بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

 

 (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ 1 الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ 2) أي: إذا اكتالوا من الناس حقوقهم يأخذونها وافية، لعله وتعم فيه الحقوق المالية والبدنية والحالية، ( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ 3)بيان لاختلاف حالهم في الأخذ والدفع؛ ( أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ 4) ؟ فإن من ظن ذلك، لم يتجاسر على امثال هذه القبائح، فكيف بمن يتيقنه؛ وفيه إنكار وتعجب من حالهم، ( لِيَوْمٍ عَظِيمٍ 5 يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 6) إلى حكمه وقضائه وجزائه، وفي هذا الإنكار، والتعجب، وذكر الظن، ووصف اليوم بالعظم، وقيام الناس فيه لله، والتعبير عنه ب رب العالمين مبالغات في المنع عن التطفيف وتعظيم إثمه.

 

(كَلَّا) ردع عن التطفيف، والغفلة عن البعث والحساب، (إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ)  ما يكتب من أعمالهم، أو كتابة أعمالهم، ( لَفِي سِجِّينٍ 7) كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين، كما قال: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ 8 كِتَابٌ مَرْقُومٌ 9 )أي: مسطور بين الكتابة، ومعلم يعلم من ورائه أنه لا خير فيه، فعيل: من السجن، لقب به الكتاب، لأنه سبب الحبس.

 

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ 10) بالحق، ( الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ 11) صفة مخصصة أو موضحة أو ذامة، ( وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ) متجاوز عن النظر، غال في التقليد، حتى استقصر قدرة الله وعلـمه، فاستحـال منه الإعادة، (أَثِيمٍ 12) منهك في الشهوات المخدجة، بحيث أشغلته عما وراءها، وحملته على الإنكار لما عداها، ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ 13) من فرط جهله وإعراضه عن الحق، فلا تنفعه شواهد النقل، كما لم تنفعه دلائل العقل.

 

(كَلَّا) ردع عن هذا القول. ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 14) رد لما قالوه، وبيان لما أدى بهم هذا القول، بأن غلب عليهم حب المعاصي، بالانهماك فيها، حتى صار ذلك صدأ على قلوبهم، فعمي عليهم معرفة الحق والباطل، لعله لأن الحب للشيء يعمي ويصم صاحبه عن ضده، وكثرة الأفعال السيئة سبب لحصول لعله الظلمات على القلب، كما قال عليه السلام: إن العبد كلما أذنب ذنبا، حصل في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه ، والرين: الصدأ.

 

(كَلَّا) ردع عن الكسب الرائن، ( إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ 15) لعله بالظلمات عن توفيقه وثوابه؛ ( ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ 16) ليدخلون النار، ويصلون بها،  ( ثُمَّ يُقَالُ هَذَا) لعله العذاب ( الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ 17) يقول لهم الزبانية توبيخا لهم، وإهانة لهم.

 

(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ 18) عـلو بعد علو، وشرف بعد شـرف؛ (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ 19 كِتَابٌ مَرْقُومٌ 20 يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ 21) يحضرونه فيحفظونه، أو يشهدونه على ما فيه يوم القيامة؛ ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ 22 عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ 23) إلى مـا يسرهم من النعـم والمنفرجـات، (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ 24) بهجة التنعم، ( يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) لعله شراب خالص، ( مَخْتُومٍ 25 خِتَامُهُ مِسْكٌ) أي: مختوم أوانيه بالمسك، مكان الطين، ولعـله تمثيل لنفـاسته، (وَفِي ذَلِكَ) يعني: الرحيـق أو النـعيم (فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ 26) فليرتغب المرتغبون؛ وقيل: فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة الله.

(وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ 27) علـم لعين بعينها، سميت تسنيما لرفعـة شرابـها، (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ 28) فإنهم يشربونها صرفا، لأنهم لم يشتغلوا بغير الله، وتمزج لسائر أهل الجنة لعله من أدناهم، وإنما زاد طيب شراب الأبرار بما مزج من شراب المقربين. قال الغزالي: وإنما طاب شراب الأبرار بشرب شراب الصرف الذي هو للمقربين. والشراب عبارة عن جملة نعيم الجنان، كما أن الكتاب عبـارة عن جميع الأعمـال، فقـال (إنَّ كِتَاب الأبرار لَفِي عِلِّييِّن)، ثم (يشهده المقرَّبون).

 

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ 29) استهزاء به؛ ( وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ 30) يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم؛ ( وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ 31) متلذذين بالسخرية منهم، ( وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ 32) نسبوهم "إلى الضلال، ( وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ ) على المؤمنين (حَافِظِينَ 33)، يحفظون عليهم أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم.

 

(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ 34) حين يرونهم أذلاء مغلولين في النار، لعله يتنعمون بذلك، ( عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ 35 هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ)؟ هل جوزي الكفار (مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ 36) لعله فلم يثابوا على عملهم كما ثيب المؤمنون.