صالحة فأنبتت ثمارا طيبة.

وتأتيه الأسئلة من طريقين: إما عن طريق الهاتف ، أو عن طريق وصول السائل إلى حيث كان الشيخ.

وتلحظ العجب العجاب في سعة باله وقوة تحمله ، لكن من باع الدنيا واشترى الآخرة رخص كل غال وسهل كل صعب في حياته ، فهاتفه مفتوح في معظم الأوقات ، حتى أثناء تناوله لوجبات الطعام وإذا لم يرن الهاتف رأيته يتلمسه لعل السماعة لم تغلق جيدا أو يتأكد من وجود حرارة بالهاتف.

لذلك تجد الضيف الذي يجلس معه على مائدة واحدة يشعر بالخجل الشديد ، لأنه يلحظ على الشيخ انشغاله بالاجابة فيتحرج من الاستمرار في الأكل ويأبى الشيخ أن يتوقف أحدهم عن الأكل ، ولا يدري هذا الزائر أن الشيخ لا يستلذ اللقمة إلا باستقباله الأسئلة المصحوبة بإفشاء السلام وإعطاء الإجابة المصحوبة بالموعظة الحسنة.

ولو أحصيت عدد الاتصالات في جلسة غداء واحدة تجدها لا تقل عن خمس أو تزيد ، وإذا ما تأخر الاتصال ولم يسأله احد الحاضرين معه تذمر من ذلك لأنهم لم يستغلوا وقته فيما يفيد ، ودائما يتعرف على الجالسين معه فيعذر الضيوف أما الطلبة فلا يعذرهم فلا يجلسون على المائدة التي هو على رأسه مرة أخرى ، ويجلس طلبة آخرون يثيرون أسئلة فيستفاد من الوقت ، وإذا ما سئل عن مسألة لم يحضره جوابها أو تعددت فيها الآراء أرشد السائل إلى أن يوجه سؤاله لأهل العلم ( معتبرا نفسه لم يرقَ إلى تلك المنزلة ) كالمفتي أو مساعده فيعطيهما أرقامهما أو يقوم بالاتصال بنفسه.

 

ثالثا:خطب الجمعة وإلقاء المحاضرات:

يتجمهر بجامع سناو في صلاة الجمعة عدد كبير من المصلين ، يأتي بعضهم من أماكن بعيدة ( مثلي ) للاستماع لخطبة الشيخ حمود التي تدخل إلى أعماق القلب لأنها صادرة من القلب وخطيب رباني الفكر ( خطبة هي من واقع الحياة ومصاعبها وفتنها وأذكر إنني استفتيته في مسألة عن الربا فجعل خطبة ذلك اليوم عن هذا الوباء الذي يكاد أن يكون عم الأمة ) ، الأمر الذي حدا بمجموعة من المصلين أن يقوموا بتسجيل تلك الخطب ، وبين فترة وأخرى يدعى الشيخ إلى مناطق كثيرة لإلقاء المحاضرات ، ووعظ الناس بما يعينهم على أمور التمسك بالحق والصراط المستقيم المنجئ من مهالك الردى وتحسين سلوكهم في الحياة.

 

رابعا: الإصلاح الاجتماعي:

عندما تراه في مهمة تحسبه متخصصا فيها لا عمل له غيرها ، لكن عظمة الأفعال تجعل من الفرد جماعة ، فكم من فتن تم القضاء عليها كان للشيخ يد في ذلك ، وكم أصلح بين متخاصمين ، وكم زوج شبابا وحث على ذلك ، وكم ألف بين زوجين أو رد مطلقين لبعضهم البعض ، وكم مريض شفاه الله برقيته ، وكم قبض أمانات وأعان فقراء.

وأعماله البارزة في المجال الاجتماعي لا أستطيع أن أحصيها ، وتحتاج إلى بحث مستقل.

 

خامسا: جدوله اليومي:

 قد يتشكك القاري أو السامع إذا قيل له في عالمنا المعاصر من يستغل جل إن لم يكن كل لحظات وقته فيما يعود بالنفع على دينه وأمته ، فلا تكاد تمر من حياته لحظة إلا وهو في درس أو حلقة أو في خدمة للآخرين ، في دقة من التنظيم وثبات على الأعمال الصالحة في أوقاتها المحددة.

فالمتتبع لأعمال الشيخ حمود في يوم واحد يستهجن أعمال نفسه ويشعر بالتقصير والتفريط ، وهذا إنما هو الظاهر من أعمال الشيخ اليومية التي وصفها الطلبة الملازمين له وما خفي عنهم الله أعلم به فقد عرف بالهمة العالية للدين وأهل في صورة كان ذلك.

يبدأ يوم الشيخ قبل الفجر ( الثلث الأخير من الليل وربما قبل ذلك ) بمناجاة خالقه وموجده فينصب الأقدام لأحياء سنة قيام الليل مستحضرا قول الله عز وجل { إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلا }، وكأنه وافق وصف الله في قوله { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون } ، وفي قيام الليل يقرأ القرآن ويردد بعض الأوراد والأذكار.

وبعد أذان الفجر بقليل يصلي سنة الفجر في منزله تطبيقا للسنة النبوية ، ثم يخرج ويصلي الفريضة في المسجد إماماً الحاضرين وعادة يطيل في القراءة حتى ينهي قرابة نصف جزء في الركعتين ، وهو يبدأ بقراءة المصحف حسب ترتيب السور إلى أن يختمه ثم يبدأ من جديد ، وهو قليل الخطأ بل يندر أن يعضله النسيان في القراءة.

بعد صلاة الفجر يقرأ مجموعة من الأوراد والأذكار جهارا في الصيف حتى يتعلم منه الطلاب ، وخفية في الشتاء حيث المصلون قليل وقد سبق لهم التعرف على أوراده وأذكاره وأدعيته ، ثم يقرأ جهارا حديثا أو حديثين ويرددها ثلاث مرات ، لتحفظ أو تكتب أو تسجل من قبل الطلاب ، ويذكر تخريجهما بعد ذلك ثم يقيم حلقة لقراءة القرآن الكريم يقرأ المصحف فيها بالترتيب وبالتالي تقرأ في مسجده ختمتان ، أما في الصيف فتقرأ أربع ختمات.

الأولى: في فريضة الفجر.

الثانية: في الحلقة التي بها الشيخ ومعه قرابة خمسة وثلاثين طالبا.

الثالثة: في الحلقة التي بها مدرس التجويد وبها قرابة خمسة وثلاثين طالباً .

ومما يلاحظ أن الطلبة الذي يقرأون اليوم مع مدرس التجويد في اليوم التالي يكونون مع الشيخ وهكذا بالتناوب.

الرابعة: الحلقة التي يقرأ فيها الطلبة المبتدئون أو ضعيفو القراءة ، يقوم بتصويب قراءتهم أحد الطلبة البارزين.

تختتم جميع الحلقات بالدعاء ثم يسأل الحاضرين معه إذا ما كان أحدهم قد رأى الليلة رؤيا ، فيذكرون له إن كان هنالك من رأى رؤية تطبيقا للسنة النبوية ، حيث روى أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاة الغداة قال: "هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا".

ثم يأمر الشيخ أحد الطلبة بقراءة التقويم الخاص بذلك اليوم ، ويقرأ الحكمة إن وجدت فيه ، وقد يطلب من الطلبة إعرابها بعد ذلك تكون الشمس قد شرقت وارتفعت قليلاً فيصلون سنة الشروق تطبيقاً للسنة النبوية حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تامة تامة تامة ) .

بعد سنة الشروق يخرج الشيخ إلى أهله فيسلّم ويطمئن عليهم ويجلس لإكمال ما بقي من أوراد وأذكار ، ثم يمكث هناك ويتناول وجبة الإفطار ويستعد للخروج .

وفي قرابة الثامنة والنصف أو التاسعة صباحاً يخرج من المنزل باتجاه جامع سناو والذي يبعد عن منزله كيلومترين تقريباً ، سابقاً كان يذهب ماشياً على الأقدام ، أما الآن مع كبر سنه وضعف صحته - شفاه الله وأمد في عمره – يذهب بالسيارة مصطحباً أحد الطلبة يقرأ له ما يريده من كتب .

وعندما يصل إلى الجامع يصلي ركعتين خفيفتين ، ثم يمر على الحلقات المقامة إن كانت هناك حلقات ، ثم يتجه إلى مكتبة الجامع ، حيث يجد الزوار والمستفتين بانتظاره فيرد على استفساراتهم ويقضي حوائجهم سواء الموجود منهم أم الذين يتصلون به عبر الهاتف ، وقد خصص غرفتين مرافقتين بالمكتبة الأولى لقضاء حاجات الرجال الذين يتحرجون من ذكر حاجاتهم أمام الحاضرين ، والثانية لقضاء حاجات النساء والإجابة على استفساراتهن وحل مشكلاتهن .

ومن اللافت للانتباه أنه أحياناً يأتيه بعض الرجال ويقولون له لنا بك حاجة خاصة ، فيذهب به إلى الغرفة المخصصة لذلك ، ويتبين للشيخ أن الحاجة عبارة عن سؤال في الدين فيرفض الإجابة عليها ويقول له : هذه ليست حاجة خاصة ، اطرح سؤالك أمام الحاضرين حتى يستفيدوا منه ، فيخرج به إلى الحاضرين .

وإذا ما توقفت الأسئلة وقضيت الحاجات ، وتوقفت الاتصالات فهناك بجواره من يقرأ له ما يريد من كتب ولا تمر عليه لحظة بدون استغلال . وفي الساعة الحادية عشر والنصف أو قريباً من هذا الوقت يخرج من المكتبة باتجاه المنزل ، فيدخل على أهله ويطمئن عليهم ، يتفقد وجبة الغداء ويداعب أطفاله وأحفاده حتى يحضر أول وقت الظهر فيخرج للصلاة .

 

بعد صلاة الظهر يرجع مرة أخرى يصلي سنة الظهر في المنزل ثم يتجه إلى مجلسه العام وقد انتظره مجموعة من الأضياف ، الذين لا ينقطعون والطلبة الملازمين له فيدخل عليهم مبتسماً قائلاً بصوت مسموع : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيردون وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم يقول مرة أخرى : بارك الله فيكم فيردون آمين بصوت مصحوب بالخشوع والأمل باستجابة دعاء الشيخ .

وعلى المائدة التي بها الشيخ يتحلق مجموعة من الأضياف والطلبة يطرحون أسئلتهم ومن حسن أدب طلابه ألا يتقدموا بأسئلتهم إلا إذا صمت الضيوف ، ولم تكن هناك اتصالات هاتفية ، وهكذا تصبح جلسة الغداء غذاءً روحياً وجسدياً معا .

ثم تأتي القهوة ورش الأيدي بماء الورد ، بعدها يخرج لتشييع الأضياف إلى موقف السيارات ، ولا يرجع حتى يركبوا سياراتهم ويشرعوا في الخروج ، أما من أراد الجلوس منهم فإن هناك غرفة مخصصة للأضياف غير غرف الطلاب يقيلون فيها حتى صلاة العصر .

أما هو فيعود إلى غرفته الخاصة ، وقد جعلها بعيدة نوعاً ما عن الأولاد والأهل والطلاب ، يختلي بها لسماع نشرة الأخبار وبعض الأشرطة ثم يأخذ قسطاً من النوم حتى حضور صلاة العصر .

 

بعد صلاة العصر يقام درس بالمسجد في قواعد النحو للطلبة الذين يدرسون القواعد النحوية وهي مادة من تأليفه ، وأحياناً يكون بجواره الهاتف يرد على المستفتين ، يستمر ذلك الدرس قرابة أربعين دقيقة ، ثم يدخل على أهله وأولاده حتى صلاة المغرب .

بعد صلاة المغرب درس في الفقه يستمر حتى صلاة العشاء .

بعد صلاة العشاء يذهب قليلاً إلى أهله وأطفاله ، ثم يتجه إلى المجلس مع الطلبة والاضياف ، وبعد وجبة العشاء وتوديع الضيوف يشرف على سماع خطبة ارتجالية من أحد الطلبة ، أو مناظرة بين طالبين لمدة تتراوح ما بين 30 – 40 دقيقة ثم يخرج إلى أهله ، وفي بعض الليالي يرجع إلى الطلبة لإعطاء درس في الميراث من الساعة العاشرة والنصف إلى الساعة الحادية عشر والنصف .

قبل النوم يجلس لسماع نشرة الأخبار ، وغالباً ما تكون في الساعة الثانية عشرة ليلا .

وهكذا تلحظ يوماً حافلاً بالأعمال العظام التي ما ذكرت منها إلا ما اطلع عليه تلاميذه ، وربما هناك أعمال أخرى خفيت عليهم أو قصر الباحث في إيصالها .

 

سادساً : جدوله الأسبوعي :

هناك أعمال يداوم عليها الشيخ خلال الأسبوع وهي كالتالي :-

ـ مساء الجمعة بعد المغرب درس لعامة الناس في مسجد رجب ، أما في الصيف فيتركه بسبب انشغاله بالطلاب.

ـ مساء الأحد بعد المغرب درس للبدو في منطقة يقال لها "الرق" تبعد عن سناو قرابة أربعين كيلومتر ، أما في الصيف فيأمر أحد الطلاب أو المعلمين بأن يذهبوا لتأدية الدرس نيابة عنه بسبب انشغاله بالطلاب ، ولكن لا يمكن أن يترك ، حيث تجد مساء الأحد يتوافد على ذلك المكان عشائر البدو من أماكن متفرقة ، وقد يتجاوز عددهم الثلاثمائة أحياناً .

ـ مساء الاثنين بعد المغرب درس للنساء في مدرسة القرآن .

ـ مساء الأربعاء بعد المغرب درس في جامع سناو ، له حضور كبير .

ـ مساء الخميس بعد صلاة العصر قهوة وقراءة في منزل الشيخ / ناصر بن سالم الصوافي ، أما في الصيف فلا يذهب بسبب انشغاله بالطلاب.

ـ مساء الجمعة بعد صلاة العصر قهوة وقراءة في منزل الشيخ / ناصر بن سليمان الصوافي أما في الصيف فلا يذهب بسبب انشغاله بالطلاب .

 

سمات الجدول :

من السمات البارزة على الجدول اليومي والأسبوعي ما يأتي :-

1) الثبات عليه ، حيث يندر من يثبت على جدوله لفترة طويلة ، وجدول الشيخ هذا ثابت عليه منذ سنين طويلة.

2) الفترات المخصصة لأهله لا يمكن أن يفرط فيها ، فحتى لو جاء زائر ومحتاج إلى الشيخ في كلمة واحدة وهو في ذلك الوقت مع الأهل لا يمكن أن يخرج له إلا في الوقت المحدد لخروجه في العادة.

3) ربط الأعمال بأوقات الصلوات ، حيث هناك ترابط شديد بين الأعمال وأوقات الصلاة فعقب كل صلاة ، تأتي أعمال معينة تشهد له بالفضل وعلو الهمة في التسابق إلى الخيرات .

وبالجملة إن سمات الجدول تقود إلى الحديث عن صفات الشيخ التي ستثير في نفس القارئ أو السامع الإعجاب والاستعجاب.

 

أمثلة من صفات الشيخ حمود :

1) استمرارية العبادة :

من المعلوم من الدين بالضرورة أن الإنسان لم يخلق ولم يوجد على ظهر البسيطة إلا لهدف سام وغاية عظيمة ألا وهي عبادة خالق الأكوان ورب الأرباب عز وجل ، قال تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات :56).

ومفهوم العبادة ليس محصوراً في تأدية الشعائر التعبدية بل يشمل كذلك حركات الإنسان وسكناته في حياته الدنيوية ، والنية الصالحة هي المعيار الدقيق لتحديد ما بين العبادة والعادة ، وحياة الشيخ من حركات وسكنات كلها عبادة صالحة روحانية المظهر ربانية الفكر قرآنية النزعة.

هذا ما ينجلي للعيان ، والله متوكل بالسرائر ، ولا نزكي على الله أحداً ، وليس من المبالغة في غالب الظن أن ينطبق على الشيخ ما قيل في المكثرين من العبادة : إذا قيل له ستموت غداً ما استزاد من العبادة.

 

2) الاهتمام بالأطفال :

صاحب المشاريع الكثيرة والمشاغل المتعددة ، لا يجلس مع الأطفال أو يتحدث معهم فضلاً عن مفاكهتهم أو مداعبتهم أو الاستماع إلى آرائهم ، أما الشيخ حمود فعكس ذلك تماماً ، بل كل فئات المجتمع بمختلف أعمارهم وأجناسهم تأخذ من اهتمامه حقها دون نقصان ، وقد اخترنا الأطفال لقلة ما يعتني بهم إلا ما كان على سبيل النظريات المثالية على صحائف الورق ، وقل من يجريها على حياة الأطفال.

وتظهر عناية الشيخ بالأطفال من خلال المواقف التالية على سبيل المثال لا الحصر.

ـ ما من طفل إلا ويصافحه بيديه فيتفقده هل يحمل عصا أم لا ؟ ويوجه إليه شيئاً من العتاب إذا لم يجد معه عصا.

ـ عندما يأتيه طفل يسأله مجموعة من الأسئلة مصحوبة بالابتسامة والمداعبة ، وإّذا بادر أحد الأشخاص الكبار بالإجابة عن الطفل منعه الشيخ ، وقال له : الله عز وجل خلق له لساناً ، فدعه يتحدث عن نفسه ، وغالباً ما يثمر ذلك اللقاء عن محبة الطفل للشيخ ، وربما يكون من أول لقاء .

ـ عندما يدخل الشيخ إلى أهله يقوم بمداعبة أطفاله وأحفاده باستمرار ، ويغرس فيهم الشمائل المحمدية والأخلاق الحميدة.

ـ بين فترة وأخرى يسأل طلابه أو مريديه عن أطفالهم ويتابع أخبارهم.

ـ دائماً يحمل في جيبه نقوداً من فئة مائة بيسة فيعطيها الأطفال.

3) الكـرم :

صفة الكرم عند الشيخ لا حدود لها ، ويصعب على الزائرين الإفلات منه دون الغداء أو العشاء ، ويعاتب من يذهب عنه دون المشاركة في وجبة واحدة على الأقل ولا يستطيع الزائر الاستئذان منه إلا أن يتحايل بحيلة محكمة قد حضر لها سابقاً ، وتتجلى صفة الكرم من خلال الحقائق التالية على سبيل المثال لا الحصر :

ـ عيّن من الطلبة مسؤولاً عن الأضياف ، ميزته أن الابتسامة لا تغادر شفتيه ، وذو علاقات جيدة مع الناس.

ـ عندما يكون الشيخ على المائدة تجده بين فترة وأخرى يناول من هم على جوانبه وأحياناً يناول الجميع ، وأحياناً يمسك بأيديهم وينزلها في الطعام.

ـ يأمر طلابه بأن يتعاملوا مع الأضياف كأن المنزل لهم فيعتنون بهم ويشجعونهم على الأكل وعدم الخجل.

ـ يتناول وجبة الغداء معه في فصل الصيف ما لا يقل عن مائة شخص يومياً .

ـ خصص غرفة واسعة للضيوف بها كامل مستلزمات الراحة .

 

4) الصــبر :

إذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها ، وترادفت الضوائق وطال ليلها فالصبر وحده هو الذي يشع للشيخ النور العاصم من التخبط ، والهداية الواقية من القنوط.

والصبر من معالم العظمة وشارات الكمال ، ومن دلائل هيمنة النفس على ما حولها وهو من عناصر الرجولة الناضجة والبطولة الفارعة ، فإن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل ولا ينهض برسالتها الكبرى ، ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صبارون ، ومن ثم كان نصيب الشيخ من العناء والبلاء مكافئاً لما أتى من مواهب ، ولما أدى من أعمال ، سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أي الناس أشد بلاء؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل يبلى الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه أشتد بلاؤه ، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه ، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ".

ومن الملامح التي تظهر فيها صفة الصبر عند الشيخ ما يأتي :

ـ مصاب بعمى البصر وفوق ذلك تغلب على مشاق الحياة .

ـ أحياناً يكون متعباً أو مريضاً لكن لا يُظهر ذلك لجلسائه.

ـ عندما يكون في الحرم المكي يكثر من الطواف حتى يصعب على الشباب أن يطوفوا مثله .

ـ ولائم الأضياف لا تنقطع عن منزلـه ، فأحياناً يتغذون على سبع ذبائح ، وأحياناً على جمل صغير ، وأحياناً على كمية من الأسماك المجفف خاصة.

ـ يسكن معه في المنزل صيفا بصفة مستمرة ما لا يقل عن ثمانين شخصاً ، غير أفراد العائلة يتحمل مسكنهم ومأكلهم.

ـ يزوره مجموعات من الطلبة خاصة ، قد يصل عددهم أحياناً إلى ثلاثمائة ، ويظل واقفاً يحيهم ويتعرف على كل واحد منهم عن اسمه وعنوانه وصفه الدراسي أو عمله ، بينما يتعب الحاضرون معه فيقعدون ولا يستطيعون الصبر مثله .

ـ قبل بداية فصل الصيف تجده يتصل بطلابه يسألهم ويرغبهم في المجيء مرة أخرى ، وقد لا يجدهم في منازلهم ، فيعاد الاتصال مرات ومرات دون ملل .

ـ هاتفه يكاد لا ينقطع من اتصالات الناس ، ولا تلحظ عليه إلا الاستقبال الحسن.

وفي العموم هناك ملامح كثيرة تؤكد قوة صبر الشيخ حتى قال أحد تلاميذه :

( ثبات الشيخ على الصبر مثل ثبات الجبال الراسيات ) .

 

5) الاستغلال الأمثل للوقت :

كل مفقود عسى أن تسترجعه إلا الوقت ، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل ، ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه الشيخ ، فتجده يستقبل أيامه استقبال الضنين للثروة الرائعة ، ولا يفرط في ثوانيها فضلاً عن دقائقها وساعاتها.

فلا تكاد تند منه لحظة من الزمن بدون استغلال ، وكثيراً ما يردد مقولة : من علامات المقت إضاعة الوقت ، فهو إما أن يسعى في قضاء حاجة للمسلمين أو يقرأ له كتاب ، أو يكون في حلقة تعليم ، وإما على مائدة طعام بها غداء روحي وجسدي ، أو منشغلاً بالإفتاء ، أو ماشياً على الأقدام بصحبة ناس يناقشونه وإّذا صمتوا انشغل بالأذكار والمحفوظات.

يقول عنه أحد تلاميذه : (في ذات يوم كان الشيخ ذاهباً إلى مصيرة برفقة مجموعة من الطلبة وفي المركب أمر بالقراءة من كتاب ، ومع الاهتزاز الشديد تعذر على القارئ الإستمرار فطلب الشيخ من مرافقيه أن يسمعوا له شيئاً من محفوظاتهم حتى لا يضيع منه ذلك الوقت).