بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الكبائر وما أعد الله لمن اجتنبها .

 

قوله في سورة النجم(الآية32): { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ } يعني: كل ذنب أوجب الله عليه النار في الآخرة لمن عمل به, والحد في الدنيا, نظيرها في { حم عسق }، ثم قال: { إِلَّا اللَّمَمَ } يعني: الذنب الذي بين الذنبين, ما لم يوجب عليه في الآخرة النار, ولا حد في الدنيا.

 

قال: { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } يعني: لهذه الذنوب التي بين الحدين, إن عملها بغير علم ثم تاب منها كما قال الله: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ }(النساء:17) يعني: من قبل الموت { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } (آل عمران:135) فكل ذنب يعمله المؤمن وهو جاهل به فهو جهل منه { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } يعني: من قبل الموت { فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } يعني: يتجاوز الله عنهم { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } قال: نزلت هذه الآية في المؤمنين.

 

وقوله في سورة النساء(الآية:31): { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } يعني: ما نهى الله عنه من أول هذه السورة إلى هذه الآية { نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } يعني: نحمل عنكم ذنوبكم التي دون الكبائر ما لم يوجب عليه الحد في الدنيا ولا نار في الآخرة { وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً } يعني: حسناً وهي الجنة إذا تبتم من جميع الذنوب.

 

قال الله: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(آل عمران:135)

وقال: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً..} (طـه:82) .

 

عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر ما نهى الله عنه في أول سورة النساء إلى هذه الآية { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً }.

 

عن ابن عباس أنه قال: الكبائر ما نهى الله عنه في سورة النور إلى هذه الآية { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً } (النور:31) يعني: من جميع الذنوب من الكبائر ومن السيئات { أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يعني: لكي تفلحوا.

 

ومن تاب من الكبائر, ومن السيئات قبل الموت, ولم يصر على ذنب واحد, ولم يستحقره وتاب من جميع الذنوب, وعمل ما أمر الله به, ومات دخل الجنة.

وإن لم يتب من قبل أن ينزل به الموت دخل النار, فنعوذ بالله من النار.

 

قال أبو الحواري: يقال إن اللمم ما لمَّ بالقلب مما يهم بالمعصية, ولم يفعلها وبهذا نأخذ.

 

تفسير ما رغب الله للمؤمنين في القليل من الخير, وخوفهم من اليسير من الشر:

قوله في سورة { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا }:

{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ }(الزلزلة:7) وذلك لما نزلت هذه الآية { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }(الإنسان:8) قال المسلمون: إنهم يرون أنهم لا يؤجرون على ذلك الشيء إذا أعطوه لله فيجيء المسلمون إلى ثوابهم فيستقلوه, أن يعطوه تمرة أو كسرة أو الجوزة أو نحو ذلك.

 

ويقولون: ما هي بشيء, إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أنهم لا يأثمون على الذنب الصغير, والكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، ويقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر.

 

فرغبهم الله في القليل من الخير أن يعملوه, فإنه يوشك أن يكبر, وحذرهم اليسير من الشر فإنه يوشك أن يكبر.

 

{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } (الزلزلة:8) من الشر يعني: وزن أصغر من النمل { شَرّاً يَرَهُ } في كتابه فيسؤه ذلك.

 

قال: يكتب لكل بار وفاجر بكل سيئة سيئة, وبكل حسنة عشر حسنات للمؤمن إذا خرج من الدنيا تائباً, فإذا كان يوم القيامة ضاعف الله حسنات المؤمن, فذلك قوله: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }(النساء:40).

 

وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا ولو بشق تمرة".

وقال: تصدقت عائشة بثلاث تمرات, فقيل: يا أم المؤمنين إنكم لتصدقون بمثل هذا؟ قالت عائشة رضي الله عنها: إن في هذه التمرة ذرات كثيرة.

 

وقال: إنما نزلت هذه الآيات بعدما أنزل الله { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (النساء:48) وهي الذنوب دون الشرك السيئات, يعني: مثقال ذرة خيراً يره ومثقال ذرة شراً يره, قال: { وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ }(الأنبياء:47).

 

فهؤلاء الآيات أشد من الأولى ويصدق كتاب الله بعضه بعضاً ولا يكذب, وقال الله: { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } (المائدة:7) فنحن وأنتم ممن أقر الله بالسمع والطاعة ولزمته الحجة, فالله يسألكم عن هذه النعمة, وطالب إليكم شكرها، إذ يقول: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(الحجر:92-93) .

وقال تبارك وتعالى: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ }(الأعراف:6-7)، وقال: { إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ }(آل عمران: 5-6)، وقال: { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }(البقرة:40).

 

وقال: إنه لم يتقرب إلى الله بشيء أفضل من البصر في الدين, والورع وهما سهما الإسلام الذي يغفر الله بهما الذنوب, وينجي بهما من النار, فأبصروا السبيل الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه قال في كتابه: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }(يوسف:108) فإنه سبيل واضح, وقد أثنى الله على أهله, وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم في شأنهم, وقص عليه خبرهم، ثم قال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } (الأنعام:90).

 

وقال: { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }(الأحزاب:35).

ثم ميز بينهم وبين المنافقين فقال: { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ }(فاطر: 19-22).

 

وقال(الرعد:19-22): { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ } إلى قوله { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ } يعني: على ما أمر الله وطاعته{ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }.

 

وقال ابن مسعود: لا صغيرة مع إصرار, ولا كبيرة مع التوبة.

وقال الله: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }(آل عمران:135).