تفسير ما أمر الله المؤمنين من الدعاء في الخير ، والنهي عن الشر :

 

قوله في سورة الأعراف :

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) يعني : مستكيناً (وخيفة) يعني : في خفض وسكون عن حاجاتكم في أمر الدنيا والآخرة .

ويقول : ولا تعتدوا على مؤمن ومؤمنة بالشر ، كأن يقول : اللهم اخزه واللعنة ، ونحو ذلك ، فإن ذلك عدوان .

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) .

 

قال : من دعا على مؤمن باللعنة ، يرتفع دعاؤه ، فإن كان الذي دعا عليه لذلك آهلاً ، وقعت به ، وإن لم يكن لذلك بأهل رجعت إلى الذي دعاء ، فتقع به إن كان لذلك آهلاً .

وكذلك المحصن والمحصنة إذا لاعن بعضهم بعضاً .

ولم يلعن مؤمناً ، وقد (لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرا) .

وقال : ( أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) .

وقال : ما من مؤمن دعا الله بخير إلا استجاب الله له .

ومن مفاتح الدعاء ، قول الله :

( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ

جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .

قال : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) .

 

واعلم أن أفضل ذكر الله ، عند عزائم الأمور ، عندما أمر به ، وعند ما نهى عنه ، فاتبع ما أمر به رجاء رحمته ، واجتنب ما نهى عنه خشية عذابه فذلك الذكر النافع .

وإن التسبيح والتهليل ، وقراءة القرآن لحسن ، ولكن قد نجد الرجل يكثر من ذلك ، وهو غير ذاكر الله عند كثير من تلك المواطن إذا ابتلي بها . اشكر نعمة الله عليك فإنه يثيبك على الشكر أحسن الثواب ، ويزيد من شكر ، قال الله :

( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) .

وقد علمت أن أناسا من الناس يرون أن الشكر أن يقال : الحمد لله على ما رزقنا ، وأنعم علينا ، ويعلم أنه من الله ، وإن ذلك لحسن ، ولكنا نجد اليهود والنصارى يقولون : الحمد لله على ما رزقنا ، ويعلمون أنه من الله ، وهم في ذلك كفار لأنعم الله

وذلك إنكار النعمة بعد معرفتها ، وقد علم أنه من الله ، ثم كان إنكاره في نعمة الله اجتراء على معصيته ، وإصراره عليها ، ولكن حقيقة الشكر أن تجتنب سخط من أنعم عليك ، وتتبع مرضاته ، شكراً لما أنعم الله عليك ، فذلك الشكر الذي يجزي الله به ثواب الشاكرين . فاجتنب الخطايا ، واعلم أن الصالحين فيها رجلان :

رجل : لم يعمل المعصية تحرجاً ، وفي نسخة : رجل يتقيها حرجاً ، فيتركها من خشية الله ، ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى ، والآخر : أبغض المعصية لله بغضاً ويتركها .

وأحدهما أفضل من الآخر ، فالذي امتحن الله قلبه حتى أبغض ما نهى الله عنه ثم اجتنبه ، أفضل ممن يحبه ثم يتركه .

ذلك أن حب الخطيئة خالط قلبه ، وحب الخطيئة مرض يكون في القلب ، وأن الآخر لم يخالط له قلباً ، ولا عملاً من جميع الذنوب ، وكلاهما مُحسن ، ولكن يتفاضل من امتحن الله قلبه ، من حب طاعته وذكر الله كثيراً ، واستكثر من الدعاء ، ثم عمل بها ، فهو أفضل من الآخر ، والآخر إنما يكره نفسه عليها إكراها .

ولو كان لك خادمان هما كذلك ، كان أحبهما إليك الذي يحب طاعتك وعملك بقلبه .

ورأيت الذي يحب غير عملك هو أشهى إليه من عملك ، وأحب إليه منه إنما ذلك من سره في صدره .

والمؤمنون كذلك وصفهم الله فقال :

( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) يعني : الخشوع .

( ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ ) .