سؤال أهل الذكر 25 من شعبان 1425هـ ، 10/10/2004م

الموضوع : استقبال رمضان وأسئلة أخرى

 

السؤال(1)

كيف يستعد المسلم لشهر رمضان المبارك ، وما هو الجدول الذي تقترحون عليه وضعه حتى يستفيد من هذا الشهر الكريم ؟

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد :

 

فإن ذكر شهر رمضان المبارك يحفزني إلى أن أوجه تحية خاصة إلى المسلمين عامة مصحوبة بتهنئة بهذه المناسبة الطيبة ، فأهنئكم وأهنئ أخواني المسلمين جميعاً مع هذه التحية إذ أقول لكم جميعاً أولاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

ولا ريب أن الله تبارك وتعالى يفضّل ما يشاء من خلقه على ما يشاء ، فيفضّل بعض العباد على بعض ، ويفضّل سبحانه وتعالى بعض البقاع على بعض ، ويفضّل بعض الأزمنة على بعض . وما أعظمها من فرصة أن يصادف الإنسان زماناً مفضلاً عند الله ، له منزلة وقدر ، جعل الله تعالى الخير فيه يتضاعف ، وجعل الله سبحانه وتعالى التجارة الخيرية فيه تربح ، إنها التجارة الأخروية ، وما من أحد إلا وهو بحاجة إلى أن يدخل في هذا المضمار من أجل المسابقة ، وأن يحرص على تقديم تجارته إلى هذه السوق الرابحة ، إنها سوق العبادة التي يتنافس فيها المتنافسون ، وبقدر هذا التنافس وبقدر ما يكون لهم من سبق في ذلك يكون الربح ويكون المنقلب السعيد.

 

إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان هملا ، بل خلق لغاية مقدسة عظيمة دل عليها قوله عز من قائل ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) ، فإن الله منزه عن أن يكون بحاجة إلى أحد ( مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:57-58) ، فكل الناس هم محتاجون إلى الله ، وكل مخلوق هو أحوج ما يكون إلى الله سبحانه وتعالى والله وحده هو الغني ، ولكن اقتضت حكمته فضلاً منه ونعمة على عباده أن يمنح عباده فرصة الخير ، وأن يخلقهم ليشرفهم بعبادته سبحانه وتعالى إذا ما اتقوه وأطاعوه وقاموا بالحق الواجب عليهم بامتثال أوامره والازدجار عن نواهيه .

 

وهذه العبادات منها ما يكون موقوتاً بزمان ، ومنها ما لا يكون موقوتاً بزمان وذلكم الذكر الذي يكون الإنسان في كل أحواله بحاجة إليه ، وهو ميسر له في كل أحواله سواء كان في حالة فراغ أو كان في حالة شغل ، وسواء كان في حالة تعب أو كان في حالة راحة ، وسواء كان في حالة سلم أو كان في حالة حرب ، وسواء كان في حالة حركة أو حالة سكون فإن ذكر الله تعالى مهيأ للإنسان متى ما أراد.

 

ولكن هناك عبادات مرتبة ترتيباً عجيباً ، من بين هذه العبادات عبادة الصلاة التي لا بد من أن تكون بكيفيات معينة ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون أوقاتها متقاربة ، وأن تكون أيضاً ميسرة بحيث يسوغ للإنسان في أي وقت أن يمارسها إلا أوقاتاً معينة لا تصح فيها وأوقاتاً تكره الصلاة فيها .

 

ومن بين هذه العبادة عبادة الصيام ولا ريب أن شهر رمضان المبارك بفضله العظيم هو ميقات للخير كله ، هو مإنة لكل خير ، من ذلك أنه جعله سبحانه وتعالى ميقاتاً لفرضية عبادة مقدسة لها سماتها الخاصة ولها أيضاً انعكاساتها الخاصة على النفس الإنسانية وعلى المجتمع البشري عامة عندما تحرص النفوس البشرية على أدائها .

 

فالله تبارك وتعالى جعل لعبادة الصيام تأثيراً بالغاً ، وقد شاء الله سبحانه أن يربط بين فرضية هذه العبادة وبين امتنانه على عباده بإنزال الكتاب الكريم في هذا الشهر المبارك وذلك عندما قال ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(البقرة: من الآية185) . فكما نرى هنا الربط ما بين الأمر بالصيام في قوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) ، وبين الامتنان السابق في قوله ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) .

 

هذا يعني أن الإنسان يعطى فرصة في شهر رمضان من خلال غلبته على شهواته وتقييده لهذه الشهوات وتحكمه في نزعاته ونزغاته وعواطفه ، من خلال ذلك أعطي الفرصة للإنسان بأن يراجع هذا العهد الذي بينه وبين ربه .

 

فإن القرآن الكريم أنزل من أجل أن يتحول إلى واقع ملموس في حياة الأمة بحيث تجسد الأمة حياتها الفكرية والعملية وفق تعاليم القرآن الكريم ، تجسد القرآن في حياتها الفكرية والخلقية والعملية ، حتى يكون القرآن متجسداً في حياة كل واحد من هذه الأمة ، وذلك إنما يقوى الإنسان عليه إذا ما كان قاهراً لرغباته ونزغاته ومتحكماً في أهوائه وشهواته ، فلذلك كان هذا الربط العجيب .

 

فإذاً هذه فرصة لهذا الإنسان أن يحرص في هذا الشهر الكريم من ناحية على أداء هذه العبادة المقدسة عبادة الصيام مع التكيف وفق مقتضياتها بحيث يحرص على أن يكون صيامه صياماً حياً لا صياماً ميتاً وذلك ما لا يكون إلا إذا كان مستشعراً روح الصيام ، لأن الصيام إنما يؤدي إلى تقوى الله كما يؤذن بذلك قول الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ، أي لتتقوا . كذلك نجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) ، وحديث آخر جاء فيه ( ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله ) . وحديث آخر يدل على أن الصيام يقتضي أن يكون الإنسان متحكماً حتى في أعصابه بحيث لا ينزعج إذا ما تعرض للإيذاء ولا يدفعه ذلك إلى محاولة التشفي والانتقام وذلك قوله صلى الله عليه وسلّم ( الصوم جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم ) .

فعندما يؤدي الإنسان الصيام على هذا النحو بجانب هذا الأداء إنما يؤمر أن يراجع عهد الله تبارك وتعالى الذي عهده إليه وذلك بكثرة تلاوته لكتاب الله . فالإنسان مطالب بأن يقضي سحابة نهاره في وقت فراغه في تلاوة كتاب الله أو في التقرب إلى الله تبارك وتعالى بالصلوات .

 

وكذلك بالنسبة إلى الليل هو يطالب بالقيام بقدر مستطاعه ، فمن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . وهذه فرصة عظيمة ، ما أعظمها من فرص ، وما أعظم الذنوب التي يجنيها الإنسان ، ولكن عندما يأتي هذا الشهر الكريم شهر التوبة ويحس بهذه الروحانية ويحس بافتقاره إلى ربه سبحانه ، ويحس بأنه أحوج ما يكون إلى عفو الله تبارك وتعالى فيتعرض لعفوه سبحانه باستغفاره والإنابة إليه وطلب الصفح عنه مع تجديد التوبة بحيث يشعر بالندم على ما فعل ويشعر بأن عليه عهداً لله تعالى أن لا يعود إلى هذه الذنوب كما لا تعود الألبان إلى ضروعها فإن الله تعالى يعفو عن سيئاته ، وقد هيأ هذه الأسباب لهذا الصفح ، لهذا العفو العظيم عن عباده ذلك السبب هو هذه الحسنات التي يأتيها في الشهر الكريم فالحسنات يذهبن السيئات .

 

على أن شهر رمضان فرصة لجميع أعمال الخير ، إذ لا ينحصر عمل الخير فيه ناحية دون ناحية أخرى ، فالأعمال الإنسانية التي يتقرب بها العاملون المخلصون إلى الله سبحانه تعالى تضاعف أجورها . الصدقات تضاعف أجورها ، صلة الأرحام تضاعف أجورها ، عون الضعفاء أيضاً مما يضاعف أجره ، كل عمل خيري يضاعف أجره ، وكذلك أنواع العبادات إذ العبادة المطلوبة في هذا الشهر لا تنحصر في الصيام وفي الصلاة وفي الصدقة التي يتصدقها الإنسان ، بل أيضاً السفر إلى بيت الله المحرم ، تجديد عهد ببيت الله سبحانه وتعالى ، معنى ذلك أن الإنسان يجدد عهده بربه عندما يفد إليه ، فالوفادة إلى بيت الله تعالى في هذا الشهر مما يضاعف أجره ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال لأم سنان الأنصارية رضي الله تعالى عنها ( إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معي ) . فمن الذي يزهد في هذا الخير ! إنما يؤمر الإنسان أن يحرص على السباق في هذا المضمار ليحرز قصبات السبق وليستجمع ما يمكن أن يستجمعه من زاد أخروي هو أحوج إليه في سفره إلى الله سبحانه وتعالى .

 

فإذاً الإنسان مطالب بأن يحرص على الصيام على النحو الشرعي ، هو مطالب بأن يحرص على تلاوة كتاب الله ، تلاوة تأمل وتدبر لأن ذلك عهد بين العبد وبين ربه حتى يتكيف الإنسان وفق مقتضاه ، وأن يحرص الإنسان على تقديم الصدقات وعلى عون الضعفاء بقدر المستطاع في هذا الشهر الكريم .

 

السؤال(2)

الغالب على الخطاب الديني دائماً ما يركز على أهمية الصيام وفضائل الشهر وغيره من هذه المواضيع التي اعتاد الناس أن يسمعوها في كل عام .

هل هناك فكرة لتجديد الخطاب في شهر رمضان الكريم بحيث يتناول مواضيع أخرى حتى يستثمر هذا الشهر علمياً أيضاً ؟

الجواب :

الخطاب الديني يجب أن يكون وافياً بحاجة المخاطبين ، والإنسان مطالب بكثير من الواجبات كما أنه أيضاً محذر من الوقوع في جميع المنهيات ، فلذلك كان هذا الخطاب ينبغي أن يكون وافياً لا أن يكون خاصاً بشيء معين .

 

والناس أحوج ما يكونون إلى أن يسمعوا ما لم يسمعوه ، وإلى أن يُفهّموا ما لم يفهموه ، وإلى أن يرشدوا إلى ما لم يكن لهم على بال ، هم أحوج ما يكونون إلى ذلك ، فلذلك ينبغي أن يكون الدعاة واعين ، والداعية دائماً يكون كالطبيب ، فالطبيب إنما يعطي المريض الجرعة التي هو أحوج ما يكون إليها ، فعندما يكون الغذاء كافياً عن الدواء لا يعطي الطبيب المريض جرعة دواء بل الغذاء نفسه يكون كافياً عنه ، ولكن عندما تكون هنالك حاجة فإنما يعطيه بقدر حاجته ، فهكذا يجب على الدعاة أن يراعوا هذا الجانب وأن يرشدوا الناس .

عليهم أن يضعوا أيديهم على الأمراض التي هي متفشية في الناس ، فعندما يكون هنالك تفشٍ لنوع من معاصي الله تبارك وتعالى عليهم أن يكافحوا تلك المعصية .

عندما يكون الناس مثلاً والعياذ بالله واقعين في فاحشة الزنا فإنهم عليهم أن يوعوا الناس بخطورة الزنا وأثره السيئ في هذه الحياة وعاقبته الوخيمة في الدار الآخرة .

عندما تكون هنالك سرقة أيضاً عليهم أن ينبهوا الناس على ذلك . عندما يكون هنالك شيء من الاستهانة بأنواع المحارم في المعاملات كأن تكون هنالك معاملات ربوية أو أن تكون هنالك معاملات فيها غش أو فيها تدليس أو فيها غرر فإن ذلك أيضاً مما ينبغي أن يحرصوا على بيانه للناس .

فالدعاة دائماً هم أطباء الأمة ، عليهم أن يشخصوا أدوائها وأن يعالجوها بالعلاج النافع .

فشهر رمضان المبارك هو شهر أنسب ما يكون من بين الشهور بأن تعالج فيه القلوب بردها إلى الله تبارك وتعالى .

 

السؤال (3)

عندما يتلاقى في نفسية الداعي داعيان ، داعي الزيادة في العبادة في شهر رمضان الكريم وقراءة القرآن الكريم والذهاب إلى العمرة واستغلال هذا الشهر في شتى أنواع العبادات ، وداعي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وتسخير الأوقات معظمها تقريباً في توجيه الناس وإرشادهم وإقامة المحاضرات ، فأيهما يقدم ؟

الجواب :

لا ريب أن فرصة العبادة فرصة عظيمة في هذا الشهر ، وينبغي للإنسان أن لا يفوت الفرصة السانحة بقدر استطاعته ، ولكن مع ذلك أيضاً فإن إصلاح الغير هو أفضل من أن يحرص الإنسان على الاستزادة من فضائل الأعمال من غير أن يهتم بغيره .

 

العناية بالأمة أمر واجب ، وكل إنسان مطالب بأن يحمل رسالة الله تعالى إلى خلقه . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان . وهذه الفضائل التي هي فوق الفرائض الواجبة إنما هي نوافل ، ولا يُسقط الواجب من أجل النافلة ، فإصلاح الأمة أمر مفروض على الناس ، واجب عليهم أن يصلحوا أمتهم ، الله تبارك وتعالى يقول ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران: من الآية104) ، هذا أمر يدل على الوجوب وإلا لما كان معنى لقوله سبحانه بعد ذلك ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية104) ، حيث حصر الفلاح في هذا الصنف من الناس دون غيرهم بتعريف المسند والمسند إليه وتوسيط ضمير الفصل بينهما ، هذا يدل على أنه لا بد من إصلاح الأمة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحن نرى أن الله سبحانه وتعالى حكم على جميع الناس بالخسران إلا طائفة معينة جمعت بين أربع خصال وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ( سورة العصر) ، فالإنسان خاسر ما عدا هؤلاء . والتواصي بالحق يعني التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر فلا بد من ذلك . لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق وإظهاره وانتشال هذه الأمة من ضياعها .

 

السؤال(4)

ما يفهمه غير المسلمين عن صيام المسلمين أنه امتناع عن الأكل والشرب لأنهم يروا بعض المسلمين لم تتغير سلوكياتهم ، كيف يمكن أن نستثمر شهر رمضان الكريم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وتحبيبهم إلى أخلاقيات الإسلام وإلى أهمية العبادة في الإسلام ويأتي في مقدمتها الصيام ، فهل هناك طرائق معينة ؟

 

الجواب :

الداعية إنما عليه أن يكون خبيراً بأحوال المدعوين ، فالدعوة إلى الله لا بد من أن تكون على بصيرة وأن تكون بالحكمة ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: من الآية125) ، كذلك يقول الله تعالى ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) ، فالداعية لا بد من أن يدعو على بصيرة ، ومن هذه البصيرة التي يجب على الإنسان أن يحرص على التحلي بها أن يكون الإنسان عارفاً بمواطن التأثير على المدعوين ، فلا بد من أن يكون لبيباً نبيهاً يعرف من أين يصل إلى القلوب فيؤثر عليها ويحولها .

 

وغير المسلمين أحوالهم متفاوتة ، منهم من يكون إعراضه عن الإسلام عناداً ، ومنهم من يكون إعراضه عن الإسلام جهلاً ، وليس الشخصان على حالة واحدة ودعوتهما تختلف . هذا المعاند يعامل بأسلوب معين في الدعوة وأما الجاهل فإنه يُبصر ويُعرّف ، أما المعاند فإنه يقام عليه الحجة من خلال كشف شبهاته التي يحاول أن يغطي بها محاسن الإسلام وتبين له هذه الشبهات ، فكل واحد يدعى بأسلوب .

 

على أنه مما يجب على الدعاة أن يتفطنوا له بأن يخبروا المدعوين إلى الإسلام في وقتنا هذا بأن كثيراً من المسلمين لا يمثلون حقيقة الإسلام ، بل هم عبء على الإسلام ويشوهون صورة الإسلام حتى لا يأخذوا الإسلام مما يرونه من واقع الناس .

 

لا ريب أن الإسلام يجب أن يعرض عرضاً واقعياً بحيث يتجسد في حياة الدعاة إليه ، ولكن هذا لا يعني أنه يؤخذ من واقع حياة جماهير الناس الذين هم بمنأى عن تعاليم الإسلام وإلا لشوهنا صورة الإسلام ولنفرنا الناس عن الإسلام ، وإنما يجب على الناس جميعاً أن يزنوا تعاليم الإسلام بموازيين العقل السليم ، وأن ينظروا إليها ببصيرة ، وأن يدركوا بأنه في كل عصر من العصور لا بد من وجود طائفة من الناس ولو قلت تستمسك بهذه التعاليم وتحرص عليها من غير تفريط فيها ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(الرعد: من الآية7) ، ومضى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم وكانوا حراصاً على تجسيد تعاليم الإسلام وأخلاقيات الإسلام وفضائل الإسلام فلذلك تساوق الناس إلى اعتناق هذا الدين .

فهذه الأمور يجب أن لا تفوت الداعية إلى الإسلام .

 

السؤال (5)

ما هي نصيحتكم للشخص الذي هجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ، وما حكم صيامه إذا لم يرتد عن هجره ، وما الجزاء الذي أعده الله تعالى لمثل هؤلاء ؟

الجواب :

هذه قطيعة رحم ، وقطيعة الرحم إنما هي مفسدة الأرض ، فالله تعالى يقول ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ) (محمد:22) ، والإنسان يؤمر أن يصل رحمه ، وأن يحرص على أداء حقه نحوه .

والقطيعة هي عذاب ، عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة ، فإن القطيعة تتحول إلى عداوة ساخنة في هذه الحياة الدنيا وذلك عذاب على من وقع فيه ، وبالنسبة إلى الآخرة فإن الله تبارك وتعالى جعل قطع الرحم من الأمور التي يسخط على من وقع فيها ويجزيهم والعياذ بالله شر الجزاء ففي الحديث القدسي الرباني يقول ( خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فأنا الرحمن ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) ، يعني من قطع الرحم فالله تعالى يقطعه ، وحسب الإنسان أن يكون مقطوعاً عند الله تبارك وتعالى .

 

السؤال (6)

هل يتأثر صيامه بذلك ؟

الجواب :

هذا غير متقي وهو لم يستفد من صيامه .

 

السؤال(7)

شاب عمره ثلاثة عشر سنة قبل سنتين كان يصوم لكنه الآن مريض ولا يستطيع الصيام فماذا يلزمه؟

الجواب :

على كل حال هو الآن في فسيح العذر ، وإنما يجب عليه القضاء مع القدرة ، فالله سبحانه وتعالى يقول ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )(البقرة: من الآية184) ، ويقول ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)(البقرة: من الآية185) ، فهذان نصان في كتاب الله على أن المريض معذور ، وإنما يلزمه القضاء بعد صحته من سقمه .

 

 

السؤال (8)

هنالك الكثير من القنوات الفضائية ربما تستغل هذا الشهر في بث الكثير من البرامج ، هل هناك ضوابط محددة للصائم بحيث أن مشاهدته لتلك البرامج لا يؤثر في صومه ؟

الجواب :

الأصل في هذا أن الإنسان مطالب أن لا ينظر في الشاشة إلا ما يحل له أن يراه رؤية مباشرة بغير شاشة ، فالشاشة لا تغير الحكم ، فما كان حلالاً للإنسان أن ينظر إليه رأي العين ، بمجرد العين الباصرة من غير واسطة فالواسطة لا تحرمه ، وما كان حراماً أن يراه بدون واسطة فالواسطة لا تحلله . الشاشة لا تحلل المحرم ولا تحرم المحلل . ما كان يتقي أن ينظر إليه من العورات ومن المناظر القبيحة التي لا يجوز النظر إليها بغير الشاشة كذلك الشاشة يجب عليه أن لا يستعملها في النظر إلى هذه الأشياء ، ولا فرق في ذلك بين الصائم وغيره ، وإنما يتضاعف الحكم بالنسبة إلى الصائم لأن هتك محارم الله مما يؤثر على صوم الصائم ( ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله ) .

 

السؤال(9)

رجل كبير في السن لا يستطيع العناية بنفسه في دورات المياه فتقوم بذلك زوجته فتكشف عن عورته، فهل يؤثر ذلك على صيامها ؟

الجواب :

ما المانع من ذلك ! هي امرأته حليلته ، لا يعني هذا أنه يواقعها عندما تذهب معه إلى دورة المياه ، المواقعة هي المحرمة ما بين الزوجين ، أما دون ذلك فلا يفضي إلى بطلان الصيام .

 

السؤال (10)

أسرة تسكن في إيطاليا ويريدون أن يبعثوا بزكاة الفطر من بداية الشهر لأنها حتى تصل في أهلهم في مصر تستغرق وقتاً طويلاً ربما يتجاوز الشهر فهل لهم أن يخرجوها من بداية الشهر ؟

 

الجواب :

أما لو كانوا يجدون أحداً في إيطاليا من فقراء المسلمين ليدفعوها إليهم فذلك أولى ، أما إن كانوا لا يجدون أحداً فلا حرج في هذه الحالة لأجل هذا الداعي إلى بعثها إلى مكان بعيد ، فلا حرج في إرسالها إلى مكان بعيد ، وبما أنها خرجت في أثناء شهر رمضان وقبل ميقات وجوبها حتى ولو وصلت بعد ميقات وجوبها إلى الفقير الذي يستحقها فهي زكاة فطر إن شاء الله .

 

السؤال (11)

يسكنون في إيطاليا وعندما يستأجرون منزلاً هناك يدفعون مبلغاً ضخماً ربما لا يستطيعون الاستمرار فيه فقاموا بشراء شقة عن طريق استقراض مبلغ بمنفعة معينة يدفعونه أقساطاً على مدى عشر سنوات أو أكثر ، فهل أخذ ذلك المبلغ من أجل أخذ تلك الشقة للتخلص من الإيجار جائز ؟

الجواب :

أما إذا كانت بزيادة فالزيادة ربا ، وفي الحديث ( لعن الله الربا وآكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه ) ، ونسأل الله تبارك وتعالى العافية .

 

السؤال (12)

ما حكم إلقاء السلام على أي شخص براً كان أو فاجراً لأن هناك من يقول بأن التسليم على الفاجر إشعار له بأن المسلم راضٍ عما هو عليه ؟ وهل يقال ( ورحمة الله وبركاته ) على أي شخص ؟

الجواب :

بالنسبة إلى الفاجر إن كان من أهل التوحيد فشعار أهل التوحيد السلام ، يُسَلم على أهل التوحيد بررتهم وفجرتهم ، هذه من الحقوق العامة التي يشترك فيها البررة والفجرة .

وبالنسبة إلى الرحمة فرحمة الله تبارك وتعالى رحمتان : رحمة دنيوية ورحمة أخروية ، فالرحمة الدنيوية الدعاء بها لغير البر مما لا يحجر لأنها خير دنيوي إن كان ذلك الخير الدنيوي لا يؤدي بهذا الذي يدعا له إلى أن يزداد غياً ويزداد عتواً وفسادا لا حرج في ذلك .

 

السؤال (13)

هل يقبل صوم رمضان من تارك الصلاة ؟ أم أن العبادات كلها مقرونة ببعضها بحيث لا يقبل شيء منها إذا ترك الآخر ؟

الجواب :

ما قيمة صيام من ترك الصلاة ! مع أن الصلاة هي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد العقيدة ، أهم ركن الاعتقاد ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم بعد الصلاة ، فمن ترك الصلاة فلا نصيب له في الإسلام إلا مجرد الانتماء . وماذا عسى أن يكون صيام تارك الصلاة والله تبارك وتعالى يقول ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(المائدة: من الآية27) ، هل يعتبر هو من المتقين مع تركه الصلاة ؟ الجواب : لا .

السؤال (14)

امرأة تعمل بالخياطة في جو مليء بالغاز وذلك طوال الشهر فهل يؤثر ذلك على صيامها ؟

الجواب :

بما أنها لا يلج إلى جوفها شيء مادي فالرائحة لا تؤثر .

 

السؤال (15)

امرأة مريضة بالقلب ولا تستطيع أن تصوم شهر رمضان فهل يلزمها الإطعام طوال شهر رمضان ؟

 

الجواب :

إن كانت غير قادرة على الصيام وقد أيست من ذلك فإنها تنتقل من الصيام إلى الإطعام لقول الله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)(البقرة: من الآية184) .

 

السؤال (16)

ماذا تفعل المرأة التي لم تقض ما أفطرته من رمضان في سنوات ماضية ؟

الجواب:

عليها القضاء وعليها كفارة لتهاونها إطعام مسكين عن كل يوم لحديث أبي هريرة الذي دل على ذلك وهو مرفوع عند الدارقطني وموقوف عند البخاري ، ونحن نعمل بهذا .

 

السؤال(17)

إنسان بالغ لا ينقطع بوله وإذا تحرك حركة بسيطة سال بوله فهل يجوز صومه ؟ وكيف تكون صلاته؟

الجواب :

نعم لا مانع من صيامه ، الصيام لا يتنافى مع البول وإلا لمنع أي أحد أن يصوم . هل الصائم في نهار رمضان أو في نهار صومه لا يبول ! هذا من عجائب الأسئلة .

وأما بالنسبة إلى الصلاة فإنه يصلي وعليه أن يتوضأ لكل صلاة وأن يقوم إلى الصلاة فوراً بعد وضوئه ، وعليه أن يستعمل العازل ، ولا يؤثر عليه في صلاته ما خرج من بوله .

 

السؤال (18)

ما الدليل على أن رمضان فرائض على الرغم من أن الزكاة فريضة واحدة والصلاة فريضة واحدة ؟

الجواب :

هذا كلام غريب ، ولو كانت الصلاة فريضة واحدة لأدى ذلك إلى بطلان جميع الصلوات ببطلان صلاة واحدة ، من أين جاء بهذا أن الصلاة فريضة واحدة .

 

كل صلاة من الصلوات المفروضة هي فرض مستقل ، صلاة الظهر بنفسها هي فريضة مستقلة ، صلاة العصر فريضة مستقلة ، صلاة المغرب فريضة مستقلة ، صلاة العشاء فريضة مستقلة ، صلاة الفجر فريضة مستقلة ، صلاة الجمعة فريضة مستقلة .

وأما شهر رمضان فالدليل على أنه فرائض ما يتخلل الصيام من الإفطار ، فلماذا يتخلل هذه الفريضة ما ينافيها . الإفطار يتخلل الصيام مع أن الإفطار مناف للصيام .

 

السؤال (19)

صبي صام وفي اليوم الخامس عشر من رمضان بلغ ، فما حكم صيام ذلك اليوم الذي بلغ في نصفه ؟

الجواب :

ذلك اليوم بدأ صيامه وهو غير مخاطب ، فليستمر على صيامه ، وليقض يوماً مكانه ، لأنه بدأه وكان الصيام عنده نافلة .

 

 

 

السؤال(20)

ما حكم الصوم في أواخر شهر شعبان ، هل هو مكروه ؟

 

الجواب:

صيام اليوم الذي يشك فيه مكروه إلا إن صادف الإنسان صوماً اعتاده من قبل . أما أن يتعمد أن يصوم اليوم الذي يشك فيه وهو يوم الثلاثين من شعبان فذلك مكروه بل هو ممنوع على الراجح لقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلّم ) .

 

السؤال (21)

ما حكم شخص كان غاضباً على أحد أخوته فقال : خروجه من البيت بطلاق زوجتي . ولم يخرج أخوه في ذلك اليوم نظراً لغضبه ، فما الحكم ؟

الجواب :

ما معنى قوله خروجه بطلاق زوجتي . إن كان قصده بأنه إن خرج فخروجه يكون مصحوباً بطلاق زوجته بحيث قصد بالباء المصاحبة ففي هذه الحالة يراعى قصده إن كان معلقاً للطلاق بخروج أخيه من بيته فإذاً عندما يخرج تطلق امرأته ، أما إن كان لم يقصد التعليق وإنما قصد التهديد أي إن خرج من بيته فإن ذلك سيصحبه تطليقه لزوجته بحيث سيطلقها ولم يقصد إنشاء الطلاق المعلق وإنما قصد التهديد بالطلاق فإذاً لا يقع الطلاق حتى ينفذ ما هدد به .

 

السؤال (22)

من فعل أمراً في نهار رمضان وهو لا يدري حكمه ثم سأل أهل العلم عنه فقالوا له إنه حرام ، فما حكم صومه ، هل الصوم ينتقض بكل ما هو محرم ؟

 

الجواب :

الصوم يتنافى مع الإتيان بالمحارم ، وقد دل الحديث على نقض الغيبة له ، والحديث الآخر هو عام ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ، والآية تشير إلى ذلك عندما يقول الله تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) ، أي لتتقوا ، فإذاً كل ما يتنافى مع التقوى إنما هو يتنافى مع الصيام .

---------------------------

سؤال أهل الذكر 27 رمضان 1424هـ، 22/11/2003م

 

السؤال (1)

امرأة لها زوج يشرب الخمر ولا يصلي ولا يصوم ، فكيف يكون موقفها معه ؟

 

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

 

فمما يؤسف له أن كثيراً من الناس وكثيراً من الأسر لا يقيمون وزناً للدين كما ينبغي في قضية العلاقات الاجتماعية ، ولذلك عندما يأتيهم خاطب يريد الارتباط بموليتهم لا يبالون بدينه ، فلا يسألون عن عبادته ، ولا يسألون عن أمانته ، ولا يسألون عن صدقه ، ولا يسألون عن أخلاقه ، ولا يسألون عن أي شيء يتعلق بجانب الدين ، إنما يعنون بجانب المال وأصالة المحتد والمنصب وترف هذه الحياة الدنيا ، وهذا مما ينافي ما يوجهنا إليه القرآن الكريم ، وما توجهنا إليه السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، فإن الله تبارك وتعالى يبين لنا أن معيار التفاضل بين الناس إنما هو الدين فقد قال سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات: من الآية13) ، والنبي صلى الله عليه وسلّم عندما ذكر ما تنكح من أجله المرأة قال : فاظفر بذات الدين تربت يداك . وقال : إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه . هذا كله مما يدل على أن الدين هو المحور الذي يجب أن يرتكز عليه اهتمام جميع الناس في العلاقات الاجتماعية وفي غيرها.

 

هذا ومن المعلوم أن تارك الصلاة لا نصيب له في الإسلام ، فإن الله تبارك وتعالى يقول ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)(التوبة: من الآية5) ، ويقول أيضا ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)(التوبة: من الآية11) ، فجعل تميز المسلم واستحقاقه حقوق الإسلام إنما هو بتوبته مما كان عليه من قبل إن كان على ملة الجاهلية من قبل مع إقامه للصلاة وإيتائه للزكاة .

 

وكذلك نجد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم تدل على هذا ، فالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام يقول –كما في حديث ابن عمر عند الشيخين وغيرهما - : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله .

 

فهكذا الصلاة لها هذه المكانة العظيمة ، ونحن نرى دائماً أنها تتصدر الأعمال عندما تذكر في القرآن الكريم ، فالمحافظة على الصلاة تأتي على رأس قائمة الأعمال الصالحة التي هي مناط السعادة وأساس السلامة ، فالله تبارك وتعالى يقول ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة:2-3) ، ويقول ( هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (النمل:2-3) ، ويقول ( هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (لقمان:3-4) .

 

وكذلك نجد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلّم ما يدل على أن الصلاة هي التي تتصدر الأعمال الصالحة وذلك في أحاديث كثيرة لسنا الآن بصدد استعراضها ، فلذلك كان من الضرورة بمكان أن يسئل عن المرء أول ما يسئل عن صلاته ، هل هو محافظ عليها ؟ هل هو قائم بحقها ؟ هل هو غير مفرط فيها ؟

 

ومن ترك الصلاة لا نصيب له في الإسلام ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام : ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة . فإذاً الصلاة هي أهم الأعمال التي يجب أن تراعى في هذا الجانب .

 

وهذا الذي ترك الصلاة لا يخلو إما أن يكون تاركاً لها مع إنكاره إياها أو إنكاره لأي شيء مما علم من الدين بالضرورة ، وفي هذه الحالة يكون هو في عداد المرتدين ، ولا يجوز أن تبقى هذه المرأة معه لحظة واحدة ، لأن زواجه بها زواجاً فاسدا ذلك لأنه لا يجوز إنكاح المشركين ، فالله تبارك وتعالى يقول ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ )(البقرة: من الآية221) ، وفي هذه الحالة عليها أن تخرج من بيته وأن لا تبقى عنده ، أي إن كان ينكر وجوب الصلاة ، أو ينكر أي شيء مما علم من الدين بالضرورة كأن ينكر اليوم الآخر أو ينكر أي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى التي نص عليها القرآن الكريم ، أو ينكر الزكاة المشروعة ، أو ينكر شيئاً من أحكام الله تعالى التي نص عليها القرآن الكريم أو نصت عبها سنة متواترة عن النبي عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم ، في هذه الحالة إن أنكر شيئاً من ذلك من غير تأويل يكون في عداد المرتدين عن الإسلام والعياذ بالله .

 

أما إن كان لا ينكر وجوب الصلاة ويدين لله تعالى بوجوبها ولكنه مع ذلك هو متهاون بها في هذه الحالة يكون كافراً كفر نعمة ، ولا خير في بقائها عنده ، ولكن لا نقول بأنه يحرم عليها أن تبقى عنده ، وإن كان من الأفضل للمرأة المسلمة أن لا تبقى مع تارك الصلاة بأي حال من الأحوال .

 

هذه هي الحالة التي يجب أن تراعى ، ومهما يكن فإننا نوصي دائماً ، نوصي أولاً النساء أن لا يرضين بالارتباط إلا بمن يرتضى دينه وخلقه ، ونوصي أولياء أمورهن أن لا يرضوا بربط مصير مولياتهم إلا بمصير من يرتضى دينه وخلقه ، والله تعالى ولي التوفيق .

 

السؤال (2)

لكن قضية انفصالها عنه كيف تكون ، لأنه قد لا يصغي إلى قولها ويرفض أن يطلقها؟

 

الجواب :

أما إن كان منكراً لفرضية الصلاة فلا تحتاج إلى أي عملية في الانفصال ، لأن العقد من أوله عقد غير صحيح ، وعليها أن تخرج من عنده .

 

وأما إن كان لا ينكر ففي هذه الحالة عليها أن ترفع أمرها إلى القضاء الشرعي ، وعلى القضاء الشرعي أن يراعي هذا الجانب ، وأن لا يدفع بامرأة إلى أن تكون ضجيعة لثعبان من ثعابين جهنم والعياذ بالله .

 

السؤال (3)

كيف يتقبل الإنسان تجليات الله سبحانه وتعالى بالقبول والجمال والرضا من غير انفعال أو من غير رفض أو ضجر ؟

 

الجواب :

المؤمن يرى كل ما يأتيه من قبل الله تبارك وتعالى حسنا ، لأن الله تبارك وتعالى أولاً قبل كل شيء لا يسئل عما يفعل ، فلا يجري عليه حكم من قبل أحد ، هو الذي يحكم على غيره ولا يُحكم عليه من قبل أحد ، ثم إن الله تبارك وتعالى هو العليم الخبير السميع البصير الذي أحاط بكل شيء علماً وخبرة، فتأتي أفعاله وفق حكمة يعلمها سبحانه وتعالى وإن كنا نحن لا نعلمها .

 

وعلينا أن ندرك أن ما يأتي من قبل الله تبارك وتعالى إن تلقيناه بالقبول والرضا كان ذلك سبباً للوصول إلى استقرار الحال ، وطمأنينة النفس وهدوء البال ، ذلك لأن الله تبارك وتعالى يختبر من يشاء من عباده بما يشاء من أفعاله ، فهو يختبر عباده بالشدة ويختبرهم بالرخاء ، ويختبرهم بالبؤس ويختبرهم بالنعيم ، ويختبرهم بالراحة ويختبرهم بالتعب ، كل من ذلك لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى .

على أننا علينا أن ندرك بأن الله سبحانه وتعالى مهما لقينا من قضائه وقدره من شدة وتعب فإن ألطافه هي أعظم من أن تحصى ، الله تبارك وتعالى هو اللطيف بعباده ، هو الذي خلق العباد ، وهيأ لهم أسباب الحياة ، ووهب لهم هذه الحياة نفسها ، وجعل لهم مناخ الاستقرار في هذه الأرض ، من الذي يمكنه أن يفعل ذلك ؟

 

الله تبارك وتعالى منّ على الإنسان بإخراجه من العدم إلى الوجود ، ثم غمره بأنواع ألطافه ، ومن ذلك أن الإنسان وهو ضعيف لا يستطيع أن يرد عن نفسه ضرراً ولا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعا ، الله تبارك وتعالى يسّر له من يقوم بأمره ومن يرعاه في طفولته حتى بلغ إلى حيث بلغ ، ومع ذلك كله أيضاً الله سبحانه وتعالى جعل الطبيعة متوائمة مع هذا الإنسان وخلقته وفطرته فهي تخدم فطرة هذا الإنسان ، لذلك كان على الإنسان أن يرعى ذلك .

 

والله سبحانه وتعالى يشد انتباهنا إلى ذلك في آيات كثيرة من كتابه العزيز من ذلك قوله سبحانه وتعالى( قُتِلَ الأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ) (عبس:17- 32) ، من الذي يقدر على ذلك ؟

 

أولاً خلق الإنسان من نطفة مهينة حقيرة ، من خلية من خلايا هذه النطفة ، ثم تدرج هذا الإنسان في مدارج الأطوار التي مر بها حتى خرج بشراً سوياً سميعاً بصيرا ، ثم أخذ بعد ذلك ينمو شيئا فشيئا وتنمو معه مداركه وتنمو معه قواه وتنمو معه مشاعره وأحاسيسه إلى أن وصل إلى حيث وصل .

 

ثم إن الله تبارك وتعالى يسّر له العلم فعلمه ما لم يكن يعلم ، ثم بعد ذلك أن الله تبارك وتعالى هيأ له الرزق الذي يقتات به ، وهذا الرزق يمر عبر حلقات كثيرة فإن الله تبارك وتعالى هيأ نزول الأمطار، وجعل في هذه الأرض خاصية النبات ، وجعل فيما ينزل عليها من الغيث خاصية الإنبات ، فتنبت الأرض بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، ثم إن هذا النبات يسخر الله تعالى له أيدي لتخدمه ، تخدمه أيد كثيرة ويمر بمراحل عديدة حتى يكون طعاماً مهيأً لهذا الإنسان مع ما جعله الله تعالى من طبيعة هذا الكون سببا لوصول هذا الطعام إلى حيث وصل أو وصول هذا النبات إلى حد يكون طعاماً صالحاً لتغذية جسم هذا الإنسان ، مع الوسائل الأخرى الكثيرة ووجود الأيدي التي تخدم مصلحة هذا الإنسان أي التي سخرها لذلك حتى وصل هذا الطعام إليه وتغذى به .

 

هذا ونجد أن الله سبحانه وتعالى يسّر للإنسان ما كانت حاجته إليه أدعى بدون كلفة وبدون مشقة . فالإنسان أحوج ما يكون إلى النفس ، وهذا الأوكسجين مهيأ له في جميع أحواله ، يستنشقه في حركته وفي سكونه وفي يقظته وفي نومه وفي راحته وفي تعبه وفي شدته وفي رخائه وفي فرحه وفي حزنه في جميع أحواله ، يستنشق هذا الأوكسجين ليتغذى به ولينتعش به ، فلو أن الله تعالى قطع عنه الأوكسجين من الذي كان يأتي به ؟

 

ومع ذلك لا يكلفه ذلك أي مئونة ، ولا يكلفه ذلك أي مغرم ، فهو يستنشقه حتى وهو نائم بحيث لا يشعر أبداً .

 

وكذلك إذا جئنا إلى ما بعد ذلك فالماء فالجسم بحاجة إليه ، وحاجته أقل من حاجة الهواء ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى الماء ميسراً أكثر من الطعام ، ولكن هو أقل يسراً من الهواء ، فهو ليس كالأوكسجين في يسره ، فيحتاج إلى بعض العناء حتى يتناوله الإنسان ، ثم يأتي بعد ذلك الطعام ، ثم يأتي بعد ذلك الدواء .

 

وقد جعل الله سبحانه وتعالى ما في هذه الأرض مخلوقاً لمصلحة الإنسان ، وقد امتن بذلك عندما قال ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: من الآية29) ، وقال ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه)(الجاثـية: من الآية13) ، فالكون بأسره يخدم هذا الإنسان فلذلك كان جديراً بهذا الإنسان أن يذكر هذه الألطاف التي تغمره من قبل الله سبحانه وتعالى ، وبذلك يكون راضياً عن تجليات الحق من خلال أفعاله سبحانه وتعالى التي تتعلق بهذا العبد نفسه ، فلا يسخط على الله سبحانه لأجل أي شدة يلقاها من أي ناحية من النواحي بل يكون دائم الرضا ، وهذا الرضا هو الذي يجعله قرير العين ، ولعل هذه الشدة مع رضاه بها ، وعدم استنكاره لما جاءه من قبل الله تكون عاقبتها عاقبة حسنة ، وتنقلب بعد ذلك إلى رخاء ، وتنقلب إلى لطف ، ( وعند الصباح يحمد القوم السرى ) .

 

السؤال (9)

في أسبانيا هناك من صام يوم الأحد متابعة لبعض الدول وهناك من صام يوم الاثنين متابعة لدول أخرى ، إذا كان العيد في يوم الاثنين فكيف يصنع ، إذا صاموا تسعة وعشرين يوماً هل يجب أن نفطر يوم العيد أم ماذا يجب أن نصنع ؟

 

الجواب :

العبرة برؤية الهلال في ذلك البلد الذي هم فيه ، ولا عبرة برؤية الهلال في الأماكن البعيدة ، لأنهم متعبدون بحسب ثبوت الرؤية في نفس ذلك البلد ، وإن تعذر ثبوتها هنالك لسبب أو لآخر فإنهم عليهم أن ينظروا لأقرب دولة إسلامية إليهم بحيث تكون متاخمة لهم أو محاذية لهم فيأخذوا برؤيتها ، والله تعالى أعلم .

 

السؤال (7)

لدينا خادمة في المنزل وهي مسلمة ومن أسرة فقيرة جداً ولديها أيتام فهل يحق لها فطرة الأبدان ؟

 

الجواب :

إن كانت فقيرة وتعول فقراء محتاجين فلتدفع إليها ، لا مانع من ذلك .

 

 

السؤال (9 )

رجل معتكف في المسجد ولكن إمام المسجد هناك يسرع في قراءة القرآن أثناء صلاة التراويح فهل له أن يخرج من ذلك المسجد ليصلي في مسجد آخر ثم يعود إليه ؟

 

الجواب :

لا ، وإنما يخرج من أجل الصلاة التي لا تقام هناك ، إن كانت لا تقام الجمعة في ذلك المسجد فليخرج إلى صلاة الجمعة وليعد بعدها مباشرة .

 

السؤال (10)

في بعض البلاد توجد ظاهرة تدافع الناس في أيام العيد على زيارة المقابر ، وهذا التدافع يكون فيه اختلاط بين الجنسين ، فما هو توجيهكم ؟

 

الجواب :

أولاً قبل كل شيء زيارة القبور لا يتخذ لها موسم ، لأن زيارة القبور إنما هي للعظة وللعبرة وليست عبادة ، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن اتخاذ القبور مساجد ، وقال : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . وقال : لا تجعلوا قبرا عيدا . وشدّد النبي صلى الله عليه وسلّم أول الأمر في زيارة القبور مطلقاً بحيث منعها لأجل قرب الناس بعهد الجاهلية ، ثم لما استقرت العقيدة وقوي الإيمان وكان الناس موصولين بالله تبارك وتعالى أباح لهم زيارتها وقال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها ولا تقولوا هجرا .

 

فزيارة القبور لا تتخذ عادة في يوم معين كأيام العيد ونحو هذه الأيام ، إنما زيارة القبور لأجل الاتعاظ .

 

وإن كان قصد الناس بزيارتها في أيام العيد أن يكونوا مدّكرين بحيث يستشعرون أنهم وإن كانوا في فرحة فإن الموت بالمرصاد لهم فلا حرج في ذلك ، ولكن مع ذلك يجب أن يتجنوا كل ما فيه حرمة ، ومن ذلك ألا تتخذ زيارة القبور وسيلة لأمر محرم كدعاء الميت واستغاثته والتضرع إليه ، فإن الله تبارك وتعالى هو وحده هو قاضي الحاجات ، لا يمكن لأحد في الأرض ولا في السماء أن يقضي حاجة أحد ، والله تعالى يقول ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107) ، ويقول ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام:17) ، ويقول سبحانه ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد:16) ، ويقول ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2) ، ويقول ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38) .

 

فمن ضلال العقول أن يأتي الإنسان إلى قبر لأجل طلب قضاء حاجة من صاحب القبر ، لأن صاحب القبر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا ، هو ميت ، هو بمثابة الجماد الذي لا حراك له ، وعندما كان حياً ملء ثيابه لم يكن قادراً على تحقيق منفعة ولا دفع مضرة إلا بإذن الله .

 

الله تبارك وتعالى يخاطب عبده ورسوله صلى الله عليه وسلّم وهو أشرف الخلق جميعا وأعظمهم منزلة وأجلهم مكانة ورسالته رحمة للعالمين يقول تعالى فيه ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) ، ومع ذلك يخاطبه بقوله ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)(الأعراف: من الآية188) ، وكان يخاطبه بهذا الخطاب في أيام حياته ، يأمره أن يعلن بأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا ًإلا بمشية الله تبارك وتعالى، فكيف بغيره صلى الله عليه وسلّم ، بل كيف بالأموات في قبورهم أنى لهم أن يحققوا منفعة أو أن يدفعوا مضرة .

 

ومن المنكرات التي يجب تفاديها هذا الاختلاط بين الرجال والنساء ، فإن في الاختلاط فتنة ، وفي الاختلاط ما يؤدي إلى إسقاط الحرم التي أمر الله تبارك وتعالى بالمحافظة عليها .

 

ومع هذا كله أيضاً نفس ذهاب النساء ولو ذهبن وحدهن إلى زيارة القبور أمر فيه ريب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نهى النساء عن زيارة القبور ، وذلك لأن المرأة تتأثر بسرعة ، إذ سرعان ما تهيج عاطفتها ، قد تأتي بالأمر الذي لا يحمد كالعويل وغيره ، وقد تنوح وهي في وسط المقبرة ، فلذلك منعت من زيارة القبور لئلا يكون ذلك مهيجاً لعاطفتها ودافعاً لها إلى أن تأتي بالأمور التي لا تحمد ، وهذا لا ينافي ما كان من أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها من زيارتها لقبر أخيها لأنها كانت واثقة من نفسها أنها لن يصدر منها ذلك ، وقد أدركت هي الحكمة من نهي النبي صلى الله عليه وسلّم للنساء عن زيارة القبور ، فهن منهيات عن زيارة القبور لأجل هذه العلة ، والمعلول ينتفي بانتفاء علته ، فلذلك كانت واثقة من نفسها فأباحت لنفسها أن تزور قبر أخيها لأنها لم لتكن لتفعل شيئاً مما يحرمه الله تبارك وتعالى عليها كالعويل ونحوه .

 

فهذه الأمور يجب التفطن لها ، ويجب تفادي هذا الاندفاع الذي يجمع بين الرجال والنساء وهم يتدافعون جميعاً إلى القبور في ذلك اليوم ، وعليهم أن يتقوا الله ، وأن يقولوا قولاً سديداً ، والله تعالى أعلم .

 

السؤال (11)

قد يرافق في بعض الأحيان أثناء زيارة القبور عادة وهي وضع الورود توضع على القبر ، فما حكمها ؟

 

الجواب :

أعوذ بالله ، هذا من شأن أهل الجاهلية الثانية أو الجاهلية الحاضرة ، وهذا من المنكرات التي يجب النهي عنها . وماذا ينفع الميت أن توضع على قبره هذه الزهور وهذه الورود مع أن الميت لا ينفعه إلا العمل الصالح الذي عمله .

 

السؤال (14)

امرأة عجوز كبيرة في السن صامت ثلاثة أيام فقط من شهر رمضان الكريم وبسبب استعمالها للبخاخ تركت الصيام تقول لا تستطيع أن تطعم كل يوم مسكين ولا تستطيع أن تكفر ولا تستطيع أن تصوم بعد نهاية شهر رمضان ، فهل يجوز أن تتبرع عنها امرأة فتدفع عنها هذه الكفارة ؟

 

الجواب :

أولاً قبل كل شيء الله تعالى كلّف يسيراً ، وأسقط عن عباده الآصار ، ورفع عنهم الأغلال التي كانت على الأمم السابقة ، وذلك من فضله تبارك وتعالى على هذه الأمة ومن ذلك أن الإنسان لا يكلف ما لا يطيقه ، الله تبارك وتعالى يقول ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)(التغابن: من الآية16) ، ويقول ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286 ، ويقول ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا )(الطلاق: من الآية7) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلّم : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .

 

فهذه المرأة إن كانت عاجزة عن الصيام وعاجزة عن الفدية فإن الفرض يسقط عنها ، ولا ينتقل هذا الفرض إلى غيرها ، وإن وجد من العلماء من قال بأنه ينتقل إلى ورثتها ، هذا قول وجد عند كثير من أصحابنا ، ولكن العلامة أبو المؤثر الصلت ابن خميس رحمه الله تعالى كان أول من قال بأنه لا ينتقل هذا الفرض إلى الآخر لأن ذمة الآخر في الأصل غير مشغولة بهذا ، وشغل هذه الذمة بهذا الفرض يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك ، بل الدليل دال على خلاف ذلك لأن الله تعالى قال ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286) ، وقال ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا )(الطلاق: من الآية7) ، وقال ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم)(التغابن: من الآية16) ، وهذه الاستطاعة غير موجودة عند هذا الذي يصام عنده أو الذي يطعم وإنما هي استطاعة غيره ، فلا يتعبد باستطاعة غيره ، ولا ينتقل الفرض عنه إلى غيره ، هذا هو الذي دلت عليه الآيات ، وهذا القول هو من التحقيق بمكان ، ونرى التعويل عليه والأخذ به فلا ينتقل الفرض عنها إلى غيرها .

 

نعم لو تبرع الغير عن أحد بأن يدفع عنه فدية أو نحو ذلك فلا مانع من هذا ، ومن أدلة ذلك أن الأعرابي الذي وطئ في نهار رمضان وأمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يعتق رقبة واعتذر إليه بأنه لا يجد الرقبة ، ثم أمره بعد ذلك أن يصوم شهرين متتابعين فاعتذر بأنه غير قادر على الصيام ، ثم أمره أن يطعم ستين مسكيناً فاعتذر إليه دفع إليه النبي صلى الله عليه وسلّم عذقاً لأجل أن يطعم به . فإذاً هذا دليل على جواز الدفع عن الغير ولا مانع من ذلك . لكن الفرض في أصله ساقط مع العجز عن كلا الأمرين ، والله تعالى أعلم .

 

السؤال (15)

إذا وجد من يدفع عنها فكم مقدار الذي يدفع ؟

 

الجواب :

إطعام مسكين ، عن كل يوم مسكين ، وإطعام المسكين دل عليه حديث كعب بن عجرة في قضية الفدية إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلّم أن يطعم المسكين نصف صاع ، وبهذا نأخذ .

 

 

السؤال ( 29)

نعلم أن المسافر له أن يصوم وله أن يفطر ، فما حكم من استمنى في نهار رمضان وهو صائم في السفر ثم تاب واستغفر ، هل عليه الكفارة أم القضاء فقط ؟

 

الجواب :

عليه ما على الصائم في حضره لأنه صائم وقد انتهك حرمة الصيام .

 

 

السؤال ( 31)

من نوى أن يعتكف العشر الأواخر ولكن إذا ثبت الهلال في التاسع والعشرين ، فما الحكم ؟

 

الجواب :

المقصود بالعشر الأواخر ما فوق العشرين من شهر رمضان ، فكل ذلك يصدق عليه أنه عشر أواخر ، وإن استُهل هلال شوال فإنه يخرج من معتكفه في هذه الحالة .

 

السؤال ( 32)

رجل شعر بألم شديد وأحس بأن عضلاته تسترخي وأنه يعاني من صداع شديد فأسرع للقضاء على هذه الآلام بتناول الدواء فأفطر ، فما الحكم ؟

 

الجواب :

أما إذا كان ألماً لا يطاق فلا حرج عليه ، وأما إذا كان ألماً يمكن احتماله فإنه لا يعذر في هذه الحالة ، وعليه ما على المفطر عمداً .

 

 

هل يصح إخراج قيمة في زكاة الفطر نظراً إلى أن الفقير في هذه الأيام يقول أنا لا أحتاج طحيناً ولا أرزاً إنما أحتاج مالاً أشتري به لأولادي ؟

 

الجواب :

فليبع الطحين والأرز وليأخذ النقد .