تفسير صـفات المؤمنين :

قوله في سورة المؤمنون :

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) يعني : قد سعد المصدقون ، ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال :

(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) يعني : متواضعين ، من لا يعرف من عن يمينه ، ولا عن شماله ، ولا يلتفت من الخشوع لله .

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) يعني : الباطل والكذب معرضون .

(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ ) يعني : زكاة الأموال (فَاعِلُون) .

كقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) يعني : يزكي ماله من جميع ما افترض الله عليه .

(وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) . ثم قال :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) يعني : عن الفواحش ، ثم قال :

(إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) يعني : ولائدهم .

(فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) يعني : لا يلامون على جماع أزواجهم وولائدهم .

ثم قال :

(فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) يعني : طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد ، وما لا يحل له

(فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) يعني : المعتدين في دينهم ، والله لا يحب المعتدين .

وذكر قوم لوط فقال : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) .

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ) يعني : ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس .

(وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) يعني : حافظين يؤدون الأمانة ، وجميع الحقوق التي أوجب الله عليهم ، ويوفون العهد (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ....) . (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) يعني : يقومون بها بالحق ، ولا يكتمون الشهادة إذا ما دعوا لها .

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) يعني : يحافظون عليها في مواقيتها . ثم أخبر فقال :

(أُولَئِكَهُمُ الْوَارِثُونَ ) ثم بين ما يرثون فقال :

(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) يعني : الجنة ، والجنة بلسان الرمية الفردوس . (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) يعني : لا يموتون .

نضيرها في ( سأل سائل ) قوله :

(إِلَّا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) يعني : دائمون على الصلاة بالليل والنهار ، بوضوء تام في مواقيتها ، لا يدعونها .

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) يعني ك مفروضاً (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .

قال : كان فقراء أصحاب الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة رجل أو ما شاء الله ، لم يكن لهم سهم في الخُمس ، ولا في الفيئ ، فسموا : المحروم ، فأمر الله المسلمين أن يتصدقوا عليهم ، ثم نسخت آية الصدقات المحروم .

ويوفون بالعهد (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ) يعني : يقومون بها في الحق ، فلا يكتمون الشهادة إذا دعوا لها .

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) يعني : في مواقيتها ثم ذكر ثوابهم فقال :

(أُولَئِكَ) الذين ذكروا في هؤلاء الآيات (فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) .

وقوله في سورة الذاريات :

(إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) في أعمالهم ، ثم نعتهم فقال :

(كَانُوا قَلِيلاً) ثم وصف أعمالهم فقال :

(مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) يعني : ما ينامون .

(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) يعني : يصلون .

قال : ينامون أول الليل ، ويصلون آخر الليل ، يعني : التطوع .

وكقوله في سورة آل عمران :

(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) يعني : المصلين بالأسحار .

(يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) ويتضرعون مع التوبة .

(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) .

وفي سورة الفرقان قوله :

(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) ( الجاهلون ) يعني : السفهاء من الكفار ( قالوا سلاما ) يعني : ردوا معروفاً ، يعني : الحق من أنفسهم (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) يعني : يصلون الليل وهم في ذلك ( سجداً وقياماً ) .

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) يعني : من يعمل بطاعته ن فيقر بذلك .

(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) يقول : إجعلنا أئمة في الخير يقتدى بنا مما يوافق السنة ، فأخبر الله بثوابهم فقال :

(أُولَئِكَ) يعني : ذكروا في هؤلاء الآيات . (يُجْزَوْنَ) في الآخرة (الْغُرْفَةَ) يعني : الجنة (بِمَا صَبَرُوا) على أمر الله .

(وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) يعني : تتلقاهم الملائكة بتحية وسلام .

(خَالِدِينَ فِيهَا) يعني : لا يموتون . (حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً) يعني : مستقرهم في الجنة (وَمُقَاماً) يعني : مقام أهل الجنة .

قوله في سورة الأحزاب :

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ) يعني : المخلصين من

[الرجال] والمخلصات من النساء .

(وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يعني : والمصدقين ، والمصدقات .

(وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) يعني : المطيعين لله ، والمطيعات .

(وَالصَّادِقِينَ) يعني : في إيمانهم (وَالصَّادِقَاتِ) .

(وَالصَّابِرِينَ) يعني : على أمر الله تبارك وتعالى (وَالصَّابِرَاتِ) نضيرها في آل عمران :

(الصَّابِرِينََ) يعني : على أمر الله (وَالصَّادِقِين) في إيمانهم .

(وَالْقَانِتِين) يعني : المطيعين فيما أمرهم من أمره .

(وَالْمُنْفِقِينَ) يعني : الأموال .

ثم رجع إلى سورة الأحزاب فقال :

(وَالْخَاشِعِينَ) يعني : المتواضعين لله في الصلاة وغيره ، من لا يعرف من عن يمينه ، ومن عن شماله ، ولا يلتفت من الخشوع لله .

(وَالْخَاشِعَاتِ . [وَالْمُتَصَدِّقِين] ) يعني : من أموالهم حق لله

(وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ) من الرجال والنساء ، يعني : من صام شهر رمضان الذي أوجب الله عليه فهو من أهل هذه الآية .

(وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ) يعني] عن الفواحش (وَالْحَافِظَاتِ) يعني : من جميع الزنا يحفظون فروجهم . [ (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ) ] ثم أخبر بثوابهم فقال :

(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ) يعني : ما ذكر في هذه الآية (مَغْفِرَةً) يعني : لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) يعني : جزاءً وافراً في الجنة .

وقال في براءة :

(التَّائِبُونَ) يعني : من جميع الذنوب .

( الْعَابِدُونَ) يعني : يلزمون جميع طاعات الله .

(الْحَامِدُونَ ) يعني : لله (السَّائِحُونَ) يعني : الصائمين .

( الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) يعني : بتوحيد الله ، وجميع طاعته .

(وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) يعني : عن الكفر ، وجميع المعصية

( وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني : وبشر الصادقين بما وعد الله في هؤلاء الآيات التي في سورة براءة قوله :

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) وقوله في سورة ( هل أتى على الإنسان ) :

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ً) يعني : حب الطعام يطعمون مسكيناً ، يعني : من المسلمين . (وَيَتِيما وَأَسِيراً) يعني : من المشركين ، ثم نسخت آية

السيف الأسير من المشركين .

(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) يعني : نطعمكم لله .

(لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً) يعني : لا نريد أن تجازونا به في الدنيا .

(وَلا شُكُوراً) يعني : ولا تحمدونا عليه .

(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا) يقول : إنما نطعمكم مخافة من ربنا .

(يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) يعني : كلوحاً ، يوم القيامة تعبس فيه الوجوه من الهول (قمطريراً) يعني : يتقبض فيه الجبين وما بين الأعين من الهول .

فأخبر الله بثوابهم وأمنهم في ذلك اليوم الذي يخافونه قال : (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ[ نَضْرَةً] وَسُرُوراً) يعني : الحسن والبهاء في الوجه ، وسروراً يعني : فرحاً في قلوبهم . ثم ذكر ثوابهم فقال :

(وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا) على أمر الله (جَنَّةً وَحَرِيراً) إلى قوله (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) .

ووصفهم في سورة البقرة قوله :

(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) أنهم حق ، ثم ذكر الأعمال قال :

(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) يعني : وأعطي المال على حبه ، وأعطي (ذَوِي الْقُرْبَى) يعني : قرابته .

( وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) يعني : الضيف إذا نزل عليك .

(وَالسَّائِلِينَ) وأعطى السائلين ، وأعطى (وَفِي الرِّقَابِ) يعني : فكاك الرقاب ، ثم ذكر الفرائض فقال :

( وَأَقَامَ الصَّلاةَ) يعني : أتم المكتوبة بوضوء تام في مواقيتها .

(وَآتَى الزَّكَاةَ ) يعني : وأعطى الزكاة المفروضة طيبة بها نفسه .

(وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) فيما بينهم وبين الناس .

(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ) يعني : في البؤس والفقر .

(وَالضَّرَّاءِ ) يعني : في البلاء والشدة .

(وَحِينَ الْبَأْسِ ) يعني : عند القتال ، هم الصابرون على أمر الله وطاعته ، ثم نعتهم فقال :

(أُولَئِكَ) يعني : الذين فعلوا ما ذكر في هذه الآيات .

(الَّذِينَ صَدَقُوا) يعني : في إيمانهم (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) يعني : في يتقون الله في جميع المعصية .

وقوله في سورة الرعد :

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ . وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من جميع إيمانهم بالنبيين ، وبالكتب كلها يلزمون طاعة الله (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) في قطيعة ما أمر الله به أن يوصل .

(وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ . وَالَّذِينَ صَبَرُوا) يعني : على أمر الله .

(ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ) يعني : أتموها .

(وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) يعني : من الأموال (سِرّاً وَعَلانِيَةً) يعني : من حق الله وطاعته .

(وَيَدْرَأُونَ) يعني : ويدفعون (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) يعني : يردون معرفاً خيراً على من يسئ إليهم ، ثم ذكر ما أعد لهم فقال :

(أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) يعني : دار الجنة ، ثم نعت فقال :

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) يدخلون معهم ، ثم قال :

(وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) مقدار كل يوم ثلاث مرات أو ما شاء الله ، من أيام الدنيا ، معهم التحية من الله .

لهم من جنة عدن ، ليس في جناتهم ، فذلك قوله :

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) .

ويخبرون أن الله عنهم راض ، فذلك قوله في سورة براءة :

( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) يعني : إذا أخبروا أن الله عنهم راض ، فهذا أكبر عندهم من التحية والسلام ، ويقولون لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) يعني : على أمر الله (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) يعني : الجنة .

عن جابر أنه كان يقول في بعض مواعظه :

(( أعف عن محارم الله تكن عابداً ، وارض بما قسم الله لك تكن غنياً ، وأحسن مجارة من جاورك من الناس ، وأد الحق من نفسك للناس تكن مسلماً ، وصاحب الناس بالذي أن يصاحبك به تكن عدلاً ، وإياك وكثرة الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب .

وإنه قد كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً ، ويأملون بعيداً ويبنون مشيداً ، فأين هم قد أصبحوا ؟

أصبح جمعهم بواراً ، وأصبحت مساكنهم قبوراً ، وأصبح أملهم غروراً )) ، وقد وصف المؤمنين فقال :

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً . وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً) .

وقال : (سَابِقُوا) إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ [ اللَّهِ ] ( يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .

وقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .

وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي [يُصَلِّي] عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً . تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) .

فالمؤمنين عند الله بهذه المنزلة عليهم الصلوات من الله وحق عليهم رحمته ، ومن زعم أن الله يعذب المؤمنين ، فإن الله جعل النار للكافرين فقال :

( النَّارَ [الَّتِي] وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) . وقال : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) . ولم يقل : وإن جهنم لمحيطة بالمؤمنين ، ولم يقل : النار وعدها الله الذين آمنوا ، ولكن قال وقوله الحق : ( النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .

 

وقال : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) . وأعلموا أن ليس بينهما منزلة ، لأن الله قال :

( تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) .

 

( لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) . ثم ذكر منزلة الناس في الآخرة حين ضرب الله بالسور فيمز بين أهل الأقرار حيث قال : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا ؟ بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ).

وذلك لمن ضيّع النور في الدنيا ( ينادون ألم نكن معكم ) ؟ أفلا نرى أن ظاهر السور فيه المنافقون ، وباطنه فيه المؤمنون ، ولو كان مع المنافقين أحد من المؤمنين كان أقرب من المؤمنين وأحد أن ينادى : ألم نكن معكم ؟ ليس فيه من المؤمنين أحد ينادي ويتكلم ، إنما ينادي المنافقون المؤمنين ، ولو عذب الله أحداً من المؤمنين لوصفهم عند تمييزه إياهم عند السور ، ولكن الله ميزّ بينهم وبين المنافقين .

فذكرك الله تثبت لعدو الله الاسم الذي حكم الله عليه اسم النفاق ، ولا يتولى المنافقين أحد . فإن الله قال : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) .

وقال : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) .

وقال : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) . (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) . وليس بين الوفاء بعهد الله ، وبين النقض منزلة ، ولا بين الكفر والإيمان منزلة ، ولا بين الثواب والعقاب ، وبين الجنة والنار منزلة ينزلها أحد من الخلائق .

فاخبر الله بولاية المؤمنين ، ومن يتولهم فقال :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) .

ثم أخبر أن كل ولاية وإخاء منقطع إلاّ ولاية المؤمنين وإخاءهم حيث يقول : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) .

(يَا عِبَادِيَ) يعني : الذين آمنوا .

( لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) . (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) .

( إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ . لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) .

فقد حذر الله المؤمنين ولاية الكافرين حيث يقول :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) .

 

وقال : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) .