بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ما صلى مصل وكبر، الله أكبر ما صائم وأفطر، الله أكبر ما فرح الصائم بتمام صيامه واستبشر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ما استلهت وجوه الصائمين فرحا بهذا اليوم المنير، الله أكبر ما أسرعوا إلى طاعة الله وأخرجوا من فضل أموالهم فطرة للمسكين والفقير، الله أكبر ما خرجوا إلى صلاة العيد رافعين أصواتهم بالتحميد والتهليل والتكبير، الله أكبر ما تجنبوا البدع وتمسكوا بشريعة البشير النذير،  الله أكبر ما صلوا صلاة العيد متذكرين باجتماعهم أهوال يوم النشور، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ما تعاون أهل الإسلام على البر والتقوى، وتركوا أفعال العصاة المعاندين، الله أكبر ما تصافح المسلمون في هذا اليوم، وطهروا قلوبهم من صفات المتكبرين الحاقدين، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي منّ علينا بالإسلام، وشرفنا بمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وجعلنا من صوام }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ{ (البقرة/185)، نحمده على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تستقصى، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير }هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ (الحديد/3) }هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{ (الحديد/4-6) }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{ (الشورى/11)، }لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ (الأنعام/103)، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله رحمة للعالمين، وسراجا للمهتدين، وإماما للمتقين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، r، وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، وسار على نهجه، واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والعمل بما فيه رضاه، فاتقوا الله وراقبوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، واشكروه ولا تكفروه.

واعلموا أن يومكم هذا يوم فضيل، وعيد شريف جليل، يوم ختم به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج والمشاعر العظام، يوم أوجب الله فطره وحرم صيامه، يوم فرح وسرور لمن صلحت نيته، وتقبل صيامه وقيامه، يوم عيد وتهان لمن طابت سريرته، وحسن في رمضان خلقه وكلامه، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال: قدم رسول الله r المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟»، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال: «إن الله أبدلكم خيرا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر»، وعن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله r: «كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي»، «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه»، و«لخوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، و«الصوم جنة»، وفي هذا اليوم المبارك يخرج المسلمون إلى الجبّانات؛ لأداء هذه الشعيرة؛ لأداء صلاة العيد فرحين مستبشرين بما منّ الله  سبحانه وتعالى عليهم به من توفيقه إياهم لصيام شهر رمضان وقيامه، وفي هذا اليوم المبارك يسنّ للمسلم عند إرادة الخروج إلى الصلاة أن يغتسل ويتسوك، ويتطيب بما حضر من الطيب، ويتجمل بأحسن اللباس ثم يغدو إلى المصلى ماشيا رافعا صوته بالتكبير، وبعد فراغه من الصلاة يرجع في طريق غير الطريق الذي جاء فيه إلى المصلى؛ اقتداء في ذلك برسول الله r، وفي هذا اليوم المبارك يؤمر المسلم بإخراج زكاة الفطر التي شرعها الله سبحانه وتعالى؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وزكاة الفطر تجب على كل مسلم لم يتكلفها بدين، يخرجها عن نفسه وعن كل من يلزمه عوله لزوما شرعيا، يخرج عن كل واحد صاعا من غالب من يقتات به أهل بلده، وتدفع للفقراء والمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات }قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ (الأعلى/14ـ15)، قال بعض المفسرين: الزكاة زكاة الفطر، والصلاة صلاة العيد.

*      *      *

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد

عباد الله:

اتقوا الله تعالى، امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه، راقبوه في السر والعلانية، في المكره والمنشط، في العسر واليسر، في الشدة والرخاء، في الغضب والرضا، في الفقر والغنى، واحذروا الغفلة عن الله تعالى والدار الآخرة والاغترار بالدنيا وشهواتها، فهي لا محالة زائلة، فعما قليل تنقلون من دوركم وأموالكم إلى حفر ضيقة، هي إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار }إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى{ (طه/74-76)، حافظوا على دينكم الحنيف، وأقيموا عموده وركنه العظيم، ألا وهو الصلاة التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده في اليوم والليلة خمس مرات، أمرهم بالمحافظة عليها، وجعلها عليهم كتابا موقوتا، بها يناجون ربهم، وبها يقومون بواجب العبودية، وبها يتغلبون على الشهوات والأهواء، وبها تغرس في قلوبهم مكارم الأخلاق، وبها يطهرون نفوسهم من الهلع والجزع، والشح والبخل، وبها يستعينون على مشاق الحياة، فمن أراد حياة هنيئة وسعادة أبدية فليحافظ عليها، وليكثر مناجاة ربه بها، حافظوا عليها في أوقاتها بوظائفها وركوعها وسجودها وخشوعها وأدائها في الجماعة في بيوت الله، فمن حافظ على الصلوات الخمس، ولم ينقص شيئا منهن استخفافا بحقهن؛ فله عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة }وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{ (البقرة/46) }حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ{ (البقرة/238) }وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ{ (العنكبوت/45)، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم، فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، قرنها الله سبحانه وتعالى بالصلاة في أكثر من ثمانين موضعا من كتابه العزيز، وإخراجها برهان واضح على صدق الإيمان، والتهاون بها عنوان النفاق، فالمنافقون يقبضون أيديهم عن أداء الزكاة، وإياكم والتهاون بها والتعدي فيها، ومن التعدي فيها وضعها في غير مواضعها }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ{ (التوبة/34-35) }وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ (آل عمران/180)، وحجوا بيت ربكم إن استطعتم إليه سبيلا، فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، أوجبه الله سبحانه وتعالى على المستطيع بقوله عزّ من قائل: }وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ{ (آل عمران/97)، وقد ورد: «أنه من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا»، و«أنه من مات غير حاج ولا موص فقد مات ميتة جاهلية»، وبرّوا آباءكم وأمهاتكم، وصلوا أرحامكم، وأدّوا حقوق جيرانكم، وخالقوا الناس بخلق حسن، وقولوا للناس حسنا، صلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، واعفوا عمن ظلمكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم }خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ (الأعراف/199) }ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ{ (فصلت/34-35)، وطهروا قلوبكم من العجب والكبر والحسد والرياء وسائر الأدران التي تكنها النفوس، وتحويها الضمائر، فلا طيب للحياة ولا هناء للعيش إلا إذا سلمت القلوب من الأذى، وبرئت من الأمراض الاجتماعية الخطيرة، وحل محلها التواضع والمحبة والرحمة، «ألا وإن في الجسد لمضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، وطهروا ألسنتكم من الكذب والغيبة والنميمة، والأيمان الفاجرة وشهادة الزور، وقذف المحصنين والمحصنات، والتقول على الله بغير علم والحلف بغير الله، إلى غير ذلك من آفات اللسان، فاللسان هو أخطر شيء على الإنسان، لا يستقيم إيمان الرجل حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، رب كلمة لا تبارح مكانها، ورب كلمة صارت شرارة أعقبتها نار مضرمة، تقضي على الأخضر واليابس، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، واحفظوا جميع جوارحكم، استعينوا بها على مرضاة الله باستعمالها في طاعته، وكفها عن معصيته }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً{ (الإسراء/36) }الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ (يس/65) }وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ{ (فصلت/19-23).

وإياكم والتعامل بالحرام؛ فإن التعامل بالحرام موجب لسخط الله تعالى في الدنيا والآخرة، تمحق به البركات، وتخرب به الديار العامرة، ولا يقبل معه عمل، ولا يستجاب معه دعاء، إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، إنما يتقبل الله من المتقين ومن لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار،  الدنيا حلوة خضرة، من اكتسب فيها مالا من حله، وأنفقه في حقه؛ أثابه الله وأورثه جنته، ومن اكتسب فيها مالا من غير حله، وأنفقه في غير حقه أورده الله دار الهوان، ورب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله r عام خيبر، ولم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال والمتاع، فأهدى رجل من بني ضبيب يقال له رفاعة بن زيد إلى رسول الله غلاما أسود يقال له مدعم، فوجه رسول الله r إلى وادي القرى؛ حتى إذا كنا بها بينما مدعم يحط رحال رسول الله r إذ جاء سهم غرب، فأصابه، فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال النبي r: لا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها من المغانم يوم خيبر لم تصبها المقاسم؛ لتشتعل عليه نارا»، فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين، فقال له رسول الله r: «شراك أو شراكان من النار».

واتقوا الله في معاملاتكم، في بيعكم وشرائكم، وأخذكم وعطائكم، وإياكم والربا، ذلكم المرض الاجتماعي الخطير، الذي يغرس في النفس الرذائل التي على رأسها الأنانية والاستغلال، وامتصاص دماء العباد، وحب الكسل والعيش على حساب الآخرين، ذلكم الداء الوبيل الذي هو من أقبح الفواحش، وأعظم الجرائم، وأقوى عوامل الذل والاستعباد، وأكبر أسباب الفقر والدمار، فكم له من ضحايا، وكم خرّب من بيوت، وكم جرّ من جرائر، وكم جلب من محن وبلايا، نفر الله سبحانه وتعالى عنه غاية التنفير، وحذر الناس من تعاطيه بأبلغ الزواجر، نهى عن ارتكابه، وأعلن الحرب على مرتكبيه، وتوعد متعاطيه بالخلود في النار، يقول عز من قائل: }الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ (البقرة/275)، ويقول سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ{ (البقرة/278ـ 279) ، وقد لعن رسول الله r آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «هم سواء»؛ يعني في الإثم، فإياكم والربا، وإياكم والتحايل عليه؛ فإن الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه حيلة المحتالين، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا{ (النساء/108).

وقوموا بما أوجب الله عليكم مع نسائكم، علموهن أمر دينهن، أرشدوهن إلى مكارم الأخلاق، امنعوهن من التبرج والسفور، والتهتك والاختلاط، ومن إبدائهن زينتهن ومفاتنهن أمام الأجانب، ومن الذهاب إلى محلات التفصيل والتجميل مع الأجانب؛ فإن الأمر خطير، فانسلاخ المرأة من دينها وقيمها هو سبب الرذيلة والفساد، كيف لا والرسول r يقول: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء»، ويقول: «اتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»، فهل يرضى من كانت فيه أدنى غيرة ورجولة وشهامة أن تصير ابنته أو أخته أو زوجته عرضة أو سلعة أمام عيون الخونة، وأنظار الفسقة، ومائدة مكشوفة، ولقمة سائغة أمام ذئاب البشر؟! والرسول r يقول: «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث»، والديوث هو الذي يرضى السوء في أهله، واتقوا الله في أولادكم، أفلاذ أكبادكم وثمرات قلوبكم، وقرة أعينكم وعماد ظهوركم، وعدة مستقبلكم، ربوهم تربية إسلامية، وجهوهم وجهة دينية، ثقفوا عقولهم، هذبوا أخلاقهم، مروهم بحضور الجمع والجماعات، مروهم بالمحافظة على الصلوات وشهود الجمع والجماعات، عودوهم الأخلاق الحسنة، جنبوهم الأخلاق السيئة، عودوهم الصدق والأمانة، جنبوهم الكذب والخيانة، عودوهم الجد والعمل، جنبوهم الدعة والكسل؛ فإن في الجد والعمل عواقب حميدة، وفي الدعة والكسل عواقب وخيمة، امنعوهم من المحرمات، باعدوا بينهم وبين المنكرات ووسائلها؛ كالأغاني المثيرة والأفلام المدمرة، والتمثيليات الخليعة والمسرحيات الماجنة، والمسلسلات الهابطة وأنواع السهرات التي تقضي على الأخلاق والفضيلة والرجولة والشهامة، وتورث الدياثة والرذيلة، ربوهم على الشهامة الثابتة والرجولة الصادقة تربية بعيدة عن مظاهر الميوعة والانحلال؛ حتى يكون شباب المسلمين شباب دعوة وتوجيه، شباب عزة وقوة، شباب أنفة وطموح، شباب نشاط وعمل، شباب جد واجتهاد، شباب بذل وعطاء، شباب تضحية وفداء، شباب بسالة ووفاء، شباب شجاعة وإقدام، شباب رجولة وشهامة، وكونوا لهم قدوة حسنة، فالولد ينشأ على ما عوده عليه أبواه، فكل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ (التحريم/6)، «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».

واشكروا الله سبحانه وتعالى على نعمه التي أسبغها عليكم، فالشكر على النعم واجب على كل مسلم، هو ديدن كل مؤمن، وطابعه الذي يتسم به، هو الذي يرد النفوس الجامحة إلى مقام العبودية، ويعيد الرؤوس الشامخة إلى التذلل والاعتراف لواهب النعم }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (النحل/18) }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ{ (إبراهيم/34) }وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ{ (النحل/53) }وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ (النحل/114)، فانظروا رحمكم الله موقفكم مع نعم الله، وتأملوا في أحوال من قبلكم، وفي أحوال من حولكم ممن تنكروا لنعم الله، وكفروا بها، ولم يؤدوا شكرها، كيف دهمهم أمر الله، فبدلوا بالنعمة نقمة، وبالأمان والاطمئنان خوفا وقلقا، وبالشبع والغنى جوعا وفقرا، فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فقد أنعم الله عليكم بنعم كثيرة لم تكن موجودة معهم؛ من سعة في الأرزاق، ورفاهية في الملابس والمساكن والمراكب، وصحة في الأبدان، وأمن في البلدان، إلى غير ذلك من وسائل الراحة، وأعلى من ذلك وأغلى أن اختار لكم الدين الحنيف، وأقامكم على المحجة البيضاء، والملة السمحاء، فاشكروا الله ولا تكفروه، وأطيعوه ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، ولا تكونوا من الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر }وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ (المائدة/2) }وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{ (الأنفال/1)، واشكروا الله سبحانه وتعالى على توفيقه إياكم لصيام شهر رمضان وقيامه، وتضرعوا إليه أن يتقبل منكم صيامكم وقيامكم، وأن يختم بالصالحات أعمالكم، وأن يعينكم على شكره وذكره في بقية أعماركم، واتقوا النار التي }وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ (التحريم/6) }وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ (آل عمران/133-135) }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ *أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ (الزمر/54ـ58) }وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ (المزمل/20) }وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{ (البقرة/281) }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ (النور/31).