سورة الفيل مكية وآياتها 5

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)

ألم تعلم يا محمد أو يا من يصلح للعلم فيدخل - صلى الله عليه وسلم - أولا وهذا قل حيث يصلح القول ولم يشاهد ذلك - صلى الله عليه وسلم - ولكن أيقن فكأنه رأي وأيضاً العرب إذا أكدت شيئاً قالت لمن لم يره ألم تره ولو كان غافلاً عنه أو منكراً كما قال امرؤ القيس:

 

ألم تراني كلما جئت زائراً   ......

 

الخ والاستفهام لتقرير الرؤية بنفي عدمها أو هي رؤية عين استعملت بمعنى الإدراك القلبي مجازاً استعارياً لعلاقة الإدراك أو إرسالياً لأَن الإدراك بالعين سبب للإدراك بالقلب إذ هي باب له وهذا أبلغ من الأَول الذي هو استعمال الرؤية من أول الأَمر بمعنى العلم وكيف حال من رب أو مفعول مطلق لفعل أي أي فعل فعل ولا مفعول به لتر لأنها لا تكون مفعولاً به ولأن لها الصدر.

 

والمراد التهويل بالهيئة العجيبة ولذلك لم يقل سبحانه ألم تر ما فعل ربك والجملة سدت مسد مفعولي تر معلناً بالاستفهام وتعلق الرؤية البصرية كما تعلق العلمية وكان إهلاك أصحاب الفيل تمهيداً لرسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولشرف البيت ودعوة الخليل وكان في عام ولادته - صلى الله عليه وسلم - قبل ولادته بخمسين يوماً في المحرم وولادته في ربيع الأُولى وبه قال السهيلي وهو الأصح وقيل بخمسة وخمسين يوماً وقيل بأربعين وقيل بشهر وهنا أقوال ضعيفة قيل بعشرين سنة وقيل بأربعين وقيل بسبعين.

 

روي أن جماعة من قريش تجاراً إلى أرض النجاشي أججوا ناراً عند بيعة على ساحل البحر واشتووا في يوم عاصف فحرقت وتسمى الهيكل ووصل الصريخ إلى النجاشي فاغتاظ فبعث أبرهة لهدم الكعبة وفي مكة أبو مسعود الثقفي وكان أعمى يشتو بمكة ويصيف بالطائف له رأي وهو صديق لعبد المطلب فقال له قلد مائة من الإبل واهدها واجعلها لعلهم يصيبون منها شيئاً فيهلكهم الله عز وجل ففعل فحملوا عليها وذبحوا وجعل عبد المطلب يدعو الله سبحانه وتعالى فقال أبو مسعود إن لهذا البيت رباً يمنعه.

 

وقد قصده تبع ملك اليمن فابتلاه الله عز وجل وأظلم عليه ثلاثة أيام فتاب وكساه القباطي البيض ونحر له فانظر نحو البحر فإذا طير لا نجدية ولا تهامية لا عربية ولا شامية وجاءت حتى دارت عليهم فأرسلت حجارة عليهم ورجعت من حيث جاءَت ولم تصب دوابهم ولا فيلهم الذي جاءَوا به وأبى وأصابت أفيالاً توجهت وثم تاب وشهر أنه بني بعض عمال النجاشي كنيسة بصنعاءِ لم ير مثلها وسماها القليس بضم القاف وفتح اللام مشددة ومخففة بالرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس وكتب إلى النجاشي بكسر النون بنيت لك كنيسة أصرف إليها حج العرب.

 

فسمع بذلك رجل من بني فقيم بن عدي بن كنانة فأحدث فيها ولطخ قبلتها بالعذرة فأخبر بأنه فعل ذلك رجل من العرب غضباً لبيته وقيل أججت العرب ناراً حولها فاحترقت بحمل الريح أو كان الأمران جميعاً فجهز الحبشة في ستين ألفاً ومعه فيله محمود وكان قوياً عظيماً ومعه اثنا عشر فيلا دونه وقيل ثمانية وقيل ألف والأَكثرون أن معه محموداً وحده فرأت العرب جهاده حقاً فقاتله رجل من أشراف اليمن يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه وسائر العرب فهزمهم جند النجاشي وأخذ أسيراً وقال لأَبرهة أمير الجند لا تقتلني لعلني أنفعك فحبسه ولما وصل أرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب بمن معه فهزم فقال أبقني لعلي أنفعك فخرج به يدله.

 

ولما مر بالطائف تلقاه مسعود بن مالك الثقفي مع رجال من قومه فقالوا له نحن عبيدك لا نخالفك إنما البيت الذي تريد في مكة لا بيت اللات الذي عندنا فبعثوا معه أبا رغال فلما نزل أبو رغال مات فالعرب ترجم قبره وبعث أبرهة وهو بالمغمس أبا الأسود بن مقصور حتى انتهي إلى مكة فساق أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم وفيها مائتا بعير لعبد المطلب وقيل أربعمائة فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن بالحرم بقتاله فكفوا وعلموا أنهم لا يطيقونهم.

 

وبعث أبرهة حياطة الحميري أن يقول لسيد مكة لم أجيء لقتالكم ولكن لهدم البيت فأَجابه عبد المطلب لا طاقة لنا بقتالك وللبيت رب إن شاءَ حماه وسار على العسكر فسأَل عن ذي نفر فقال له وهو صديقه ما عندك فقال إني أسير أنتظر القتل ولكن أوصى إلى سائس الفيل فليحسن إليك ويدخلك على أبرهة فمدحه إلى أبرهة بأَنه سيد أهل مكة وأنه ينفق على أهل مكة والوحش والطير فأَدخله فقال له إِنه جاءَ يطلب إِبله مائتي بعير فقال له قل له قد زهد الملك فيك بعد إذ جاءَ لهدم بيت فيه شرفك وشرف قومك ولم تهتم إلاَّ بإِبلك فأَجاب بأَني رب الإِبل وللبيت رب يمنعه فقال لا يمنعه فقال أنت وذاك فرد إليه إبله.

 

وروي أنه ثفانة بن عدى سيد بني بكر وخويلد بن واثلة سيد هزيل عرضا عليه ثلث أموال تهامة ليرجعن عن البيت وقد دخلا مع عبد المطلب فأَبى وأمر عبد المطلب العرب فتفرقوا في الجبال لئلا يضرهم الجيش وأخذ بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل وقال أبياتاً مشهورة وخرج فلما أصبح أبرهة تهيأَ للدخول وعبأ الجيش وهيأَ الفيل ولما وجهوه إلى مكة أخذ نفيل بن حبيب بأُذن الفيل فقال ارجع فإِن هذا بلد الله الحرام وخرج نفيل حتى صعد الجبل فأَبى الفيل فوجهوه إلى اليمن فهرول وإلى الشام فهرول وإلى مكة فأبى أيضاً فسقوه الخمر ليذهب تمييزه فلم تؤثر فيه.

 

وقيل إن عبد المطلب هو الذي أخذ بأن الفيل وقال ذلك وذلك في وادي محسر فأرسل الله تعالى طيراً من جهة البحر خضرا وقيل سودا وقيل بيضا كاليعاسيب وقيل كالخطاف كل طائفة يقودها طائر أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق في منقار كل واحد حجر وفي رجليه حجران كالعدس أو كالحمص لا يصيب حجر أحداً إلاَّ مات تثقب بيضته ورأسه وتخرج من دبره وتحفر في الأرض لشدة وقعها وزعم بعض أن ذلك بريح تقويها وتساقطوا وماتوا في مواضعهم كلهم وقيل تحاملوا وجعلوا يسأَلون نفيل بن حبيب الطريق إلى اليمن فمنهم من مات في حينه ومنهم من تحمل فروى أن أبرهة ما وصل صنعاء إلاَّ وهو كفرخ الطائر وقيل لم يصبهم الطير كلهم وقيل لم ينجح منهم إلاَّ واحد أخبر النجاشي ولما أخبره رماه طائر حلق من مكة على رأسه فهلك واسمه أبو يكسوم.

 

وروي أن عائشة رضي الله عنها أدركت قائد الفيل وسائسه تخلفا في مكة فسلما هما أعميان مقعدان يستطعمان الناس ولما أصبح عبد المطلب أرسل أحد أولاده على فرس سريع فرجع فقالوا هلكوا كلهم فجاءَ عبد المطلب ومن معه فأَخذوا أموالهم.

 

ويروى أن عبد المطلب حفر حفرة ودفن فيها من جواهرهم والذهب الأحمر ومالهم ما شاء وأبا مسعود الثقفي كذاك وقد كان معه في الأَمر وصعد في الجبل فخيره عبد المطلب وقال إن شئت فهما لك فقال أبو مسعود أُخرى لي فقال لك حفرتي لأَنها أكثر مالاً وقد أعمقا في الحفر والاختيار والملء ثم نادى سائر العرب فأخذوا وصاروا كلهم أغنياءَ.

-------------------------------------

أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)

{ ألَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } الاستفهام للتقرير لوحظ فيه معنى الإخبار فعطف عليه الإخبار في قوله:

 

{ وَأرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أبَابِيلَ } نعت طيراً أو يقدر الاستفهام في هذه أي أو أرسل بهمزة قبل واو العطف على أنها مما بعده أو لا يقدر لكن العطف على ما سحب عليه الاستفهام استفهام والتضليل التضييع جعل كيدهم في تخريب الكعبة ضائعاً والطير اسم جمع.

 

وقيل جمع طائر وشذ إطلاقه على الواحد وأبابيل جماعات والمفرد إبالة بكسر الهمزة وشد الباءِ وهي حزمة الحطب الكبيرة شبهت بها الطير المجموعة وقيل مفرده أبول وقيل أبال والوزن صالح للكل وقال أبو عبيدة والفراء لا واحد له من لفظه وكأن وجوده تلك الطير وجوه السباع ولم ير مثلها قبل ولا بعد وعن ابن عباس لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقيل لها رءُوس كرءُوسِ السباع وقيل لها أنياب كأنيابِ السباعِ وقيل طير خضر مناقرها صفر وقيل سود ويجمع بثبوت ذلك كله فكل أخبر بما شاهد وزعم بعض أن حمام الحرم منها وعن عبيد بن عمير كأَنها رجال السند.

-----------------------------------------

تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)

{ تَرْميهِم } بعد أن صاحت.

 

{ بِحِجَارَةٍ } الجملة نعت ثان والمضارع لاستحضار الحالة الماضية كأَنها تشاهد ومر أنها كالعدس والحمص وعن نوفل بن معاوية الديلمي رأيت الحجارة التي رمى بها أصحاب الفيل كالحمص وأكبر من العدسة حمر كأَنها جزع ظفار.

 

وعن ابن عباس مثل البندق، وعنه كبعر الغنم، وعن أبى صالح على كل حجر اسم من يرمى به واسم أبيه وأنه رأي ذلك عند أُم هانئ، وزعم عبيد بن عمير أن الحجر الواحد كالبعير البارك وأصغرها كرأس الرجل، وعن ابن مسعود إن وقعت على الرأس خرجت من الدبر وإن وقعت من جانب خرجت من الجانب الآخر وأن الله تعالى بعث ريحاً فزادتها شدة.

 

{ مِّن سِجِّيلٍ } نعت حجارة والسجيل الطين المتحجر وهو معرب سنككل بذلك المعنى وقيل من السجل بالكسر وهو الدلو الكبيرة أي كأَنها ماء مصبوب متتابع من الدلو ففيه على هذا استعارة مكنية وتخييلية وقيل من الإسجال بمعنى الإرسال أي من مثل شيءٍ مرسل وهو في ذلك كله للابتداءِ، وقيل المعنى من العذاب المكتوب والسجل بمعنى الكتابة فتكون للتبعيض.

-------------------------------------

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ } كتبن.

 

{ مَّأْكُولٍ } أكلته الدواب وخرج من بطونها روثاً شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاءَ الروث وزعم بعض أنه جعلهم في الهوان كعصف أكلته الدواب وراثته لا يدفنون، وقيل كورق أكله السوس في الهوان أو باطن أجسادهم خال بأَكل الحجر له وظاهرها سالم.

 

أو المراد الخلو عن الروح، والصحيح ما ذكرت أولا ويقال لما جاءَوا لهدم حجارة الكعبة رموا بالحجارة ولما حملهم على ذلك تلطيخ الكناني قبلة كنيستهم بالعذرة جعلهم كالروث أو لما حملهم على ذلك إحراقها بنار العرب التي أججوها وحملتها الريح رموا بحجارة حارة تأكل باطنهم فكأَنه قيل أنتم أهل لما فعل بكم من هدم أجسادكم ورميها بالحجارة وتلطيخ كنيستهم وتحريقها اللهم افعل بنا من الخير ما أنت أهله ولا تفعل بنا من الشر ما نحن أهله، استغفر الله الرحمن الرحيم من كل ذنب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.