سؤال أهل الذكر 20 من رمضان 1424هـ، 15/11/2003م

 

السؤال (1)

ما هي فضائل العشر الأواخر ؟

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

 

فإن الله تبارك وتعالى يفضل ما يشاء من الأزمنة على ما يشاء ، كما يفضل ما يشاء من الأمكنة على ما يشاء ، ويفضل من يشاء من البشر على من يشاء ، هذه هي سنة الله تبارك وتعالى في خلقه ، وفضل الأزمنة والأمكنة بما يكون فيها من خير .

 

والله سبحانه وتعالى اختار شهر رمضان المبارك لئن يكون ميقاتاً لنزول الكتاب الكريم على قلب خاتم النبيين سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم ، فقد قال الله سبحانه وتعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ )( الدخان : 3-5 ) ، ويقول سبحانه وتعالى فيها ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)( سورة القدر ) .

 

وكما ترون نوه الله سبحانه وتعالى بفضل هذه الليلة المباركة العظيمة في سورة الدخان ، وأنزل سورة القدر بأسرها مبينة عظم منزلتها وجلالة قدرها وشمول فضلها ، فهذا فضل عظيم لا يسامى ، ولذلك كانت الليالي التي تحتوي هذه الليلة المباركة هي أفضل الليالي ، والزمن الذي تقع فيه هذه الليلة المباركة هو أفضل الأزمنة .

 

ومن المعلوم أن هذه الليلة دل القرآن على أنها في شهر رمضان المبارك لأنها كانت ميقاتاً لنزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ( البقرة : 185) تبين بذلك أن هذه الليلة هي إحدى ليالي هذا الشهر ، ثم جاءت السنة النبوية لتقرر وتبين أن هذه الليلة إنما تُلتمس في العشر الأواخر في شهر رمضان المبارك ، وفي الليالي الأوتار منها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر . ومعنى ذلك أنها تلتمس في ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين ، أي في الليالي الأوتار من هذه العشر المباركات .

 

هذا يدل على أن هذه العشر الأواخر متميزة على بقية الشهر الكريم كتميز الشهر الكريم على بقية الأشهر والأزمنة ، فالشهر الكريم متميز بكثير من المزايا ، من بين هذه المزايا أنه تضاعف فيه الحسنات ، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من عمل فيه نافلة كان كمن عمل في غيره فريضة ، ومن عمل فيه فريضة كان كمن أدى في غيره سبعين فريضة ، هذا يدل على مضاعفة أجر العاملين في هذا الشهر الكريم . وكذلك دل الحديث على أن العمرة في هذا الشهر الكريم يضاعف أجرها حتى تكون بمثابة الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه لأم سنان الأنصارية رضي الله تعالى عنها : إذا كان رمضان فاعتمري ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي . وهذا فضل عظيم وشرف كبير .

 

وهذه الليلة على أي حال هي لما كانت في العشر الأواخر فإن هذا يعطي العشر الأواخر منزلة تفوق منزلة بقية الشهر ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على هذه العشر الأواخر ، كان إذا دخلت العشر شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله .

 

( شد مئزره ) كناية عن الجد في العمل ، لأن من أراد أن يجد في شيء إنما يتشمر ويشد مئزره ويشد ثيابه ، فهذا كناية عن الجد في العمل ، أو أنه كناية عن البعد عن الشهوات بحيث إنه لا يقارب النساء في خلال هذه الأيام لأنه يكون في معتكفه ، وقد قال الله تبارك وتعالى ( وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا )( البقرة :187) ، فلا يجوز للإنسان أن يباشر أهله وهو عاكف في المسجد ، كما أن المرأة أيضاً عندما تكون معتكفة لا يجوز لها أن يباشرها زوجها .

 

ومعنى كونه ( أحيا ليله ) أن يواصل العمل في جميع الليل بحيث يتهجد الليل كله ، بخلاف بقية الليالي ، فبقية الليالي يتهجد فيها وينام ، أي يأخذ قسطاً من الراحة ، ولكنه في العشر الأواخر يبالغ في العبادة حتى أنه يحي الليل كله .

 

( ويوقظ أهله ) لأجل أن ينالوا من هذا الخير من هذا الفضل حتى لا يأخذهم النوم فيحرموا من هذا الفضل العظيم ، هكذا كان شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، فاعتكافه في هذه العشر الأواخر من أجل ليلة القدر ، لأن هذه الليلة وحدها هي خير من ألف شهر نظراً إلى حال من أحياها بالتهجد والقيام ، لا إلى حال من نام فيها واشتغل بملذاته ولم يعن بالتهجد ولم يعن بالذكر ، ولا أقول بأن ذلك خاص بالذي يحي الليلة بأسرها من أولها إلى آخرها ، فإذا أحيا الإنسان جزءاً من هذه الليلة بالتهجد والصلاة والذكر وتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى يكون قد أخذ حظه من هذا الخير العظيم ، ويكون قد نال من شرف هذه الليلة ما نال ، فلا ينبغي للإنسان أن يفوت التهجد في أي وقت من الأوقات ولا سيما شهر رمضان المبارك ، ولكن في هذه العشر الأواخر أكثر ينبغي للإنسان يجد فيها وأن لا يفوت التهجد أبداً ، والله تعالى المستعان .

 

السؤال (2)

مما يؤسف له أن بعض الناس يبدأ الرسم البياني معهم في العشر الأواخر يأخذ في الانحدار إلى الأسفل وينقطعوا عن صلاة التراويح أو يختصروها في أربع ركعات وتكاد المسجد يقل الزحام فيها فهل في ذلك فيه إشارة حرمان لهؤلاء من هذا الخير ؟

الجواب :

نسأل الله تبارك وتعالى العافية ، وخير العمل ما واظب عليه صاحبه ، والحرص على مضاعفة العمل في العشر الأواخر دليل الإيمان ، فإن الذي آمن بما أنزل الله تبارك وتعالى من فضل ليلة القدر، وآمن بما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من أن العشر الأواخر هي مظنة ليلة القدر ، وآمن بالاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يحرص على التهجد ويحرص على الاعتكاف ، ويحرص على إحياء الليل كله في العشر الأواخر ، من آمن بذلك كله دفعته همته إلى أن يضاعف من العمل الصالح في العشر الأواخر ، لا إلى التقاعس عن العمل .

 

فمن العجيب أن الناس قد يحرصون على النافلة أكثر مما يحرصون على الفريضة ، ومن ذلك أنهم يحرصون على أداء صلاة التراويح في الجماعة أكثر مما يحرصون على أداء الفروض الخمسة في جماعة ، مع أن الفروض الخمسة هي مفروضة بنص الكتاب العزيز فلا يجوز لأحد قط أن يتهاون بها ، وقد أشارت آيات من القرآن إلى لزوم أدائها في الجماعة مع الإمكان ، ونصت على ذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن مع ذلك الناس يتقاعسون عنها ، وقد يحرصون بعض الوقت على صلاة التراويح في الجماعة ثم عندما يتضاعف الفضل ويأتي ميقات التزاحم على الأعمال الصالحة وهو العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك إذا بهم يتقاعسون عن ذلك ، هذا مما يعجب منه ، فهذا على أي حال حرمان ، من كان غير محروم إنما يحرص على أن ينال من هذا الفضل العظيم ، وأن يكرع من هذا السلسبيل النقي ، وأن لا يفوت نفسه الانتفاع بهذا الخير الكبير .

 

وعلى أي حال الصيام نفسه بما أنه داعٍ إلى تقوى الله تعالى هو مما يحفز صاحبه إلى أن يحرص على أعمال الخير في جميع الأوقات ومن ذلك حرصه على أداء الصلوات في الجماعات في جميع الأوقات ، لا أن يودع العبادات بعدما ينتهي شهر رمضان ، وأن يقبل على ملذاته وعلى دناياه كما يقول أحد الشعراء :

 

رمضان ولى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاق

بالأمس قد كنا أسيري طاعة *** واليوم منّ العيد بالإطلاق

 

هذا كلام أهوج ، ليس هو كلام عاقل ، الله المستعان ، على الناس أن يتنبهوا لذلك ، والله تعالى الموفق .

 

السؤال (3)

البعض يظن أن ليلة القدر ضرب من الحظوظ العمياء يصادفها البلهاء والمجانين أو أنها حظ يأتي لمن صادفها من غير سابق عمل وطاعة ، فهل هذا الكلام صحيح ؟

الجواب :

ليلة القدر مزيتها أن الأجر يضاعف فيها . ما يقوله هؤلاء المغفلون البله لا أساس له من الصحة ، إنما الله تبارك وتعالى قال في بيان مزيتها وفضلها ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)( القدر : 3) ، فهي خير من ألف شهر مما يتضاعف من أجور العاملين بها وكفى . هذا هو فضل ليلة القدر ، لا أن الأحوال تنقلب فيها عن حسب ما يجري عليه نظام الكون ، وأن سنن الحياة تتبدل فيها ، هذا كلام ليس هو من الحقيقة في شيء ، إنما هو كلام سخيف ولا يصدر إلا ممن كان سخيف العقل .

 

السؤال (4)

في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه رأى ليلة القدر إلا أنه أنسيها ، فهل هناك علامات معينة يستدل بها المؤمن على ليلة القدر ؟

الجواب :

قد يرى الإنسان أنواراً أحياناً ، من المحتمل ، ليس ذلك ببعيد ، لأن الملائكة تتنزل فيها ، وقد يكشف الله تبارك وتعالى خبايا أسرار هذا التنزل لمن يشاء من عباده فكيف بالمصطفين الأخيار ، هذا من المحتمل ، قد يرى شيئاً من هذه العلامات ، لكن لا على أساس أن نظام الكون يتبدل فيها .

 

 

السؤال (5)

من يقوم الليل كله تقريباً حرصاً على أن يصادف هذه الليلة لكنه لم ير شيئاً من هذا ، فهل يعني ذلك أنه لم يصادف تلك الليلة ؟

الجواب :

نفس قيامه الليل وتوفيقه لذلك إنما هو توفيق من الله تبارك وتعالى لنيل الحظ العظيم في هذا الموسم المبارك .

 

السؤال(6)

ما الحكم في أن بعض الرجال والنساء يتكلمون في شهر رمضان في الانترنت مع بعضهم البعض ؟

الجواب :

لا يحرم التكلم بين النساء والرجال إذا كان الكلام كلاماً مباحاً لا تشوبه شائبة من فساد ولا غيره ، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتحدثون إلى أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن من وراء حجاب ، ويسألونهن عما أشكل عليهم من الأمور الخفية التي تتعلق بأحكام النساء والتي كن يطلعن على أحكامها من خلال معاشرتهن للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك التابعون تلقوا العلم عن أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن ، ولم يكونوا يتحرجون من الكلام ، وإنما يجب أن يكون هذا الكلام كلاماً لا يخرج عن حدود المباح ، ولا يؤدي إلى الانزلاق ، أما الكلام الذي يؤدي إلى الانزلاق فإنه يمنع سواء كان ذلك في شهر رمضان أو في غيره ، فالفتنة يجب أن توصد أبوابها وأن تسد نوافذها ، وأن لا يفتح لها مجال قط ، هذا هو الواجب على الجنسين جميعاً على الرجال والنساء .

 

السؤال (7)

هل العمرة في العشر الأواخر من رمضان فيها ميزة تختلف عن بقية الأيام ، وكذلك التصدق في العشر الأواخر عن الأموات ؟

الجواب :

العمرة في شهر رمضان المبارك كله من أوله إلى آخره تتميز على العمرة في غير رمضان بما دل عليه حديث أم سنان رضي الله عنها وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إذا كان رمضان فاعتمري ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي . هذا فضل عظيم لا يزهد فيه عاقل ، ولا ريب أن العشر الأواخر تضاعف فيها الأجور ، فلما كانت تضاعف الأجور فكذلك أجر العمرة فيها يتضاعف ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ)( الأنعام : من الآية 132) ، كل واحد ينال نصيبه بمشيئة الله تعالى ، فما على الإنسان إلا أن يسعى ، والله تبارك وتعالى يثيب عباده بغير حساب ، وكما أن الله سبحانه وتعالى يثيب عباده بغير حساب فعلى العبد أن يعمل من غير أن يحسب حساباً بالأرقام للأجور ، يكل ذلك إلى الله تبارك وتعالى وكفى .

 

وكذلك الصدقة ، الصدقة مطلوبة من الإنسان في كل الأوقات ، ولكن في شهر رمضان هي كسائر الأعمال تضاعف فيها الأجور ، وهذا مما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عندما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان أجود الناس بالخير ، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان عندما يلقى جبريل يعرض عليه القرآن .

 

فهذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص في هذا الشهر الكريم على مضاعفة الصدقات أكثر وأكثر مما كان عليه من قبل ، مع كونه صلى الله عليه وسلم في كل الأوقات يسخو بكل ما يكون تحت يده ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر .

السؤال (9)

ما حكم العطر والبخور ومعجون الأسنان في نهار رمضان ؟

الجواب :

أما بالنسبة إلى الطيب في نهار رمضان فإن كان هذا الطيب طيباً مشموماً ولم يكن يلج إلى الخياشيم أو يلج إلى الفم شيء منه فلا حرج فيه ، أما إذا كان بخوراً بحيث يتصاعد ويدخل من الخياشيم أو يدخل من الأنف فهو كالدخان الذي يمنع استعماله ، لأن كل داخل إلى الحلق يمنع استعماله ، فإن كان هذا البخور يصل إلى الحلق ويلج إلى الجوف فهو يمنع استعماله وإلا فلا مانع من شم رائحته ، أي شم رائحة البخور بالنسبة إلى الصائم ، وكذلك سائر أنواع الطيب لا حرج في شم رائحتها .

 

وأما معجون الأسنان فالاحتياط في تركه ، وإنما يباح السواك بغير معجون ، ينبغي للإنسان أن يستاك بالأراك ، وقد اختلف العلماء في السواك ، هناك عدد كبير من العلماء قالوا بأنه يكره السواك للصائم ، وهناك طائفة قالت بأنه يكره السواك للصائم بالرطب دون اليابس ، ومنهم من قال يكره ذلك من بعد الزوال لا قبل الزوال ، ولكن القول الصحيح بأنه لا يمنع السواك ، أي لا يمنع الصائم من السواك ويباح له السواك ، سواء كان ذلك في أول النهار أو في آخره ، وسواء كان ذلك بالرطب أو باليابس لأجل الأحاديث التي دلت على الترغيب في السواك من غير تفرقة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، وعند كل وضوء . والحديث في مسند الإمام الربيع وفي صحيح الإمام مسلم . وهذا الحديث على عمومه يتناول بعمومه جميع الأوقات حتى أوقات الصيام ، وكذلك جاء عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم كما في سنن أبي داود رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بالرطب واليابس ما لا أحصي وهو صائم . هذا يدل على مشروعية السواك للصائم ، لذلك قال كثير من العلماء المحققين بأنه لا يمنع الصائم من السواك وبهذا نأخذ ، والله تعالى أعلم .

 

السؤال ( 10)

هل يجوز للمعتكف في بيت الله الحرام أن يخرج من الحرم لتناول وجبة العشاء والسحور وكذلك هل يجوز له الخروج للاتصال بأهله ؟

الجواب :

ينبغي أن نعرف معنى الحرم ، ما هو الحرم ، الحرم ليس هو المسجد الحرام فحسب كما يظن الكثير من الناس أن الحرم إنما هو المسجد الحرام ، الحرم هو البقعة التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم ووضع حدوداً لها بحيث لا يجوز للإنسان فيها أن يجز شيئاً من حشيشها ، ولا يجوز له أن يقلع شيئاً من شجرها ، ولا يجوز الاصطياد فيها ، الحرم هو الذي لا يعضد شجره ، ولا يختلى خلاه ، وهو الذي لا ينفر صيده ، وهو الذي لا يجوز لأحد أن يسفك فيه دماً قط ، اللهم أنه أبيح إذا اعتدي على المسلمين أن يردوا العدوان فقط ، مجرد رد العدوان ، أما ما عدا ذلك فلا ، هذا هو الحرم ، معنى ذلك أن حدود الحرم حدود واسعة ، فحدود الحرم تصل إلى ذي الحديبية وإلى نمرة وإلى التنعيم ، والتنعيم أقرب حل إلى الحرم ، أقرب حل إلى المسجد الحرام ، ولذلك من أراد الاعتمار يذهب إلى التنعيم .

 

ليس الحرم هو المسجد الحرام ، فقد كان حرياً بالسائل أن يقول هل يجوز له الخروج من المسجد الحرام من أجل أن يتناول الطعام ؟ ، لا أن يقول هل بأنه يجوز له أن يخرج من الحرم . فهل قوله : هل يجوز له أن يخرج من الحرم ؟ يعني أنه يخرج مثلاً إلى التنعيم أو يخرج مثلاً إلى ذي الحديبية أو يخرج إلى نمرة أو يخرج إلى أي مكان آخر من أماكن الحل ؟ لا . وإنما هو في مكة لا يتجاوز مكة ، بل لا يتجاوز عراص المسجد الحرام ، الأماكن القريبة من المسجد الحرام ، فإن كان لا يجد من يقرّب له الطعام في المسجد فله أن يخرج من أجل أن يتناول الطعام ، أما إذا كان يجد من يأتي إليه بالطعام الكافي لفطوره وسحوره في المسجد الحرام في هذه الحالة لا يباح له أن يخرج لأنه وجد من يكفيه مؤنة تقريب الطعام . والله تعالى أعلم .

* * *

 

سؤال أهل الذكر

19 رمضان 1424 هـ ، 14/11/2003م

الموضوع : الاعتكاف

 

السؤال (1) ما هي القيمة الروحية والتربوية التي يتحصل عليها المسلم من الاعتكاف ؟

 الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

 فإنه من المعلوم أن الله تبارك وتعالى خلق هذا الإنسان متكوناً من روح وجسم ، ولكل واحد من هذين الأمرين تطلعاته وضروراته وحاجاته ، والروح دائماً تتطلع إلى المحيط الواسع وتستشرف الغيب ، ولذلك خص الله تبارك وتعالى الذين يؤمنون بالغيب بما خصهم به إذ جعلهم من المهتدين ، فإن الإيمان بالغيب نقطة الافتراق بين فريقين فريق ينحبس بين مضيق المادة ولا يخرج عنها ، فلا ينظر إلى شيء إلا بمقياسه المادي ، ولا يتطلع إلى ما وراء المادة، وهذا الفريق في حقيقة الأمر عمي عن الحقيقة ، فإن وراء المشاهدات الحسية عوالم واسعة الآفاق ، ووراء ذلك كله من هو بكل شيء محيط ، وعلى كل شيء قدير وبكل شيء خبير ، وبكل شيء بصير، الذي يصرف هذه الكائنات كما يشاء سبحانه ، وهو الذي كان قبل خلق الزمان والمكان، وهو الآن على ما عليه كان ، لا يُسأل عنه بأين ، ولا ينظر إليه بعين ، إنما هو تبارك وتعالى كما كان من قبل .

 

 فالإنسان الذي يؤمن بالغيب يخرج من هذا المضيق ، وينطلق مع الذين خرجوا من هذا المضيق إلى آفاق واسعة في العوالم الأخرى التي تحيط بهذا العالم المادي الذي يعيش فيه الإنسان، ويتجاوز ذلك إلى أن يكون مع خالق هذا الوجود كله ، مع الذي هو بكل شيء بصير وعلى كل قدير ، فالإنسان بحاجة إلى هذه الصلة ، الصلة التي تربط روحه بالعوالم الأخرى والتي هي أيضاً في نفس الوقت تصله بمن هو محيط بكل عالم وهو الله تبارك وتعالى ، ولأجل ذلك شُرعت العبادات ، فكل عبادة من هذه العبادات لها أثرها الكبير في تنوير البصيرة وترويض النفس وفتح الآفاق الواسعة لهذه النفس حتى تخرج من هذا المضيق الذي تعيش فيه .

 

 فالإنسان بمجرد ما يقف بين يدي ربه تبارك وتعالى ماثلاً راكعاً ساجداً قائلاً الله أكبر يستشعر عظمة الخالق تبارك وتعالى ، وتتراءى أمام ناظريه مشاهد العوالم الساجدة لله تبارك وتعالى المسبحة بحمده التي هي كما أخبر الله تبارك وتعالى عنها لا يشذ شيء منها عن السجود والتسبيح لله تعالى كما يقول عز وجل ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض)(الحشر: من الآية1) ، ( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض)(الجمعة: من الآية1) ، ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (الاسراء:44) ، وكذلك بجانب كونها مسبحة لله تعالى هي ساجدة أيضاً لجلال الله ، فكل شيء في هذا الكون أيضاً يسجد لله إلا من يشذ من الجنس البشري ، فالله تعالى يقول ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)(الحج: من الآية18) ، أي وكثير منهم هم الشاذون عن هذا النظام الذي جعله الله تبارك وتعالى موحداً ما بين هذه العوالم كلها . فالمسلم في خلواته إنما يحس بهذه الصلة ما بينه وبين هذه الكائنات .

 

 بل يحس المسلم أيضاً بأنه لا يُسبح بلسانه الناطق فحسب ، بل هنالك ألسنة صامتة في نفسه هي تسبح مع تسبيحه بلسانه الناطق ، فكل خلية من خلايا جسمه هي تسبح بحمد الله تعالى ، بل كل ما هو أدق من الخلايا من الجسيمات أيضاً يشترك في هذا التسبيح .

 

 فهناك نستطيع أن نقول ملايين الملايين من الألسنة في جسم الإنسان الواحد تسبح بحمد الله تسبيحاً صامتاً ، وإن كان هذا التسبيح لا يصل إلى فهمه وإدراكه إلا أولوا البصائر الذين نوّر الله تبارك وتعالى بصائرهم حتى عرفوا أن الكائنات بأسرها منتظمة في هذا النظام العجيب ، وأما حركة الإنسان الاضطرارية هي أيضاً منسجمة مع نظام الوجود ، وشذوذ الإنسان بعدم تفاعله مع ذلك عندما يكون خارجاً عن المنهج الرباني يؤدي به إلى النشاز بينه وبين نفسه ، يدرك ذلك أولوا البصائر كما قلت .

 

     وهذا ما قاله بعض العلماء الربانيين عندما كان يفكر في مثل هذه الأمور وهو الإمام الرباني سعيد بن خلفان الخليلي رحمه الله تعالى فقد قال : 

أعاين تسبيحي بنور جناني *** فأشهد مني ألف ألف لسانِ

وكل لسان أجتلي من لغاته *** إذاً ألف ألف من غريب أغاني

ويُهدى إلى سمعي بكل لُغَيّةٍ *** هُدى ألف ألف من شتيت معاني

وفي كل معنى ألف ألف عجيبة *** يقصّر عن إحصائها الثقلان

ولم أذكر الأعداد إلا نموذجاً *** كأني في أوصاف ميططران

وإلا ففوق العد أمر منزه *** عن الحد يفنى دونه الملوان

ولا تتعجب إن عجبت فإنها *** حقائق صدق ليس بالهذيان

 

فالإنسان إذاً الذي يخرج بنفسه من هذا العالم المادي الضيق بحيث يأوي إلى ربه سبحانه في بيت من بيوته ، مستشرفاً عالم الغيب ، متطلعاً إلى نفحات الله تبارك وتعالى يحس هذا الإنسان بروحانية عجيبة ، يُحس بأنه خرج من سجن كان فيه إلى رحاب واسعة لا يحيط بها إلا الله تبارك وتعالى ، يحس أنه خرج إلى رحاب عالمية واسعة لا يمكن أن يحيط بها فكره ، ولا يمكن أن يحيط بها علمه إنما المحيط بها هو الله سبحانه ، بل يشعر أنه يعيش في الملأ الأعلى .

 

وعندما يتلو كتاب الله تبارك وتعالى الذي تتجلى فيه آيات الله سبحانه وتعالى الواسعة المتطابقة مع آياته الصامتة في مخلوقاته الواسعة التي لا يحيط بها غيره سبحانه يحس أيضاً بالعجب العجاب لأنه يحس بأنه يشاهد العالم من خلال ما يقرأه في كتاب الله سبحانه وتعالى من آيات الله تعالى الواسعة التي تحدث عن هذا الوجود وأنه بأسره خاضع لجلال الله ، مستجيب لداعيه ، مسبح بحمده ، ساجد لكبريائه.

 

 فهذه من جملة الثمرات التي يجنيها المعكتف عندما يقضي تلك اليُيَيمات في بيوت الله سبحانه وتعالى حيث القدسية وحيث الطهارة وحيث النزاهة وحيث الإيمان وحيث الأمان ، وبجانب ذلك أيضاً يشعر أنه زالت حواجز بينه وبين ربه ، فهو وإن كان في أي حال من الأحوال يمكنه الاتصال بربه سبحانه وتعالى من خلال مناجاته إلا أن هنالك حواجز تقف في سبيله منها أطماعه الكثيرة ومنها رغباته في هذه الحياة الدنيا ومتعها ، ومنها صلاته بعباد الله ، ولكنه عندما يقطع هذه الصلات كلها ، وينفرد مكانه بربه سبحانه وتعالى مناجياً خاضعاً راكعاً ساجداً متضرعاً تالياً لكتاب الله يشعر بتلكم الحواجز وقد تحطمت كلها فيصل بفضل الله تعالى ومشيئته إلى درجة الإحسان التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلّم بقوله ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، فإن هذا الشعور إنما يخامر الإنسان في مثل هذه اللحظات الطيبة . 

 

السؤال ( 2) رجل يريد الاعتكاف إلا أن له بنتاً معوقة يتولى حملها إلى المدرسة يومياً بنفسه إذ لا توجد حافلة لها ، فهل له أن يخرج من معتكفه لحملها إلى المدرسة ثم يرجع مباشرة وفي نهاية اليوم الدراسي يذهب إليها ليرجعها إلى المنزل ؟

  الجواب : الناس في مسألة الاعتكاف بين مضيق جداً وموسع ومتوسط بين التضييق والتوسيع .  فهناك من العلماء من لا يبيح للإنسان الخروج من معكتفه إلا لقضاء حاجته الضرورية التي لا مناص منها وهي أن يذهب إلى بيت الماء من أجل قضاء حاجته ، ومنهم من يتوسع توسعاً أوسع من ذلك بكثير بحيث يبيح له أن يشهد جنازة يلي تجهيزها ، وأن يخرج لعيادة المريض من قرابته ، وأن يتولى الأمور التي هي لا بد منها في حياته فهذه الأمور وُسّع فيها كثيراً ، ومنهم بطبيعة الحال من يتوسط بين هذا وذاك .

 

 ففي حقيقة الأمر نحن نرى أن الاعتكاف ما هو المقصد منه ؟ وما هو معناه ؟ الاعتكاف مأخوذ من عكف على الشيء معنى أقام عليه ، فالاعتكاف من حيث الدلالة هو دال على الانحباس في المكان المخصص وهو المسجد من أجل العبادة وذكر الله تبارك وتعالى وتلاوة كتابه والتأمل في آياته واستشعار نعمته سبحانه وتعالى على العبد ومحاسبة النفس على ما قدمت وما أخرت ، وهذا أمر لا بد منه أي لمن أراد أن يعتكف ، لا بد من أن يكون عاكفاً أي مقبلاً على ما هو بصدده .

 

 أما بالنسبة إلى التوسع ففي الحقيقة هناك أمور لا بد من مراعاتها ، وقد خرج ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أجل قضاء حاجة لأحد جاء إليه يطلب منه أن يسعى في حاجته فخرج من أجل ما في قضاء حاجة الأخ المسلم من مصلحة ومنفعة الدنيا وأجر وثواب في الدار الآخرة .

 

 فبالنسبة إلى هذا الذي عنده ابنة يعوقها عائق عن السير وعن الحركة ومن الضرورة أن تدرس ولا يجد من يكفله ويقوم مقامه في الذهاب بها إلى المدرسة ، ويرى من الضرورة أن يذهب بها بنفسه في حقيقة الأمر لا ينبغي أن يُضيق عليه لأن الله في مقام التشريع قال ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: من الآية185) ، فالله تبارك وتعالى رفع عن هذه الأمة الآصار والتكاليف الشاقة التي كانت على الأمم السابقة عقوبة لها ، ولم يفرض على هذه الأمة من التكاليف إلا ما فيه اليسر والرحمة للعباد ، ولكن مع ذلك نحن نود لمثل هؤلاء الذين يرون أن حاجتهم ملحة إلى مثل هذه التصرفات أن يشترطوا لأنفسهم في اعتكافهم عندما يقبلون على الاعتكاف ، أن يشترطوا لأنفسهم الخروج في مثل هذه الحاجات في قصدهم الاعتكاف ونيتهم الاعتكاف ، والله تبارك وتعالى يتقبل منهم إن شاء الله .

 

 السؤال (3) هل يجوز للمعتكف أن يخرج من اعتكافه لحضور صلاة جنازة على أحد أقاربه أو والديه أو يعودهما إذا كانا في المستشفى في مرض خطير ؟

 الجواب : على أي حال هذه الأحوال في الحقيقة من كان واقعاً في مثل هذه الظرف ينبغي له أن يشترط عند اعتكافه أن يخرج لمثل هذه الحالة ، ولا حرج عليه إن خرج إن شاء الله لأن في ذلك مصلحة للعباد ، والله تعالى لم يكلف العباد ما فيه شطط .

 

 السؤال (4 ) ما معنى هذا الاشتراط وكيف يكون ؟

 الجواب : يعني كما أمر النبي صلى الله عليه وسلّم ضباعة بنت الزبير رضي الله تعالى عنها وهي بنت عمه عليه أفضل الصلاة والسلام عندما أرادت الإحرام وكانت امرأة ثقيلة وقالت تخشى أن تعجز عن مواصلة السير إلى أداء المناسك ، فالنبي صلى الله عليه وسلّم أمرها أن تقول في تلبيتها ( ومكاني حيثما حبستني ) أي إن طرأ عليها حابس فإن ذلك هو مكانها ولها أن تتحلل في مثل هذه الحالة عندما يطرأ عليها طارئ . وهذا ينطبق على ذلك . 

 

السؤال ( 5) من لديه هذه الظروف الصعبة كرجل لديه بنت معوقة أو لديه والدان في مرض خطير هل الأفضل له أن يعتكف أم الأفضل له أن يحتسب ذلك لله ويواصل خدمتهم ؟

 الجواب : حقيقة الأمر بر الوالدين والقيام بخدمتهما ومراعاة أحوالهما في حال حاجتهما إلى الولد أفضل من الاعتكاف ومن غيره ، فقد جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليه وسلّم في الجهاد فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : ألك والدان ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد . هذا دليل على أن حق الوالدين حق عظيم ، وأن أجر القيام ببرهما والإحسان إليهما ثوابه جزيل كيف وقد قرن الله تعالى برهما بعبادته عندما قال ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الاسراء:23) ، والوالدان في حالة الضعف هما بحاجة إلى نظرة من ولدهما ، هذه النظرة الحانية تنزل على قلوبهما بمثابة الغيث الذي ينزل على الأرض المجدبة ، فلذلك كان جديراً بالولد الذي يشعر أن والديه بحاجة إليه أن لا يحبس نفسه بحابس يشغله عن قضاء حاجتهما والسعي في مصلحتهما ، وله أجر اعتكافه إن كان هو ينوي في قرارة نفسه لولا أن والديه في هذه الحالة لاعتكف ، فالله تعالى يؤجره على نيته فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .

 

 السؤال ( 6) بعض الموظفين يقتطع إجازة اضطرارية ويعتكف تاركاً الأعمال على غيره ويخرج من العمل لأجل هذا الغرض ؟

  الجواب : حقيقة الأمر ينبغي أن ينظر في طبيعة العمل ، ومقدار العمل والدور الذي يقوم به هذا العامل في ذلك العمل ، وما يخلّفه من ضرورة ومن سوء حالة عندما يخرج من ذلك العمل ، كل شيء يقاس بمقياسه .

 

  فنحن نرى كيف كان السلف الصالح يقيسون الأشياء بمقاييس دقيقة ، فقد يميزون بين حالة وحالة ، حتى أن منهم من عدّ الشخص الذي ترتبط به مصالح الأمة ، وتحتاج إليه الأمة ، وتفتقر إليه الأمة في ذلك العصر أي في العصور الغابرة التي كانت الأسفار فيها الكثير من المشقات ، كانوا يقولون في مثل هذا الشخص إن حج نافلة كان كمن بنى قصراً وهدم مصرا ذلك لأجل حاجة الأمة إليه ، لأن الأمة تتطلع إلى ما عنده ، وتتطلع إلى عطائه الواسع ، فبقاؤه ما بين الأمة يكفيه عن الحج والعمرة وعن غير ذلك من الأعمال التي هي مندوب إليها ، لا أعني حجة الفريضة فحجة الفريضة هي ركن من أركان الإسلام ، ولكن هذا مع الترغيب في الحج فالنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .

 

 ولكن عندما يكون الإنسان يسافر سفراً طويلاً كما كان الناس في ذلك الوقت أسفارهم إلى الحج تأخذ وقتاً طويلاً ففي بعض الأمصار يحتاجون إلى مدة حتى يصلوا إلى مكة قد تصل المدة ستة شهور أحياناً وقد تكون أقل من ذلك وقد تكون أكثر والأمة بحاجة إليه ويذهب إلى هنالك من أجل حجة نافلة ويترك مصالح الأمة قالوا هذا كمن بنى قصراً وهدم مصرا ، لأن الناس بحاجة إليه ، فهكذا ينبغي أن ينظر إلى جميع الأعمال بمنظار دقيق ، وأن يميز بين أحوال الناس ، فمن الناس من يكون بقاؤه في بلده لأجل التصدي للأعمال وخدمة الأمة والنهوض بمصالحها أولى من السفر إلى الحج أو من دخوله المعتكف وقد يكون بخلاف ذلك .

 

السؤال ( 7) ثبت في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه لما أراد الاعتكاف أمر بضرب خباء له فأمرت بعض زوجاته بضرب خباء لها . كما ورد في صحيح مسلم أيضاً عن نافع قال : وقد أراني عبدالله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم من المسجد . فهل هذه الآثار تدل على أن الأصل في الاعتكاف أن يكون في موضع معين من المسجد ؟

 الجواب : إذا اعتكف المعتكف في المسجد ففي أي زاوية من زوايا المسجد يلبث فهو معتكف ، وإنما ذلك من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلّم يريد أن يأخذ حريته في بقائه في ذلك المكان ، وقد يحتاج إلى بعض الأشياء فلذلك يضرب الخباء ، إذ لا يحسن بالإنسان أن يفعل كل شيء أمام جميع الناس ، قد يريد أن يلبس ثوباً ويخلع ثوباً لأجل هذه الحالة كان يأمر بضرب الخباء له ، لا لأجل أنه يلتزم ذلك المكان الذي ضرب فيه الخباء وحده ولا يخرج عنه . 

 

السؤال (8) من يعتكف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجمعة فإذا حانت صلاة الجمعة هل يخرج ليصليها في مسجد آخر ؟

 الجواب : نعم يخرج إلى المسجد الذي تقام فيه الجمعة ، ويصلي هنالك الجمعة ثم يعود إلى معتكفه فورا .

 

  السؤال ( 9) معتكف أراد الخروج إلى البيت للاستحمام حيث أن المسجد لا توجد به مسخنات للماء، فهل له ذلك ، وهل هناك فرق بين إذا كان مضطر أم لا ؟

 الجواب : هذه الحالة كما قلت من الناس من شدّد في هذا ولم يبح له أن يخرج من أجل الاستحمام إلا إذا كان محتلماً فله أن يخرج ، بل عليه أن يخرج فوراً حتى لا يبقى في المسجد وهو جنب ، ويذهب فوراً إلى أقرب مكان يجد فيه الماء ويمكنه أن يغتسل فيه . ومنهم من وسّع في ذلك إن كان محتاجاً إلى تنظيف جسمه بأن يخرج لأجل الاستحمام ، وينبغي في هذه الأحوال أن يكون استحمامه لغير الجنابة مثلاً في الوقت الذي يخرج فيه لقضاء حاجته .

 

 السؤال ( 10) من خرج من معتكفه لغير ضرورة ، ما الذي يلزمه ؟

 الجواب : هذه المسألة هي التي وقع فيها الاختلاف بين أهل العلم ، هل المعتكف إن خرج وقطع الاعتكاف عليه أن يبدله ، أو ليس عليه أن يبدله ؟ النبي صلى الله عليه وسلّم عندما ضربت نساؤه أخبيتهن من حوله ، ورأى بينهن التنافس في ذلك خرج من معتكفه ، ثم أعاد الاعتكاف في شهر شوال . فمن العلماء من أخذ هذا دليلاً ًعلى وجوب قضاء الاعتكاف ، ثم هناك قاعدة أصولية أيضاً يبنى عليها الاختلاف هل الأمر بالقضاء هو نفس الأمر بالأداء ، أو أن القضاء يحتاج إلى أمر ثان ، فإن قيل بأنه نفس الأمر بالأداء فإنه في هذه الحالة لما ألزم نفسه الاعتكاف لزمه وعليه أن يقضيه فيما بعد ، هذا رأي لبعض أهل العلم . أما إن قطع اعتكافه بما ينقضه وهو المجامعة ، أي إن جامع وهو معتكف ففي هذه الحالة عليه ما على المجامع في صيامه من القضاء والتوبة والكفارة ، والله تعالى أعلم . 

 

السؤال ( 11) هل من الممكن الاعتكاف في الأيام الوتر فقط من العشر الأواخر ؟

  الجواب : نعم لأن الاعتكاف لا يلزم أن يعتكف الإنسان جميع العشر ، وقد يعتكف النهار وحده ، أقل ما يمكنه في اعتكافه أن يعتكف النهار وحده ، وذلك أن يعتكف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وهذا لأن المعتكف لا بد من أن يكون صائما ، فالاعتكاف مقترن بالصوم عندنا وعند طائفة من علماء المذاهب الأخرى . 

 

وهناك طائفة أخرى لا ترى لزوم الصيام في الاعتكاف وهؤلاء يبيحون الاعتكاف ولو ساعة ، أما بناء على هذا القول الذي عليه أصحابنا وعليه جماعة من علماء المذاهب فإن أقل ما يمكن أن يعتكفه المعتكف في المسجد هو النهار وحده بحيث يدخل قبل طلوع الفجر في معتكفه ويخرج من معتكفه بعد غروب الشمس ، أما إن نوى الليل مع النهار فإنه يدخل قبل غروب الشمس ويخرج في اليوم الثاني بعد غروب الشمس .

 

 فمن أراد أن يعتكف في الأوتار وحدها فعليه أن يدخل قبل غروب الشمس ، ويلبث هنالك إلى غروب الشمس في اليوم التالي ، ولا حرج عليه بعد ذلك إذا خرج حتى تأتي الليلة التي هي الوتر من الليالي الأوتار ففي هذه الحالة يدخل أيضاً قبل غروب الشمس ويستمر إلى غروب الشمس في اليوم التالي .

 

 السؤال ( 12) هل يصح للمرأة أن تعتكف في مكان وجدت فيه نساء يعتكفن لكنه يتعدى مسافة السفر عن بيتها ؟

  الجواب : أما إن كان يأخذها إلى ذلك المكان محرم أو يأخذها زوجها فلا حرج عليها في ذلك . 

 

السؤال (13 ) من مات وعليه اعتكاف فماذا على ورثته سواء أوصى به أم لم يوص ؟

  الجواب : من مات وعليه اعتكاف فعلى أي حال لا يلزم ذلك الورثة ، ولا ينتقل الفرض عنه إلى ورثته ، وأمره إلى الله ، فإن كان هو ترك الوفاء بما لزمه إن كان لزمه ذلك بنذر أو بغيره فإنه إن كان ترك ذلك لأجل عذر فالله تبارك وتعالى أولى بعذره وإلا فأمره إلى الله ولا دخل لورثته في هذا .

 

  السؤال ( 14) ما هي آداب الاعتكاف ؟

 الجواب : المعتكف يؤمر أن يقبل على ربه تبارك وتعالى بحيث يُقضي أوقاته بقدر مستطاعه في تلاوة كتاب الله ، وفي التهجد في جنح الليل ، وفي ذكر الله في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، وأيضاً لا حرج عليه وهو في معتكفه أن يدرس العلوم الشرعية التي تنفعه فيما بينه وبين ربه ، ولا حرج عليه أن يُدرّس إن كان ذا أهلية للتدريس ، فالإنسان الذي هو في معتكفه يمكن أن يلقي دروساً على من في المسجد ، ويمكن أن يلقي دروساً أيضاً على من كان خارج المسجد عبر الوسائل التي تنقل هذه الدروس إلى من هم خارج المسجد ، فلو أمكن نقل هذه الدروس عبر الإذاعة إلى آفاق الأرض من معتكفه لا حرج عليه في ذلك ، كما أنه لا حرج عليه أن يلقي خطبة الجمعة من خلال منبر المسجد الذي هو معتكف فيه وتنقل هذه الخطبة عبر الإذاعات وغيرها هذا كله مما هو ممكن ، وإنما يتجنب اللغو ويتجنب هُجر المقال ، يحترم المسجد ، يحترم بيت الله بجانب احترامه لما هو مقبل عليه من ذكر ربه سبحانه وتعالى . 

                                                تمت الحلقة بعون الله تعالى وتوفيقه