عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:  "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ"[1].

 

 

فَصْلٌ في فَضْلِ الصِّيَامِ

 

تَعَرَّفْ -جَعَلَني اللهُ وإيَّاكَ مِنْ أَهْلِ الكَرَامَةِ والفَضْلِ- أنَّ الصِّيَامَ عُمُومًا والصِّيَامَ الوَاجِبَ خُصُوصًا مِنْ أجَلِّ القُرَبِ وأَحَبِّ الطَّاعَاتِ إِلى اللهِ عز وجل، ولِذَا فَقدِ اختَصَّهُ اللهُ سبحانه وتعالى بِفَضَائِلَ كَثِيرَةٍ ومَزَايا فَرِيدَةٍ عَلَى لِسَانِ حَبِيبِهِ صلى الله عليه وسلم، ومِنْ ذَلِكَ:

 

‌أ- مَا رَوَاهُ أبُو هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَلَوْ عَلِمتُمْ مَا في فَضْلِ رَمَضَانَ لتمنَّيتمْ أنْ يَكُونَ سَنَةً"[2].

 

‌ب- مَا رَواهُ أبُو هُرَيرَةَ رضي الله عنه -أيضًا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، فارَقَ عَبدِي شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي فَالصِّيَامُ لِي وَأَنَا أُجَازِي بِهِ"[3].

 

‌ج- مَا رَوَاهُ أبُو هُريرَةَ رضي الله عنه -ثالثَةً- أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ"[4].

 

‌د- مَا رَواهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ"[5].

 

{فَائِدَةٌ}: قَالَ أبُو حمزَةَ الشَّارِي -رَحِمَهُ اللهُ- في وَصْفِ أَصْحَابِهِ بِكَثرَةِ القِيَامِ والصِّيَامِ: ".أنضاء عبادةٍ وأطلاحُ سهرٍ، موصولٌ كلالهم بكَلالهمْ، وقيامُ ليلهمْ بصيامِ نهارهمْ، قدْ أكلتِ الأَرضُ جباههمْ وأيديهمْ وركبهمْ منْ طولِ السُّجودِ، مصفرةٌ ألوانهمْ، ناحلةٌ أجسامهمْ منْ كثرةِ الصيامِ وطولِ القيامِ"[6].

 

{تَنْبِيْهٌ}

 

في أحَادِيثَ مُشْتَهِرَةٍ لم تثْبُتْ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في فَضَائِلِ الصِّيَامِ

 

{الحَدِيْثُ الأَوَّلُ}: "نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَةٌ، وصَمتُهُ تَسبِيحٌ، ودُعَاؤُهُ مُستجَابٌ"[7].

 

{الحَدِيْثُ الثَّانيْ}: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ- وفي روايةٍ وبلِّغْنَا رَمَضَانَ"[8].

 

{الحَدِيْثُ الثَّالِثُ}: "مَن قَضَى صَلاةً مِنَ الفَرائِضِ في آخِرِ جُمعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ ذلكَ جَابِرًا لِكُلِّ صَلاةٍ فَائتَةٍ مِنْ عُمُرِهِ"، والله المستعان[9].

 

 

القِسْمُ الأَوَّلُ/ في الصِّيَامِ الوَاجِبِ:

 

اِعْلَمْ -وهَبَكَ اللهُ القُرْبَ مِنْهُ زُلْفَى- أَنَّ مِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ مَا أَوجبَهُ اللهُ عَلَى العِبَادِ رحمةً مِنهُ ولُطْفًا، ومِنْهُ مَا أَوْجَبَهُ العِبَادُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بما كَسَبَتْ ألْسِنَتُهُمْ وأيْدِيهِمْ تكفِيرًا لهُم وسِترًا، فَمِنَ الصِّيَامِ الوَاجِبِ[10]:

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ رَمَضَانَ

 

وهوَ الشَّهْرُ المخْصُوصُ والمعْرُوفُ في العَامِ القَمَرِيِّ، وقدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ فِيْهِ وفي ثُبُوتِهِ ودُخُولِهِ، وأَرْكَانِهِ وشُرُوطِهِ مُبَيَّنًا مُفَصَّلاً.

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ الكَفَّارَةِ

 

ويُسَمَّى صِيَامَ "السِّتْرِ"؛ لأَنَّهُ يَستُرُ زَلَّةَ الإِنْسَانِ، وسَيأْتِيكَ بخَبرِهِ كِتَابُنَا: "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الكَفَّارَاتِ"، فهُنَاكَ سَتَجِدُ لهُ تفْصِيلاً، فَكُنْ لَهُ طَالِبًا[11]. 

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ النَّذْرِ

 

النَّذْرُ في الشَّرْعِ: هُوَ التِزَامُ قُرْبَةٍ غَيرِ لازِمَةٍ في أَصْلِ الشَّرعِ بِلَفظٍ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ، كأَنْ يقُولَ المُسْلِمُ: للهِ عَلَيَّ أنْ أصُومَ يَومًا، وذَلِكَ عَادَةً عنْدَ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أو دَفْعِ نِقْمَةٍ[12].

 

و" كَفَّارَةُ النَّذْرِ [لمن حَنَثَ وتَرَكَ الوَفَاءَ بنَذرِهِ] كَفَّارَةُ الْيَمِينِ"[13] كمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فارْجِعْ إلى "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الكَفَّارَاتِ" تجدْ في "بَابِ النَّذْرِ" مِنَ التَّنبِيهَاتِ والفَوائِدِ مَا لا غِنى عنهُ لطَالِبِ عِلْمٍ وعَمَلٍ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت: ٦٩.

 

{فَائِدَةٌ}: صِيَامُ النَّذرِ كصِيَامِ رَمَضَانَ لمن عَجَزَ عَنْهُ، فإِنْ كَانَ عَجْزهُ عَجْزًا مَوقُوتًا فإِلى أَنْ يَنتَفِيَ ثمَّ عَلَيهِ الصِّيَامُ، وإنْ كَانَ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا فَلْيُطعِمْ مِسْكِينًا مَكَانَ كُلِّ يَومٍ، واللهُ أعْلَمُ[14]. 

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ التَّمَتُّعِ

 

فمَن تَمَتَّع بِالعُمرة إلى الحجِّ فإنَّهُ يَجِبُ عَلَيهِ الهَدْيُ إنْ كَانَ وَاجِدًا لَهُ بِاتِّفَاقِ الأُمَّةِ، ومَن لم يَجِدِ الهَديَ فَعَلَيهِ أَنْ يَصُوْمَ عَشَرَةِ أيَّامٍ: ثَلاثَةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسَبعَةٍ إذَا رجَعَ؛ لقَولِهِ تَعَالى:{ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } البقرة: ١٩٦.

 

{تَنْبِيْهٌ}: لا مَانِعَ -عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّيخَينِ- مِن صِيَامِ الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ قبلَ يَومِ العِيدِ أوْ بَعْدَهُ -باسْتِثنَاءِ يَومِ عَرَفَةَ-، فإِمَّا أنْ يَصُوْم فَاقِدُ الهَدْي الأيَّامَ السَّادِسَ والسَّابِعَ والثَّامِنَ كمَا هُوَ رَأيُ طَائِفَةٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، وإمَّا أنْ يَصُوْمَ أيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلاثَةِ أيْ اليَومَ الحَادِي عَشَرَ والثَّاني عَشَرَ والثَّالِثَ عشَرَ كمَا يُؤخَذُ مِنْ بَعضِ الرِّوَايَاتِ الصِّحِيحَةِ أنَّ الصَّحَابَةَ -رضِيَ اللهُ تَبَارَك وتعَالى عَنهُم-كَانُوا يَصُوْمون في هَذِهِ الأَياَّمِ[15].

 

أمَّا السَّبعَةُ المُتَبَقِّيَةُ فيُبتَدَأُ صِيَامُهَا إذَا رجَعَ فَاقِدُ الهَدْي ووَصَلَ إِلى بَلَدِهِ عَلَى المُعْتمَد الرَّاجِحِ عِندَ العَلاَّمةِ محدِّثِ العَصْرِ -حَفِظَهُ اللهُ-[16].

 

{تَنْبِيْهٌ آخَرُ}: ذَهَبَ كَثيرٌ مِنَ العُلمَاءِ إلى اشْتِرَاطِ التَّتَابُعِ في صَومِ التَّمَتُّعِ، فتُصَامُ الثَّلاثَةُ مُتَتَابِعَةً، والسَّبعةُ مُتَتَابِعَةً أيضًا، وَلا شَكَّ أنَّ هَذَا هُوَ الأحْوَطُ والأسْلَمُ، واللهُ أعلَمُ[17].

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ جَزَاءِ الصَّيدِ

 

هَذَا الجَزَاءُ مخصُوصٌ في صَيْدِ البرِّ دُونَ صَيدِ البَحْرِ؛ لِقَولِهِ تَعَالى:{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } المائدة: ٩٦، وجُزَاؤُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ، إمَّا أنْ يَذْبَحَ الإِنْسَانُ ذَبِيحَةً تُسَاوِي ذَلكَ الصَّيدَ الذِي صَادَه مُتَعَمِّدًا[18]، وإمَّا أنْ يُقَوَّمَ ذَلكَ بِالقِيمَةِ ثمَّ يَشتَرِي بتلْكَ القِيمَةِ طَعَامًا ويَدفَعُ لكُلِّ مِسْكِينٍ نصْفَ صَاعٍ مِنَ ذَلِكَ الطَّعَامِ، وإمَّا أنْ يَصُوْمَ يَوْمًا مُقَابِلَ إِطعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ، فإذَا كَانَ الطَّعَامُ يُسَاوِي طَعَامَ ثَلاثِينَ مِسْكِينًا -مثَلاً- فَعَلَيهِ أن يَصُوْمَ ثَلاثِينَ يَومًا.  

 

والدَّلِيلُ عَلَى جَزَاءِ الصَّيدِ قَولُه تَعَالى:{ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً } المائدة: ٩٥. 

 

{مَسْأَلَةٌ أَخِيرَةٌ}: شَهرُ رَمَضَانَ ظَرْفٌ لِصِيَامِ هَذِهِ الشَّعِيرةِ والرُّكْنِ العَظِيمِ، ولذَا فَلا يَقَعُ فِيهِ غَيرُهُ مِنَ الصِّيَامِ وَاجِبًا كَانَ أو مَندُوبًا عَلَى المذْهَبِ المُخْتَارِ عِندَ أصْحَابِنَا -رِضْوَانُ اللهِ تَعَالى عَلَيهِمْ-. 

 

فَلَوِ اخْتَارَ صَاحِبُ العُذْرِ -كَالمُسَافِرِ مَثَلاً- الإِفْطَارَ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَلا يجُوزُ لَهُ أنْ يَصُوْمَ فيهِ غَيرَهُ كقَضَاءٍ واجِبٍ أو تَطَوُّعٍ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ، واللهُ أعلمُ[19].

 

------------------------

 

[1] - البخاري، بَاب: التَّوَاضُعِ، رقم الحديث 6021.

 

[2] - الربيع، باب: في فضل رمضان، رقم الحديث331.

 

تَنْبِيْهٌ: هذا الحديثُ حديثٌ صحيحٌ رواه الإمام الربيع بسنده الرفيع عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أنه جاء بلفظ آخر رواه ابن خزيمة والطبراني والبيهقي وابن جرير وغيرهم، وهو: "لو علم العباد ما في رمضان لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها"، ولكن هذا الحديث بهذا اللفظ ضعيف جدا؛ لأن في إسناده متروكا لا يحتج به ولا كرامة، ويبقى الاستشهاد والاستدلال بلفظ الإمام الربيع وبه الكفاية.

 

ومن جهة أخرى فقد ثبت في صحيح السنة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "شَهْرَانِ لا يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ"، واختلفوا في مَعْنَاه، والأقرب عند إمام المعقول والمنقول -حفظه الله- أن ذلك في الفَضْل فالشهر سواءً كان تسعة وعشرين أو كان ذلك ثلاثين يوما، يعطي الله مَن صامه وقامه مؤمنا محتسبا أجره كاملا غير منقوص؛ }  ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً } النساء: ٧٠. يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1429هـ، يوافقه 4/ 9/2008م.

 

[3] - الربيع، باب: في فضل رمضان، رقم الحديث332.

 

فَائِدَةٌ: الذي يظهر أن الجزء الثاني من هذا الحديث " فارق عبدي...إلخ" هو جزء من حديث قدسي إلا أنه لم يُسند -هنا- إلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى، ولعل ذلك وقع من جهة الرواة، وإلا فإنه قد جاء مصرحا بشيء منه في رواية البخاري "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" البخاري/ 1771.

 

ومع ذلك فقد اختلف شُرَّاحُ السنة في معنى تخصيص ذكر الصِّيَام بأنه لله عز وجل مع أن جميع الأعمال هي له سبحانه وتعالى، وهو يجزي عليها الجزاء الأوفى، فقيل: إن هذا التخصيص بالذكر من أجل أن الصِّيَام عبادة لا يدخلها الرياء من حيث الفعل؛ لأنه مجرد كف وامتناع، وقيل: إن المرادَ تشريفُ الصوم فهو نظير الإضافة في بيت الله وناقة الله، وقيل: لأنَّ الصِّيَام لا يُتقرَّب به إلى غير الله، يقول العلامة أبو محمد السالمي -رَحِمَهُ اللهُ- في حاشيته على الجامع: " ومنها أنه لم يُعبد به غير الله فلم تعظمِ الكفارُ في عصرٍ منَ الأعصارِ معبودًا لهم بالصِّيَام بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك وهذا أظهر الوجوه"، والله أعلم بالصواب. يُنظر:

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص47.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1427هـ، يوافقه 26/9/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1428هـ، يوافقه 14/9/2007م.

[4] - مسلم، بَاب: فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، رقم الحديث 1793.

 

[5] - البخاري، باب: الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ، رقم الحديث 1763.

 

[6]- يُنظر:

 

الأصفهاني، أبو الفرج. الأغاني، خبر عبد الله بن يحيى.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 جمادى الثانية 1425هـ، يوافقه 25/7/2004م.

 

[7] - يقول صيرفيُّ الحديث وناقدُهُ العلامة القنوبي -عافاه الله-: " هذا الحديث لا يَثْبُتُ عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو وإن كَان قد جاء مِن أكثر مِن طريق فإنَّ تلك الطُّرُق لا عبرة بِها؛ إذ العبرة بالطُّرق التي جاءت عن الثِّقَاةِ الأثْبَات أو إذا تَعددت الطرق لا بُدَّ -أيضا- مِن أن يكون أولئك الرواة ليسوا مِن الضُّعفاء جِدًّا أو المتروكين أو ما شابَهَ ذلك، وطُرق هذا الحديث لا تَصِل إلى تلك المرتبة فهو مِن الضَّعْف بِمكان.. وَلْيَنَم الإنسان بِقَدْرِ حاجتِه وبعدَ ذلك يَقضِي ليلَه ونَهارَه في عبادةِ الله". يُنظر:

 

البيهقي، شعب الإيمان، رقم الحديث 3778.

 

القنوبي، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1423هـ، يوافقه 8/11/2002م.

 

القنوبي، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1426هـ، يوافقه 6/10/2005م.

 

[8] - يقول شيخنا المحدث القنوبي -بارك الله في حياته-:"على كل حال هذا الحديث ليس بِحديثٍ ثابت، بل حديثٌ باطل فيه ابن أبي الرّقَّاد ولعلّه وَرِثَ النوم فأَشغلَه عن حفظِ الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فاختلطتْ رواياتُه، وقد جاءَ مِن طريق أخرى مِن طريقِ أبي البَرَكات السَّقْطِي، ولكنّه لا بَرَكَة فيه فهو مِن الألقاب المقلوبَة، فكان يَنبغي أن يُلَقَّبَ بِعكسِ هذا تماما؛ ولكنّ العرب يُلَقِّبُونَ بِالضِّد فهو رَجُلٌ كذاب لا يُؤخَذ بِروايتِه". يُنظر:

 

أحمد، المسند. مسند: عبد الله بن العباس، رقم الحديث 2228.

 

القنوبي،، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 شعبان 1426هـ، يوافقه 11/9/2005م.

 

[9] - هذا الحديث كذب موضوع، وباطل مخترع مصنوع على صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم كما نص على ذلك المحققان الخليلي والقنوبي -متعنا الله بحياتهم-. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 23 رمضان 1423هـ، يوافقه 29/11/2002م.

 

القنُّوْبيُّ، قرة العينين ص125.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2001م الموافق 1422هـ. مذكرة خاصة ص22.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 23 رمضان 1426هـ، يوافقه 27/10/2005م.

 

عبد الحي، الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ج1 ص84.

 

[10]- الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ: 28 رمضان 1424هـ، يوافقه 23/11/2003م.

 

[11] - قال عنه الشيخُ القنوبي-عافاه الله- في أول اتصالٍ هاتفيٍّ بالكاتب بعد اطلاعه على الكتاب: "حَقِيقَةً أَعْجَبني كتَابُ الكفَّارَاتِ..جميلٌ جدًّا جدًّا جدًّا..تقريبًا مستوفٍ للغَالبيَّةِ العُظْمى مِنْ مسَائِلِ الكَفَّارَاتِ..حقيقةً أعجبتني العباراتُ، واضحةٌ جليَّةٌ لا غموضَ فِيها، تنبيهاتٌ مهمَّةٌ وفوائدُ كثيرةٌ، باركَ اللهُ فيكَ".

 

القنُّوْبيُّ، اتصال هاتفي مسجَّل، ليلةَ الجمعة تاريخ: 20 ذي الحجة 1429هـ الموافق 19/ 12/ 2008م.

 

[12] - مصلح، فقه العبادات ج2 ص207.

 

[13] - مسلم، باب: في كفارة النذر، رقم الحديث 1647.

 

[14] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. الفتاوى ج1 326.

 

[15] - هذا هو الصَّحِيحُ خلافا لمن منع ذلك؛ للنهي عن الصِّيَام في أيام التشريق، لأن مما يعكر هذا الاستدلال أن ذلك النهي عام وهذه الروايات خاصَّة، والخاص مقدم على العام. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 24 شوال 1423هـ، يوافقه 29/12/2002م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1424هـ، يوافقه11/11/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 رمضان 1427هـ، يوافقه 22/10/2006م.

 

[16] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. اتصالٌ هاتفيٌّ شخصيٌّ بفضيلته. ليلة: الإثنين 7 من المحرم 1430هـ- 4/1/2009م. وانظر:

 

ملحق فتاوى فضيلته في كتاب: "المُعْتمَدُ في فِقْهِ الكَفَّارَاتِ"، سؤال رقم 10.

 

[17] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. دروس صيف 1423هـ/ يوافقه 2002م. مذكرة خاصة ص64.

 

[18] - تقييده بالعمد هو الراجح عند شيخنا القنوبي -حفظه الله- لنصِّ الآية } مُّتَعَمِّداً  } المائدة: ٩٥، بينما قال كثير من العلماء: إن الجزاء واجب في حق المخطئ والمتعمد على السواء لا فرق بينهما. يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1424هـ، يوافقه 11/11/2003م.

 

[19] - المعمري، عبد الله بن سعيد. من فقه الصِّيَام ج1 "مادة سمعية"، إنتاج: تسجيلات مشارق الأنوار.

--------------------------------------------

القِسْمُ الثَّانِي/ في الصِّيَامِ المنْدُوبِ:

 

تَعَلَّمْ -أَخِي الطَّالِبَ الحَصِيفَ، رَزَقَكَ الله الْمُسَارَعَةَ إِلَى الْخَيْرَاتِ- أنَّ مِنَ الصِّيَامِ المأمورِ به والمرغَّبِ فيهِ الصِّيَامَ المندوبَ إليهِ[20] في غَيرِ الأَيَّامِ المفْرُوضَةِ وفي غَيرِ الأيَّامِ الممْنُوعَةِ، شَرَعَهُ اللهُ عز وجل عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم جَبرًا لما نَقَصَ مِنَ الفَرَائِضِ، وإتمامًا لِمَا أَخَلَّ العَبدُ فِيهَا[21].

 

وهَذَا الصَّوْمُ المندُوبُ -مِنْ حَيثُ الجُملَةُ- لا يختَلِفُ عمَّا تَقَدَّمَ تفْصِيلُهُ في الصَّوْمِ الوَاجِبِ والمفْرُوضِ مِنْ حَيثُ الشُّرُوطُ والأَركَانُ والسُّنَنُ والمُسْتَحَبَّاتُ..، فَضُمَّ هَذَا إِلى ذَاكَ تَنَلْ رُشْدَكَ وهُدَاكَ[22].  

 

ومِنَ الأيَّامِ المنْدُوبِ صِيَامُهَا بِسُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ستةُ أيَّامٍ مِن شَوَّالٍ، والعَشرُ الأَوَائِلُ مِن ذِي الحِجَّةِ، ويومُ عَرَفَةَ، والصِّيَامُ في المُحَرَّمِ، ويَومُ عَاشُوراءَ، والصِّيَامُ في شَعْبَانَ، وأيَّامُ البِيضِ، ويَومَيْ الإثْنَينِ والخَمِيسِ، وصِيَامُ النَّبيِّ دَاودُ عليه السلام، وفي السُّطُورِ الآتِيَةِ تجِدُ بَيَانُا مخْتَصَرًا لمُجْمَلِ هَذِهِ المنْدُوبَاتِ، فكُنْ بسُنَّةِ نَبِيِّكَ عَامِلاً وبِأفْعَالِهِ مُقْتَدِيًا:  

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ السِّتَّةِ مِنْ شَوَّالٍ

 

اِعْلَمْ -أُخَيَّ، أتْبَعُ اللهُ حَسَنَاتِكَ حَسَنَةً بَعْدَ حَسَنَةٍ- أنَّهُ يُشْرَعُ لَكَ بَعدَ أنْ تُتِمَّ صِيَامَ رَمَضَانَ أنْ تَصُومَ سِتَّةَ أيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ فإنَّهُ كصِيَامِ جمِيعِ العَامِ؛ لما ثَبَتَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ[23] عَنْ أبي أَيُّوبٍ الأنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أتبعَهُ بِستَّةِ أيَّامٍ مِنَ شَوَّالٍ فكَأنما صَامَ الدَّهرَ كلَّهُ"[24]. 

 

{فَائِدَةٌ}: ومَعْنى كَونِهِ كصِيَامِ الدَّهْرِ أَنَّكَ إذَا جمَعْتَ -أيُّها العَبْقَرِيُّ الرِّيَاضِيُّ- أيَّامَ الشَّهرِ الكَرِيمِ مَعَ الأيَّامِ السِّتَّةِ مِنْ شَوَّالٍ فيَكُونُ المجمُوعُ سِتَّةً وثَلاثِينَ يَومًا تَقْرِيبًا، وقدْ عَلِمْتَ أنَّ السَّنَةَ ثلاثُمِئَةٍ  وسِتِّينَ يَومًا، فبِنَاءً عَلَى قاعِدَة { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } الأنعام: ١٦٠ يكُونُ مجمُوعُ صِيَامِ سِتَّةٍ وثَلاثِينَ يَومًا كصِيَامِ السَّنةِ كلِّهَا 36 × 10= 360، ومَنْ فَعَلَ ذَلِكَ في كُلِّ عَامٍ فكَأَنما صَامَ دَهْرَهُ كُلَّهُ } وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة: ٢٦١.  

 

{فَائِدَةٌ أُخْرَى}: لا مَانِعَ عَلَى القَوْلِ المُعْتمَد عندَ عَالِمَيْ العَصْرِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حَفِظَهُمُ اللهُ- أنْ يَكُونَ صِيَامُ هَذِهِ السِّتِّ في أوَّلِ شَوَّالٍ أو وَسَطِهِ أو آخِرِهِ، وكَذَا لا مَانِعَ مِنْ أنْ تُصَامَ مجْتَمِعَةً أو مُتفَرِّقَةً؛ لأَنَّ الحَدِيثَ أَطلَقَ ومَا دَامَ أنَّهُ أطْلَقَ فَالأَصْلُ أنْ يُؤخَذَ بِهِ عَلَى إِطْلاقِهِ مِنْ غَيرِ دَاعٍ إِلى تَقْيِيدِ إلا أنْ يَكُونَ مِنْ بَابَ الاسْتِبَاقِ لِلْخَيرَاتِ[25]. 

 

 

فَتْوَى

 

السُّؤَالُ/ فَضِيلَةَ الشَّيْخِ: بالنِّسْبَةِ إِلى صِيَامِ السِّتَّةِ أَيَّامٍ، هَلْ يَلزَمُ أَنْ تُصَامَ مُبَاشَرَةً وأنْ تَكُونَ مُتَتَابِعَةً؟

 

الجَوَابُ/ لا، لا يَلزَمُ، المُهِمُّ أنْ تَكُونَ في شَوَّالٍ، إذَا قَدَّمَ فهُوَ مِن بَابِ المسَارَعَةِ إلى الخَيرِ وإذَا أَتَى بِهَا مُتَتَابِعَةً فهُوَ مِن هَذَا البَابِ وإِلا فَلا يَلْزَم ذَلكَ، واللهُ أعلمُ[26].

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ العَشْرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ

 

اِعْلَمْ -أخِي في اللهِ- أنهُ يَنبَغِي للنَّاسِ عُمُومًا أنْ يُكثِرُوا مِن عَمَلِ الخَيرِ في الأيَّامِ العَشْرِ الأُولى مِن ذِي الحِجَّةِ، كمَا أنَّهُ يُستَحَبُّ لأَهْلِ الآفَاقِ أنْ يُكثِرُوا مِنَ الصِّيَامِ في التِّسْعِ الأُولى مِنْهَا؛ وذَلكَ  لعُمُومِ قَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ -يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ من ذي الحجةِ-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"[27].

 

وهيَ أيَّامٌ ذاتُ فَضْلٍ؛ ومِنْ فَضْلِهَا أَنَّ اللهَ تَعَالى أَقْسَمَ بلَيالِيهَا في قَولِهِ سبحانه وتعالى:{ وَالْفَجْرِ}1} وَلَيَالٍ عَشْرٍ}2} } الفجر:1-٢[28].

 

{فَائِدَةٌ}: تُسَمَّى هَذِهِ الأَيَّامُ التِّسعُ الأُولى مِن ذِي الحِجَّةِ بـ"العَشْرِ" تَغْلِيبًا كمَا في الحَدِيثِ السَّابِقِ وكمَا في قَولِهِ تعَالى:{ وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر: ٢[29]، وإلا فَهِيَ في الحقِيقَةِ تِسْعٌ؛ إذِ اليَومُ العَاشِرُ يَومُ عِيدٍ لا يجُوزُ صَومُهُ بِإِجمَاعِ الأُمَّةِ[30]. 

 

{تَنْبِيْهٌ}: لم يَثبُتْ في الحَثِّ عَلَى صِيَامِ هَذِهِ الأيَّامِ العَشرِ مِن ذِي الحِجَّةِ -باسٍتثنَاءِ يَومِ عَرَفَةَ- حَدِيثٌ خَاصٌّ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا أنَّهُ دَاخِلٌ في جملَةِ " الْعَمَلُ الصَّالِحُ" الذِي حثَّ عَلَيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحَدِيثِ السَّابِقِ[31]، وكَفَى بِهِ عَمَلاً صَالحًا، خَصَّهُ الموْلى عز وجل بقَولِهِ: "وَأَنَا أُجَازِي بِهِ"[32]. 

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ

 

تعرَّفْ -أَخِي، عرَّفَكَ الموْلى مجَامِعَ الخَيرِ والبرَكَةِ- أنَّ أفْضَلَ أيَّامِ العَامِ عَلَى الإِطْلاقِ يَومُ عَرَفَةَ، ولذَا فإنَّ صَومَهُ مُستَحَبٌّ بَلْ إِنَّهُ يُكَفِّرُ خَطَايَا سَنَتَينِ: سَنَةٍ مَاضِيَةٍ وسَنَةٍ بَاقِيَةٍ؛ كمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِندَمَا سُئِلَ الحَبِيبُ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ قَالَ: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"[33].  

 

{تَنْبِيْهٌ مُهِمٌّ}: اسْتِحْبَابُ صِيَامِ يَومِ عَرَفَةَ إِنما هُوَ لِغَيرِ الوَاقِفِ بعَرَفَاتٍ؛ خَشْيَةَ أنْ يَضعُفَ الحَاجُّ عَنِ الدُّعَاءِ والذِّكْرِ في هَذَا اليَومِ، ولذَا عِندَما أَرْسَلَتْ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحِ لَبَنٍ شَرِبَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ[34]؛ لَيرَاهُ جمِيْعُ النَّاسِ، وفي ذلكَ ردٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أنَّهُ صَائِمٌ.

 

وعَلَى كُلِّ حَالٍ فالتَّقَوِّي عَلَى العِبَادَةِ مَطلَبٌ شَرعِيٌّ حَرَصَ عَلَيهِ الإِسْلامُ لا سِيَّمَا في هَذَا اليَومِ العَظِيمِ الذِي عَدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دعاءَهُ أفضَلَ الدُّعَاءِ في قَولِهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ"[35].

 

ومهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمرٍ ومهْمَا أَحَسَّ الوَاقِفُ بقُوَّةٍ ونَشَاطٍ فإنَّ الأَولى تَرْكُ الصِّيَامِ في حقِّهِ؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ الأُسْوةُ الحَسَنَةُ لنَا قدْ ترَكَهُ ولم يَصُمْ في وُقُوفِهِ، وهُوَ مَنْ هُوَ قُوَّةً ونَشَاطًا ومُسَارَعةً إلى الطَّاعَةِ واسْتِبَاقًا للخَيرَاتِ، فلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ أَوْ بِهِ فَضْلٌ وَمحْمَدَةٌ لَكَانَ أَوْلانَا بِالْسَبْقِ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ [36] صلى الله عليه وسلم.. وفي تَأْكِيدِ هَذِهِ المعَاني يَقُولُ إمَامُنَا السَّالمي:

 

 

- لَوْ كَانَ خَيْرًا سَبَقَ المختار *** لهُ وَصَحْبُهُ مَتى مَا زَارُوا[37]

 

- لَوْ كَانَ خَيْرًا لَمْ يَفُتْ مُحَمَّدا *** وَصَحْبَهُ وَلمْ يَكُنْ تَعَدَّدا[38]

 

- لَوْ كَانَ بِالتَّخْييرِ كَانَ المُصْطَفَى *** أسْبَقَنَا عَلَى التَّمَامِ وَالوَفَا[39]

 

 

{تَنْبِيْهٌ}: لا يخفَى علَيكَ -أيُّهَا المتَعَلِّمُ النَّجِيبُ- أنَّ مِنَ العِبَادَاتِ مَا هِيَ زَمَانِيَّةٌ كالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وصِيَامِ رَمَضَانَ، ومِنْهَا مَا هِيَ مَكَانِيَّةٌ كتَحِيَّةِ المسْجِدِ ومنَاسِكِ العُمْرَةِ، ومِنْهَا مَا هُو زَمَانيٌّ مَكَانيٌّ كمَنَاسِكِ الحَجِّ..

 

وعَدَمُ المعْرِفَةِ بهَذَا التَّفْرِيقِ بَينَ أنْوَاعِ العِبَادَاتِ قَدْ أوْقَعَ البَعضَ في لَبْسٍ وَسَرى إلَيهِ الوَهْمُ، فَلَمْ يُفَرِّقْ بَينَ صِيَامِ عَرَفَةَ وبَينَ الوُقُوفِ بعَرَفَةَ في الميعَادِ، فصِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ عِبَادَةٌ زمَانِيَّةٌ تُشْرَعُ لأَهْلِ الآفَاقِ في هَذَا اليَومِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ المكَانِ الذِي يُوجَدُونَ فيهِ، أيْ معَ احتِمَالِ اخْتِلافِ زَمَانِ هَذَا اليَومِ مِنْ مَكَانٍ لآخَرَ.

 

أمَّا الوُقُوفُ بعَرَفَةَ فَهُو عِبَادَةٌ زمَانِيَّةٌ مَكَانِيَّةٌ تُشْرَعُ يَومِ عَرَفَةَ في المكَانِ المعْرُوفِ بِعَرَفَةَ أيْ حَسَبَ تَوقِيتِ هَذَا المكَانِ.

 

فتفَطَّنْ لهَذَا التَّمْيِيزِ الدَّقِيقِ، وَلا تُحَكِّمَنَّ العَاطِفَةَ في صِيَامِ عَرَفَةَ وأَنْتَ في بَلَدِكَ فتَظُنَّ أَنها مُلازِمَةٌ لوَقْفَةِ عَرَفَةَ بعَرَفَةَ أو أَنها بِتَوقِيتِ أمِّ القُرَى، فإِنَّ اللهَ لمْ يجعَلْ للعَوَاطِفِ في أَمْرِ العِبَادَاتِ سَبِيلا، فَتِلْكَ عِبَادَةٌ وهَذِهِ أُخْرَى كمَا نصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلمَاءُ الفُطَنَاءُ مِنْ كَلِّ بَلَدٍ، واللهُ يَهْدِي إِلى سَوَاءِ السَّبِيلِ[40].

 

------------------------

 

[20] - فائدة أُصُولِيَّةٌ: اختلف علماء أصول الفقه في القسم الثاني من أقسام الحكم التكليفي "المندوب، أو المستحب" هل هو مأمور به أم لا، ولا يخفى عليك -مما تقدم في تقسيم الحكم التكليفي- أن مذهب جمهور العلماء أن المندوب مأمور به، وإن لم يكن الأمر به أمرا جازما كالواجب، فمن فعله أثيب وأجر، ومن تركه لم يكن عليه وزر.

 

وذهب الحنفية إلى أن المندوب غير مأمور به؛ مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا أنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواك عندَ كلِّ صَلاةٍ وكلِّ وضُوءٍ"الربيع/87 قالوا: مع أن السواك مندوب إليه باتفاق الفريقين إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، ولكن الجمهور أجابوا على هذا الاستدلال بأن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم :" لأمرتهم بالسواكِ" أي أمرا جازما يفيد الوجوب بحيث يأثم من تركه، وأنت خبير -أيها الطالب النبيه- أن الخلاف هنا خلاف لفظي لا يكاد أن تكون له ثمرة، لأنَّ الجميع مُسلِّمون ومتفقون -بحمد الله- أن كلَّ مندوبٍ إليهِ هو مرغَّبٌ فيهِ ومطلوب شرعًا، يقول شيخنا السالمي -رَحِمَهُ اللهُ- في شمس أصوله الشارقة:

 

فَمِنْ هُنَا المنْدُوبُ مَأْمُورٌ بِهِ *** وَقِيلَ لا، وَالخُلْفُ لَفْظِيٌّ بِهِ

 

يُنظر:

 

السالمي، طلعة الشمس ج1 ص124.

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج1 ص142.

 

[21]- الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ: 19 رمضان 1428هـ، يوافقه 01/10/2007م.

 

[22] - الجيطالي، إسماعيل بن موسى. قواعد الإسلام ج2 ص116.

 

[23] - يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، رَفْعُ الإِشْكَالِ عَنْ بَعْضِ المَسَائِلِ المُتَعَلِّقَةِ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ ص177.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ:13 رمضان 1430هـ، يوافقه 3/ 9 / 2009م.

 

[24] - يُنظر:

 

الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء والنوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 315.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

[25] - يقول شيخنا بدر الدين الخليلي -يَحْفَظُهُ اللهُ- مقررا استدلاله: "الحديث مطلق غير مقيد بالفورية ولا بالتتابع، لذا لا أرى حرجا في تأخير صومها ولا في تفريقها، وليس ذلك استدلالا بما تدل عليه "ثم"[في قوله: ثم أتبعه] من المهلة؛ لأنها كما تأتي للمهلة الزمنية، تأتي للمهلة الرُّتبية، وهو الغالب عليها في عطف الجمل كما في قوله تعالى:{  ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً } مريم: ٧٠، مع أن علمه تعالى سابق غير مسبوق؛ لأنه علم أزلي، وقوله تعالى:{  ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا } مريم: ٧٢، مع أن نجاتهم كانتْ قبل أن يصلى غيرهم النار، وكذلك قوله تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ } الأعراف: ١١، مع أن قوله للملائكة:{  اسْجُدُواْ لآدَمَ }، سابق على خلقه فضلا عن خلق ذريته، بدليل قوله تعالى:{  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } الحجر: ٢٩، بل قال بعض النحويين: إن "ثم" إنْ عَطَفتِ الجملَ لا تكون إلا للمهلة الرتبية، لذلك استدللت بمجرد الإطلاق لا بالمهلة المفهومة من: ثم، والله أعلم". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص333، 334.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 15 رمضان 1425هـ، يوافقه 30/10/2004م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 رمضان 1424هـ، يوافقه 23/11/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص179-180.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1425هـ يوافقه 21/11/2004م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 26 شوال 1429هـ، يوافقه 10/10/2008م.

 

[26]- القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ:  28 رمضان 1427هـ، يوافقه 22/10/2006م.

 

[27] - أبو داود، بَاب: فِي صَوْمِ الْعَشْرِ، رقم الحديث 2082.

 

[28]- يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو القعدة 1425هـ، يوافقه 9/1/2005م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 ذو الحجة 1426هـ، يوافقه 8/1/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، تحفة الأبرار ص190.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 18 رمضان 1427هـ، يوافقه 12/10/2006م.

 

[29] - الجيطالي، إسماعيل بن موسى. قواعد الإسلام ج2 ص115.

 

[30] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 جمادى الأولى 1427هـ، يوافقه 4/6/2006م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 رمضان 1427هـ، يوافقه 16/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 رمضان 1425هـ، يوافقه 12/11/2004م.

 

[31] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"- تلفزيون سلطنة عمان، حلقةُ:  16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

[32] - الربيع، باب: في فضل رمضان، رقم الحديث332.

 

[33]- يُنظر:

 

مسلم، بَاب: اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، رقم الحديث 1977.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

الصوافي، إبراهيم بن ناصر. ندوة: "فضائل يوم عرفة"- تلفزيون سلطنة عمان، تاريخ: 9 ذو الحجة 1430هـ، يوافقه 26/ 12/ 2009م.

 

[34] - رواه الربيع/

 

باب: في عرفة والمزدلفة ومنى، رقم الحديث 423.

 

باب: صوم يوم عاشوراء والنوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 317.

 

[35] - مالك، الموطأ. بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ، رقم الحديث 449.

 

[36] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص334.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 ذو الحجة 1423هـ، يوافقه 9/2/2003م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 ذو الحجة 1426هـ، يوافقه 8/1/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص 19.

 

[37]- السَّالِمِي، عبد الله بن حميد. جوهر النظام ج3 ص46.

 

[38]- السَّالِمِي، عبد الله بن حميد. جوهر النظام ج1 ص80.

 

[39]- السَّالِمِي، عبد الله بن حميد. جوهر النظام ج1 ص123.

 

[40] - الخَلِيْلِيُّ، أَحمَدُ بنُ حمَدٍ. "جوابٌ مطوَّلٌ: مطبوعٌ حول مسألة الأهلة معتمد بتاريخ: 8 ذي الحجة 1430هـ" لدى الكاتب نسخة منه" ص28.

---------------------------------------------

فَصْلٌ في صِيَامِ المحَرَّمِ

 

اِعلَمْ -يَا وَقَاكَ اللهُ مِنَ الحُرَمِ والمحَارِمِ- أنَّ مِنْ أفْضَلِ أَشْهُرِ اللهِ في العَامِ شَهرَ اللهِ "المحرَّمَ"، الذِي هُو أوَّلُ أَشْهُرِ السَّنَةِ العَرَبِيَّةِ القَمَرِيَّةِ، وأَحَدُ الأَشْهرِ الحُرُمِ، وحَسْبُنا في فَضْلِهِ أنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ قَولُـهُ صلى الله عليه وسلم : "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ"[41]، يقُولُ محَدِّثُ العَصْرِ مؤَكِّدًا ثُبُوتَ هَذَا الحَدِيثِ: " ثبَتَ عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ- الأمْرُ بِصِيَامِ شَهْرِ المحرَّمِ"[42].

 

فيَنبَغِي لطُلابِ الآخِرَةِ أنْ يُكثِرُوا مِنْ صِيَامِ أيَّامِهِ لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الثَّوَابِ والفَضْلِ عُمُومًا، ومِنْ صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ خُصُوصًا؛ يَقُولُ تَعَالى:{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } العنكبوت: ٦٩.

 

{فَائِدَةٌ}: الأَشْهرُ الحُرُمُ أرْبَعَةٌ، وهيَ: ذُو القِعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمحرَّمُ، ورَجَبٌ، ثَلاثةٌ مُتَوَاليَاتٌ ورَجَبٌ الفَرْدُ؛ قَالَ تَعَالى:{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } التوبة: ٣٦، وقَدْ وَرَدَتْ أحَادِيثُ ورِوَايَاتٌ في فَضْلِ صِيَامِهَا عُمُومًا إِلا أنَّهُ لمْ يَثبتْ منْهَا إلا مَا اخْتَصَصْنَاهُ بالذِّكْرِ مِنْهَا كيَومِ عَرَفَةَ ويَومِ عَاشُورَاءَ، واللهُ أعلمُ[43].

 

 

فَصْلٌ في صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ

 

يَومُ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَومُ العَاشِرُ مِنَ شَهرِ المحرَّمِ عَلَى رَأيِ جمْهُورِ العُلمَاءِ وهُو الصَّحِيحُ[44]، وقَدْ كَانَ يَومُ عَاشُورَاءَ يَومًا تصُومُهُ قُرَيشٌ في الجَاهِلِيَّةِ، وكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصُوْمُهُ في الجَاهِلِيَّةِ فَلمَّا قَدِمَ المدِينَةَ صَامَهُ وأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ يَومُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ ومَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَلَكِنْ في صِيَامِهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ وَأَجْرٌ جَزِيلٌ[45].

 

ومِنَ الثَّوابِ العَظِيمِ والأَجْرِ الجَزِيلِ لهَذَا اليَومِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَدَّ صِيَامَهُ يَعْدِلُ صِيَامَ خمسِ سَنَوَاتٍ حِينَمَا قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " مَنْ صَامَ يَومَ عَاشُورَاءَ كَانَ كَفَّارَةً لِسِتِّينَ شَهْرًا، وَعِتْقَ عَشْرِ رَقَبَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ مِنْ وَلَدِ إِسمَاعِيْلَ عَلَيهِ السَّلامُ"[46]. 

 

ويَومُ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَومُ الذِي نجَّى اللهُ تعَالى فِيهِ سَيِّدَنا مُوسَى -عَلَيهِ السَّلامُ- مِنْ كَيدِ فِرْعَونَ وجُنُودِهِ، فَعَظَّمَهُ أهْلُ الكِتَابِ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ، وعِنْدَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ  بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَأرَادَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مخَالَفَتَهُمْ بِصِيَامِ يَومِ تَاسُوعَاءَ معَ عَاشُورَاءَ، أيْ بِصِيَامِ اليَومِ التَّاسِعِ مَعَ العَاشِرِ، وقَالَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ  التَّاسِعَ"، قَالَ الرَّاوي: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ [47] صلى الله عليه وسلم.

 

{حَدِيْثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ}: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: 

 

قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:" مَا هَذَا؟" قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ[48].

 

{فَائِدَةٌ}: ذكرَ بَعضُ العُلمَاءِ أنَّ لصِيَامِ عَاشُورَاءَ ثَلاثَ مَرَاتِبَ:

 

المرْتَبَةُ الأُولى: صِيَامُ العَاشِرِ فَقَط.

 

المرْتَبَةُ الثَّانيَةُ: صِيَامُ التَّاسِعِ والعَاشِرِ.

 

المرْتَبَةُ الثَّالثَةُ: صِيَامُ التَّاسِعِ والعَاشِرِ والحَادِي عَشَرَ.

 

وأفضَلُهَا المرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ، وهيَ صِيَامُ التَّاسِعِ والعَاشِرِ، أمَّا صِيَامُ الحَادِي عَشَرَ فمَا رُوِيَ فِيهِ لمْ يَثبُتْ مَرفُوعًا إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا عُمُومُ الصِّيَامِ في المحرَّمِ، واللهُ أعلمُ[49]. 

 

{مَسْأَلَةٌ}: إذَا صَادفَ يَومُ عَرَفةَ أو يومُ عَاشُورَاءَ يَومَ الجُمُعةِ فلا مَانِعَ مِنْ صِيَامِهِ مُنفَرِدًا عَلَى المُعْتمَد عِنْدَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -مَتَّعَنَا  اللهُ بِحَيَاتِهِمْ-؛ وَذَلِكَ لأَنَّ صَاحِبَه قَصَدَ بِصِيَامِهِ يَومَ عَرَفةَ أَو يَومَ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَقْصِدْ إِفْرَادَ الجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ، فَهُو بِفِعْلِهِ هَذَا مَحْمُودٌ لا مَذْمُومٌ، وَإِنْ كَانَ لَلْفَضْلِ دَرَجَاتٌ، وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ[50]. 

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ شَعْبَانَ

 

لا يَخْفَى عَلَيْكَ -أَخِي فِي اللهِ- أَنَّ شَهْرَ شَعْبَانَ هُوَ الشَّهرُ الثَّامِنُ مِنْ أَشْهُرِ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الذِي يَسْبِقُ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَلِذَا كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَخُصُّهُ بِمَزِيدِ صِيَامٍ فيَصُوْمُ أَغْلَبَهُ حَتَّى لا يَزِيْدَ  عَلَيهِ فِي الصِّيَامِ إِلاَّ شَهْرُ رَمَضَانَ[51]؛ فَعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَمِّ عَبْدِ اللهِ عَائِشةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُوْمُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُوْمُ، ومَا رَأَيْتُهُ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"[52]، وَمِنْ بَدَائِعِ الجَوْهَرِ قَوْلُ شَيْخِنَا الإِمَامِ نُورِ الدِّينِ السَّالِميِّ -رَحِمَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ-:

 

 

والـمُصْطَفى أَكْثَرُ مَا يَصُومُ *** في شَهْرِ شَعبَانَ وذَا مَعلُومُ

جَاءَتْ بِهِ صَحَائِحُ الأَخبَارِ *** فَلَيْسَ في ثُبُوتِهِ مُمَارِي[53]

 

 

{فَائِدَةٌ}: لَيْسَ فِي السُّنَّةِ تَحْدِيدُ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ يُسْتَحَبُّ صَوْمُهَا مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ، وَمَا وَرَدَ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ اليَومِ الخَامِسِ عَشَرَ خُصُوصًا فَغَيرُ صَحِيحٍ وَلا ثَابِتٍ، وَكَذَا فِي المُقَابِلِ لَمْ يَثْبُتْ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهيِ عَنْ صِيَامِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ، فَشَعْبَانُ كُلُّهُ مَئِنَّةٌ ومَحَلٌّ للصِّيَامِ إِلاَّ تَقَدُّمَ رَمَضَانَ بِيَومٍ أَو يَوْمَينِ[54] -كَمَا سَيَأتي بِإِذْنِ المُؤْمِنِ المُهَيْمِنِ-[55].

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ أَيَّامِ البِيْضِ

 

تعَلَّمْ أيُّها -المُؤْمِنُ، جَعَلَكَ اللهُ ممَّنْ تَبْيَضُّ وجُوهُهُمْ يَومَ تَبْيَضُّ وجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ- أَنَّهُ يُسْتحَبُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَصُوْمَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَهِيَ -عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيهِ الجُمْهورُ- أَيَّامُ البِيْضِ[56]: الثَّالِثُ عَشَرَ والرَّابِعُ عَشَرَ والخَامِسُ عَشَرَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَمَرَيٍّ إِلاَّ اليَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ فَإِنَّ صِيَامَهُ مَكْرُوهٌ -كَمَا سَيَأْتِي-؛ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ [57] صلى الله عليه وسلم.

 

والدَّلِيلُ عَلَى شَرْعِيَّةِ صِيَامِهَا واسْتِحبَابِهَا قَولُ الشَّارِعِ الحَكِيمِ [58] صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَامَ في كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَكَأَنمَا صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ"[59]، وَعِنْدَمَا أُخْبِرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بمقُولَةِ الصَّحَابيِّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: "وَاللهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ" قَالَ عَلَيهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ مُوجِّهًا ومُرْشِدًا: "..وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْر"[60].

 

{تَنْبِيْهٌ}: هَذِهِ الأَيَامُ الثَّلاثَةُ تُسَمَّى "أيَّامُ اللَّيَالي البِيْضِ"، وَتُسَمَّى اخْتِصَارًا "أَيَّامُ البِيْضِ" بِحَذفِ المُضَافِ إِليهِ وَهِي "الَّليَالي"؛ سُمِّيَتْ بذَلِكَ لأَنَّ لَيَالي هَذِهِ الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ يَكْتَمِلُ فِيهَا القَمَرُ وَيَسْتَدِيرُ حَتَّى يَكُونَ بَدرَ التَّمَامِ.

 

وَمِنَ الخَطَأ الشَّائِعِ أَنْ يُقَالَ: "الأَيَّامُ البِيضُ"؛ لأنَّ جميعَ الأيامِ بَيضَاءُ، لا اسْتِثَنَاءَ لِيَومٍ دُونَ آخَرَ مِن أَيَّامِ الشَّهرِ؛ لِسُطُوعِ شَمْسِ النَّهَارِ بِهَا جَمِيعًا[61].

 

{فَائِدَةٌ}: قدْ يُطلَقُ "اليَومُ" في لُغَةِ القُرآنِ عَلَى النَّهَارِ ولَيلَتِهِ معًا، وقَدْ يُطلَقُ عَلَى النَّهَارِ فَقَطْ، وكُلُّ ذَلِكَ لَهُ شَاهِدٌ مِنَ الكِتَابِ، أمَّا الأَوَّلُ: فمِنهُ قَولُهُ تَعَالى:{ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } هود: ٦٥ أيْ بلَيَالِيهَا طَبعًا، وأمَّا الثَّاني: فمِنهُ قَولُهُ تعَالى:{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } الحاقة: ٧[62]. 

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ الإِثنَينِ وَالخَمِيْسِ

 

اِعلَمْ -أيُّها المتَفَقِّهُ في دِينِ اللهِ- أنَّ مِنَ الصِّيَامِ الذِي حَرصَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى صِيَامِهِ ودَرَجَ أصْحَابُهُ عَلَى التِزَامِهِ صِيَامَ يَومَيْ الإِثنَينِ والخَمِيسِ، كمَا يجسِّدُ هَذِهِ المعَاني إِجَابَةُ حِبِّ رَسُولِ اللهِ وابنِ حِبِّهِ صلى الله عليه وسلم -أسامةَ بنِ زَيدٍ }- حينَمَا سُئِلَ عنْ سَبَبَ تحرِّيهِ صِيَامَ هَذَينِ اليَومَينِ فأجَابَ قَائِلاً: "إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ [وفي حديث النسائي زيادة] فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"[63]، وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ لا غُبَارَ عَلَيهِ[64].

 

 

فَصْلٌ في صِيَامِ النَّبيِّ دَاودَ عليه السلام

 

وهُوَ صِيَامُ يَومٍ وإِفْطَارُ يومٍ آخَرَ، كمَا أَرشَدَ إِلَيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ حينَمَا بَلَغَهُ أَنهُ يَسْرِدُ الصَّوْمَ سَردًا، قَالَ: " فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا"[65].

 

وفي حَدِيثٍ آخَرَ عَدَّهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أفْضَلَ الصِّيَامِ وأَحَبَّهُ إِلى اللهِ عز وجل فَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا"[66]، وفَوقَ ذَلِكَ مُشَادَّةٌ في الدِّينِ، ومغَالَبَةٌ لِسُنَّةِ النَّبيِّ الأَمِينِ صلى الله عليه وسلم.

 

------------------------

 

[41] - مسلم، بَاب: فَضْلِ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ، رقم الحديث 1982.

 

[42]- ويقول -متعه الله بالصحة-: " نعم شهر الـمُحرَّم وردت مشروعية صيامه في حديث صحَّحَه غير واحد من أهل العلم، وإن ذَكَر بعضهم بأنه موقُوف على صحابي، لَكن القول بِرَفْعِه أقرب إلى الصواب".

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

[43] - يقول فضيلة الشيخ القنوبي -حفظه الله-: " ولكن الحديث الوارِد في مشروعِيَّة صيام الأشهر الحرم لَم يثبُت عن النبِي صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ جَاء من طريقِ بعض الـمَجَاهِيلِ الذِين لا يُعتَمَد على روايتهم أبدًا"، وهكذا ورد ما يدل على تخصيص صيام الأول من المحرم أول أيام السنة الهجرية بالفضل إلا أن هذا التخصيص لم يثبت أيضا، إلا من حيث كونه داخلا في عموم فضل صوم شهر المحرم بجميع أيامه، يقول سماحة الشيخ الخليلي -حفظه الله-: " صيامُ اليوم الأوّل كصِيامِ بَقِيةِ الأيام". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو الحجة 1425هـ، يوافقه 6/2/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص181.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

[44] - يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 1 محرم 1428هـ، يوافقه 21/01/2007م.

 

الجيطالي، قواعد الإسلام ج2 ص114.

 

[45] - يُنظر: الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء و النوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 312.

 

[46] - الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء و النوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 311.

 

[47] - يُنظر:

 

مسلم، باب: أَيُّ يَوْمٍ يُصَامُ فِي عَاشُورَاءَ، رقم الحديث 1916، 1917.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو الحجة 1425هـ، يوافقه 6/2/2005م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 محرم 1428هـ، يوافقه 28/01/2007م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

[48] - يقول ابن حجر في فتح الباري: " وَلا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيث عَائِشَة  ِ"إنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَصُومُونَهُ " كَمَا تَقَدَّمَ إِذْ لا مَانِع مِنْ تَوَارُدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صِيَامه مَعَ اِخْتِلَاف السَّبَبِ فِي ذَلِكَ.." أي أن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عن يوم عاشوراء وإنما عن سبب صيام اليهود لهذا اليوم تحديدا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه قبل مجيئه للمدينة، فانتفى بذلك التعارض الموهوم، والله أعلم. يُنظر:

 

البخاري، بَاب: صِيَامِ يَوصْمِ عَاشُورَاءَ، رقم الحديث 1865.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 1 محرم 1428هـ، يوافقه 21/01/2007م.

 

[49] - يُنظر:

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص 9.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2002م الموافق 1423هـ. مذكرة خاصة ص76.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 18 رمضان 1427هـ، يوافقه 12/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 20 ربيع الأول 1428هـ، يوافقه 08/04/2007م.

 

[50] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 ذو الحجة 1423هـ، يوافقه 9/2/2003م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 شوال 1425هـ، يوافقه 5/12/2004م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 17 ذو الحجة 1427هـ، يوافقه 07/01/2007م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 5 رمضان 1422هـ، يوافقه 21/11/2001م.

 

[51] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 18 شعبان 1425هـ، يوافقه 3/10/2004م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1426هـ، يوافقه 6/10/2005م.

 

[52] - الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء و النوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 316.

 

[53] - السالمي، عبد الله بن حميد. جوهر النظام ج1 ص141.

 

[54] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص332.

 

القنُّوْبيُّ، رَفْعُ الإِشْكَالِ عَنْ بَعْضِ المَسَائِلِ المُتَعَلِّقَةِ بِرُؤْيَةِ الهِلالِ ص171.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 شعبان 1426هـ، يوافقه 11/9/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1426هـ، يوافقه 6/10/2005م.

 

ابن الجوزي، الموضوعات.

 

[55] - فَائِدَةٌ: الفعل "أَمِنَ" يأتي متعديا، فيقال: أَمِنْتُهُ أي جعلته ذا أمن، ويأتي أحيانا لازما غير متعدٍّ، فيقال: أَمِنَ فلانٌ أي أصبح ذا أمن، وبمراعاة هذين الاعتبارين جاز إطلاق لفظ "المُؤْمِنِ" على الرب والعبد، فيطلق المؤمن على الرب باعتبار تعدي الفعل؛ لأنه هو الذي يؤمنهم من خوف، وعلى العبد باعتبار لزومه؛ لأنهم يَأمَنُون بالله المؤمن، والحمد لله كل الحمد.- يُنظر:

 

البهلاني، العقيدة الوهبية ص130- 131.

 

[56] - جاءت روايات فيها إثبات استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر غير أيام البيض، كصيام السبت والأحد والإثنين مِن شهر، والثلاثاء والأربعاء والخميس مِن الشهر الذي يليه، وهكذا دواليك، ولكن هذه الروايات ضعيفة الإسناد، فلا يسن من كل شهر إلا أيام البيض، والله أعلم. ينظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 1423هـ/ يوافقه 2002م. مذكرة خاصة ص68.

 

السالمي، شرح الجامع الصحيح ج2 ص13.

 

[57]- يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، المرأة تسأل والمفتي يجيب ج1 ص255.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 ذو القعدة 1423هـ، يوافقه 5/1/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 رمضان 1427هـ، يوافقه 22/10/2006م.

 

[58] - المشرِّعُ والشَارِعُ في الحقيقة هو الله -عز وجل-، ولكنها تُطلق مجازا كما في السياق أعلاه على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لكونه المبلِّغَ لشرع الله -عز وجل-.

 

 يُنظر: السَّالِمِي، مشارق أنوار العقول، ص46.

 

[59]- الربيع، باب: صوم يوم عاشوراء والنوافل ويوم عرفة، رقم الحديث 314.

 

[60] - البخاري، بَاب: صَوْمِ الدَّهْرِ، رقم الحديث 1840.

 

[61] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. دروس صيف 1423هـ/ يوافقه 2002م. مذكرة خاصة ص68.

 

[62] - يُنظر:

 

الجيطالي، قواعد الإسلام ج2 ص122.

 

محي الدين عبد الحميد. التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية ص131.

 

[63] - يُنظر:

 

أبو داود، بَاب: فِي صَوْمِ الإثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، رقم الحديث 2080.

 

النسائي، بَاب: صَوْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، رقم الحديث 2318.

 

[64] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 11 محرم 1426هـ، يوافقه 20/2/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ:18 رمضان 1427هـ، يوافقه 12/10/2006م.

 

[65] - البخاري، باب: حَقِّ الأَهْلِ فِي الصَّوْمِ، رقم الحديث 1841.

 

[66] - البخاري، بَاب: أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، رقم الحديث 3167.

-----------------------------------

 

فَصْلٌ

 

في مَسَائِلَ وأحَكَامٍ تتَعَلَّقُ بِالصِّيَامِ المنْدُوبِ

 

{المَسْأَلَةُ الأُوْلى}: اخْتَلَفَ العُلمَاءُ في صِيَامِ النَّفْلِ، هَلْ يُصبِحُ واجِبًا بمجَرَّدِ الدُّخُولِ والشُّروعِ فيهِ، أوْ لا؟! والمختَار عِندَ شَيخِنَا المحدِّثِ أبي عَبدِ الرَّحمنِ -عَافَاهُ اللهُ- أنَّ "الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ"[67] كمَا جَاءَ مَرفُوعًا إِلى النَّبيِّ الأبَرِّ [68] صلى الله عليه وسلم.

 

وعَلَى هَذَا القَولِ فَلا يجِبُ عَلَى مَنْ دَخَلَ في صَومِ نَفْلٍ ثمَّ أفْطَرَ فِيهِ أنْ يَقضِيَ يَومَ نفْلِهِ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ يَبقَى نَفْلاً، ولا يجِبُ إِتمامُهُ ولا قضَاؤُهُ شَرعًا، وقَالَ أَكثَرُ الأَصْحَابِ رضي الله عنهم: بَلْ يجِبُ إِتمَامُ صَومِ النَّفْلِ؛ اعتِبَارًا لِقَولِهِ تَعَالى:{ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } محمد: ٣٣[69]، وعَلَى كُلٍّ فمَنْ أَخَذَ بأَحَدَ الرَّأْيَينِ فَقَدْ أَخَذَ بعُرْوةٍ وُثقَى لا انفِصَامَ لها بِإِذْنِ الموْلى، ولَكِنْ لا شَكَّ أنَّ الأَحْوَطَ والأَظْفَرَ لطَالِبِ السَّلامَةِ والفَوزِ في الدَّارَينِ أنْ يُتِمَّ صَومَ نَفلِهِ إنْ دَخَلَهُ، أو يَقضِيَهُ إنْ نَقَضَهُ. 

 

وهَذَا كُلُّهُ خِلافًا للْحَجِّ والعُمْرَةِ، فَإِنهمَا يجِبَانِ بمجَرَّدِ الدُّخُولِ فِيهِمَا، ولوْ كَانَا في الأَصْلِ نفْلاً؛ وذَلكَ لصَرِيحِ قَولِهِ جل جلاله:{ وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } البقرة: ١٩٦[70].

 

{المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ}: يجُوزُ التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ لِمَنْ عَلَيهِ قَضَاءُ أيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى الرَّأيِ الصَّحِيحِ عِندَ الشَّيخَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حفِظَهُمُ اللهُ-؛ بِدَلِيلِ أنَّ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ كَانَتْ تُؤَخِّرُ قَضَاءَ مَا  أفْطَرَتْهُ في رَمَضَانَ إلى شَعْبَانَ[71]، ولا يُعْقَلُ أنْ تَبْقَى الصِّدِّيقَةُ ابْنَةُ الصِّديقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- طَوَالَ العَامِ بِدُونَ صَومِ شَيءٍ مِنَ الأَيَّامِ المُرَغَّبِ فِيهَا بحُجَّةِ أنَّ عَلَيهَا قَضَاءَ بِضْعَةَ أيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ، وهِيَ في بَيتِ خَيرِ الأَنَامِ تُشَاهِدُ خَلِيلَ اللهِ وخَلِيلَيهَا صلى الله عليه وسلم يَقْضِي سَحَابَةَ يَومِهِ صَائِمًا صَادِئًا[72]. 

 

{المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ}: صِيَامُ النَّفْلِ بِالنِّسْبَةِ للمَرْأَةِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بإِذْنِ الزَّوْجِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا؛ لِثُبُوتِ ذَلِكَ في سُنَّةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرَاعَاةً لحُقُوقِ الزَّوجِ ومَا يَراهُ صَاحِبُ القِوَامَةِ منْ مَصْلَحَتِهِ ومَصْلَحَةِ أَهلِهِ وبَنِيهِ.

 

قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: " لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلا بِإِذْنِهِ"[73].

 

ومِنْ تمَامِ الموَدَّةِ وكَمَالِ التَّرَاحُمِ بَينَهُمَا أَنْ تَسْتَشِيرَهُ -أيضًا- في وَقْتِ صِيَامِ مَا عَلَيهَا مِنْ قَضَاءِ فَرْضٍ، أو أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيهَا مِنْ صِيَامِ سِتْرٍ وتَكْفِيرٍ، ومَنْ أَصْدَقُ حَدِيثًا مِمَّنْ قَالَ:{ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } الروم: ٢١ [74]. 

 

 

خَاتِمَةٌ

 

في أَيَّامٍ لمْ يَثْبُتْ تخْصِيْصُ صِيَامِهَا

 

تَعَلَّمْ -أيُّها التِّلمِيذُ النَّجِيبُ، خَتَمَ اللهُ بِالصَّالحَاتِ أَعْمَالي وأَعْمَالَكَ- أَنَّ الصِّيَامَ خَيرٌ مَوضُوعٌ، مَنْ شَاءَ فَليُقْلِلْ ومَنْ شَاءَ فَليُكْثِرْ، والأَفْضَلُ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مَعَكَ مِمَّا ثَبَتَ فَضْلُ صِيَامِهِ وجَزِيلُ نَوالِهِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولَكِنْ لا يُمْنَعُ العَبدُ مِنَ التَّقرُّبُ إِلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى بالصِّيَامِ في أيِّ يَومٍ مِنْ أيَّامِ العَامِ[75] بِشَرطِ أَنْ لا يَعْتَقِدَ صَائِمُهَا أَنهَا سُنَّةٌ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو أَنَّ فِيهَا مِيزَةً لم يَسْبِقْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَيهَا، وَقَدْ سَبَقَ هُوَ إِليهَا، فهُنَا مَوضِعُ الخَلَلِ ومَوْطِنُ الزَّلَلِ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وقدْ عَلِمْتَ أيُّها المقْتَدِي البَصِيرُ أنَّ خَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محَمَّدٍ [76]صلى الله عليه وسلم.

 

وقَدْ ذَكَرْنَا خِلالَ فُصُولِ هَذَا البَابِ -بحَمْدِ اللهِ تَعَالى- بَعضَ الأَيَّامِ الَّتي لمْ يَثبُتْ في صِيَامِهَا خُصُوصِيَّةٌ وفَضْلٌ زَائِدٌ عَلَى غَيرِهَا، وهَا نحْنُ هُنَا نجْمِلُهَا جميعًا مَا ذُكِرَ مِنْهَا هُنَاكَ ومَا لمْ يُذْكَرْ، فَافْهَمْ كَلامِي واسْتَمِعْ مَقَالي:

 

‌أ- صِيَامُ رأسِ السَّنةِ[77].

 

‌ب- صِيَامُ الثَّاني عشَرَ مِن رَبيعِ الأَوَّلِ[78]. 

 

‌ج- صِيَامُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ[79].

 

‌د- صِيَامُ شَهْرِ رَجَبٍ[80]. 

 

‌ه- صِيَامُ السَّابِعِ والعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ[81].

 

‌و- صِيَامُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ[82].

 

‌ز- صِيَامُ يَومِ التَّرْويَةِ[83].

 

‌ح- صِيَامُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ[84].

 

ط- صِيَامُ آخِرِ يَومٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ[85].

 

ي- كفَّارَةُ الغُشُورِ[86].

 

------------------------

 

[67] - أحمد، المسند. حَدِيثُ: أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، رقم الحديث 25658.

 

[68] - يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، بحوث ورسائل وفتاوى/ القسم الخامس ص31.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2001م الموافق 1422هـ. مذكرة خاصة ص18.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2002م الموافق 1423هـ. مذكرة خاصة ص72.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2003م الموافق 1425هـ. مذكرة خاصة ص46.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي ص198.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 رمضان 1422هـ، يوافقه 23/11/2001م.

 

[69] - الجيطالي، إسماعيل بن موسى. قواعد الإسلام ج2 ص116.

 

[70] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص333.

 

الخَلِيْلِيُّ، المرأة تسأل والمفتي يجيب ج1 ص257.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 15 ذو الحجة 1423هـ، يوافقه 16/2/2003م.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 رمضان 1425هـ، يوافقه 22/10/2004م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 4 رمضان 1427هـ، يوافقه 28/9/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 12 رمضان 1427هـ، يوافقه 6/10/2006م.

 

[71] - البخاري، بَاب: مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ، رقم الحديث 1814.

 

[72] - الصَّدَى: هو العطش مطلقا أو العطش الشديد، ومنه تسمية ابن هشام كتابه القيم: "قَطْرُ النَّدَى وَبَلُّ الصَّدَى". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص334.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 28 رمضان 1424هـ، يوافقه 23/11/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص180.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1425هـ يوافقه 21/11/2004م.

 

[73] - الترمذي، بَاب: مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الْمَرْأَةِ إِلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، رقم الحديث 713.

 

[74] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 20 رمضان 1426هـ، يوافقه 24/10/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 29 ذو الحجة 1423هـ، يوافقه 2/3/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1426هـ، يوافقه 7/10/2005م.

 

[75] - اسْتِثْنَاءٌ: يستثنى من أيام العام -كما هو معلوم- الأيامُ التي ثبت النهي عن صيامها تحريمًا كالعيدين ويوم الشك، فصائمها مأزور لا مأجور، أو كراهةً كأيام التشريق؛ إذ الله يعبد بالمحبوب لا بالمكروه  -كما سيأتي بعون الله-.

 

[76] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو الحجة 1425هـ، يوافقه 6/2/2005م.

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 12 رمضان 1426هـ، يوافقه 16/10/2005م.

القنُّوْبيُّ، قُرة العيْنيْن ص134.

 

القنُّوْبيُّ، "جوابٌ مطوَّلٌ: مطبوعٌ ومتداولٌ" لدى الكاتب نسخة منه ص38.

 

[77] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو الحجة 1425هـ، يوافقه 6/2/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص181.

 

[78] - درج كثير من الناس على صيام اليوم الثاني عشر من ربيع الأول باعتبار أنه هو يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكلٌّ من ذلك فيه نظر؛ إذ لا دليل على استحباب صيام اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أوَّلاً، كما أنه لا دليل -أيضا- على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في هذا اليوم -الثاني عشر من ربيع الأول-، أمَّا ما يُذكَر في كتب السير فلا إسناد له متصل، وهنا أقصر القلم لأترك الميدان لفرسانه..

 

يقول العلامة القنوبي -حفظه الله- في أحد أجوبته المطولة: "على أنه لم يأت دليل يصلح للاعتماد عليه على أن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد ولد في الثاني عشر من ربيع الأول"، ويقول -عافاه الله- في أجوبته المتلفزة مضيفًا: " على أنَّه ليس هنالك دليل أنَّ النبِي صلى الله عليه وسلم وُلِدَ في هذا اليوم، ومهما كان لا دَلِيل على الصِّيَام في يوم مَوْلِدِه صلى الله عليه وسلم سواءً كان في اليوم الثاني عشر أو في غَيْره من الأيام".

 

ويقول سماحة الشيخ الخليلي -حفظه الله-: " وليست هنالك خصوصية لصيام مولده -صلى الله عليه وسلّم- أو اليوم الذي يصادف ذكرى مولده، لا دليل على ذلك".

 

هذا فضلا عمَّا يقرؤه البعض في هذا اليوم من موالد فيها ما فيها مما تورده كتب السِّير من الروايات الضعيفة التي لا أصل لها، ويُخشى على صاحبها من الوقوعَ في الكذب على حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وإن كان لا بُدَّ فاعلون فلا بأسَ بتذكيرِ الناس بشيءٍ من سيرته العطرة الصحيحة في درس أو محاضرة مفيدة تَشحذ الهممَ وتوقد العزائم للاقتداء بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، والله وليُّ التوفيق. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 ربيع الأول 1429هـ، يوافقه 16/03/2008م.

 

القنُّوْبيُّ، "جوابٌ مطوَّلٌ: مطبوعٌ ومتداولٌ" لدى الكاتب نسخة منه ص44.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 1 رمضان 1423هـ، يوافقه 7/ 11/2002م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

[79] - يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 ذو الحجة 1425هـ، يوافقه 6/2/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

[80] - أدركنا كثيرا من الناس يخصُّون شهر رجب بصيامه كلِّهِ معتقدين أنه سنة ومستندين على روايات لم تصح البتة، كحديث: "صوم شهر الصبر [رجب] وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن بوَغَرِ الصدور"، وحديث: "..فمن صام يوما من رجب فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة، ومن صام منه عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ومن صام منه خمسة عشر يوما نادى مناد في السماء قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل.. وفى رجب حمل الله نوحا في السفينة فصام رجب وأمر من معه أن يَصُوْموا فجرت بهم السفينة سبعة أشهر أخر.."، إلخ هذه الروايات التي تفوح منها رائحة الوضع ظاهرةً بيِّنةً..

 

وهنا أترك التعبير لفارس الكلمة -مفتي السلطنة- في فتاواه القيمة حيث يقول: "صيامُ رجب لم تأت به سنة خاصة، فهو كسائر الشهور في كونه جائز الصِّيَام، وليست له خصوصية، والأحاديث التي وردت في صيام شهر رجب كلها أحاديث ضعيفة الإسناد، وينبغي لمن أراد أن يَصُوْم رجب أن يَصُوْمه لا على أساس أن صيامه سنة، ولا على أساس خصوصية فيه، بل هو كسائر الشهور".

 

ولشيخنا القنوبي -أيضًا- كلام نفيسٌ في هذه القضية: " والقول بعدم ثبوت تلك الأحاديث وأنَّها من البطلان بِمكان نَصَّتْ عليه جَماعة من العلماءِ الأَعْلام وهُوَ الحقُّ، فَصِيامُ شهر رَجَب لَم يثبت فيه حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم  لا بِمُفرَدِه ولا بِمَجموع طُرقه، وما ظنه بعضهم من أنَّ ذلك داخلٌ في صيام الأشهر الحرم ليس بشيء، فإنَّ شَهر رَجَب وإن كان من الأشهر الحرُم حقًّا ولكن الحديث الوارِد في مشروعِيَّة صيام الأشهر الحرم لَم يثبُت عن النبِي صلى الله عليه وسلم لأنَّهُ جَاء من طريقِ بعض الـمَجَاهِيلِ الذِين لا يُعتَمَد على روايتهم أبدًا.. وفي ذلك يَقولُ الإمام السالمي-رحمه الله تبارك وتعالى-عندما ذَكَرَ الأحاديث الدالَّة على فضْلِ شهرِ رجب:

 

 

لَكنها ضعيفةُ الإسناد *** وبعضُهم بِوضْعِها يُنادي

 

 

وأنا مِمَّن يُنادِي بِعدمِ ثبوتِ تلك الأحاديث وأنَّها مكذوبةٌ عليه صلوات الله وسلامه عليه".

 

وفي حاشية القواعد يقول المحقق الشيخ بكلي عبد الرحمن عمر -رَحِمَهُ اللهُ-: "والتحقيق أن صيام رجب ليس له فضل زائد عن غيره من الشهور..قال ابن حجر: لم يرد في فضله، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للاحتجاج". اهـ.

 

ويقول ابن رجب عن صيام شهر رجب: "وأمَّا الصِّيامُ: فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص332.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 12 رمضان 1426هـ، يوافقه 16/10/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، قرة العينين ص134.

 

القنُّوْبيُّ، بحوث ورسائل وفتاوى/ القسم الرابع ص69.

 

القنُّوْبيُّ، "جوابٌ مطوَّلٌ: مطبوعٌ ومتداولٌ" لدى الكاتب نسخة منه ص38.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 7 شعبان 1426هـ، يوافقه 11/9/2005م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

الجيطالي، قواعد الإسلام ج2 ص115.

 

ابن رجب، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ص208.

 

[81] - يَصُوْم بعض الناس هذا اليوم ظنًّا منهم أنه اليوم الذي أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج به في ليلته، فإذن الكلام في عدم ثبوت صيام هذا اليوم "السَّابعِ والعشرينَ من رجب" كالكلام في "الثاني عشر من ربيع الأول"،  ينظر إليه من ناحيتين:

 

الأولى/ عدم وجود دليل معتمد على أنها هي ليلة الإسراء والمعراج: يقول شيخنا محدث العصر -حفظه الله- : "ليس هنالك دليل في كتاب الله ولا في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُسرِي به في ليلة السابع والعشرين من رجب، إنَّما ثَبَتَت الأدلة على ثُبُوت الإسراء وعلى ثبُوت المعراج، ولكن ما هي هذه الليلة التي أُسرِيَ به صلى الله عليه وسلم وعُرِجَ به فيها.. ليس هنالك دَلِيل ولا شُبْهَة دليل على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم  قد أُسْرِيَ بِه في هذه اللَّيلة".

 

الثانية/ عدم وجود دليل معتمد على مشروعية صيام يوم الإسراء والمعراج: يقول شيخنا الخليلي -حفظه الله-: "لأنَّ الحديثَ الذي رُوِي باستحباب صومه إنَّما هو حديث ضعيف.."، ويقول شيخنا القنوبي -حفظه الله-: " لا يثبت صيامها على تقدير معرفة أيامها". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، المرأة تسأل والمفتي يجيب ج1 ص257.

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 27 رجب 1425هـ، يوافقه 12/9/2004م.

 

القنُّوْبيُّ، دروس صيف 2002م الموافق 1423هـ. مذكرة خاصة ص72.

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي ص195- 196.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 1 رمضان 1423هـ، يوافقه 7/11/2002م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 16 رمضان 1427هـ، يوافقه 10/10/2006م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 22 جمادى الثانية 1428هـ، يوافقه 8/7/2007م.

 

[82] - يقول سماحة المفتي الخليلي -حفظه الله-: " وما ورد في صوم اليوم الخامس عشر غير صحيح، وإنما صح عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان أكثر ما يَصُوْم بعد رمضان في شهر شعبان"، وفي هذا -أيضا- يقول شيخُنا إمام السنة والأصول -حفظه الله-: "وأما صيام اليوم الخامس عشر فقد جاءتْ فيه الرواية التي ذكرناها [أي رواية: ..فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان كصيام سنتين سنة ماضية وسنة مستقبلة] وهي مكذوبة"، قال ابن الجوزي بعد إيراده هذا الحديث في الموضوعات: "وهذا موضوع أيضا وإسناده مظلم..". يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، الفتاوى ج1 ص332.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 2 رمضان 1426هـ، يوافقه 6/10/2005م.

 

[83] - يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص184.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ:8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

[84] - يَوْم النَّيْرُوز: هُوَ أَوَّل يومٍ من أيام السَّنَة الشَّمْسِيَّة، كما أن غرة المحرم هو أول يوم في السنة القمرية، ويَوْم النَّيْرُوز ويَوْم الْمِهْرَجَانِ هما اليومان اللَّذان وجد الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية يلعبون فيهما حينما قَدِمَ الْمَدِينَةَ المنورة، فأبدلهم الله عنهما بيومي الفطر والأضحى، ومما روي في صومه: "صوموا يوم النيروز خلافا على المشركين ولكم عندي صيام سنتين"، "وهي رواية باطلة" كما يقول شيخنا العلامة القنوبي -حفظه الله-. يُنظر:

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 8 شوال 1422هـ، يوافقه 23/12/2001م.

 

[85] - القنُّوْبيُّ، سَعِيدُ بنُ مَبرُوكٍ. فتاوى فضيلة الشيخ سعيد القنوبي ص181.

 

[86] - وهي في حق مَن فرَّط في كثيرٍ من الأمور في حياته مما لا يعلمه ولا يذكره، فإنَّه يُكفِّر كفارةً واحدةً كصيام شهرين مُتتابعين وتكفيه عن جميعِ ما فرَّط فيه، هكذا قيل، ولكن هذه الكفارة لَيسَ لَهَا دليلٌ من كتاب الله ولا من سُنَّة النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وإنْ قالَ بِها بعضُ أهلِ العلمِ. يُنظر:

 

الخَلِيْلِيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 18 جمادى الثانية 1424هـ، يوافقه 17/8/2003م.

 

القنُّوْبيُّ، برنامجُ: "سُؤَالُ أَهْلِ الذِّكْرِ"، حلقةُ: 3 رمضان 1427هـ، يوافقه 27/9/2006م.