حياة طفل صائم: بقلم عائشة بنت يوسف السرحنية

 

كما أن الكبار يهيئون أنفسهم لاستقبال هذا الشهر الفضيل منتهزين فرص الخير والفوز فيه، وتكاثر الحسنات ومضاعفتها، فكذا الصغار لديهم فكر طاهر ببراءة الطفولة المعهودة عن شهر رمضان المبارك، فانتظارهم أصوات المدافع تعلن رؤية الهلال، ودخول شهر رمضان، وبدء الصيام عظيم... وشوقهم للسحور جميل، وفي الصباح نراهم كالدرة التي يخاف عليها من الانكسار، فيحذرون أنفسهم من الوقوع في الأخطاء لعلمهم وقناعتهم بحرمة هذا الشهر الجليل، وقدسية الصيام، ويعدون الساعات لسماع صون المؤذن لصلاة المغرب ليجتمعوا حول مائدة الفطور، وكلٌ ممسك بكأس الماء، أو كوب اللبن ليروي ظمأه الذي يجعله يشعر بلذة الصيام، وحلاوة الطاعة المفروضة... يتسابقون لأداء فروضهم في المسجد، ويحضرون حلقات القرآن الكريم ومجالس الذكر ودروس العلم، ويتنافسون في المسابقات الرمضانية... ويحيون ليالي رمضان بالألعاب الشعبية كلٌ بما اعتاد عليه مع أقرانه وأحبابه، وأهله يتسامرون بالحب والوفاء والطهر والصفاء ـ ما أحلى تلك الأيام ـ فيشعرون بالأمن والأمان والطمأنينة والسكينة، دون خوف من الظلام والضلال؛ لعلمهم أن رمضان شهر الرحمة والسلام، وسماعهم أن الشياطين في شهرالصيام تغل وتصفد، فيملؤون الكون فرحاً وسروراً، وبهجة وحبوراً، فأنوار رمضان تملأ الوجود بهاءً وضياءً...

 

هذه هي الصورة الرائعة التي يحملها ويختزلها فكر طفل مسلم عن هذا الشهر المبارك، لكن بمرور أيام الشهر، وتتابع لياليه سرعان ما تبدأ العزيمة بالفتور، والقوة بالضعف، فيتوانى في السحور، وقد يغفل عن أداء فروضه، وينشغل عن تأدية واجباته، ويتكاسل عن القيام بأعماله التي اعتاد عليها التي اعتاد،؛ لذلك فالطفل بحاجة إلى من يشده إلى الخير، ويسير به إلى بر الأمان، ويرسو به على شاطىء الصيام، حتى تتجدد الصورة التي يختزلها في قناعاته عن شهر الصيام، ويبدأ بترسيخها محافظاً عليها ويجد نتاجها في حياته. نعم إن الطفل بحاجة إلى أن يفرح ويبتهج بقدوم الضيف العزيز ولنكرمه بهدية رمضان... هو بحاجة إلى توصيد العلاقات مع الأقارب والجيران والأصدقاء فعلينا تبادل التهاني المباركة، والدعوات الصادقة بقدومه، وتشجيعه على الاجتماع معهم في رياض الذكر، وقراءة القرآن، فهذا من شأنه أن يربي الطفل على حسن التخطيط للمستقبل، ونربطه بالقرآن الكريم، والحديث الشريف، ولنجعل المسجد مقصده، وتعويده على الصلاة فيه، نحضه على صلاة التروايح وباقي الصلوات؛ ليشاهد اجتماع المسلمين لعبادة الواحد الأحد، فيدرك عظمة خالقه وقدرته، تذكره بإخوانه الأطفال من الفقراء والمحتاجين، فيمد يده بالبذل والعطاء لأجل أن يرسم الابتسامة على وجوههم، كل هذه اللحظات تجعل الطفل مدركاً لحلاوة رمضان وقيمته، وأنه من أفضل الشهور وبالتالي تتربى فيه كثير من القيم الحميدة، والمبادئ الإسلامية التي ستكون سنداً له في حياته.

-------------

جريدة الوطن: الأحد 4 من رمضان 1431هـ . الموافق 15 من أغسطس 2010م العدد (9875)