بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)

مطاوع شق، توجهت إرادة الله إلى شقها فانشقت ومثله انفطرت أي انشقت بالغمام كما قال الله سبحانه وتعالى{ ويوم تشقق السماء بالغمام }[الفرقان: 25] يسلطه عليها فتنشق به، وقيل تنشق لهول يوم القيامة لقوله تعالى:{ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية }[الحاقة: 16] ولا مانع أن يكون الهول هو تسلط الغمام فذلك قول واحد أما انشقت السماء عن الغمام فلا مزاحمة له مع انشقاقها لهول القيامة بلا إشكال فهي تنشق عن الغمام للهول.

 

وعن علي: تنشق من المجرة وهي نجوم صغار متقاربة وتسمى طريق التبانين أي حاملة التبن يتساقط التبن في الأرض وتشبه تلك الأَرض في بعض الآثار أنها باب السماء ويقال هي سرة السماء ويرد ما ذكر من انشقاق السماء منها أنها غير سماء بل تتحرك والسماء لا تتحرك على الصحيح تستقبل القبلة فتستدير معك وتستقبل المغرب فتستدير معك.

 

وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)

{ وَأذِنَتْ لِرَبِّهَا } سمعت والمراد إطاعته في الانشقاق الذي أراده منها كأَنها عاقل أمر فأَطاع شبهت به ورمز إليه بلازمه وهو الطاعة فذلك استعارة بالكناية وذلك كقوله تعالى{ قالتا أتينا طائعين }[فصلت: 11] أو خلق لها حياة وإرادة فأَوحى إليها أن تنشق فطاوعت.

 

{ وَحُقَّتْ } جعلها الله عز وجل حقيقة بالانقياد إلى الانشقاق وقيل المعنى حق الله عليها أي حكم بالانقياد فانقادت، وقيل المعنى وحق لها أن تنشق للهول.

 

وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)

بسطت بإِزالة بنيانها وشجرها وجبالها وتسوية ما انخفض منها وما ارتفع فصارت قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، وقيل زيدت سعة والمراد الزيادة كما أنه البسط وهي زيادة على ظاهرها أو تسوية ما ارتفع منها وما انخفض كالبحر بعد إزالة مائه فإِن ما ارتفع منها وما انخفض كأَنه ليس منها إذ كان لا يعامل فهو كان في أرضك ما انخفض أو ما ارتفع فأَصلحته بل زدت في أرضك، قال جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " تمد الأرض يوم القيامة مد الأَديم ثم لا يكون للإِنسان منها إلاَّ موضع قدميه فأَهل الموقف قائمون لا قاعدون ".

 

وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)

{ وَألْقَتْ مَا فِيهَا } من موتى الإنس والجن والحيوان كله وقيل من الموتى كذلك والكنوز فالمؤمن يفرح إذ قدم للآخرة، يكنز فلم يكنزه فاستنفع به ففرح بالنفع وبأَنها لو كنزها لم ينتفع من كنزها بل ضاعت والكافر أو من منع حقوقها تشتد حسرته إذ هلك بها وهي نافعة له يومئذ ولا يناف خروج الكنوز من الدحال، لأَنها لا تخرج له كلها بل بعضها في بعض أرض الدنيا ويخرج الباقي وهو الأكثر يوم القيامة وأيضا ما خرج للدجال يعاد كنزه .

 

{ وَتَخَلَّتْ } خلت خلواً شديداً من الموتى والكنوز على ما مر ومفيد المبالغة صيغة التفعل فعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أنا أول من تنشق عنه الأَرض فأجلس في قبري وإِنَّ الأَرض تجري بي فقلت لها: مالك فقالت: إنَّ ربي أمرني أنْ أُلقي ما في جوفي فأَتخلى فأَكون كما كنت " إذ لا شيء في ذلك، قوله تعالى: وألقت ما فيها وتخلت وقيل تخلت مما على ظهرها من الأَحياء بأَن يموتوا فذلك في نفخة الموت وقيل تخلت مما على ظهرها من جبال وبناء وشجر وبحار وهما قولان ضعيفان تردهما الأَخبار.

 

وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)

{ وَأذِنَتْ لِرَبَّهَا } انقادت في إلقاء ما فيها { وَحُقَّتْ } جعلت حقيقة بإلقائه أو بالطاعة وحق لها أن تلقى هذا مثل ما مر ويجوز أن الله عز وجل خلق لها حياة وإدراكا وأُوحى إليها بالإلقاء فأَلقت.

 

يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)

{ يَا أيُّهَا الإِنسَانُ } المراد العموم بالإِجماع لقوله تعالى فأَما من أُوتى...الخ، وليس كذلك فقد قال مقاتل المراد الأَسود بن هلال المخزومي أنكر البعث فقال له أخوه أبو سلمة والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوفين العقبة فقال له وأين الأَرض والسماء وما حال الناس فنزل يا أيها الإنسان خطابا له { إنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً }.

 

وقيل المراد أُبي بن خلف كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإصرار على الكفر فنزل ذلك خطاباً له ولا شك أن غيرهما مثلهما، وقيل قولاً بعيداً المراد النبي - صلى الله عليه وسلم - يكدح في التبليغ والإِرشاد والصبر على الأَذى فقيل أبشر فإِنك تلقى الله تعالى بذلك وتثاب عليه والكدح السعي قدر الطاقة في خير أو شر حتى يؤثر في الجسد بخدشه ومعنى إلى ربك طول حياتك إلى لقاء ربك بالموت.

 

{ فَمُلاَقِيهِ } ملاقي الله عز وجل بالبعث ولا بد أي ملاق جزاءه على عملك إنما هي أعمالكم ترد إليكم فأَحسنوها وقيل ملاقى الكدح والمراد جزاء الكدح خيراً أو شراً أو لقاء الكدح لقاء كتاب فيه ذلك الكدح.

 

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)

أما وشرطها وجوابها جواب إذا الأُولى وما بعدها بواسطة العطف، وقيل الجواب محذوف للتهويل أي كان ما كان وذكر بعض تفصيله بقوله فأَما من أُوتى.. الخ أو يقدر يرى الإنسان الثواب أو العقاب وقيل الجواب يا أيها الإنسان إنك كادح ويرده أنه لم يقرن بالفاء وقيل أذنت والواو زائدة ويرده أن الأَصل عدم الزيادة والحساب اليسير ما لا مناقشة فيه وفسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرض قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

 

" ليس أحد يحاسب إلاَّ هلك فقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله جعلني الله فدائك أليس الله تعالى يقول فأَما من أُوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً؟ قال ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك " وروى أنها سمعته - صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته - تعني في صلاة من صلواته - " " اللهم حاسبني حساباً يسيراً " ولما انصرف قالت يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: " أن ينظر في كتابه فيتجاوز عنه " ".

 

وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)

يتوجه إليهم بعد عدم كونه معهم وهم أزواجه في الجنة الآدميات والحور والولدان كما قال مجاهد وهو أصح وقيل عنه إن المراد خاصته من الناس المؤمنين ومن له من الولدان والأَزواج وقيل أهله المؤمنون مطلقاً اشتركوا في الإيمان.

 

وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)

أي بشماله من وراء ظهره وتغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بها، وقيل تدخل في صدره وتخرج من وراء ظهره ويأَخذ كتابه لها كما دلت الآية الأُخرى التي فيها الأَخذ بالشمال وذلك شامل للمشركين والفساق، قيل الفاسق يؤتى كتابه بشماله بلا إدخال في صدره والمشرك بالإِدخال.

 

فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)

يقول يا ثبوراه هذا أوانك أقبل وهو كلام يقوله الهالك جزعاً لا حقيقة لأَنه يقوله وهو في الهلاك لا في إقباله أو يقوله قبل الوقوع فيه وليست يجب أن يقع، والثبور مطلق المكاريه.

 

وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)

يُدخل قهراً في نار شديدة تسعر توقد أي مسعور كامرأة كحيل أي مكحولة.

 

إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)

{ إنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ } حال حياته في الدنيا { مَسْرُوراً } بالذات والاستهزاء بالمسلمين وغيبتهم والنقص منهم وسائر المعاصي معرضاً عن التقوى والآخرة.

 

إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)

الجملة استئناف كالتي قبلها وتعليل لها أي إنه ظن أنه لن يرجع إلى الله بالبعث للحساب واسم إن المخففة ضمير الإنسان كالذي قبله أو ضمير الشأن أو ظن أنه لن يرجع إلى العدم السابق قبل وجوده بالموت على تشبيه كمال إِعراضه عن أمر الله تعالى بظن عدم الموت فلا يستعد كما يقال مات من ظن أنه لا يموت.

 

بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)

{ بلى } ليس لا يحور بل يحور، { إنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } عالماً بأَحواله لا يخفي عنه شيءٍ منها ولا ينساه ولا يغلب عن الجزاءِ به.

 

فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)

الحمرة في أفق المغرب عند الغروب وذلك قول الجمهور وأصله الرقة فيما قيل كما يقال فيمن رق قلبه شفق وقيل البياض الذي يلي تلك الحمرة بعد سقوطها وبه قال أبو حنيفة والجمهور على أنه لا يسمى ذلك البياض شفقاً، وجاءَ عنه - صلى الله عليه وسلم - الشفق الحمرة.

 

وعن مجاهد الشفق النهار كله ونسب أيضاً للضحاك وعكرمة ولعلهم تأَنسوا له بعطف الليل فيكون قد أقسم بالليل والنهار اللذين فيهما معاش الحيوان وحركته وسكونه وفيه إطلاق الشفق على البياض، وكذا في رواية عن عكرمة أنه بقية النهار والفاء عاطفة، وقيل في جواب شرط أي إِذا تحققت الحور بالبعث أو إِذا عرفت هذا في أقسم بالشفق.

 

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)

أي والأَشياءَ التي جمعها ويجوز أن تكون ما مصدرية والوسق الأَصواع المجتمعة وهو ستون صاعاً والوسق حمل بعير لاجتماعه على ظهره ووسقت الشيء جمعته والليل يجمع المنتشر من الناس والحيوان إلى منازلهم وتعقد فيه الشرور والخيور فهو يضمها ويشتمل عليها، وقيل. ما جمع من الظلام وقيل وسق ستر بظلمته، وقيل وسق عمل فأَسند العمل إلى الليل لوقوعه فيه كما أسند الجمع إليه لأَنه زمانه ومن الوسق بمعنى العمل قوله:

 

قيوماً ترانا صالحين وتارة  ...   تقوم بنا كالواسق المتلبب

 

فيكون المراد ما عمل فيه من عقود الخير والشر أو التهجد في العبادة، وقيل وسق طرد أي طرد الحيوانات إلى أماكنها وإسناد الطرد إليه لأَنه مكانه وقيل طرد ضوءِ النهار ومنه الوسيقة للإبل المسروقة المطرودة.

 

وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)

اجتمع نوره وكمل وصار بدراً ليلة أربعة عشر.

 

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)

خطاب للإنسان المذكور أولا إذ المراد به الجنس وعلى القول بأَن المراد الفرد فهذا الخطاب للكل لأَن الحكم واحد والطبق الحال أي حالاً عن حال وركوب الأَحوال ملاقاتها مجازاً شبهها بالركوب فعبر عنها به أو هو على حقيقته والتجوز في الحال إذ شبهها بالدَّابَّة ورمز إليها بلازمها وهو الركوب وذكر الحال مرتين عبارة عن الكثرة كأَنه قيل أحوالاً بعد أحوال.

 

وعن للمجاوزة ولذلك تراهم يقولون حالاً بعد حال لأَن مجاوز الشيء هو بعده وطبقاً مفعول وعن متعلق بتركب وقيل بمحذوف نعتاً لطبقاً وهو مفرداً وجمع طبقة أو اسم جمع اسم جنس والمراد أحوال شديدة الموت والبرزخ وأهوال القيامة بعضها أشد من بعض وقيل الأَحوال كونهم نطفاً وعلقاً وسائر الأَطوار والولادة وما يكون بعد الولادة من رضاع وفطم وغلمة وشباب وكهولة وشيوخه وغير ذلك إلى الموت وما بعد الموت ويرده أنه خطاب للمكلفين بعد الولادة والبلوغ فالأُولى ترك ما قبل التكليف وتعميم ما بعده من أحوال الدنيا والآخرة والمضارع ينافي ما مضى من ذلك كنطفة وما بعدها إلى التكليف ولا داعي إلى خطاب المجموع من النطف وما بعدها مع من يصلح للخطاب ويناسب التفسير بالموت وما بعده التفريع بالفاءِ في قوله:{ فلا أقسم }[الانشقاق: 16] على قوله: { بلى إنَّ ربه كان به بصيراً }[الانشقاق: 15].

 

وقيل معنى الطبق الموت المطابق للعدم السابق والإحياءِ بعد الموت المطابق للإِحياءِ السابق من النطفة فذلك إقسام على البعث، وعن مكحول تكونون في كل عشرين سنة على حال لم تكونوا عليها قبل، وعنه تحدثون في كل عشرين عاماً أمراً لم تكونوا عليه قبل فإما أن يكون الطبق في اللغة اسماً لعشرين عاماً وإما أن يكون بياناً لحدوث الأمر أنه يكون في تلك المدة.

 

وقيل الطبق القرن من الناس ومعنى ركوب القرن حصوله بهم أو لتركبن سنن من قبلكم قرناً بعد قرن والصحيح ما ذكر أَولاً وقيل ذلك أن السماء تنفطر ثم تحمر وتكون كالمهل وتكون وردة وتكون واهية وعلى قول أن الإنسان النبي - صلى الله عليه وسلم - فالجمع تعظيم له والأَحوال ما يعانيه من الكفرة أو فتح بعد فتح ونصر بعد نصر، وقيل سماء بعد سماء في ليلة المعراج ودرجات القرب وقيل المراد قوله - صلى الله عليه وسلم - " لتركبن سنن من قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " أو ركبوا متن ضباة لركبتموه ولفظ الصحيحين عن أبى سعيد الخدري مرفوعاً " لتتبعن سنن من قبلكم وأحوالهم شبراً بعد شبر وذراعاً بعد ذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن ".

 

فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)

استفهام تعجيب وإنكار ترتيباً على أحوال يوم القيامة أي ما منعهم من الإيمان مع تلك الأَهوال التي يركبونها يوم القيامة ولا بد أو أي شيءِ يمنعهم من الإيمان بالبعث مع علمهم بقدرته على الشفق والليل وسائر الآيات العلوية والسفلية وجملة لا يؤمنوا حالاً وكذا قوله تعالى.

 

وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)

حال ثانية بواسطة العطف أي مالهم غير مؤمنين وغير ساجدين وقت قراءَة القرآن عليهم، والمراد بالسجود الخضوع للقرآن أي الإذعان له بالإيمان به أو لله بالقرآن الذي أنزل وقيل المراد الصلاة عبر عنها بما هو أعظم في الخضوع منها قرنت بالإيمان إعظاماً لقدرها وقد قيل أفضل الأَعمال بعد التوحيد الصلاة وقيل سجود التلاوة تنزل آية السجود، ويسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ يوماً واسجد واقترب فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رءُوسهم وتصفر فنزلت هذه الآية، وذكر ابن حجر أن هذا الحديث لم يثبت.

 

وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد عند قراءَة هذه الآية وأقول لعله سجد نصرة للقرآن ومضاده للكفرة الذين لا يسجدون لا لكونها من آيات السجود ورأيت في مسلم والترمذي وأبى داود وابن ماجه والنسائي والبيهقي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد في هذه الآية وفي اقرأ باسم ربك إلا أن في البخاري عن أبى رافع: صليت مع أبى هريرة العتمة فقرأ إذا السماءِ انشقت فسجد وقلت له فقال سجدت خلف أبى القاسم - صلى الله عليه وسلم - فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم قول أبى هريرة للتأويل المذكور ولا الرد به عن ابن عباس إِذ قال ليس في المفصل سجدة والمفصل من سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو من سورة الفتح أو من الحجرات وعليه الأَكثر.

 

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)

{ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الأَصل بل هم ولكن أظهر ليصفهم بالكفر الموجب لعذابهم.

 

{ يُكَذِّبُونَ } القرآن وذلك زيادة في العناد على عدم سجودهم عند سماع آية السجود أو تصريح بالتكذيب به بعد انتفاءِ إِذعان قلوبهم ميل للانتقال إلى ذكر ذلك عنهم بعد ذكر عدم السجود.

 

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)

{ وَاللهُ } لا غيره { أعْلَمُ } أي عالم أو اسم التفضيل على بابه وبعض الناس أو كثير يعلم بظاهر أحوالهم بعض ما في قلوبهم وليس ذلك من علم الغيب وليس المراد أن غيره لا يعلم فإن من شهد كفرهم علم كفر قلوبهم لكن المقصود بالعلم الجزاءَ كناية عنه .

 

{ بما يُوعُونَ } الباء للإِلصاق المجازي ويوعون يضمرون في قلوبهم من الكفر والحسد والبغضاءِ وأصل الإيعاءِ جعل الشيء في وعاءِ فلا مانع من أن يكون المعنى بما يجعلونه في أوعيتهم وهي قلوبهم من السوءِ وإضمار السوءِ يكون في المشركين المصرحين بالإِشراك كما يكون في المنافق الذي نفاقه إضمار الشرك فلا ينافي إضمار السوءِ كون السورة مكية وفسر بعضهم يوعون بيجمعون وهو راجع إلى ما ذكر لأَن جعل الأَشياءَ في وعاء جمع لها فيه ويجوز أن يراد بما يجمعون في صحفهم من الأَعمال تسمية للصحف بالأَوعية وهي تسمية حقيقة لا مجازية ويجوز أن يكون المعنى يكذبون بألسنهتم والحال أن الله يعلم ما في قلوبهم من التصديق لظهور الأَدلة جحدوها واستيقنتها أنفسهم:

 

{ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ ألِيمٍ } تبشيراً مرتباً على إخباري لك بما يوعون أو على تكذيبهم أو إذا كان ذلك حالهم فبشرهم بعذاب أليم وعبر بالتبشير بدل الإنذار تهكما فإِن التبشير الإخبار بما يسر والعذاب الأَليم كأَنهم عصوا ليحصل لهم العذاب فبشرهم.

 

إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)

{ إلاَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } استثناءِ منقطع من هاءِ بشرهم أو متصل أي إلا من سيؤمن منهم فيكون آمن للاستقبال كما رأيت أو يكون المراد مضى أنه من أهل الإيمان في علم الله تعالى أو في اللوح المحفوظ وقوله تعالى: { لَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون } أنسب بأَن إيمانهم مراد به الإيمان الخارج لا الإيمان الموعود به عند الله، وغير ممنون غير مقطوع بل هو دائم في الجنة أو بمعنى أنه لا يذكر لهم الأجر بطريق العلو عليهم به والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.