بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر كبيرا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر تكبيرا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد حمدا كثيرا، الله أكبر ما أقبل رمضان أو أدبر، الله أكبر ما صام صائم أوأفطر، الله أكبر ما قام قائم فهلل وكبر، الله أكبر ما ابتهج الصائمون بفرحة العيد، الله أكبر ما غشى الناس السرور في هذا اليوم السعيد، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد حمدا كثيرا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.

الحمد لله الذي فرض على عباده صيام شهر رمضان؛ ليطهرهم من رجس العصيان؛ وليصل قلوبهم بهداية القرآن، أحمده تعالى بما هو له أهل من الحمد وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالطريقة السواء، والشريعة السمحاء، والملة الحنيفية البيضاء، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وعبد الله حق عبادته حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيا عباد الله إن الله قد جعل لكل شيء قدرا، ولكل كائن ميقاتا، وقد اختار شهر رمضان الكريم لأن يكون ميقاتا لإنزال الكتاب العظيم على قلب سيدنا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، وقد ميز الليلة التي ابتدأ فيها نزول هذا الكتاب الكريم على عبده ورسوله محمد r بأن جعلها في هذا الشهر في كل عام خيرا من ألف شهر من سائر الشهور والأعوام، ولقد جعلها الله تبارك وتعالى ميقاتا لرفع الدرجات، ولمحو السيئات، ولمضاعفة الأجور على الحسنات للذين آمنوا وعملوا الصالحات. هذا.. وإن الله تبارك وتعالى قد سمى هذه الليلة المباركة ليلة القدر، وسماها ليلة مباركة، فقد قال عز من قائل: }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ{ (الدخان/3ـ5)، وقال: }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ (القدر/1 ـ5)، ومن حيث إن القرآن الكريم أنزله الله تبارك وتعالى ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وذلك إنما يتحقق إذا انغرست في عباد الله روح التقوى، واعتصموا بحبل الله المتين، واتبعوا نوره الحكيم وذكره المستقيم، فإن الله تبارك وتعالى قد أمر بصيام هذا الشهر الكريم لما في الصيام من شفافية الروح، ووصل القلوب بالباري تبارك وتعالى؛ ذلكم لأن الصوم مظنة التقوى، ولذلك ربط الله تبارك وتعالى بين عبادة الصيام وبين التقوى كما ربط بين سائر العبادات وبين التقوى، فقد قال عز من قائل: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (البقرة/183)، وربط سبحانه وتعالى بين الامتنان بإنزال القرآن في هذا الشهر الكريم وبين فريضة صيامه في كتابه؛ حيث قال: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ{ (البقرة/185)، وهذا إنما يتحقق إذا ما صام الصائم على حسب أمر الله سبحانه وتعالى، فاجتنب اللغو والرفث وسائر المنهيات في هذا الشهر الكريم، فإن النبي r يقول: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، ويقول r: «لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله»، وليس ذلك فحسب، بل إن الصيام يجعل الإنسان يستعلي على رغبات نفسه الجامحة المختلفة، ومنها حب التشفي والانتقام، فقد أمر الله تبارك وتعالى على لسان رسوله r أن لا يقابل الصائم الإيذاء بمثله، فقد قال r: «الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم».

وفي الصوم تربية للضمير الإنساني بهذا الخلق العظيم الذي يطبع الله سبحانه وتعالى عليه الصائمين، ثم بجانب ذلك فإن في الصيام تذكيرا بحاجات الفقراء والمساكين الذين قد تعوز أحدهم لقمة العيش التي يسد بها مسغبته، وذلك بتذكر حال هؤلاء عندما يصوم الصائم، فيقضي نهاره جائعا ظمآنا، وهكذا يدفع الصوم إلى مواساة الفقراء والمساكين، فإذا تزود الإنسان هذه القيم من هذا الشهر الكريم ومن هذه العبادة المقدسة؛ استصحب ذلك في سائر العام، فكان في مجتمعه عضوا بناء يفعل الخير ويأمر به، ويكون للناس قدوة فيه.

*      *      *

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد حمدا كثيرا

عباد الله:

ما أجدر الصائم أن يحرص على ما أحرزه في صومه من مكاسب التقوى في سائر العام، وذلك بأن لا يفرط في شيء من تقوى الله سبحانه وتعالى، بل يتبع كتاب الله وسنة رسوله r، ويحيا حياة إيمانية تتجسد فيها هداية القرآن، وتتجسد فيها روح التقوى التي اكتسبها من الصيام، والتي يكتسبها من سائر العبادات، وذلك بإدامة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه، وملازمة عباداته واجتناب منهياته، والعض بالنواجذ على كل ما فيه رضاه، ومجانبة كل ما فيه سخطه. هذا.. وإن الإنسان ليجدر به أن يعتبر بهذا المرور السريع الذي تمره الأعوام، فما من مناسبة إلا وتكاد تلحق مناسبة أخرى، وهكذا تمر السنون، والإنسان لاه، فما أجدر الإنسان بالاعتبار، ما أعظم العبرة وأقل الاعتبار! وما أبلغ الذكر وأقل الادكار! فالإنسان الذي يمر به الليل والنهار يطويان شريط عمره بدورانهما المستمر، فجدير به أن يتزود تقوى الله سبحانه وتعالى، وأن يلزم أوامره، وأن يجتنب منهياته.

*      *      *

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد

عباد الله:

إن هذا يوم عظيم، يوم صلة بين عباد الله المسلمين، يتواصل فيه الجيران، ويتواصل فيه الأرحام، ويتواصل فيه الأحباب، وقد جعل الله تبارك وتعالى رمزا لهذه الصلة ما يكون من مواساة الأغنياء للفقراء في هذا اليوم بإعطائهم صدقة الفطر التي فرضها الله على لسان رسوله r؛ تطهيرا لصوم الصائمين من اللغو والرفث، وهي صاع من الطعام يقدمه الإنسان عن نفسه وعن كل من يجب عليه عوله عولا شرعيا، تؤدى هذه الزكاة قبل الخروج إلى المصلى، أما بعد الخروج إلى المصلى فهي صدقة كسائر الصدقات، فيجب على المسلم أن يحرص على ما أمر الله تعالى به وعلى ما أمر به رسوله r امتثالا لأمر الله وأمر رسوله: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا{ (الأحزاب/36).

هذا.. وإن الله تبارك وتعالى أمركم بأن تصلوا وتسلموا على هذا النبي الأمين، قائد الغر المحجلين إلى مرضاة رب العالمين، فقد قال عز قائلا عليما: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ (الأحزاب/56)، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وأعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واقطع دابر أعداء الدين، إنك على كل شيء قدير، اللهم أعز سلطاننا، واحفظ أوطاننا، اللهم أيده بالحق وأيد به الحق، وأعد هذا العيد عليه وعلى جميع المسلمين بمكاسب الخير جميعا، إنك ربنا على كل شيء قدير، وإنك بالإجابة جدير، نعم المولى ونعم النصير.

عباد الله:

}إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ (النحل/90).